رد على أطروحات الأستاذ الزميل صديق الزيلعي حول الماركسية والحزب الشيوعي السوداني
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
دكتور هشام عثمان
في مقاله الأخير، يناقش الأستاذ الزميل صديق الزيلعي أفكارًا متعلقة بالحزب الشيوعي السوداني والماركسية، مما يستدعي منا التوقف عند عدة نقاط أساسية وأخذها في سياق نقدي موضوعي. في هذا المقال، سنتناول بشكل مفصل مغالطات الزيلعي في تقييمه للماركسية والحزب الشيوعي السوداني، مع تقديم توضيحات وتحليلات حول المواقف الأساسية التي أثارها.
أولًا: الزيلعي وانتقاده للماركسية كأيديولوجيا جامدة
منذ البداية، ينطلق الأستاذ الزميل صديق الزيلعي من نقد أساسي للماركسية باعتبارها "أيديولوجيا جامدة" تفتقر إلى المرونة والقدرة على التكيف مع المتغيرات السياسية والاجتماعية. في هذا الطرح، يتبنى الزيلعي فكرة شائعة بين بعض المفكرين الماركسيين التقليديين، بأن الماركسية تمثل مجموعة من الأفكار الثابتة التي لا تقبل التغيير أو التعديل، بل تعدّ فكرًا عقائديًا يجب اتباعه حرفيًا.
لكن هذا النقد لا يتفق مع الواقع التاريخي والتطورات الفكرية التي شهدتها الماركسية عبر العقود. على العكس، فإن الماركسية تعتبر إطارًا تحليليًا مفتوحًا، قادرًا على التكيف مع المستجدات السياسية والاجتماعية في مختلف العصور. كما أكد العديد من المفكرين مثل أنطونيو غرامشي ولوي ألتوسير، أن الماركسية ليست مجرد مجموعة من النصوص الثابتة، بل هي مجموعة من الأدوات التحليلية التي يمكن تعديلها بما يتناسب مع السياقات التاريخية المختلفة. لذلك، فإن الماركسية لا تتناقض مع التغيرات، بل هي تظل قابلة للتطوير والنقد الداخلي، وهو ما يجعلها أداة تحليلية قوية ومرنة لمواكبة التطورات الفكرية.
ثانيًا: الزيلعي ونقده للنظرية الماركسية مقارنة بالعلوم الطبيعية
أحد المفاهيم التي يتبناها الأستاذ الزميل صديق الزيلعي في نقده للماركسية هو المقارنة بينها وبين العلوم الطبيعية، حيث يشير إلى أن الماركسية ليست "علمية" بالمعنى الذي نعرفه عن العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والكيمياء. وهذه مقارنة غير دقيقة وغير متكافئة، لأن الماركسية ليست علمًا طبيعيًا بقدر ما هي نظرية اجتماعية وفلسفية.
الماركسية، كما أوضح ماركس نفسه، هي "علم تاريخي" يهدف إلى فهم وتفسير العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وليس تفسير الظواهر الطبيعية. لهذا السبب، من غير الممكن مقارنة الماركسية بمناهج العلوم الطبيعية التي تعتمد على التجربة والتكرار. إن مقارنة الماركسية بعلم الفيزياء، على سبيل المثال، تحجب الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية المعقدة التي تهتم بها الماركسية، والتي لا يمكن اختزالها في قوانين مادية ثابتة كما في العلوم الطبيعية. وبالتالي، فإن محاولة الزيلعي انتقاد الماركسية على أساس أنها ليست علمًا طبيعيًا هي محاولة غير عادلة في قياس مدى علمية أو قدرة الماركسية على تحليل المجتمع.
ثالثًا: الزيلعي ومغالطاته حول تعدد الماركسيات وتطورها
في سياق آخر، يناقش الأستاذ الزميل صديق الزيلعي مسألة تعدد الماركسيات ويصفها بأنها "تعددات غير واضحة المعالم"، وهو يقصد بذلك اختلاف المدارس الماركسية التي تطورت عبر الزمن. ولكن هذه الحقيقة تمثل في الواقع قوة كبيرة للماركسية، إذ أنها تظهر قدرة هذه النظرية على التفاعل مع مختلف الظروف الاجتماعية والثقافية في أنحاء مختلفة من العالم.
الماركسية لم تكن أبدًا نظرية موحدة، بل تطورت مع الزمن، فكل مفكر ماركسي تعامل مع مكونات نظرية ماركس بشكل مختلف بما يتلاءم مع البيئة السياسية والاقتصادية. على سبيل المثال، في الوقت الذي كان فيه ماركس يهتم بشكل أساسي بالتحليل الطبقي في أوروبا، جاءت مساهمات مفكرين مثل غرامشي ولوكاش لتوسيع هذا التحليل ليتضمن الثقافات المحلية والتاريخ الوطني، مما جعل الماركسية تصبح أداة قوية للتحليل في سياقات متنوعة.
