عربي21:
2024-12-04@08:42:13 GMT

وصفة الهلاك السوري والعلاج المؤجل

تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT

قاع الهاوية السحيق الذي حفره نظام الأسد للشعب السوري منذ 13 عاما، متسع وممتلئ بكل شيء، طافح بجثث السوريين وحطام مدنهم وقراهم، مع مواصلته إدارة الظهر لمطالب شعبه، والنظر لكل ما جرى في سوريا بعور أخلاقي وسياسي عربي وبنفاق دولي، ما يجعل من إعادة اجترار المفردات التي عفا عليها الزمن من كثرة الانكشاف والتعري المرتبط بنظام الأسد وسياسته الدموية الكارثية على السوريين وتأثيرها على المنطقة العربية؛ وما ارتبط بها على الثورات المضادة عموما وعلى القضية الفلسطينية بشكل خاص، مسائل لا يمكن القفز عنها في محاولة ارتداء لباس فضفاض يسحل عن جسد نظام مترهل فاسد وضعيف؛ مع استعارة عضلات حلفائه ليستخدمها على أجساد السوريين.



وما حصل خلال الأيام القليلة الماضية من تطور للأحداث في الشمال السوري، في حلب وإدلب وحتى ريف حماة، تأكيد لجملة من حقائق مثبتة في الرزنامة السورية لأكثر من عقدٍ، وعلى رأسها أن الاستعداد السوري لمواجهة نظام كنظام الأسد وحلم بناء دولة ديمقراطية ومواطنة وحريات سياسية ومجتمعية، لم يكن قليلة الأعباء والتضحيات كبقية الأحلام العربية.

فالمحاذير المطلقة سابقا، عن الأجندات العربية والإقليمية والدولية المستثمرة في الحفاظ على بقاء وظيفة نظام الأسد، صدح بها السوريون عاليا قبل اتهامهم المزعوم بدونية معرفتهم بما ينشدون، لنزع شرعية مطالبهم بالتحرر من نظام متجذر بالاستبداد والطغيان، فيما لم يستطع هذا النظام حفظ سيادة ووحدة الأرض السورية المتباكى عليها من قبل عضلاته المستوردة من موسكو وطهران وواشنطن وتل أبيب؛ مخترقو سيادته مع بقية القرى المحتلة على الأرض، مع الندب العربي والبكاء على أمن النظام.

يقف السوريون على أعتاب محنة مركبة من التعقيد؛ تجلت في سرعة التآزر العربي والإقليمي على ضوء تمدد الفصائل العسكرية في إدلب والسيطرة على حلب وفرار النظام من مواقعه العسكرية، وهذا التعاضد من البعض العربي مع نظام الأسد خوفا من انهياره، عايشه الشارع السوري والعربي قبل أكثر من 13 سنة عندما ثار السوريون في كل مساحة سوريا قبل استعانة الأسد بكل عصابات الأرض لمعاونته على قتلهم وقمعهم وتهجيرهم، فكانت كلفة الحفاظ على وظيفة نظام الأسد عالية جدا على مستوى الحطام السوري لما كان له من مردود مؤثر على مجريات عربية شاملة.

إعادة الأسطوانة العربية الغربية بعد السيطرة على حلب، بمعاودة نصب فزاعة "محاربة الإرهاب" بعد رؤية أبناء سوريا يعودون لمدنهم وقراهم التي هجروا منها وخسروا فيها نسيجهم المجتمعي المسحوق، هي إعادة نشر الخوف من فقدان الأسد لوظيفته، لذلك كان التعبير الإسرائيلي بالتنسيق مع الولايات المتحدة للاطمئنان على مصير النظام الآخذ بالخلخلة، وهرولة موسكو وأبو ظبي والقاهرة وبغداد وطهران بالتأكيد على دعم الأسد، وبإعادة الاستهبال للقفز عن الفشل الذي منيت به استراتيجية حماية الطاغية السوري التي اعتُمدت خلال العقد الماضي.

هل نسي هؤلاء أن جيش موسكو ومرتزقة "فاغنر" وكل الدعم المالي والعسكري والسياسي الذي حظي به نظام الأسد من طهران ومليشياتها طوال سنوات طويلة ومن أبو ظبي وإعادة التطبيع معه، لم ينجحوا في تطهيره من الجرائم، بل جعلوا من نظام مهووس بالبقاء والسيطرة يعتقد أن بمقدوره إدارة الظهر حتى لمن يعيد تعويمه بالحديث عن عملية سياسية والالتزام بجنيف 1 و2، وتطبيق القرار الدولي 2254.

