سودانايل:
2025-04-17@15:28:27 GMT

إعادة بناء السودان – التحديات والآفاق

تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT

العنوان الرابع : إعادة بناء السودان - التحديات والآفاق

د. احمد التيجاني سيد احمد

**مقدمة**
**السودان يواجه لحظة مصيرية في تاريخه، حيث انقسمت البلاد إلى مناطق سيطرة مليشيا قوات الدعم السريع (الجنجويد) في الخرطوم، وحكومة الجيش المؤدلج المدعومة من بقايا النظام السابق (فلول الكيزان) في بورتسودان. الحرب المستعرة أدت إلى نزوح داخلي لما يقارب ٩ ملايين شخص، وهجرة ٤ ملايين آخرين إلى الدول المجاورة، مخلفة وراءها مشهداً إنسانياً كارثياً وواقعاً سياسياً معقداً يهدد بتفكك الدولة.

يعتبر المشهد الأكثر فظاعة في العالم !

**هذه الحرب ليست إلا امتداداً لصراعات السلطة التي غذتها جماعات تسلطية استخدمت الدين والقبلية وانتماء عروبي عنصري كوسائل لتبرير تسلطها. اخترقت هذه الجماعات المؤسسات الوطنية وأضعفتها، ما أدى إلى خلق فراغ سياسي وأمني سمح بتدهور البلاد إلى هذا الوضع الكارثي.

**الواقع المؤلم بعد الثورة**

**منذ سقوط نظام البشير، استمرت الحركة الإسلامية (فلول الكيزان ) في استخدام العنف والقمع لزعزعة أي عملية انتقالية ديمقراطية، من خلال:
*استهداف الشباب:
قنص القيادات الشبابية وتصفية ناشطي لجان المقاومة، ما أدى إلى تراجع زخم الحراك الثوري.
*تفكيك لجان المقاومة:
استخدام العملاء والتضييق الأمني لتدمير البنى التنظيمية للحراك الشعبي.
*العنف الممنهج:
توظيف الجيش والأجهزة الأمنية لقمع المعارضين وترهيب المدنيين.
*التحالف مع المليشيات:
يعمل الكيزان على دعم مليشيات مسلحة واستخدامها كأداة لفرض نفوذهم في مناطق مختلفة
*الدعاية الإعلامية:
تضليل الرأي العام وتشويه صورة المقاومة الديمقراطية.
*إضعاف الحراك الشعبي:
الكيزان يدركون أن أي حركة شعبية منظمة قد تؤدي إلى اجتثاث نفوذهم بالكامل. لذلك، يعملون على القضاء على القيادات الشبابية التي تُلهم الناس بالثورة.
*خلق حالة من الخوف واليأس:
يسعون إلى إحباط السودانيين وزرع اليأس في قلوبهم، من خلال استمرار القمع والفوضى.
*إعادة السيطرة تدريجياً:
رغم سقوط نظامهم في ٢٠١٩ ، يعملون على استعادة السيطرة من خلال تحالفات جديدة مع قوى داخلية وخارجية.

**تحديات حكومات الأمر الواقع**

*إعلان حكومتين متوازيتين، إحداهما في الخرطوم (الجنجويد) والأخرى في بورتسودان (الكيزان)، يعجل بتفكك السودان، حيث أصبحت الدولة ساحة لصراع سلطوي بلا أفق سياسي واضح. في ظل غياب حكومة وطنية تمثل الشعب وتجمع قواه، يتحول السودان إلى نموذج مشابه للصراعات الطويلة في ليبيا واليمن.

**الحلول الممكنة**

١. بناء توافق مدني ديمقراطي:
*تشكيل تحالف واسع يضم جميع القوى المدنية الرافضة للحرب، بقيادة “تقدم” أو كيانات مماثلة.
*وضع برنامج سياسي واضح يرفض عسكرة الدولة ويضمن التحول الديمقراطي.

٢. إعلان حكومة انتقالية معترف بها دولياً.
**في حال فشل التوافق الداخلي، يمكن لـ”تقدم” أو القوى المدنية إعلان حكومة انتقالية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، مع ضمان دعم دولي وإقليمي يتضمن حماية الاتحاد الأفريقي و البند السابع من ميثاق الامم المتحده الذي يهدف لحماية المواطنين العزل بمنع الأعمال التي تهدد السلم ووقوع العدوان.**

٣. توثيق الجرائم ومحاسبة الجناة:
*إنشاء آليات مستقلة لتوثيق الانتهاكات التي ارتكبها طرفا الصراع منذ اندلاع الحرب.
*استخدام هذه الوثائق في المحافل الدولية لمحاسبة الجناة وفرض عقوبات على المتورطين.

٤. تعزيز المقاومة السلمية:
*استعادة روح الثورة باستخدام أساليب مبتكرة مثل العصيان المدني والإضرابات الشاملة.
*دعم القيادات الشبابية في الداخل والخارج وحمايتها من التصفية.

٥. التركيز على الإعلام المستقل:
*توجيه الجهود لدعم إعلام مستقل يفضح ممارسات الأطراف المتصارعة ويعيد توحيد السودانيين حول مشروع وطني جامع.

٦. إعادة السودان إلى أجندة المجتمع الدولي:
*الضغط على الدول الكبرى والمنظمات الدولية لدعم الحل السياسي في السودان بدلاً من تأجيج الصراع.

**التحديات الدولية والإقليمية**

*تشابك المصالح: القوى الإقليمية والدولية تنظر إلى السودان من زاوية مصالحها الخاصة، مثل الموارد الطبيعية والموانئ.
*الأزمات العالمية: انشغال العالم بأزمات كبرى مثل الحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، أدى إلى تراجع اهتمامه بالسودان.
*انعدام رؤية موحدة: غياب قيادة سودانية موحدة يعقد الجهود الدولية لحل الأزمة.

**خلاصة: خارطة الطريق نحو المستقبل**

**إعادة بناء السودان تتطلب جهوداً موحدة من القوى المدنية والشبابية (باستثناء حزبي الحركة الإسلامية الموتمر المحلول والشعبي و تنظيماتها الشبابية والمهنية) لاستعادة مشروع الدولة الديمقراطية. رغم التحديات، يمكن للسودانيين استعادة مكانة بلادهم إذا نجحوا في تجاوز الانقسامات الداخلية وتوحيد رؤيتهم لمستقبل مشترك.

**السودان بحاجة إلى إرادة جماعية ورؤية موحدة و استراتيجية مدروسة و تحركات متكاملة تنقذه من المصير المظلم، وتعزز أمل السودانيين في وطن آمن وديمقراطي**

**رسالة للشباب السوداني:
الشعب السوداني أظهر شجاعة تاريخية في مواجهة الديكتاتورية والعنف. استهداف قادة الحراك لن يُطفئ روح المقاومة، بل يجعل النضال أكثر إلحاحًا. السودان بحاجة إلى شبابه أكثر من أي وقت مضى، والنصر سيكون حليفهم إذا توحدوا في مواجهة الظلم

نواصل
د. احمد التيجاني سيد احمد
٢ ديسمبر ٢٠٢٤ عنتيبي كمبالا

 

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

السلم الاجتماعي في مرحلة ما بعد الحرب

على فراشِ الموت
يرسمُ الوطن خارطةً جديدة.
لكن الخطوط ترتعش،
كأنها تخشى أن تكون بدايةً،
لنهايةٍ أخرى.

(قصيدة: وطن معلق على حافة النسيان للشاعر ادوارد كورنيليو)

في مرحلة ما بعد الحرب، تبرز أهمية السلم الأهلي والاجتماعي كأولوية قصوى لإعادة بناء المجتمع والدولة في السودان، لا سيما في دارفور، حيث مزقت الحرب النسيج الاجتماعي وأضعفت الثقة بين المكونات السكانية. ولأن الدولة المركزية ومؤسساتها الرسمية (superstructure) باتت عاجزة، أو غير موجودة عملياً، في أغلب مناطق النزاع، فإن العبء الأكبر يجب أن تتحمله الإدارات الأهلية، كجزء من البنية التحتية الاجتماعية (substructure) التي ما زالت تتمتع بشرعية اجتماعية وقدرة على الوساطة والتأثير المحلي.

يمكن لآلية تقودها الإدارات الأهلية، إذا ما توفر لها الإطار الأخلاقي والمنهجي السليم، أن تلعب دوراً محورياً في رأب الصدع، خصوصاً في ملف دار مساليت الذي أصبح جرحاً مفتوحاً قابلاً للاستغلال من قبل أطراف متعددة. فبينما تعمدت بعض النخب المركزية على مدار عقود إلى بث الفتن بين مكونات المنطقة، ها هي اليوم تعمل على تجنيد شباب المساليت لأغراض التعبئة القبلية، وليس من أجل نزع الألغام المجتمعية والسياسية التي ظلت الاستخبارات العسكرية تستزرعها بوعي ممنهج.

أما الجهات الغربية، فقد اختزلت ما جرى في دار مساليت في سردية الإبادة الجماعية، متناسية أن الجريمة وقعت نتيجة لصراعات مركبة غذتها الدولة المركزية وأدارتها ضمن سياسة “فرّق تسد”، فتمّت عسكرة الهوية وتسييسها من أجل إضعاف أي إمكانية لبناء تحالفات محلية قادرة على فرض معادلة حكم عادلة أو إحداث اختراقات تنموية ذات طابع جهوي.

ولا يغيب عن أي متابع لتاريخ دارفور السياسي والاجتماعي التداخل العميق بين السودان وتشاد، خاصة في البعد العسكري. فزغاوة دارفور هم من اقتلعوا حسين هبري ومكّنوا إدريس دبي من الحكم، ومع ذلك فإن زغاوة تشاد اليوم يتحفظون على دعم مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، لسببين اثنين: أولاً، إدراكهم أن النخب العسكرية في المركز تريدها حرباً قبلية تُضعف الزغاوة والزرقة معاً وتخرجهم من معادلة الحكم. وثانياً، لعلمهم أن جبريل ومني لا يمثلان الهامش بصدق، فقد قبض الأول ثمن صفقة أبوجا ورهن نفسه لتجار الحروب، بينما استخدم الثاني حركة العدل والمساواة كأداة لتنفيذ أجندة الإسلاميين، لا سيما خلال تحالفه مع خليل إبراهيم الذي أدخل دارفور في أتون صراع لصالح مركز الخرطوم، لا لصالح أبنائها.

اليوم، دفعت ذات الحركة الإسلامية بالكادر التنظيمي صالح عبد الله، رئيس مجلس شورى الزغاوة، بهدف توظيف فصيلي جبريل ومناوي واستخدامهما لتفجير صراع بين أهل دارفور، وهو صراع لا يخدم الزغاوة بل يخدم المركز، وتحديدًا يخدم "عصابة الإنقاذ" التي تسعى للهيمنة على أي محاولة لبناء كتلة سياسية جديدة تنطلق من الهامش.

ما لم تعمل النخب الواعية بقضايا الدولة وأسس البناء السياسي على رأب الصدع بين مستويات الحكم والسلطة، بين الـsuperstructure والـsubstructure، فإننا نخاطر بإعادة إنتاج دولة فاشلة. ومجرد انفصال دارفور أو أي إقليم آخر عن السودان لا يضمن بالضرورة الخلاص من أمراض الفساد والاستبداد، ما لم تكن هناك مراجعات حقيقية للمنظومة السياسية والقيمية التي زرعها نظام الإنقاذ وأدمنتها نخب ما بعد الإنقاذ.

الحذر كل الحذر من اختزال تحرير الفاشر في كونه مناجذة قبلية، بل هذه انتفاضة شعبية يجب أن تعقبها مساومة تاريخية تقيم لكل قبيلة وزنها من مساهمتها في التنمية والسلام الأهلي والاجتماعي. هنالك دور مهم يجب أن تقوم به نخب الرزيقات والزغاوة خاصة، سيما أنهما الكيانان اللذان تم استغلالهما وتوظيفهما من قبل المركز العروبي الإسلامي، ولذا فهما يتحملان مسؤولية أكبر في محاولتهما لخلق السلام ورتق النسيج الاجتماعي.

وإذا ما ورثت حكومة التأسيس القادمة نظام المحاصصة الراهن، فإنها ستخفق في استقطاب الكادر المؤهل القادر على بناء الدولة، وسندخل ذات الدائرة الشريرة التي غرقت فيها دولة جنوب السودان. لا بد من تجاوز معيار كبر القبيلة أو صغرها، والانحياز بدلاً من ذلك إلى معيار العدالة والمشروعية، وتأسيس بنية قاعدية تشجع على الانتقال التدريجي من الوعي القبلي إلى الممارسة المدنية.

وإذ تعمد بعض نخب المركز إلى الدفع نحو خيار الانفصال لإحساسها بأن الكفة الديمغرافية والاقتصادية لم تعد في صالحها، فإن المطلوب اليوم هو مقاومة هذا الاتجاه الضيق، والانخراط في مشروع وطني يغلّب الخيار المدني الديمقراطي. فغرب السودان يمتلك الموارد البشرية والمادية، لكن عليه ألا يركن فقط إلى منطق السلاح، بل أن يقود مسار التحول الديمقراطي، مسلحاً بالفكر والرؤية الأخلاقية والسياسية العميقة.

auwaab@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • المرأة المثقفة.. رؤية معاصرة بين التحديات والإنجازات
  • السفير عماد عدوي: منفتحون على شتى المبادرات الدافعة لجهود إعادة الإعمار
  • سردية لندن: مؤتمر لم يُصفّق له الكيزان ولم يحضره القتلة
  • الهجرة الدولية: ثلثا سكان السودان في حاجة ماسة للمساعدات الغذائية
  • بعد عامين على الحرب.. من يتحمل فاتورة إعادة إعمار السودان؟
  • بعد عامين من الحرب هل ينجح السودان في النهوض باقتصاده؟
  • السلم الاجتماعي: مرحلة ما بعد الحرب
  • السلم الاجتماعي في مرحلة ما بعد الحرب
  • الأمم المتحدة: عامان على كابوس الحرب – أزمة إنسانية غير مسبوقة تهدد جيلا بأكمله في السودان
  • وزير الرياضة يشهد انطلاق سلسلة الحوارات الشبابية