عربي21:
2025-01-06@02:29:29 GMT

وصفة الهلاك السوري والعلاج المؤجل

تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT

قاع الهاوية السحيق الذي حفره نظام الأسد للشعب السوري منذ 13 عاما، متسع وممتلئ بكل شيء، طافح بجثث السوريين وحطام مدنهم وقراهم، مع مواصلته إدارة الظهر لمطالب شعبه، والنظر لكل ما جرى في سوريا بعور أخلاقي وسياسي عربي وبنفاق دولي، ما يجعل من إعادة اجترار المفردات التي عفا عليها الزمن من كثرة الانكشاف والتعري المرتبط بنظام الأسد وسياسته الدموية الكارثية على السوريين وتأثيرها على المنطقة العربية؛ وما ارتبط بها على الثورات المضادة عموما وعلى القضية الفلسطينية بشكل خاص، مسائل لا يمكن القفز عنها في محاولة ارتداء لباس فضفاض يسحل عن جسد نظام مترهل فاسد وضعيف؛ مع استعارة عضلات حلفائه ليستخدمها على أجساد السوريين.



وما حصل خلال الأيام القليلة الماضية من تطور للأحداث في الشمال السوري، في حلب وإدلب وحتى ريف حماة، تأكيد لجملة من حقائق مثبتة في الرزنامة السورية لأكثر من عقدٍ، وعلى رأسها أن الاستعداد السوري لمواجهة نظام كنظام الأسد وحلم بناء دولة ديمقراطية ومواطنة وحريات سياسية ومجتمعية، لم يكن قليلة الأعباء والتضحيات كبقية الأحلام العربية.

فالمحاذير المطلقة سابقا، عن الأجندات العربية والإقليمية والدولية المستثمرة في الحفاظ على بقاء وظيفة نظام الأسد، صدح بها السوريون عاليا قبل اتهامهم المزعوم بدونية معرفتهم بما ينشدون، لنزع شرعية مطالبهم بالتحرر من نظام متجذر بالاستبداد والطغيان، فيما لم يستطع هذا النظام حفظ سيادة ووحدة الأرض السورية المتباكى عليها من قبل عضلاته المستوردة من موسكو وطهران وواشنطن وتل أبيب؛ مخترقو سيادته مع بقية القرى المحتلة على الأرض، مع الندب العربي والبكاء على أمن النظام.

يقف السوريون على أعتاب محنة مركبة من التعقيد؛ تجلت في سرعة التآزر العربي والإقليمي على ضوء تمدد الفصائل العسكرية في إدلب والسيطرة على حلب وفرار النظام من مواقعه العسكرية، وهذا التعاضد من البعض العربي مع نظام الأسد خوفا من انهياره، عايشه الشارع السوري والعربي قبل أكثر من 13 سنة عندما ثار السوريون في كل مساحة سوريا قبل استعانة الأسد بكل عصابات الأرض لمعاونته على قتلهم وقمعهم وتهجيرهم، فكانت كلفة الحفاظ على وظيفة نظام الأسد عالية جدا على مستوى الحطام السوري لما كان له من مردود مؤثر على مجريات عربية شاملة.

إعادة الأسطوانة العربية الغربية بعد السيطرة على حلب، بمعاودة نصب فزاعة "محاربة الإرهاب" بعد رؤية أبناء سوريا يعودون لمدنهم وقراهم التي هجروا منها وخسروا فيها نسيجهم المجتمعي المسحوق، هي إعادة نشر الخوف من فقدان الأسد لوظيفته، لذلك كان التعبير الإسرائيلي بالتنسيق مع الولايات المتحدة للاطمئنان على مصير النظام الآخذ بالخلخلة، وهرولة موسكو وأبو ظبي والقاهرة وبغداد وطهران بالتأكيد على دعم الأسد، وبإعادة الاستهبال للقفز عن الفشل الذي منيت به استراتيجية حماية الطاغية السوري التي اعتُمدت خلال العقد الماضي.

