حكم تسييد وتعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان والإقامة
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية إن جمهور العلماء والمحققين من أتباع المذاهب الفقهية المعتمدة ذهبوا إلى استحباب اقتران اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة في الأذان والإقامة والصلاة؛ إذ لا فرق في ذلك بين النداء والذِّكْر، ولا بين داخل الصلاة وخارجها، بل مراعاة الأدب معه صلى الله عليه وآله وسلم في النداء والصلاة، وهذا ما عليه الفتوى؛ فالأدب مقدم دائمًا معه صلى الله عليه وآله وسلم.
وهناك من الفقهاء من قال بالالتزام بما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم من صيغة ليس فيها ذكر لفظ السيادة، وما دام في المسألة خلاف، فالأمر فيها واسع، والتنازعُ مِن أجل ذلك لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الأذان فسنةٌ ثابتةٌ في الأحاديث الصحيحة، ورد الأمر بها على إطلاقه، ولم يأت نص يوجب الجهر أو الإسرار بها، وإذا شرع الله سبحانه وتعالى أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثر من وجه فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته، ولا يصح تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل.
وأوضحت الإفتاء أن خير ما يقال في هذا المقام هو ترك الناس على سجاياهم؛ فمن شاء صلى بما شاء كما شاء، ومن شاء ترك الجهر أو اقتصر على الصيغة التي يريدها، والعبرة في ذلك حيث يجد المسلم قلبه، وليس لأحد أن ينكر على أحد في مثل ذلك ما دام الأمر فيه واسعًا.
حكم تسييد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان والإقامة
قالت الإفتاء إن الله تعالى علمنا الأداب مع سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حين خاطب جميع النبيين بأسمائهم، أما هو فلم يخاطبه باسمه مجردًا بل قال له: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ﴾ [المائدة: 41] ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ [الأنفال: 64]، وأمرنا بالأدب معه وتوقيره فقال: ﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۞ لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح: 8-9].
وقال سبحانه: ﴿لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضًا﴾ [النور: 63]، قال قتادة: أَمَرَ الله عَزَّ وَجَلّ أنْ يُهَابَ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَنْ يُبَجَّلَ وَأَنْ يُعَظَّمَ وَأَنْ يُسَوَّدَ. أخرجه ابن أبي حاتم وغيره في التفسير.
نصوص العلماء الواردة على استحباب تقديم لفظ سيدنا قبل اسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ورد عن أهل الحديث: الإمام المجتهد إسحاق بن راهويه؛ كما نقله الإمام أبو بكر بن المنذر في كتابه "الأوسط" (5/ 443، ط. دار طيبة، الرياض) -من استحباب تسويد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة عليه في صلاة الجنازة- فقال: [وقال إسحاق: إذا كبر الثانية صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأحب الصلاة إلينا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما وصفه ابن مسعود؛ لأنه أجمل ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن يقول: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلاتَكَ وَبَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى إِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينّ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ، اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مقامًا محمودًا، يغبطه الأولون والآخرون..] اهـ.
وورد عن الحنفية: العلّامة علاء الدين الحَصْكَفي؛ حيث يقول في "الدر المختار شرح تنوير الأبصار" (1/ 71، ط. دار الكتب العلمية): [ونُدِبَ السيادةُ؛ لأن زيادة الإخبار بالواقع عَينُ سلوك الأدب؛ فهو أفضل مِن تركه. ذكره الرملي الشافعي وغيره، وما نُقِل لا تُسَوِّدُونِي في الصَّلاةِ فكذِبٌ، وقولُهم: لا تُسَيِّدُوني بالياء لحنٌ أيضًا، والصواب بالواو] اهـ. وقرر ذلك العلامة ابن عابدين في "حاشيته" عليه، ورد اعتراض مَن ادَّعى مخالفة ذلك لمذهب الحنفية.
- ومن المالكية: الإمام العارف بالله تعالى أبو الفتح ابن عطاء الله السكندري؛ حيث يقول في "مفتاح الفلاح": [وإياك أن تترك لفظ السيادة؛ ففيها سرٌّ يظهر لمَن لازم هذه العبادة] اهـ.
- ومن الشافعية: قال العلامة الجلال المحلي: الأدب مع مَن ذُكِرَ مطلوبٌ شرعًا بذكر السيد؛ ففي حديث "الصحيحين": «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكم»؛ أي سعد بن معاذ، وسيادتُه بالعلم والدين، وقول المصلي: اللهم صَلِّ على سيدنا محمد فيه الإتيان بما أُمِرنا به، وزيادةُ الإخبار بالواقع الذي هو أدب، فهو أفضل مِن تركه فيما يظهر من الحديث السابق، وإن تردد في أفضليته الشيخ جمال الدين الإسنوي، وذَكَر أنّ في حفظه قديمًا أنّ الشيخ ابن عبد السلام بناه على أنّ الأفضل سلوك الأدب أو امتثال الأمر، وأما حديث «لا تُسَيِّدُوني في الصلاة» فباطل لا أصل له كما قاله بعض متأخري الحفاظ. اهـ. يراجع: "الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود" (ص: 134).
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: النبي على النبی صلى الله علیه وآله وسلم صلى الله علیه وآله وسلم فی ه صلى الله علیه وآله وسلم فی الصلاة
إقرأ أيضاً:
الإفتاء: حب الأوطان غريزة فطرية وقدوتنا فيه رسول الله
قالت دار الإفتاء المصرية أن حب الأوطان غريزة فطرية راعاها الشرع وأكد عليها، لذا أمر بالمحافظة على سلامة الأوطان بحيث يكون نابعًا من شعور الإنسان بالانتماء إليه وحنينه إلى المكان الذي ترعرع فيه وأصبحت له فيه ذكريات تربطه بمَن نشأ بينهم من أهل وأحباب.
مفهوم الوطن
وضحت الإفتاء أن الوطن لغة هو المَنْزِلُ تقيم به، وهو مَوْطِنُ الإنسان ومحله، والجمع أَوْطان، وأَوْطانُ الغنم والبقر: مَرَابِضُها وأَماكنها التي تأْوي إليها. ووَطَنَ بالمكان وأَوْطَنَ: أَقام. وأَوْطَنَهُ: اتخذه وَطَنًا، يقال: أَوْطَنَ فلانٌ أَرض كذا وكذا، أَي اتخذها محلًّا ومسْكَنًا يقيم فيها.
فالوطن: هو الأرض التي يعيش عليها مجموعة من الناس وينتسبون إليها نسبة تشبه نسبتهم لآبائهم وأجدادهم وقبائلهم، فيقال: فلان بن فلان المصري نسبة إلى مصر، أو المكي نسبة إلى مكة المكرمة وهكذا، وحب الوطن معنًى فطري غريزي نابع من شعور الإنسان بالانتماء إليه وحنينه إلى المكان الذي ترعرع فيه وأصبحت له فيه ذكريات تربطه بمن نشأ بينهم من أهل وأحباب.
حب الأوطان فطرة الإنسان
وتابعت الإفتاء في بيانها عن حب الوطن، أنه غريزة جُبلت عليها النفس البشرية السوية، ولقد ضرب رسول الله صلى لله عليه وآله وسلم أروع الأمثلة في حب الوطن؛ حيث تأسف على إخراجه من وطنه ومكان مولده (مكة المكرمة)؛ فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج بمكة؛ حتى إذا كان بمكان قد سمَّاه قال: «وَالله إِنَّكَ لَخَيْرُ أَرْضِ الله وَأَحَبُّهُ إِلَى الله تَعَالَى، وَلَوْلَا أَنِّي كُنْتُ أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ».
كما عبَّر صلى الله عليه وآله وسلم عن حنينه إلى هذا الوطن بنفس العبارة مرة أخرى، فقال وهو مشاهد أطلال مكة يوم الفتح: «وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ».
وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمكة: «مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ» أخرجه الترمذي في "جامعه".
بل إنَّه صلى الله عليه وآله وسلم حينما هاجر إلى المدينة لم ينسَ مكة، بل زاد شوقه إليها، ودعا ربه أن يحبب إليه المدينة كما حبب إليه مكة، فجاء في الحديث "المتفق عليه" واللفظ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ».