عربي21:
2024-12-04@08:52:35 GMT

مسالك مقاصد الشريعة عند الإمام الشاطبي.. قراءة معاصرة

تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT

مسالك مقاصد الشريعة عند الإمام الشاطبي.. قراءة معاصرة

نظرية المقاصد هي واحدة من أبرز الإسهامات الفكرية في الفقه الإسلامي، وقد تطورت بشكل كبير من خلال جهود علماء بارزين مثل الإمام الشاطبي والشيخ الطاهر بن عاشور.
فقد أصل  الإمام الشاطبي (ت 790هـ) لنظرية المقاصد كركيزة أساسية للشريعة، فهو هو أول من وضع الأسس الفكرية لنظرية المقاصد بشكل شامل في كتابه "الموافقات".

ويرى أن الشريعة الإسلامية وُضعت لتحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة.

وقسّم المقاصد إلى ثلاث مراتب:  الضروريات: الأمور التي لا تستقيم الحياة بدونها، كالدين، النفس، العقل، النسل، والمال.
الحاجيات: ما يُرفع به الحرج عن الناس ويُيسّر حياتهم.
التحسينيات: الأمور التي ترتقي بحياة الإنسان إلى مستوى الكمال والجمال.

وركّز على ضرورة أن يُراعي المجتهد مقاصد الشريعة في فهم النصوص واستنباط الأحكام، مشيرًا إلى أن الغفلة عن المقاصد قد تؤدي إلى تعطيل روح الشريعة.

أما  الطاهر بن عاشور (ت 1973م)، فقد وسّع نطاق المقاصد في كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية"، محاولًا إبرازها كمنهج شامل يصلح للتعامل مع المستجدات في العصر الحديث.

ورأى أن المقصد العام للشريعة هو "حفظ نظام الأمة وضمان استمرارها بتحقيق الصلاح في الدنيا والآخرة". هذه الرؤية أضافت بعدًا اجتماعيًا وتنمويًا لنظرية المقاصد.

ودعا بن عاشور إلى استخدام نظرية المقاصد في مواجهة القضايا المعاصرة، مثل قضايا التنمية، حقوق الإنسان، والمساواة. وقد ركّز على أن المقاصد يجب أن تكون موجهة للإصلاح وتيسير حياة الناس.

وأضاف بن عاشور مقاصد مثل الحرية والعدالة كأهداف أساسية للشريعة، مما يُظهر عمق تفكيره في توسيع المفهوم التقليدي للمقاصد.

الكاتب والمفكر التونسي الدكتور عبد المجيد النجار وهو أحد المفكرين والباحثين في مجال الفقه والفكر الإسلامي المعاصر، ويعتبر من المساهمين في تأصيل الاجتهاد المقاصدي كمنهج للتعامل مع النصوص، ومؤكدا على أهمية النظر إلى مقاصد الشريعة لتحقيق المصلحة العامة، يقدم في هذه السلسلة من المقالات التي تنشرها "عربي21" بالتزامن مع نشرها على صفحته على منصة "فيسبوك"، مسالك المقاصد عند ابن عاشور.. مقارنة بالإمام الشاطبي.

3 ـ منهج الكشف عن مقاصد الشريعة عند الشاطبي:

عقد الشاطبي فصلا في خاتمة الجزء الذي خصصه للمقاصد ترجم له بقوله "فصل في بيان ما يعرف به مقصود الشارع من تشريع الأحكام"، وقد جعله خاتمة لأنه اعتبر ما جاء فيه كالتلخيص المنظم لما جاء مبثوثا من المعاني والبيانات الجزئية في أثناء الكتاب، فقام هذا الفصل مقام التنظير لكتاب المقاصد، وهو ما عبر عنه المؤلف في فاتحة الفصل بقوله: "لا بد من خاتمة تكر على كتاب المقاصد بالبيان، وتعرّف بتمام المقصود فيه بحول الله، فإن للقائل أن يقول: إن ما تقدم من المسائل في هذا الكتاب مبني على المعرفة بمقصود الشارع، فبماذا يعرف ما هو مقصود له مما ليس بمقصود له؟".

وبعد تقرير المنهج العام الذي اختاره في البحث عن المقاصد، والذي يجمع كما مر بيانه بين اعتبار اللفظ والمعنى معا بحيث لا يخلّ أحدهما بالآخر، يعرض مسالك أربعة يتم بها تبين المقاصد وتمثلها، وهي التالية:

المسلك الأول:

تبين المقصد الإلهي من مجرد الأمر والنهي الواردين في النصوص، فالأمر دال بذاته على أن المقصد الانتهاء عن المنهي عنه، وقد قال الشاطبي في التعقيب على هذا المسلك: إنه وجه ظاهر عام لمن اعتبر مجرد الأمر والنهي من غير نظر إلى علة، ولمن اعتبر العلل والمصالح.

وقد وضح الشاطبي هذا المسلك بقيدين: أولهما أن يكون الأمر أو النهي ابتدائياً احترازا من المقصود بالقصد الثاني كالنهي عن البيع في قوله تعالى: (الجمعة،9). وثانيهما أن يكون تصريحيا احترازا من الأمر الذي لا يتم الأمر إلا به، أو الأمر بخلاف المنهي عنه. إلا أنه مع هذا التوضيح يبقى هذا المسلك مفتقرا إلى البيان وإلى معالجة جملة من القضايا التي تتعلق به.

لقد تضمن هذا المسلك أن وقوع الفعل مقصد شرعي يتوصل إلى معرفته بمجرد الأمر، وهو ما يطرح بعض التوقفات؛ ذلك لأن هذا المعنى لا يكون صحيحا مطلقا إلا في صورته المجردة إذا ما نظرنا إلى مقتضى الأمر وهو الوقوع بقطع النظر عن تحققات هذا الوقوع، أما إذا نظرنا إلى هذه التحققات فهل يصح القول بأن كل تطبيق فعلي للأمر هو في ذاته مقصود للشرع والحال أننا نجد أفرادا من تطبيقات الأوامر تكون مناقضة لمقصود الشارع، أو على الأقل غير محققة له؟ وذلك كما إذا طبق مقتضى الأمر بقطع يد السارق في حالة المجاعة، وهو ما يجعلنا نتساءل: هل وقوع الفعل الذي يقتضيه الأمر مقصد شرعي في ذاته، أم إن المقصد الشرعي هو ما يحققه ذلك الوقوع فلا يكون إذاً الوقوع مقصداً إذا لم يؤدّ إلى ثمرته؟

إن هذه التوقفات جديرة بالبيان في سياق هذا المسلك من قبل الشاطبي، وعدم بيانها يجعلنا نلجأ إلى التقدير في تبين مقصوده منها. فلعله قصد بما ذكر أن مقصد الشارع من ظاهر الأمر هو إيقاع المأمور به من جهة الانصياع للأمر الإلهي والتسليم له، وهو مقصد عام لا تنقضه جزئيات من التحققات قد لا تكون مؤدية إلى مقصد من المقاصد القريبة فتؤخذ حينئذ بعين الاعتبار ظروف وملابسات الوقوع من تلك الجهة، فإذا ما لم يتحقق وقوع مقتضى الأمر في هذه الحالة لم يقع الإخلال بهذا المقصد العام الذي هو الانصياع، لأن عدم الوقوع ليس متجها بالنقض إلى الانصياع بل لتحقيق مقصد آخر قريب، كمثل عدم وقوع القطع في عام المجاعة.

وعلى أية حال فإن هذا المسلك الذي رسمه الشاطبي إذا كان ينقصه البيان كما ذكرنا فإن فيه تحوطا ظاهرا من أن يقع الإخلال في إيقاع مقتضى الأمر والنهي تعللا في ذلك بأن المصلحة ( أي المقصد الشرعي) لا تكون في ذلك الإيقاع بل تكون في عدمه، وهو مسلك الباطنية قديما، ومسلك الدعاة إلى تعطيل النصوص حديثا، ففي جعل مجرد الإيقاع مقصدا شرعيا قطع لهذه الذريعة.