ترك السياسة والتركيز على مفردات العسكر والتطرف والإرهاب، وتزوير وعي السوريين بعدم مقدرتهم على حكم أنفسهم إلا بسفاح يضع السكين على أعناقهم، كل ذلك أودى بما يسمى محادثات أستانا وسوتشي وجنيف إلى مصيرها الحالي، واستبدل ما يردده الصادحون من حنجرة الأسد أن الأولوية هي للحفاظ على الأمن أو فرضه بسيطرة "القوات الحكومية".

لكن الأمن "مخردق" بعدوان صهيوني شبه يومي جعل من نظام الأسد أضحوكة، وحناجر الخوف على أمن وسيادة ووحدة سوريا لم تظهر بالاستئساد نفسه بوجه المحتل الصهيوني، لكن بإعادة استهلاك ما خلّفه إعلام الأسد في العام الأول من الثورة، بأبواق ملأت شاشات محور الممانعة. واليوم، الإعلام "الرديف" الداعم لنظام الأسد الذي كان قبل أربعة أيام منهمكا بتحليل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وتداعيات الشروط الإسرائيلية على تنفيذ هذا الاتفاق في الجنوب اللبناني، قلب إبرة الموجة ليقول إن أزمة نتنياهو في لبنان دفعته لتحريك عملائه في سوريا من الفصائل لتضغط على سوريا الأسد نتيجة مواقفها الداعمة للمقاومة.

التزوير السخيف، خلال المعركة التي خاضتها المقاومة في لبنان أو غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مفضوح بموقف النظام وحليفه الروسي وحلفاء إسرائيل في محور التطبيع العربي مع الأسد.. كيف ظهروا في المعركة المستمرة؟ الأجوبة معروفة، لم يعد في جعبة النظام ما يقدمه في هذا الجانب، استهلك كل شيء في قاع الهاوية الذي حفره للسوريين ولنفسه.. النظام أحدث بسوريا والسوريين ما عجز الاحتلال عنه وسهّل كل مهامه، أعاد مع الاحتلال تركيب سوريا التي يريدها النظام وموسكو وتل أبيب وطهران، وبقية منافقي العالم المتحضر.

السوريون لم يثوروا على نظام الأسد لهزيمته عسكريا، وما شاهده العالم بعد هروب جيشه من مطاراته ومعسكراته، من ترسانة وذخائر وصواريخ وبراميل متفجرة، لم تكن معدة لمؤازرة حلفائه في المقاومة اللبنانية أو لدعم غزة، كل مخزون سلاح النظام ومقدراته لها بوصلة وهدف كشفت عنه جغرافيا السوريين وأجسادهم.

وكل وصفة توصي بالحفاظ على سوريا ووحدة أراضيها وعدم التدخل بشؤونها دون الاعتراف بحق السوريين في الخلاص من طاغية مجرم وسفاح؛ تعني أن وصفة الهلاك السوري التي كتبت منذ 13 عاما في العيادة الإسرائيلية بختم عربي لن تعيد أحلام الوظيفة، ولن تجدد أنشودة شعار الممانعة بالتطهر ببعض كلمات جوفاء عن عروبة أضاعها النظام وقضية خانها وتآمر عليها وقتل حاضنتها، ومقاومة غدر بها ونحرها. فسوريا التي أسقطها الأسد بيد محتلين كثر للحفاظ على كرسي الحكم سلالته، ليس لها من وصفة شفاء إلا بالخلاص منه ومحاكمته بجانب مجرمي الاحتلال، ومن يراهن على غير ذلك ليتمعن في القاع الذي وصل إليه الأسد ونظامه المتمسك بوصفة علاجه من سقوط مؤجل.

x.com/nizar_sahli

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأسد سوريا حلب سوريا الأسد حلب سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة نظام الأسد

إقرأ أيضاً:

سوريا.. مدى تهديد فصائل المعارضة على بقاء نظام بشار الأسد.. محلل يجيب CNN

(CNN)— لا تزال فصائل المعارضة السورية تحرز تقدما في مواقع جديدة مثل حماة بعد سيطرتها على حلب وإدلب، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مدى الخطر الذي تشكله هذه الفصائل على بقاء نظام الرئيس السوري، بشار الأسد.