أزمة الزيلعي تكمن في أنه لا يدرك أن هذه التعددية لا تمثل ضعفًا في النظرية، بل بالعكس، هي دليل على حيوية الفكر الماركسي واستجابته للتحديات المختلفة التي يواجهها العالم. من خلال هذه التعددية، تمكنت الماركسية من تقديم تفسيرات جديدة للحركات الثورية في دول الجنوب، وفي السودان على وجه الخصوص، مما ساعد في صياغة مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية الذي طرحه الحزب الشيوعي السوداني.
رابعًا: مقال الدكتور رفعت السعيد ومغالطاته
في مقالته التي استعرضها الأستاذ الزميل صديق الزيلعي، يُستشهد بالدكتور رفعت السعيد الذي يعتبر الماركسية "نظرية فاشلة" وغير قابلة للتطبيق في العالم المعاصر. هذا التقييم يفتقر إلى الدقة الموضوعية، لأنه يتعامل مع الماركسية كإيديولوجيا جامدة. في الحقيقة، الماركسية هي أداة تحليل اجتماعي لم تزل تحتفظ بقدرتها على تفسير وتوجيه التحولات السياسية في العالم، خاصة في سياقات مثل السودان.
النقد الذي يقدمه الدكتور رفعت السعيد لا يعكس تطور الفكر الماركسي، ولا يعترف بالتجديدات التي طرأت عليه منذ زمن ماركس. لو أن السعيد أمعن النظر في المدارس المختلفة للماركسية، مثل الماركسية اللينينية أو الماركسية الثقافية، لكان قد فهم أن الماركسية كانت دومًا في حالة من التفاعل والتطور، بما يتلاءم مع بيئاتها وأزمانها المتغيرة. وعليه، فإن النقاش حول فشل الماركسية اليوم ليس إلا تكرارًا لأفكار قديمة تجاهلته التجارب الثورية في العديد من البلدان.
خامسًا: ثبات الحزب الشيوعي السوداني في وجه حملات العداء والملاحقات
منذ أواخر الخمسينات، تعرض الحزب الشيوعي السوداني لحملات معادية لم تهدأ يومًا، سواء من الأنظمة العسكرية أو من حملات تشويه فكرية واجتماعية، إلا أن الحزب ظل ثابتًا في مواقفه من الدفاع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. في وجه ملاحقات أجهزة الأمن والقمع السياسي، لم يتراجع الحزب الشيوعي عن مواقفه الأساسية، بل ظل يدافع عن حقوق المواطنين السودانيين في العيش بكرامة في ظل دولة ديمقراطية.
لم يكن الحزب مجرد فصيل سياسي يسعى للوصول إلى السلطة، بل كان ولا يزال يمثل جزءًا حيًا من الضمير الوطني السوداني. في فترة حكم النميري، كانت الملاحقات الأمنية في ذروتها، حيث تعرض الحزب الشيوعي للحظر والاعتقال، لكنه ظل يعمل في السر، معبرًا عن رفضه التام للأنظمة العسكرية والديكتاتورية.
في ظل الإنقاذ، عندما كانت أجهزة الأمن تلاحق الأعضاء وتعتقلهم بشكل ممنهج، ظل الحزب الشيوعي السوداني في المقدمة، يدافع عن مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية، مُصرًا على أن السودان يجب أن يكون دولة ديمقراطية قائمة على العدالة الاجتماعية والمساواة. وعلى الرغم من جميع التحديات، استمر الحزب في أن يكون الصوت الأبرز في المعارضة، مؤكدًا على أن شعب السودان يستحق الحرية والكرامة في مواجهة أي ظلم سياسي.
سادسًا: مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية: نموذج للاشتباك مع الواقع
من أبرز الدلائل التي تدحض فكرة الجمود والتقديس للنصوص داخل الحزب الشيوعي السوداني، هو مشروع "الثورة الوطنية الديمقراطية" الذي طرحه الحزب كإجابة على تحديات الواقع السوداني المتجدد. هذا المشروع يعكس قدرة الحزب الشيوعي السوداني على التفكير خارج الصندوق، بعيدًا عن التمسك الحرفي بالنصوص الماركسية التقليدية. بل إن هذا المشروع يمثل تطورًا حيويًا لفهم الحزب لطبيعة الثورة السودانية والظروف التي تميز المجتمع السوداني، مع اعترافه بضرورة بناء تحالفات واسعة تضم قوى اجتماعية وسياسية متعددة.
كان الحزب الشيوعي السوداني يدرك تمامًا أن الثورة السودانية لا تقوم على تكرار التجارب الثورية في بلدان أخرى، بل يجب أن تأخذ في الاعتبار خصوصية السودان وظروفه الاجتماعية والاقتصادية. بناءً على ذلك، طور الحزب رؤية متكاملة لثورة ديمقراطية تتجاوز الثنائيات التقليدية، مثل اليسار واليمين، وتستند إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية المستدامة لجميع فئات..
