سودانايل:
2025-04-29@11:22:37 GMT

فهم طبيعة حرب السودان مدخل لإيقافها

تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT

أشرنا في مقالنا السابق إلى أن أي منبر، دولي أو إقليمي أو سوداني، يسعى لوقف حرب السودان، يجب أن يستند إلى إعلان مبادئ يشكل المدخل الأساس والأرضية الضرورية لعملية التفاوض حول وقف الحرب وإنهائها، شريطة أن توافق عليه كل الأطراف المتحاربة، وأن تجمع عليه القوى المدنية والسياسية السودانية، وهي أصلا المناط بها ابتدار مسودته.

ولكنا استدركنا في ذات المقال قائلين إن إعلان المبادئ وحده ليس كافيا لوقف الاقتتال، لكنه يشكل معيارا أو إطارا يحكم سقف المواقف ودرجة التنازلات الممكنة في العملية التفاوضية، بمعنى يجب ألا تصل الأمور إلى درجة التصادم بين محتوى إعلان المبادئ ومحتوى المواقف المطروحة على طاولة العملية التفاوضية وما سيتم الاتفاق حوله، وتحقيق الهدف الرئيسي في وقف الحرب والانتقال المدني الديمقراطي. وبما أن إعلان المبادئ وحده ليس كافيا لوقف الحرب، فلابد أن تتبعه الرؤية التي تشكل محتوى وتفاصيل العملية التفاوضية التي ستُطروح أجندتها في المنبر، للسير بها في اتجاه وقف الحرب ووضع أسس عدم تجددها أو إعادة إنتاج الأزمة في البلاد.
أما الجهة المناط بها صياغة هذه الرؤية والتوافق على محتواها، فهي أيضا القوى المدنية والسياسية السودانية. وجوهر هذه الرؤية، حسب وجهة نظرنا، هو مجموع الإجابات على ما أسميناه بالأسئلة الصعبة المتعلقة بحرب السودان، والتي طرحناها في مقالنا السابق، وابتداء من قال اليوم سنناقش الخيارات والإجابات الممكنة على هذه الأسئلة.
الإدراك والفهم الصحيحان لجوهر وطبيعة هذه الحرب يمثلان معا المدخل الرئيسي لكيفية وقفها وإنهائها. وهو جوهر نتاج تفاعل مجموعة من العوامل المجتمعة والمتداخلة، فيها الآني المستحدث وفيها القديم المتجدد الذي تمتد جذوره عميقا، وفيها البعد الداخلي المحلي والبعد الإقليمي والدولي. لذلك، أي عامل من العوامل التالية سيكون صحيحا في تفسير جوهر وطبيعة هذه الحرب وأسبابها، ولكنه لن يكون العامل الوحيد وسيظل تفسيرا جزئيا:
عامل الصراع الداخلي حول السلطة بين مراكز القوى في الجيش والدعم السريع مقرونا أو مستقويا بمحاولات النظام القديم لاستعادة السيطرة على السلطة التي اقتلعتها ثورة الشعب، بعد أن تجهز على الثورة وتودعها متحف التاريخ.

الخلاف بين قيادتي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع حول الترتيبات العسكرية ومواقيت دمج القوات الثانية في الأولى، زاد من توتر العلاقة بين الطرفين