هل نسي هؤلاء أن جيش موسكو ومرتزقة "فاغنر" وكل الدعم المالي والعسكري والسياسي الذي حظي به نظام الأسد من طهران ومليشياتها طوال سنوات طويلة ومن أبو ظبي وإعادة التطبيع معه، لم ينجحوا في تطهيره من الجرائم، بل جعلوا من نظام مهووس بالبقاء والسيطرة يعتقد أن بمقدوره إدارة الظهر حتى لمن يعيد تعويمه بالحديث عن عملية سياسية والالتزام بجنيف 1 و2، وتطبيق القرار الدولي 2254.

ترك السياسة والتركيز على مفردات العسكر والتطرف والإرهاب، وتزوير وعي السوريين بعدم مقدرتهم على حكم أنفسهم إلا بسفاح يضع السكين على أعناقهم، كل ذلك أودى بما يسمى محادثات أستانا وسوتشي وجنيف إلى مصيرها الحالي، واستبدل ما يردده الصادحون من حنجرة الأسد أن الأولوية هي للحفاظ على الأمن أو فرضه بسيطرة "القوات الحكومية".

لكن الأمن "مخردق" بعدوان صهيوني شبه يومي جعل من نظام الأسد أضحوكة، وحناجر الخوف على أمن وسيادة ووحدة سوريا لم تظهر بالاستئساد نفسه بوجه المحتل الصهيوني، لكن بإعادة استهلاك ما خلّفه إعلام الأسد في العام الأول من الثورة، بأبواق ملأت شاشات محور الممانعة. واليوم، الإعلام "الرديف" الداعم لنظام الأسد الذي كان قبل أربعة أيام منهمكا بتحليل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وتداعيات الشروط الإسرائيلية على تنفيذ هذا الاتفاق في الجنوب اللبناني، قلب إبرة الموجة ليقول إن أزمة نتنياهو في لبنان دفعته لتحريك عملائه في سوريا من الفصائل لتضغط على سوريا الأسد نتيجة مواقفها الداعمة للمقاومة.

التزوير السخيف، خلال المعركة التي خاضتها المقاومة في لبنان أو غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مفضوح بموقف النظام وحليفه الروسي وحلفاء إسرائيل في محور التطبيع العربي مع الأسد.. كيف ظهروا في المعركة المستمرة؟ الأجوبة معروفة، لم يعد في جعبة النظام ما يقدمه في هذا الجانب، استهلك كل شيء في قاع الهاوية الذي حفره للسوريين ولنفسه.. النظام أحدث بسوريا والسوريين ما عجز الاحتلال عنه وسهّل كل مهامه، أعاد مع الاحتلال تركيب سوريا التي يريدها النظام وموسكو وتل أبيب وطهران، وبقية منافقي العالم المتحضر.

السوريون لم يثوروا على نظام الأسد لهزيمته عسكريا، وما شاهده العالم بعد هروب جيشه من مطاراته ومعسكراته، من ترسانة وذخائر وصواريخ وبراميل متفجرة، لم تكن معدة لمؤازرة حلفائه في المقاومة اللبنانية أو لدعم غزة، كل مخزون سلاح النظام ومقدراته لها بوصلة وهدف كشفت عنه جغرافيا السوريين وأجسادهم.

وكل وصفة توصي بالحفاظ على سوريا ووحدة أراضيها وعدم التدخل بشؤونها دون الاعتراف بحق السوريين في الخلاص من طاغية مجرم وسفاح؛ تعني أن وصفة الهلاك السوري التي كتبت منذ 13 عاما في العيادة الإسرائيلية بختم عربي لن تعيد أحلام الوظيفة، ولن تجدد أنشودة شعار الممانعة بالتطهر ببعض كلمات جوفاء عن عروبة أضاعها النظام وقضية خانها وتآمر عليها وقتل حاضنتها، ومقاومة غدر بها ونحرها. فسوريا التي أسقطها الأسد بيد محتلين كثر للحفاظ على كرسي الحكم سلالته، ليس لها من وصفة شفاء إلا بالخلاص منه ومحاكمته بجانب مجرمي الاحتلال، ومن يراهن على غير ذلك ليتمعن في القاع الذي وصل إليه الأسد ونظامه المتمسك بوصفة علاجه من سقوط مؤجل.

x.com/nizar_sahli

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأسد سوريا حلب سوريا الأسد حلب سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة نظام الأسد

إقرأ أيضاً:

مشاهد من سوريا

يمكن القول ضمن مناخ غير مغرق في التفاؤل وليس محكوما بالتشاؤم، أن الأسابيع القليلة الماضية، منذ هروب الأسد، أسقطت سرديات كبرى كانت مرسخة في الوعي الجمعي، بعضها لدى إخواننا في الطائفة العلوية، وبعضها الآخر في الوعي الجمعي لدى جمهور الثورة.

أولى هذه السرديات التي سقطت هي أن النظام السوري باق إلى أجل غير معروف، وأن ثمة قرار إقليمي ـ دولي ببقائه، باعتباره نظاما يمكن التعامل معه دوليا، وأن قوته العسكرية ـ رغم هشاشتها ـ تبقى أقوى بكثير من قوة الثوار العسكرية، وأن إيران وروسيا لا يمكنهما التخلي عنه مهما صعبت الأمور.

ثاني هذه السرديات التي سقطت هي فعل التسامح الذي أعلنه الثوار تجاه جمهور النظام، خصوصا تجاه الطائفة العلوية، باستثناء من مارس القتل المقصود وشارك في إجرام النظام.

منذ بداية الثورة، سمع كاتب هذه السطور، من بعض زملائه من الإخوة العلويين في الوسط الإعلامي بدمشق، أن الثورة عبارة عن إرهابيين سُنة، سيقضون على الطائفة العلوية ويحولون نسائهم إلى "سبايا" وخدم.

رغم حجم العنف والقتل الذي مارسه النظام، ورغم وقوف بعض الأقليات بقوة إلى جانبه، لم تنشأ حرب طائفية، بل نشأت حرب أهلية، وبين الإثنين فارق كبير، على الرغم من أن الخلفيات الفكرية المضمرة لا تخلو من أبعاد طائفية في الوعي الجمعي للأقليات، ذلك أن التفكير الأقلوي هو بطبيعة الحال منافي للتفكير الوطني العام.إن فعل التسامح هذا، لا يُعبر فقط عن تغير في المزاج الأيديولوجي لفئة ذات توجه ديني أيديولوجي فحسب، بقدر ما هو نابع أيضا من مقتضيات بناء الدولة الجديدة.

وما حدث خلال الأربعة عشر سنة الماضية يؤكد ذلك، فرغم حجم العنف والقتل الذي مارسه النظام، ورغم وقوف بعض الأقليات بقوة إلى جانبه، لم تنشأ حرب طائفية، بل نشأت حرب أهلية، وبين الإثنين فارق كبير، على الرغم من أن الخلفيات الفكرية المضمرة لا تخلو من أبعاد طائفية في الوعي الجمعي للأقليات، ذلك أن التفكير الأقلوي هو بطبيعة الحال منافي للتفكير الوطني العام.

على مدار العقود الماضية، ولا سيما مع اندلاع الثورة السورية، أخذ نظام الأسد يبث في وعي الجمهور العلوي مخاطر فوز الثورة ـ ذات التوجه الإسلامي الراديكالي ـ، وخطر ذلك على الطائفة بمجملها.

لعب النظام بذكاء على محور الأقليات والمظلوميات التاريخية، فخلق وعيا زائفا مفاده أن بقاءه عامل رئيس في حمايتهم والمحافظة على حقوقهم.

ثالث هذه السرديات هو الاعتقاد الذي كان سائدا بأن ثمة تماه وجودي بين النظام والطائفة العلوية، وأن الطائفة ستستميت من أجل بقاء النظام.

وقد بين هروب الأسد زيف هذا التصور من ناحيتين، فكرية وواقعية: بالنسبة للناحية الواقعية، ظهر استياء واضح من إخواننا العلويين من استمرار هذا النظام الذي أصبح وجوده يشكل حملا ثقيلا عليهم على صعيد التكاليف المعيشية الباهظة وصعوبات الحياة.

أما بالنسبة للناحية الفكرية، وهذا هو الأهم، فهو مرتبط بالأسباب الحقيقية لدعم الطائفة للنظام، وهي أسباب في الجزء اليسير منها اقتصادي، في حين أن السبب الحقيقي يكمن في الكينونة السياسية في الوعي الجمعي.

