ثمة جهود متلاحقة لوقف الحرب من أطراف عدة، سواءً الحرب السودانية أو الأوكرانية، لكن السؤال الجوهرى الذى قد يكشف لنا الكثير : لماذا يراد للحرب أن تستمر؟

الإجابة السريعة الحاضرة فى الأذهان "فتش عن المستفيد"، لا بد أن هناك طرفاً أو أطرافاً لديها مصالح فى استمرار هذه الحرب أو تلك، فمهما تكن الدوافع التى من أجلها قامت الحرب، فإنها ستختلف حتماً عن الدوافع لاستمرارها أو لإيقافها؛ لاسيما وقد استفحلت الخسائر لدى أطراف الحرب جميعا.

دعونا قليلاً من الحرب الأوكرانية الروسية، ولنحاول الاقتراب أكثر من المشهد السودانى الأليم لعلنا نفهم بعض أسبابه وقليلاً من أسراره.

مأساة السودان

خمسة أشهر أو نحوها مرت على الحرب السودانية التى تسير وتيرتها من سيئ إلى أسوأ..
كنت من أول المحذرين أن تتحول تلك الحرب إلى حرب عصابات وشوارع تجرى بين البيوت والمساكن ويتحول السودانيون فيها إلى دروع بشرية أو ضحايا سلبيين عزل من السلاح.

الآن تنتقل الأحداث من قلب العاصمة السودانية إلى غربها ثم إلى طرقها الرئيسية ومعابرها، لا تدع الفرصة حتى للفرار من أتونها المستعر وكلما استمرت الحرب استمرت المعاناة.

البيوت مهدمة من القصف المستمر، والمحال التجارية مغلقة، وسائر الأعمال معطلة بعد أن أغلقت المصارف والبنوك أبوابها وانتشرت الميليشيات تهدد الناس فى أرزاقها، وما زاد الطين بلة أن الكهرباء والمياه متوقفة ما يهدد بكارثة إنسانية ضخمة؛ حيث يهدد شبح المجاعة نحو 20 مليون سودانى تحت خط النار!

كل هذا ليس أسوأ نتائجها، فالحرب أدت إلى ما هو أسوأ بكثير؛ المشارح اكتظت بالجثث حتى فاضت، وانتشرت المقابر الجماعية بعد أن تناثرت الجثث فى الشوارع والطرق وعلى أسطح المنازل، وتُركت الجثث لتتعفن وتتحلل فى العراء، وباتت أكثر المهن المطلوبة فى السودان مهنة حفارى القبور لدفن القتلى من المدنيين والعسكريين. 

وغدت الأوبئة هى التهديد الأكبر بعد الرصاص لحصد الأرواح، وسُجلت حالات وفاة جراء الحصبة والكوليرا والحمى بأنواعها، وبات من المرجح عودة أوبئة أخرى كالملاريا للظهور. 

وبات السودان فى انتظار كوارث بيئية وصحية إلى جوار الحرب والجوع والفيضان القادم. 

كل هذا وأمراء الحرب يصمون آذانهم عن صوت العقل لا يريدون الاستماع إلى أحد!! اللاعبون فى الفناء الخلفى.

بدأ الصراع بطرفين أساسيين ولاعب أو أكثر من خلف الكواليس، ثم ما لبث اللاعبون أن تكاثروا على مسرح النزاع، منهم من يريد إنهاءه ومنهم من يريد له مزيدا من الاشتعال!

فرنسا والغرب لديهم مصلحة فى تهييج الصراع حتى يثمر تقسيماً وانفصالاً لإقليم دارفور الغنى بالموارد، لاسيما وقد فقدت الكثير من نفوذها فى الشرق والغرب الأفريقي، وربما نذكر كيف خرجت فرنسا منذ عقود من شرق القارة بفعل ترويكا "ثلاثية" أنجلوساكسونية، واليوم تخرج من غربها بفضل ترويكا روسية جزائرية غرب أفريقية. 