الخلاف بين قيادتي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع حول الترتيبات العسكرية ومواقيت دمج القوات الثانية في الأولى، زاد من توتر العلاقة بين الطرفين، لكن لا يمكن اختزال سبب اندلاع القتال فيه. فالمشتركات بين القيادتين كثيرة منها الرحم الواحد، والتاريخ المشترك في دارفور وفي حرب اليمن وفي 11 و13 أبريل/نيسان 2019 وفي مذبحة فض الاعتصام وفي الإنقلاب على الفترة الانتقالية، كما كانا يتشاركان ذات العلاقة الخاصة مع حلفاء خارجيين في الجزيرة العربية وفي شرق البحر الأبيض المتوسط.
هذه المشتركات، وغيرها كثر، كان من الممكن أن تعالج الخلاف حول الترتيبات العسكرية بكل بسهولة، خاصة أن مسألة دمج القوات أصلا ليست بذلك التعقيد العصي على الحل.
نكرر قولنا بأن الحرب هي شكل تجل للأزمة الوطنية العامة التي ظلت ممسكة بتلابيب الوطن منذ فجر استقلاله، والتي طبعت بميسمها كل أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية في البلاد. وهي أزمة تعود جذورها إلى فشل النخب السودانية في إنجاز المهام التأسيسية لبناء دولة ما بعد الاستقلال الوطنية، فظلت هذه المهام مؤجلة ومتراكمة، ثم تفاقمت بالمعالجات القاصرة والخاطئة على أيدي الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت على الحكم منذ الاستقلال، والتي لم تركز إلا على كيفية بقائها واستمرارها في السلطة. وظلت هذه الأزمة تتجلى وتعبر عن نفسها في حالة الاضطراب وعدم الاستقرار في البلد، وفي تعاقب الانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية، وفي النزاعات العرقية والحروب الأهلية وانفصال جنوب السودان، ثم جاءت هذه الحرب الأخيرة كشكل تجل آخر لها ولكن وفق خصائص جديدة عنوانها تهجير السكان وتدمير البنى التحتية وتفتيت وحدة البلاد وتقسيمها.
عومل إقليمية ودولية ترتبط بالصراع الدولي حول الأمن الغذائي والأراضي الزراعية والسيطرة على الموانئ والممرات المائية، كما ترتبط بموقع السودان الجيوسياسي والذي جعله في مرمى نزاعات البلدان المجاورة، وصراعات القرن الأفريقي ومنطقة الساحل، وكذلك في مرمى تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي وسعي إسرائيل للتمدد إفريقيا. كما أن الموقع الجيوسياسي، يقحم السودان في التنافس الحاد بين أمريكا والغرب من جانب وروسيا والصين من الجانب الآخر حول منابع البترول في الجزيرة العربية، وحول منطقة البحيرات في أفريقيا، وحول المعادن والمنابع الجديدة للطاقة وطرق نقلها، وحول السيطرة على السوق العالمي وممرات التجارة الدولية. ومعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع الصين كمهدد استراتيجي لمصالحها، وتسعى لعرقلة المشروع الصيني الضخم المعروف بمشروع الحزام وطريق الحرير، والذي يمر بالسودان وأجزاء من القارة الأفريقية.
ومن زاوية أخرى فإن حرب السودان ليست ببعيدة عن المواجهة الحادة ضد تيارات الإسلام السياسي في المنطقة. وإذا ربطنا كل ذلك بتطاول أمد الحرب وانتشارها، خاصة في مناطق الزراعة والموارد والإنتاج، وبتقاصر الجهود الإقليمية والدولية عن تنفيذ الآليات الممكنة لمنع هذا التطاول والانتشار، ولو فقط بمنع تدفق الأسلحة المتواصل وبكثافة إلى داخل البلاد، يجوز لنا القول، وكررنا ذلك كثيرا، بأنها أيضا حرب بالوكالة، وضد السيادة السودانية، كما تسعى داوئر بعينها لاستغلال هشاشة الدولة لضربها وتقسيمها. آخذين هذه العوامل في الاعتبار، فإن الرؤية المشار إليها لوقف الحرب، يجب أن تتناول المصالح الإقليمية والدولية في السودان، وارتباطات هذه المصالح بالصراع في البلاد، ووضع حلول عملية لمعالجتها، وكيف يمكن للقوى المدنية والسياسية السودانية التعامل مع الشركاء الدوليين الداعمين لوقف الحرب دون تفريط في السيادة الوطنية، وذلك وفق رؤية موحدة ومتوافق عليها تشكل سدا أمام سعي التدخلات الخارجية المحموم للاستفادة من الحرب في تنفيذ مخططاتها الإستراتيجية، وفي نهب موارد البلاد.

نقلا عن القدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: حرب السودان

إقرأ أيضاً:

تصاعد استخدام المسيّرات في الحرب السودانية .. «قوات الدعم السريع» تواصل قصف مواقع مدنية وعسكرية

كمبالا: أحمد يونس/الشرق الأوسط: تجددت هجمات الطائرات المُسيرة التابعة لـ«قوات الدعم السريع» لليوم الثاني على التوالي، مستهدفة عدة مواقع عسكرية وبنية تحتية في السودان، من بينها مصفاة البترول في منطقة الجيلي بشمال مدينة الخرطوم بحري، وأيضاً محطة كهرباء مدينة بربر في شمال البلاد، ومصنع أسمنت قرب مدينة عطبرة الشمالية، بينما سُمعت أصوات انفجارات في منطقة كرري حيث تُوجد قاعدة «وادي سيدنا» الجوية، وهي أكبر القواعد الجوية التابعة للجيش، كما تُوجد أيضاً الأكاديمية العسكرية، ومراكز قيادة رئيسية.

وعادة لا يعلق الجيش على خسائره جراء قصف مناطقه العسكرية، ويكتفي بالقول إن مضاداته ودفاعاته الأرضية تصدت للمسيرات؛ لكن رئيس مجلس السيادة قائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان، توعد بوضع حد لهجمات المسيرات التابعة لـ«قوات الدعم السريع» في أعقاب قصفها المكثف على قاعدة «وادي سيدنا» فجر السبت، في ضواحي العاصمة الكبرى الخرطوم.

ومنذ استرداد الجيش للعاصمة الخرطوم، وطرد «قوات الدعم السريع» منها بعد سيطرتها عليها لنحو عامين، يرى مراقبون أن الحرب تحولت إلى حرب مسيرات، مرجحين أن تكون «قوات الدعم السريع» قد حصلت مؤخراً على مسيرات حديثة، تفوق قدرات الجيش في التصدي لها.

مسيرات «Ch-95» الصينية
وكانت «قوات الدعم السريع» تستخدم في السابق مجموعة متنوعة من المسيرات، تغلب عليها المسيرات الانتحارية البدائية. لكن تقارير إعلامية محلية أشارت أخيراً إلى حصول «الدعم السريع» على طائرات مسيرة مجنحة حديثة من طراز «Ch - 95» صينية الصنع، وهي مسيرات هجومية قادرة على الاستطلاع وجمع المعلومات، وتسديد ضربات دقيقة لأهدافها، ما يفسر دقة الهجمات الأخيرة، وفشل المضادات الأرضية التابعة للجيش في التصدي لها. وأصبحت الهجمات بالطائرات المسيَّرة بعيدة المدى ظاهرة جديدة في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» التي دخلت عامها الثالث.

ونقل شهود أن مسيرات استهدفت محطة كهرباء مدينة بربر في ولاية نهر النيل بشمال السودان، فجر الأحد، ما أدى إلى اندلاع النيران في المحطة التي لا تبعد كثيراً عن مدينة عطبرة، حيث تعرضت محطتها الكهربائية أيضاً إلى قصف مشابه مساء الجمعة. وتسبب الهجومان في قطع التيار الكهربائي عن ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر.

وتسببت الهجمات المتواصلة في أضرار كبيرة لمحطات الكهرباء، وانقطاع التيار الكهربائي عن ولايات في شمال وشرق ووسط البلاد، بما في ذلك مدينة بورتسودان الساحلية، العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد.

وفي الأسابيع الماضية، استهدفت «قوات الدعم السريع» بالطائرات المسيرة منشآت الكهرباء ومطارات ومخازن الوقود، في مدن دنقلا ومروي وعطبرة والدامر وشندي، بشمال البلاد، وهي مناطق بعيدة جداً عن جبهات المواجهة.

مصفاة النفط
وفي الخرطوم، تناقل شهود ووسائط تواصل اجتماعي، أن مسيرات «الدعم السريع» استهدفت مصفاة الجيلي النفطية صباح الأحد، ما أدى إلى اشتعال النيران فيها. وقالوا إنهم شاهدوا ألسنة اللهب من مسافات بعيدة، بينما ذكرت منصات موالية للجيش أن القصف استهدف مستودع غاز الطبخ الرئيسي في المصفاة. كما تداولت منصات تابعة للجيش أن مضاداته الأرضية تصدت لهجمات المسيرات، لكن بعضها أصاب المصفاة في الجيلي، ومحطة كهرباء بربر، ومصنعاً للأسمنت قرب مدينة عطبرة.

وكثفت «قوات الدعم السريع» هجماتها بالمسيرات التي استهدفت مواقع مدنية وعسكرية خلال اليومين الماضيين، خصوصاً في المدن الشمالية، مثل عطبرة، والدامر، وبربر، بالإضافة إلى مدينة أم درمان، إحدى مدن العاصمة المثلثة التي تضم أيضاً مدينتي الخرطوم وبحري.

وفي الآونة الأخيرة، استخدمت «قوات الدعم السريع» مسيرات حديثة مجنحة ومسيرات انتحارية، في شن العديد من الهجمات على محطات الكهرباء في عدد من الولايات الشمالية التي يسيطر عليها الجيش، مثل نهر النيل، والقضارف، والنيل الأبيض، بالإضافة إلى قصف «سد مروي» الذي يزود البلاد بمعظم حاجتها من الكهرباء.

وكانت انفجارات ضخمة قد هزت في ساعة مبكرة من صباح السبت، أكبر قاعدة جوية للجيش السوداني في شمال أم درمان، فيما قال المستشار بـ«قوات الدعم السريع»، الباشا طبيق، إنه جرى استهداف القاعدة وتدمير عدد من الطائرات الحربية والمسيَّرات ومخازن الأسلحة والذخائر. وأضاف في تدوينة على منصة «إكس» أن «هذا الاستهداف رسالة بأن الحرب دخلت مرحلة جديدة الآن».  

مقالات مشابهة

  • كيف انتزعت الطبقة العاملة السودانية حق التنظيم النقابي؟
  • البرهان في القاهرة… دلالة الزيارة ومآلاتها والرسائل التي تعكسها
  • عماد السنوسي يتحدث عن الدور المصري الفاعل في الأزمة السودانية
  • قيادي بحزب المؤتمر: العلاقات المصرية السودانية ركيزة لاستقرار المنطقة
  • الصحة تحت النار: أثر الحرب على المنظومة الصحية السودانية
  • إضاءة على تجربة وتداعيات تغيير العملة السودانية
  • السلطات السودانية تقبض على 2 طن في أكبر عملية بعمق البحر الأحمر
  • تصاعد استخدام المسيّرات في الحرب السودانية .. «قوات الدعم السريع» تواصل قصف مواقع مدنية وعسكرية
  • الخارجية السودانية تستدعي القائم بأعمال السفارة الصينية في السودان لاستيضاحه حول كيفية امتلاك الدعم السريع مُسيّرات صينية استراتيجية
  • البرهان يلتقي السيسي في القاهرة الاثنين القادم ويفتتح مباني السفارة السودانية الجديدة