انتقلت الطائفة العلوية مع الاستعمار الفرنسي من طائفة اجتماعية مغلقة تعيش في الجبال إلى طائفة منفتحة اجتماعيا إلى حد ما، ثم حدث تحول خلال نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي مع وصول شخصيات عسكرية قيادية على رأس الجيش أدخلت الطائفة في صلب صراعات الساحة السورية المتخمة بالأيديولوجيات الدينية والعلمانية.

ثم حدثت النقلة الكبرى مع تسلم حافظ الأسد سدة الرئاسة، وما عناه ذلك من انتقال الطائفة، ليس إلى طائفة منفتحة اجتماعيا فحسب، بل إلى طائفة سياسية أخذت تلعب دورا في مستقبل سوريا على الصعيدين الداخلي والخارجي.

هنا نشأ وعي قوي، أو فورة في الوعي بكينونة الطائفة سياسيا، ونشأ معها ما يمكن تسميته قطعا معرفيا مع التاريخ الغابر ورفض استذكاره لصالح واقع جديد يحقق هذه الكينونة.

إن قيام مشايخ العلويين ورجالاتها بهدم تماثيل حافظ الأسد في مناطقهم، ثم الدعوة إلى المشاركة في بناء سوريا جديدة، ليس ناجما عن جبن بقدر ما هو تعبير عن رغبة بطي حقبة الأسد والشروع في بناء سوريا الحديثة والمشاركة فيها بفعالية.إن الكينونة السياسية هذه هي ما يجب التركيز عليه، سواء في دعم الطائفة للنظام لعقود خلت، أو في الأسباب التي دفعت جمهورا عريضا من السوريين للثورة، ذلك أن الثورة لم تنشأ من أسباب طائفية ـ هيمنة أقلية على أكثرية ـ بل نشأت مع وصول الكينونة السياسية لدى الأفراد إلى مرحلة لم تعد قادرة على ضبطها وإخفاءها.

وعي الذات لذاتها ككينونة سياسية هو جوهر الفعل السوري، وهذا ما يفسر مطالب الحرية وإنشاء نظام ديمقراطي على أنقاض النظام الاستبدادي لدى الثوار.

إن قيام مشايخ العلويين ورجالاتها بهدم تماثيل حافظ الأسد في مناطقهم، ثم الدعوة إلى المشاركة في بناء سوريا جديدة، ليس ناجما عن جبن بقدر ما هو تعبير عن رغبة بطي حقبة الأسد والشروع في بناء سوريا الحديثة والمشاركة فيها بفعالية.

إن هذه الكينونة السياسية التي كانت سببا في دعم الطائفة للنظام هي ذاتها السبب في التخلي عنه.

سوريا بحاجة إلى كل مكوناتها وأفرادها من أجل بناء دولة ديمقراطية ليبرالية قائمة على المواطنة بغض النظر عن الانتماءات الضيقة.

وإذا كان لإخواننا العلويين حضورا إجراميا ممثلا بآل الأسد وداعميهم من أبناء الطائفة، فإن للعلويين أيضا بصمة تاريخية وثقافة هامة: صالح العلي، أدونيس، سعد لله ونوس، بدوي الجبل، ممدوح عدوان، فؤاد غازي، جمال سليمان.. إلخ.

مقالات مشابهة

  • دمشق.. من قيود النظام إلى آفاق التحرر الاقتصادي
  • لا وألف لا لنظام المحاصصة في سوريا الجديدة
  • العثور على مستودع للذخيرة في حمص
  • القاسم .. لا وألف لا لنظام المحاصصة في سوريا الجديدة
  • مشاهد من سوريا
  • أولهم بشار الأسد.. الشعب السوري يتطلع لمحاسبة مجرمي الحرب
  • ما حقيقة تعيين الفنان السوري عبد الحكيم قطيفان نقيبا للفنانين بعد سقوط النظام؟
  • مجلة أمريكية: هل سيبقى الحوثيون طويلا وما الذي ينبغي فعله في اليمن لتدميرهم؟ (ترجمة خاصة)
  • عزرائيل صيدنايا.. قصة الوحش البشري الذي أخاف السجناء في سوريا
  • بعد سقوط الأسد... هل سيلقى الحوثيون نفس المصير؟