المسلك الثاني:

هو أن لا يقتصر على مجرد الأمر والنهي بل يتعدى ذلك إلى اعتبار العلل في الأمر والنهي، فيقع البحث عن هذه العلل لتعيينها بمسالك العلة المعلومة في أصول الفقه، فإذا ما عرفت عرف بها مقصد الشرع فيقع العمل بمقتضاها أينما وجدت. أما إذا لم تعلم بعد البحث والاجتهاد فإن المقصد الشرعي يبقى غير معلوم تبعا لذلك، وفي هذه الصورة: إما أن يؤدي النظر إلى التوقف عن تعيين مقصد الشرع لعدم توفر الدليل عليه فيقع المزيد من البحث للظفر بالدليل وغالبا ما يكون هذا في المعاملات، وإما أن يؤدي النظر إلى التوقف عن تعيين المقصد مع الجزم بأن الحكم المنظور فيه لا ينبغي تعديته إلى غيره مما ليس فيه حكم، لأن المقصد وإن لم يعلم في ذاته فإنه يعلم أنه ليس مرادا في غير محله، وغالبا ما يكون هذا في العبادات.

إن المقاصد منها الأصلي ومنها التابع المؤكد له، مثل التناسل فهو مقصد أصلي للنكاح، والسكينة والتعاون مقصد تابع يؤكده، وإذا ما كان المقصد الأصلي معلوما فإن المقاصد المؤكدة له وهي الأكثر وجودا في واقع الأحكام تعرف بمقايستها بالمقصد الأصلي، فما كان مؤكدا له مقويا لحكمته فهو مقصد شرعي، وما كان مناقضا فهو ليس بمقصد شرعي،ومن البيّن أن هذا المسلك يرجع إلى ما عرف عند الأصوليين بمسالك العلة، فتلك المسالك تصبح طرقاً لاستكشاف مقصد الشريعة، إلا أنه مما يلفت الانتباه أن الشاطبي لم يجعل في هذا الصدد علل الأحكام المبحوث عنها مقاصد في ذاتها، والحال أنها في الحقيقة مقاصد وإن تكن مقاصد قريبة، بل جعلها كالعلامة على المقاصد، أما المقاصد في ذاتها فهي مقتضى العلل من إيقاع الفعل أو عدم إيقاعه، وهذا ما يوافق ما جاء في المسلك الأول من اعتبار المقاصد في إيقاع الأفعال أو عدم إيقاعها وجعل مجرد الأمر والنهي طريقا لمعرفتها.

المسلك الثالث:

إن المقاصد منها الأصلي ومنها التابع المؤكد له، مثل التناسل فهو مقصد أصلي للنكاح، والسكينة والتعاون مقصد تابع يؤكده، وإذا ما كان المقصد الأصلي معلوما فإن المقاصد المؤكدة له وهي الأكثر وجودا في واقع الأحكام تعرف بمقايستها بالمقصد الأصلي، فما كان مؤكدا له مقويا لحكمته فهو مقصد شرعي، وما كان مناقضا فهو ليس بمقصد شرعي، فبهذا المسلك يعلم مثلا أن نكاح المتعة ونكاح التحليل للمطلقة ثلاثا لا يتحقق فيهما مقصد شرعي، لأنهما ينقضان المقصد الأصلي المعلوم من النكاح، وهو مقصد التناسل واستدامة التراحم والمعاشرة .

إن هذا المسلك هو بعينه ما بحثه الأصوليون في قضية المناسب، إذ المناسب ليس إلا وصفا في الأفعال يكون مناسبا ومتسقا ومحققا لتصرفات الشارع فكأنما هو مقصد فرعي بإزاء المقاصد العامة.