عقّب محلل شؤون الأمن السياسي والوطني في شبكة CNN، ديفيد سانجر، قائلا إن فصائل المعارضة وتحركاتها "فاجأت الجميع، اكتشف بشار الأسد أن الحرب الأهلية التي ظن أنها تجمدت بعد 13 عاماً ليست كذلك، ولم تتوقع المخابرات البريطانية والمخابرات المركزية (CIA) وآخرون حدوث ذلك، رغم أنهم يقولون الآن إنه كان عليهم أن يدركوا حقيقة أن الحلفاء الذين اعتمد عليهم الأسد مثل إيران، حزب الله، وبدرجة أقل حماس، كانوا جميعهم مشتتين بأحداث أخرى".

وتابع قائلا: "من المؤكد أن حزب الله وحماس تكبدا خسائر فادحة لدرجة أنهما لا يستطيعان تركيز الكثير من الاهتمام في هذه اللحظة على الصراع السوري، وحتى الروس، كما تعلمون، مشغولون جدًا بخوض حرب في أوكرانيا، لذا، ليسوا بدرجة عالية من التركيز مثل ما كانوا عليه قبل اثنتي عشرة سنة عندما كان الأسد يعزز مكانته بعد الثورات ببلده والثورات الأخرى في العالم العربي، مما جعله يتساءل عما إذا كان يريد السلطة لفترة طويلة أم لا".

وأضاف: "لا أعتقد أنه (بشار الأسد) سيحصل على الكثير من إيران، وبالتأكيد القليل جداً من حزب الله وحماس، إنه يحصل على دعم جوي من الروس، لكن الروس ليس لديهم الكثير من المدفعية لنشرها، إنهم يحتاجون إلى كل ما لديهم تقريبًا لأوكرانيا، وإذا كنت بحاجة إلى دليل على ذلك، فلا تنظر إلى أبعد من صفقتهم مع كوريا الشمالية حيث اشتروا مئات الآلاف من الطلقات".

وعن حجم التهديد الذي يمكن أن تشكله فصائل المعارضة على قيادة بشار الأسد في سوريا الآن وربما في الأيام والأسابيع المقبلة؟ أجاب سانجر: "لم أجد أي شخص حتى الآن، يعتقد أن الأسد بالضرورة على حافة فقدان السلطة، كان هذا ما تنبأنا به والعديد من المحللين والمراقبين في الـ 13 أو 14 عامًا الماضية وكنا مخطئين في كل مرة، لقد عاد (الأسد) بهجمات وحشية على شعبه، وقد يحدث هذا هنا أيضًا، لكن هذه المجموعة من المتمردين، كما تعلمون، متشددون جدًا، وهم لا يمثلون الحرية الكلاسيكية تمامًا وقد يحدث ذلك هنا أيضًا، إنهم ليسوا بالضبط المقاتلين التقليديين من أجل الحرية الذين تحب الولايات المتحدة دعمهم، وكان الكثير منهم مرتبطين بشكل وثيق بتنظيم القاعدة حتى انفصلوا عنه قبل بضع سنوات، لذا، فهذه ليست مجموعة مثالية لتمثيل الصراع بين الديمقراطية والاستبداد".

مقالات مشابهة

  • سوريا.. مدى تهديد فصائل المعارضة على بقاء نظام بشار الأسد.. محلل يجيب CNN
  • ما الفصائل المسلحة التي تهاجم النظام في سوريا؟ وماذا حققت؟
  • هجوم سوريا الصادم.. ما الذي يعنيه لمستقبل المنطقة والعالم؟
  • كيف كشفت أحداث سوريا هشاشة نظام الأسد وانهيار قواته؟
  • ماذا يحدث في سوريا؟!
  • تقرير: مسلحون من فصائل موالية لإيران يصلون سوريا من العراق لدعم نظام الأسد
  • لماذا يستميت نظام الأسد بالدفاع عن حماة؟ خبير عسكري يجيب
  • حلب خارج سيطرة النظام السوري لأول مرة منذ 2011
  • الرئيس السوري يتوعد: الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها