محمد تورشين
باحث وكاتب في الشؤون الأفريقية
شهدت فرنسا تراجعًا ملحوظًا في نفوذها داخل مستعمراتها السابقة، ولا سيما في منطقة الساحل الإفريقي، حيث بدأ النفوذ الفرنسي في الانحسار منذ أن طالبت مالي بإعادة النظر في الوجود العسكري الفرنسي في إطار عملية "برخان". هذه العملية مكنت فرنسا من الانتشار عسكريًا في دول الساحل الإفريقي، بدءًا من مالي مرورًا ببوركينا فاسو والنيجر وصولًا إلى تشاد، وذلك للتصدي للهجمات المتكررة التي شنتها الحركات المسلحة في مالي، مثل "جبهة تحرير أزواد" والجماعات الجهادية، التي كادت أن تسيطر على العاصمة باماكو.
في خطوة غير مفاجئة، أعلنت جمهورية تشاد مؤخرًا عن رغبتها في إعادة تقييم الاتفاقيات الدفاعية والأمنية مع فرنسا، وذلك خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الفرنسي إلى نجامينا. إلا أن هذه الخطوة جاءت مختلفة عن مواقف دول الساحل الأخرى مثل مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، التي قطعت علاقاتها العسكرية والأمنية مع باريس في ظل أنظمة عسكرية ألقت باللوم على فرنسا في الإخفاقات الأمنية والتنموية.بيان وزارة الخارجية التشادية لم يتضمن هجومًا على فرنسا، ولم يحملها مسؤولية الإخفاقات الأمنية أو التنموية التي تعاني منها البلاد. تعتبر تشاد واحدة من أفقر دول العالم، وتعاني من غياب التنمية المتوازنة وضعف الحوكمة، ما يجعل قرارها يبدو متناغمًا مع التوجه الفرنسي الجديد لإعادة صياغة علاقاتها مع الدول الإفريقية.
بحسب تقارير صحفية، تسعى باريس إلى اعتماد مقاربة مختلفة لإعادة بناء علاقاتها مع إفريقيا، مع التركيز على قواعدها العسكرية الرئيسية في جيبوتي، الغابون، وساحل العاج، لضمان استقرار مصالحها في شرق ووسط وغرب إفريقيا. في الوقت نفسه، بدأت فرنسا البحث عن شراكات جديدة مع الدول الناطقة بالإنجليزية مثل نيجيريا وغانا، وأيضًا مع الدول الناطقة بالبرتغالية والإسبانية مثل غينيا بيساو وغينيا الاستوائية، لاستكشاف مناطق نفوذ جديدة، كما فعلت في أنغولا وموزمبيق.على الجانب الآخر، تواجه فرنسا منافسة شديدة، ليس فقط من روسيا التي تعتمد على أدوات عسكرية وأمنية مثل مجموعة "فاغنر"، بل أيضًا من الصين وتركيا، اللتين تعززان حضورهما عبر استثمارات اقتصادية واسعة في القارة الإفريقية .
لا يزال البعد الثقافي واللغوي أحد أبرز أدوات فرنسا لترسيخ وجودها في إفريقيا. لكن استمرار هذا التأثير يتطلب معالجة التحديات والانتقادات التي توجه إليها من القادة الأفارقة. وعلى رأس هذه المطالب تقديم اعتذار صريح عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت خلال الحقبة الاستعمارية.
ختاما ، إن خطوة تشاد لإعادة النظر في شراكاتها الدفاعية مع فرنسا تعكس تحولًا مهمًا في العلاقات بين باريس ومستعمراتها السابقة. وإذا ما استطاعت فرنسا استيعاب التطلعات الإفريقية ومعالجة مخاوف القيادات والشعوب في القارة، فقد تتمكن من استعادة دورها كلاعب مؤثر في إفريقيا، ولكن بنهج مختلف تمامًا عن الماضي.
mohamedtorshin@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية الفرنسي غدًا بالقاهرة للمشاركة في المؤتمر الدولي لدعم المساعدات الإنسانية لغزة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتوجه وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، إلى القاهرة غدا الإثنين؛ للمشاركة في مؤتمر دولي لدعم وتعزيز "الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة"، وذلك في ختام جولته الإفريقية الحالية التي شملت تشاد وإثيوبيا، وهي الأولى له منذ توليه منصبه في سبتمبر الماضي.
ففي تشاد، التقى بارو بلاجئين من السودان، وأجرى مباحثات مع السلطات التشادية.
وكان الوزير الفرنسي قد أعلن - خلال مقطع فيديو بثته وزارة الخارجية الفرنسية في وقت سابق - أن الصراع في السودان خلق أكبر أزمة إنسانية، حيث يوجد 11 مليون نازح و25 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، موضحا أن أحد أهداف هذه الزيارة هو ضمان متابعة الالتزامات التي تعهد بها المشاركون في المؤتمر الذي عقد في باريس في أبريل الماضي بقيمة ملياري يورو.
ثم توجه "بارو" إلى أديس أبابا، حيث التقى برئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي محمد، لمناقشة تعزيز المؤسسات متعددة الأطراف، وحل الأزمات، بالإضافة إلى قضايا المناخ والصحة.
واليوم، يزور الوزير الفرنسي السنغال، ليمثل فرنسا في احتفالات الذكرى الثمانين "لأحداث ثياروي".
ثم يختتم الوزير الفرنسي جولته الإفريقية غدا بالقاهرة ليمثل فرنسا في المؤتمر الدولي لدعم المساعدات الانسانية لغزة، حيث تُكثف مصر جهودها للحشد دوليا لتقديم المساعدات الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني، بما يُسهم في التخفيف من وطأة معاناته الإنسانية.
ثم ينضم وزير الخارجية الفرنسي - بعد ذلك - إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة الدولة التي يقوم بها إلى المملكة العربية السعودية والتي تستمر ثلاثة أيام.
وكان وزير الخارجية الفرنسي قد أعلن - في مقطع الفيديو - أن هذه الجولة تعد فرصة للتأكيد مجددا على رسالة قوية وهي أن فرنسا تقف بجانب شركائها الأفارقة لرسم - معهم - مستقبلا يسوده السلام والتضامن والازدهار المشترك.