المسلك الرابع:

هو مسلك تعرف به مقاصد الشريعة في عدم الفعل لا في الفعل، وذلك أنه إذا سكت الشرع عن حكم مع وجود معنى يقتضي ذلك الحكم، يكون ذلك السكوت مسلكا يعلم منه أن مقصد الشارع في عدم ذلك الحكم المظنون بالمعنى الذي يقتضيه. ومثال هذا المسلك سجود الشكر على مذهب مالك، فلما كان الشارع ساكتا عن تشريع السجود شكرا لله على نعمة تحل بالإنسان، مع توفر المعنى الداعي لهذا السجود علم من ذلك أن مقصد الشريعة عدم السجود، ويعتبر السجود بذلك زيادة في الدين ..ومثال ذلك أيضا سكوت الرسول صلى الله عليه وسلم (أي عدم عمله) عن الزكاة في الخضر والبقول مع قيام المعنى الداعي لذلك باعتبار مشابهتها لسائر المنتوجات الزراعية، فهو مسلك يعلم به أن عدم الزكاة فيها مقصد شرعي، وإجراء الزكاة زيادة في الدين، فذلك كله دل كما نص عليه الشاطبي، "على أن وجود المعنى المقتضي مع عدم التشريع دليل على قصد الشارع إلى عدم الزيادة على ما كان مقصودا، فإذا زاد الزائد ظهر أنه مخالف لقصد الشارع فيبطل".

لقد ارتقى الشاطبي بهذا المبحث الذي تعرض له الأصوليون كمسألة جزئية إلى أن جعله مسلكا قائما لمعرفة مقاصد الشريعة ليجعله أساسا لمقاومة البدعة، وهو الرجل الذي عرف بمقاومته للبدع، فقد رأى أن أكثر البدع تأتي من الظن بأن ما سكت الشارع عن الحكم فيه مع قيام المعاني الداعية إليه تتنزل منزلة الأفعال المقصودة فتقام عليها الأحكام وتبنى عليها الأفعال. وهذا المسلك في معرفة المقاصد هو الذي كان أساسا يدور عليه تفصيل القول في البدع في الكتاب الذي خصصه الشاطبي لذلك وهو كتاب "الاعتصام"، ولما كان هذا المسلك يشبه أن يؤدي إلى حرج متمثل في أن ما يؤدي إليه من عدم اعتبار المقاصد فيما سكت عنه الشرع يتناقض مع القول بالمصلحة المرسلة التي هي عمدة من عمد المالكية في استنباط الأحكام عقد الشاطبي في "الاعتصام" باباً عظيم الفائدة ترجم له بقوله: "الباب الثامن في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان". بين فيه الفرق بين البدعة التي تنشأ عن إهمال هذا المسلك في معرفة مقاصد الشريعة وبين المصالح المرسلة التي تبنى على ما يناسب التصرف العام للتشريع.

إقرأ أيضا: مسالك المقاصد عند ابن عاشور.. مقارنة بالإمام الشاطبي.. مقدمات أولية

إقرأ أيضا: مقاصد الشريعة بين ظاهر النص وباطنه.. مقارنة بين ابن عاشور والإمام الشاطبي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير المقاصد أصول الدين دين أصول مكانة مقاصد سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مقاصد الشریعة المقاصد فی مقاصد فی ما کان إذا ما

إقرأ أيضاً:

حكم من صلى على الجنازة وهو جنب .. اعرف آراء الفقهاء

ما حكم من صلى على الجنازة وهو جنب؟ إن الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر شرط من شروط صحة الصلاة فإن كان «بغير قصد» أي غير علم بهذا الحكم أو ناسياً لا إثم عليه في صلاته على الجنازة وهو متلبس بالحدث الأكبر، وأما إن كان عالماً بالحكم ذاكراً أنه على جنابة فقد ارتكب محظوراً بهذا العمل، وعليه التوبة إلى الله عز وجل وصلاته باطلة على كل حال.


 

حكم صلاة الجنازة إذا صلى الإمام وهو على جنابة


قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية السابق، إنه إذا قُدِّمَ الإمام للصلاة على الجنازة حال كونه ناسيًا لجنابته، فصلى بالناس، ولم يتذكر الجنابة إلا بعد الفراغ من الصلاة والعودة من الدفن؛ فقد بطلت صلاتُه وَحْدَهُ، أما صلاة المأمومين خلفه؛ فصحيحةٌ شرعًا، ولا إعادة عليهم؛ سواءٌ كان الإمام عالمًا بجنابته، أو ناسيًا لها، ولا حرج عليهم -وهذا مذهب جمهور الفقهاء-.