في هذا المقال، تناولنا بشكل نقدي أطروحات الأستاذ الزيلعي حول الماركسية والحزب الشيوعي السوداني، مشيرين إلى مغالطاته الرئيسية التي أفرغت الماركسية من ديناميكياتها الحية وأعطتها طابعًا جامدًا لا يتناسب مع تطورات الواقع السياسي والاجتماعي. أظهرنا كيف أن الماركسية ليست نصوصًا مقدسة بل هي نظرية مرنة ومتجددة، قادرة على التكيف مع التغيرات الاجتماعية والثقافية، وأن الحزب الشيوعي السوداني قد أثبت، عبر التاريخ، قدرته على الاشتباك مع الواقع السوداني بكل تحدياته وتعقيداته.
كذلك، قدمنا مثالًا عمليًا على هذه الديناميكية الفكرية من خلال "مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية" الذي طرحه الحزب كاستجابة واقعية ومبدعة لتحديات الثورة السودانية، وهو ما يعكس رفض الحزب لأي جمود فكري أو تقديس للنصوص. هذا المشروع لم يكن مجرد صياغة نظرية جامدة، بل كان تطورًا فكريًا تفاعليًا مع واقع السودان، الذي يحتاج إلى حلول مبتكرة تستجيب للمتغيرات المحلية والدولية.
إن الحزب الشيوعي السوداني، على الرغم من التحديات الكبيرة التي مر بها، من خلال حملات القمع والملاحقات السياسية، قد ظل صامدًا ومدافعًا عن قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. فالحزب لم يكن مجرد فصيل سياسي يسعى للسلطة، بل كان ولا يزال جزءًا حيويًا من الضمير الوطني السوداني، الذي يؤمن بحق الشعب السوداني في الحرية والكرامة.
من خلال هذا المقال، تأكدنا أن الأستاذ الزميل الزيلعي في نقده للماركسية لم يقترب من جوهر الفكر الماركسي الصحيح، ولم يعترف بمرونته وتطوره المستمر. وفي المقابل، أظهرنا كيف أن الحزب الشيوعي السوداني قد انخرط بشكل عميق في بناء مشروع ثوري واقعي يستجيب لاحتياجات الشعب السوداني. إن التجربة السودانية تثبت أن الفكر الماركسي يمكن أن يظل أداة تحليلية قوية ومرنة طالما كان قادرًا على التفاعل مع الواقع المتغير، ولا بد أن تظل هذه القدرة هي البوصلة التي توجه كل من يسعى لتحقيق العدالة والتغيير الاجتماعي في السودان.
hishamosman315@gmail.com
دكتور هشام عثمان
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی السودانی العلوم الطبیعیة السودانی فی مع الواقع من خلال
إقرأ أيضاً:
صديق أبو العينين.. أحمد موسى يشيد باختيار ترامب لـ مسعد بولس مستشارا لشؤون الشرق الأوسط
علق الإعلامي أحمد موسى، على قرار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بشأن اختيار مسعد بولس ليكون مستشاراً رفيعاً للشؤون العربية وشؤون الشرق الأوسط.
وأضاف أحمد موسى، خلال تقديم برنامج «على مسئوليتي»، عبر قناة «صدى البلد»، قائلًا: «مسعد بولس هو مواطن لبناني، وهو أيضًا صديق للنائب محمد أبو العينين وكيل مجلس النواب، واجتمعا معا في واشنطن منذ أيام».
وتابع أحمد موسى: «مسعد بولس لبناني يزور لبنان دائما وأول زيارة له ستكون بلاده لبنان، كما أن مسعد بولس تحدث مع النائب محمد أبو العينين حول العديد من الملفات التي تشهدها المنطقة حاليا».
وأكمل: «النائب محمد أبو العينين تحدث مع مسعد بولس عن الأزمة الفلسطينية والمعاناة التي يعشيها الفلسطينيين جراء الحرب التي يشنها جيش الاحتلال».
واستعرض الإعلامي أحمد موسى نص تهنئة النائب محمد أبو العينين، لـ مسعد بولس بعد قرار دونالد ترامب، مستشاراً رفيعاً للشؤون العربية وشؤون الشرق الأوسط، وجاء نص التهنئة كالتالي:
وقال النائب محمد أبو العينين في نص التهنئة: «أهنئ الصديق العزيز على توليه المنصب الجديد، في خطوة مهمة تعزز من فرص إحلال السلام بالمنطقة، وتفتح نوافذ جديدة للحوار بين الحكومات والشعوب من أجل بسط العدالة والإنسانية، ووضع حد للحروب، وتحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط».
وأضاف النائب أبو العينين: «سعدت كثيرًا بتوليكم هذا المنصب الرفيع، كابن من أبناء الشرق الأوسط، يدرك أنين شعوب المنطقة؛ نتيجة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي».
وتابع: «أنت أهلٌ لهذه المهمة الصعبة، في هذا الوقت الحاسم، أثق في قدراتك- بما تمتلكه من خبرات هائلة في عالم السياسة والعلاقات الدولية، وفكر يسعى دائمًا للسلام- على تحقيق ما تتطلع له شعوب المنطقة من تهدئة وسلام، وحق الحياة، ونبذ الصراعات.. خالص التهاني القلبية، وتمنياتي بالتوفيق في مهمتكم الجديدة».