ولمن لا يصدق أن فرنسا أحد اللاعبين من خلف الكواليس؛ ما جاء من خبر إلقاء القبض على جنود فرنسيين على الحدود السودانية التشادية قبل أسابيع.

 هناك دول إقليمية بدأت فى استثمار الصراع الدائر للخروج بمكاسب آنية أو مستقبلية ومن أبرزها إثيوبيا وتشاد. 

هؤلاء أصبح لهم تواجد على أرض الصراع بشكل أو بآخر، ثم هناك المصلحة السعودية والإماراتية فى السودان وهى مصلحة قد تستمر لما بعد الحرب، وربما يكون للدولتين دور بارز فى القدرة على إقناع الأطراف بالجلوس على مائدة المفاوضات.

الصين أيضاً لديها مصالح فى السودان كأحد أكبر المستثمرين فى أفريقيا عامة والسودان خاصة، إلا أن مصلحة الصين تقتضى تهدئة الأجواء أولاً وخلق بيئة صالحة للاستثمار الآمن، لهذا فإن الصين لا تلعب دور مؤجج الحرب، كما لا يبرز لها دور بارز من خلف الكواليس. 

تركيا أيضاً تريد أن تضع لنفسها موضع قدم كلاعب فرعى من خلف الكواليس وإن شغلها عن هذا الدور شاغل.

حرب باردة خلف الساحة

 الولايات المتحدة الأمريكية بطبيعة الحال لا بد لها أن تلعب دورها كشرطى للعالم، فكيف اقتحمت مسرح الصراع؟ وبماذا تهدد؟ وما حرصها على أن تضع آذانها وأذنابها هناك؟
 سائر الدول التى أجلت مواطنيها نقلتهم عبر الطائرات من جيبوتى، أما أمريكا فكان لها رأى آخر؛ حيث استلزم إجلاء الأمريكيين من السودان إرسال ثلاث مدمرات إلى ميناء بورتسودان مع تسيير غطاء جوى من الخرطوم إلى الساحل فى عملية إجلاء غريبة تطلبت، بحسب الأمريكيين، دقة استثنائية لحساسية مقدّرات السفارة الأمريكية وملفاتها إلى الحد الذي قاد الأميركيين إلى تكريم 12 عنصراً من مشاة البحرية شاركوا في هذه العملية!

لكن لماذا بقيت هذه المدمرات الثلاثة ولم تنسحب من مواقعها؟! السبب هو أن ميناء بورتسودان تحديداً بات بؤرة صراع لحرب باردة جانبية بين أمريكا وروسيا.

روسيا كانت متواجدة فى السودان من خلال قوات فاجنر وعلاقتها المعروفة مع حميدتى وشركات استخراج الذهب من دارفور كما أوضحت فى مقال سابق. 

لكن المصلحة الأكبر لروسيا تمثلت فى إقامة قاعدة روسية على الساحل السودانى كان البشير قد عزم على إقامتها قبل أن تنفجر الثورة فى وجهه وتمنعه من تحقيق هذا الهدف. 

هكذا ظل الأمريكيون يترقبون مصير إنشاء هذه القاعدة الروسية عن كثب لمنع إنشائها. وربما كان الروس اليوم أشد حرصاً على تعزيز نفوذهم الإفريقي أكثر مما مضى، لا سيما وقد حظيت أفريقيا بأربع زيارات متتابعة من وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف!

أصحاب السودان.. وأصحاب المصلحة

لقد تم الإعلان عن تخصيص مليار ونصف مليار دولار من المساعدات الأممية للسودان، فهل سيتم تفعيلها حقاً؟ وهل كلها موجهة للمساعدات الإنسانية كما يشاع؟ أم أن لها أغراضاً أخرى؟

هناك دعاة للسلام طوال الوقت، ليسوا جميعاً صادقين فى دعاواهم، وفى مقدمة الصف يقف مؤتمر دول الجوار وعلى رأسه مصر للمناداة بتحكيم صوت العقل فوق كل صوت ينعق بالفوضى واستمرار اشتعال الحرب واستمرار المعاناة للجميع. 

صحيح أن خسائر الحرب تفاقمت والجراح بين الطرفين تعمقت وظهرت دوافع الانتقام والتشفى والرغبة فى الغلبة وبسط السيطرة والنفوذ، إلا أن السبيل سيظل مفتوحاً أمام التهدئة والتفاوض، ما دام هناك عقلاء لديهم القدرة على الوصول والتأثير على أطراف النزاع، والأهم أن يتم وقف تدفق الأسلحة والذخائر من الأبواب الخلفية للحرب.

إن استمرار الحرب بهذه الوتيرة يضاعف من خسائر الجميع حتى أصحاب المصالح المزعومة أنفسهم، أما على المستوى الإنسانى فكم من الوقت سننتظر قبل وقف الحرب؟ وهناك 48 مليون سودانى مهددين فى أرزاقهم ومعيشتهم، و20 مليون مدنى يتهددهم الموت جوعا أو مرضا أو بطلقات الرصاص! وحتى النازحون الذين ارتفعت أعدادهم إلى أكثر من 4 ملايين لاجئ بالدول المجاورة للسودان يتعرضون خلال هجرتهم القاسية لكل أنواع التهديد بالسرقة والنهب والاغتصاب والقتل من العصابات المسلحة المنتشرة بالطرق الرئيسية والمعابر، ناهيك عن أعداد القتلى التى لا يوجد لها حصر رسمى أو تقدير سليم يقترب مع حقيقة ما يجرى من فظائع.

لا بد من إيجاد حل عاجل وحاسم للصراع فى السودان قبل أن تتفاقم المصائب والكوارث الناجمة عن هذا الصراع، وقبل أن تنتقل عدوى الحرب إلى الجناح الغربي من أفريقيا، ذلك الذى ينذر بقرب احتدام صراع دولى جديد وحرب باردة وساخنة تنطلق من النيجر وتنتشر فيما حولها من بلدان لا لشيء إلا لأن بعض القوى الدولية قررت أن يستمر نهبها لخيرات أفريقيا لأطول وقت ممكن!!

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فى السودان

إقرأ أيضاً:

السودان.. مقتل أكثر من 48 شخصا بقصف لقوات «الدعم السريع»

شنَّت قوات “الدعم السريع” السودانية  هجمات عنفة ضد الجيش في العاصمة الخرطوم، ما أدى لمقتل العشرات.

وأفادت صحيفة الأخبار، “بمقتل ما لا يقل عن 48 شخصا خلال يومين من القصف في غرب السودان، خلال المعارك المحتدمة بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان.

وأكدت الصحيفة أن “القصف المدفعي لقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي” تسبب في مقتل 30 شخصا وإصابة العشرات في مدينة الفاشر، كما قتلت 18 شخصا في قصف استهدف سوقا في المدينة”.

وكان الجيش السوداني أعلن، يوم الجمعة، “سيطرته بشكل كامل على حي في مدينة بحري المتاخمة للعاصمة السودانية الخرطوم شمالا، وهي المدينة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ بدء الحرب”.

هذا وتتواصل المعارك بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 ما أسفر عن نحو 13 ألفا و100 قتيل، فيما بلغ إجمالي النازحين في السودان نحو 7.9 مليون شخص، ونحو 2.1 مليون شخص إلى دول الجوار.

مقالات مشابهة

  • راشد عبد الرحيم: هدية لقحت
  • ما السر وراء ازدهار اقتصاد الحرب في روسيا؟
  • أبطال الكيبورد: الحرب ليست نزهة
  • وزير التموين: الدعم النقدي أكثر ضمانة للوصول لمستحقيه
  • لم يستطع أحد أن يرتدي عباءة السلام.. عام من الصراع في الشرق الأوسط
  • نتنياهو يفتح قوس الصراع
  • السودان.. مقتل أكثر من 48 شخصا بقصف لقوات «الدعم السريع»
  • تقرير تقصي الحقائق وقوة حفظ السلام هل تشكل مقدمه للفصل السابع
  • وجه الحرب
  • بصور من الكواليس.. صلاح عبدلله يروج لمسلسل "تيتا زوزو"