واستدل بما ورد "أَنَّ أمير المؤمنين عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُعِيدُوا" أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، ولكونه الأقرب لروح الشريعة، وما يتوافق مع مقاصدها العامة، والتي منها قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164].

اشتراط الطهارة لصحة صلاة الجنازة


من المقرر شرعًا أن الطهارة من الحدثين -الأكبر والأصغر- شرطٌ لصحة صلاة الجنازة؛ لعموم الأحاديث الواردة في ذلك؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» أخرجه الشيخان.

وعن أبي الْمَلِيحِ عامر بن أسامة الْهُذَلِيِّ، عن أبيه رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، والنسائي في "السنن الكبرى".

قال شمس الدين السفيري في "شرحه على صحيح البخاري" (2/ 263، ط. دار الكتب العلمية): [فائدة: في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» دليلٌ على بطلان الصلاة مع الحدث، وفيه دليل على أنه يحرم على المحدث حدثًا أصغر الصلاة، ولو كانت نفلًا، أًو صلاة جنازة] اهـ.

حكم من فاتته بعض التكبيرات مع الإمام في صلاة الجنازةوهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، واتفقت عليه نصوصهم:

قال العلامة الحدَّادِي الحنفي في "الجوهرة النيرة" (1/ 107، ط. المطبعة الخيرية): [ومن شرط صحة صلاة الجنازة: الطهارة، والستر، واستقبال القبلة، والقيام] اهـ.

وقال الإمام ابن رشد الحفيد المالكي في "بداية المجتهد" (1/ 257، ط. دار الحديث) عند ذكر شروط الصلاة على الجنازة: [واتفق الأكثر على أنَّ من شرطها الطهارة، كما اتفق جميعهم على أنَّ مِن شرطها القبلة] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 222، ط. دار الفكر): [اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يشترط لصحة صلاة الجنازة طهارة الحدث، وطهارة النجس في البدن، والثوب، والمكان] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (1/ 363، ط. دار الكتب العلمية) عند الكلام على شروط صلاة الجنازة: [ومن شرطها: الطهارة والاستقبال والنية؛ لأنها من الصلوات فأشبهت سائرهن] اهـ.

وقال أبو السعادات البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 134، ط. دار الكتب العلمية): [فصل: (ومَن أحدث حدثًا أكبر أو أصغر حرم عليه الصلاة)؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَقْبَلُ اللهُ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ طُهُورٍ» رواه مسلم. وهو يَعُمُّ الفرض، والنفل، والسجود المجرد كسجود التلاوة، والقيام المجرد كصلاة الجنازة] اهـ.

آراء الفقهاء في حكم صلاة الجنازة إذا صلى الإمام وهو على جنابة


قد اختلف الفقهاء في حكم صلاة الجنازة إذا صلى بهم الإمام ناسيًا أنه على غير طهارة؛ بأن كان محدثًا، أو على جنابة؛ هل تبطل صلاة المأمومين خلفه، أو لا؟

وسبب اختلافهم مبنيٌّ على كون صحة انعقاد صلاة المأموم؛ هل هي مرتطبةٌ بصحة صلاة الإمام، أو ليست مرتبطة؟ فمَن رآها مرتبطةً قال: صلاتهم فاسدة، ومَن لم يرها مرتبطةً قال: صلاتهم جائزة، وفرَّق بعضهم بين السهو والعمد بناءً على أصلهم في اشتراط اتحاد قصد الإمام مع المأموم؛ كما في "بداية المجتهد" للإمام ابن رشد الحفيد (1/ 166).

فذهب جمهور الفقهاء؛ من المالكية، والشافعية، والحنابلة: إلى صحة صلاة المأموم مطلقًا، ولا إعادة عليه، سواءٌ كان الإمام عالمًا بجنابته، أو ناسيًا لها؛ حيث لا تتوقف صحة انعقاد صلاة المأموم على صحة صلاة إمامه، ولأنه لا يجزئ عن المأموم فعل الإمام، فكذا لا تفسد صلاته بفساد صلاة إمامه؛ بدليل أن الإمام يُحْدِثُ في الصلاة فينصرف، ويبني المأموم ولا ينصرف، ولم تبطل صلاته ولا طهارته بانتقاض طهارة إمامه مع أنه مُتَّبِعٌ له. وقد روي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر رضي الله عنهم، وبه قال الحسن البصري، وسعيد بن جبير، والأوزاعي، وسليمان بن حرب، وأبو ثور.

فعن الشَّرِيدِ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه: "أَنَّ أمير المؤمنين عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُعِيدُوا" أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، والدارقطني في "السنن"، وابن أبي شيبة في "المصنف".

وعن محمد بن عمرو بن الحارث: أَنَّ أمير المؤمنين ذا النورَين عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَلَمَّا أَصْبَحَ نَظَرَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا، فَقَالَ: "كَبِرْتُ وَاللهِ؛ إِنِّي لَأَرَانِي جُنُبًا ثُمَّ لَا أَعْلَمُ!" ثُمَّ أَعَادَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُعِيدُوا. قال عبد الرحمن بن مهدي: سألت سفيان، فقال: سَمِعْتُهُ من خالد بن سلمة، ولا أجيء به كما أريد، وقال: وهذا المجمع عليه؛ الجنب يعيد، ولا يعيدون؛ ما أعلم فيه اختلافًا. أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، والدارقطني في "السنن".

قال الإمام أبو الوليد ابن رشد الجد المالكي في "البيان والتحصيل" (2/ 263، ط. دار الغرب الإسلامي): [مسألة: وسئل عن إمام جنازة صلى عليها وهو جُنُبٌ لم يشعر بجنابته حتى دفنت، وكيف إن علموا قبل أن تدفن بجنابته بعد دخولها اللحد؛ أَتُرَدُّ للصلاة عليها؟ قال ابن القاسم: أرى صلاتهم جائزةً ولا تُعاد، ألَا ترى أنَّ المكتوبة لو أنَّ رجلًا صلَّى بهم جُنُبًا ناسيًا، ثم سَلَّم فَعَلِمَ: أجزأت عنهم صلاتهم؛ فكذلك الجنازة إذا صُلِّي عليها: أجزأت عنهم صلاتهم عليها] اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (2/ 238، ط. دار الكتب العلمية): [قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا صلى الجنب بقومٍ أعاد ولم يعيدوا، واحتج في ذلك بعمر بن الخطاب والعباس رضي الله عنهما. قال المزني: "يقول: كما لا يجزئ عني فعل إمامي فكذلك لا يفسد عليَّ فساد إمامي ولو كان معناي في إفساده، معناه: لما جاز أن يحدث فينصرف، وأبني ولا أنصرف وقد بطلت إمامته واتباعي له، ولم تبطل صلاتي ولا طهارتي بانتقاض طهره"] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 73-74، ط. مكتبة القاهرة): [مسألة: قال: (وإذا نسي فصلى بهم جنبًا، أعاد وحده)؛ وجملته: أن الإمام إذا صلى بالجماعة محدثًا أو جنبًا غير عالم بحدثه، فلم يعلم هو ولا المأمومون حتى فرغوا من الصلاة؛ فصلاتهم صحيحة، وصلاة الإمام باطلة. روي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر رضي الله عنهم، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وسليمان بن حرب، وأبو ثور وعن عليٍّ: أنه يعيد ويعيدون، وبه قال ابن سيرين والشعبي وأبو حنيفة، وأصحابه؛ لأنه صلى بهم محدثًا، أشبه ما لو علم؛ ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم، روي أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس الصبح، ثم خرج إلى الجرف، فأهرق الماء، فوجد في ثوبه احتلامًا، فأعاد ولم يعيدوا، وعن محمد بن عمرو بن المصطلق الخزاعي أن عثمان صلى بالناس صلاة الفجر، فلما أصبح وارتفع النهار فإذا هو بأثر الجنابة. فقال: كَبِرْتُ والله، كَبِرْتُ والله، فأعاد الصلاة، ولم يأمرهم أن يعيدوا] اهـ.

رأي المذهب الحنفي في حكم صلاة الجنازة إذا صلى الإمام وهو على جنابة
ذهب الحنفية: إلى أنه إذا صلى الإمام بالناس وهو على جنابةٍ، أو على غير طهارة، فقد فسدت صلاته وصلاة المأمومين خلفه، ولا فرق بين كونه عالمًا بجنابته أو ناسيًا لها، ويجب عليهم جميعًا إعادتها؛ لارتباط صلاة الإمام بصلاة المأموم صحةً وفسادًا؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي في "السنن"، وابن خزيمة في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط".

والمراد بالضمان: هو وجود معنى التضمن، وليس المراد حقيقة الضمان، والمعنى: أنَّ صلاة الإمام متضمنةٌ لصلاة المأموم، وليس العكس، وأقل ما يقتضيه التضمن: التساوي بين صلاتهما، وإذا كان كذلك فبطلان صلاة الإمام يقتضي بطلان صلاة المقتدي؛ حيث لا يصح أن تتضمن الصلاةُ الفاسدةُ الصلاةَ الصحيحةَ؛ إذ لا يتضمن المعدوم الموجود.

ولما روي عن سعيد بن المسيب مرسلًا: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ وَأَعَادُوَا" أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنَّفه"، والدارقطني والبيهقي في "السنن".

قال علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 140، ط. دار الكتب العلمية): [(وأما) الاقتداء بالمحدث أو الجنب: فإن كان عالمًا بذلك لا يصح بالإجماع، وإن لم يعلم به ثم علم فكذلك عندنا.. (ولنا) ما روي أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صَلَّى بأصحابه ثم تذكر جنابةً فأعاد وأمر أصحابه بالإعادة. وقال: «أَيُّمَا رَجُلٍ صَلَّى بِقَوْمٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ جَنَابَةً؛ أَعَادَ وَأَعَادُوا»، وقد روي نحو هذا عن عمر، وعليٍّ رضي الله عنهما] اهـ.

وقال كمال الدين ابن الهمام في "فتح القدير" (1/ 374، ط. دار الفكر) في تعليل فساد صلاة المأموم بفساد صلاة الإمام: [مما يستدل به على المطلوب: ما أخرجه الإمام أحمد بسندٍ صحيحٍ عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ»، وهو ما أشار إليه المصنف بقوله: ونحن نعتبر معنى التضمن، فإنه المراد بالضمان؛ للاتفاق على نفي إرادة حقيقة الضمان، وأقل ما يقتضيه التضمن: التساوي، فيتضمن كل فعل مما على الإمام مثله، وغايته أن يفضل كالمتنفل خلف المفترض، وإذا كان كذلك فبطلان صلاة الإمام يقتضي بطلان صلاة المقتدي؛ إذ لا يتضمن المعدوم الموجود، وهذا معنى قوله: وذلك في الجواز والفساد] اهـ.

وقال زين الدين ابن نجيم في "البحر الرائق" (2/ 193، ط. دار الكتاب الإسلامي) في الكلام على شروط صحة صلاة الجنازة: [ولو صلى الإمام بلا طهارة: أعادوا؛ لأنه لا صحة لها بدون الطهارة فإذا لم تصح صلاة الإمام لم تصح صلاة القوم] اهـ.

مقالات مشابهة

  • كامل الوزير: السوق المصرية مقصد استثماري لمختلف العلامات التجارية العالمية
  • وزير الأوقاف: الشريعة الإسلامية راعت ظروف ذوي الهمم في الأحكام
  • المجمع الطبي للقوات المسلحة بكوبري القبة يستضيف خبير جراحة مسالك بولية ألماني
  • حكم الصيام والصدقة شكرا لله تعالى
  • القدس.. موظفو مستشفى المقاصد يطالبون برواتبهم
  • سنو بعد لقائه مفتي الجمهورية: نأمل انتخاب رئيس جديد مطلع العام المقبل
  • حكم من صلى على الجنازة وهو جنب .. اعرف آراء الفقهاء
  • في يومه العالمي.. كيف تحمي الشريعة الإسلامية المجتمع من خطر الإيدز ؟
  • مؤشر الشريعة يقفز 1%.. البورصة تستهل تعاملات ديسمبر بأداء إيجابي