“حصون المقاومة .. معركة الوعي بين الإعلام المضلل وعزيمة الأبطال”
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
بقلم : سمير السعد ..
في زمن تتحول فيه الكلمة إلى سلاح، والإعلام إلى جبهة حرب لا تقل شراسة عن ساحات القتال، تتعالى صيحات التحذير من موجة التضليل الإعلامي الممنهج. هذه الآلة الصفراء، التي تُدار بدقة وتوجيه من قوى الظلام والشر، تعمل ليلًا ونهارًا على زعزعة الجبهات الداخلية في سوريا ولبنان وفلسطين، مستهدفة معنويات المقاومين الشجعان الذين يقفون بثبات في وجه الإرهاب المدعوم صهيونيًا.
الاستراتيجية واضحة ، بث الشائعات المغرضة، تضليل الرأي العام، وتشويه انتصارات الأبطال التي تُكتب بدمائهم الزكية على خطوط المواجهة. في المقابل، يبقى صوت المقاومة قويًا، مدعومًا بوطنية الأحرار، ووعي الشعوب الصامدة، التي تأبى أن تصدق إلا ما يخرج من مصادر موثوقة تحكي الواقع كما هو.
النصر قريب، ليس فقط لأن المعركة تُدار بالسلاح، بل لأن الروح الوطنية، والإيمان بالحق، والإرادة الفولاذية للمقاومين، كلها عوامل تؤكد أن هذه الأرض لن تنكسر. سوريا ستظل صامدة، والعراق حصن متين، ولبنان أثبت للعالم أنه أقوى من كل المؤامرات، وفلسطين، حتمًا، ستتحرر بهمة أبطالها، وبعزم شعوب لا تعرف الخضوع.
حين نثق بمصادرنا ونقف صفًا واحدًا في وجه الحملات المضللة، نكون قد حسمنا نصف المعركة. وما النصر إلا مسألة وقت، يكتبه الله بمعية أبطال الجيوش والمقاومين الأشداء الذين لا يعرفون الهزيمة.
وفي خضم هذه المعركة الإعلامية، يبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على وحدة الصفوف وتحصين العقول من الاختراقات التي تسعى إلى زرع الفتنة وإضعاف العزيمة. فالإعلام الموجه، الذي يستهدف تقويض الثقة بين الشعب ومقاومته، لا يقتصر ضرره على تشويه الحقائق فحسب، بل يمتد ليبث الشعور بالعجز واليأس، محاولًا إخماد جذوة الإيمان بالنصر.
لكن الحقيقة التي تغفلها هذه الحملات أن الشعوب التي خبرت المؤامرات وتجاوزت المحن عبر العقود، أصبحت أقدر على تمييز الغث من السمين. فالإيمان بالوطن والحق أقوى من أي أكاذيب تُروّج، وصوت المقاومة لا يمكن إسكاته مهما بلغت قوة الضخ الإعلامي المضلل.
اليوم، تقع المسؤولية على عاتق كل فرد، من مثقفين وصحفيين وناشطين وحتى المواطنين العاديين، في مواجهة هذه الحرب الناعمة. بالوعي واليقظة، وبالتزام النزاهة والموضوعية، نستطيع أن نقطع الطريق على كل محاولات بث الفتن وزعزعة الصفوف.
رسالتنا واضحة ، لا تصدقوا إلا ما يُنقل من مصادر موثوقة، ولا تسمحوا للإشاعات بأن تكون أقوى من الحقيقة. النصر لا يُبنى فقط بالبندقية، بل بالثبات والوعي، وبالعمل معًا نحو مستقبل حر تُرفع فيه رايات العدل والكرامة على كل شبر من أرضنا.
المعركة مستمرة، ولكن نهايتها محسومة ، النصر لقوى الحق والإيمان، والخسران لقوى الظلام والشر. قريبًا، ستشرق شمس الحرية على فلسطين، وستبقى سوريا والعراق ولبنان رموزًا للصمود، وأرضًا لا تُهزم بفضل الله ثم عزيمة أبطالها.
وما أجمل أن نستلهم من التاريخ دروس الصمود والانتصار، فهذه الأرض التي نعيش عليها لم تكن يومًا إلا مقبرةً للمعتدين ومهدًا للأحرار. من فلسطين التي لم تنحنِ تحت وطأة الاحتلال، إلى لبنان الذي كسر قيود الوصاية، مرورًا بسوريا التي حطمت المؤامرات، والعراق الذي ظل درعًا متينًا يحمي الأمة… كلها شواهد على أن العزيمة إذا اقترنت بالإيمان، فإن المستحيل يتحول إلى نصر مؤزر.
إن أبطالنا اليوم لا يقاتلون فقط دفاعًا عن الأرض، بل عن كرامة أمة بأسرها، وعن قيم العدالة والحرية التي لن تتلاشى ما دام هناك من يقف ليحميها. وفي الوقت الذي يواجهون فيه المدافع والصواريخ، فإنهم بحاجة إلى دعمنا جميعًا، ليس بالسلاح فقط، بل بالكلمة الصادقة، والموقف الثابت، والوعي الذي يُحبط كل مؤامرة.
المعركة ليست فقط على الجبهات العسكرية، بل هي معركة الهوية والوعي والمستقبل. وكلما تمسكنا بمبادئنا ووحدتنا، أصبحنا أقرب إلى تحقيق الحلم الأكبر: فلسطين حرة، وشعوبنا متحررة من كل أشكال الهيمنة والعدوان.
خلاصة القول ، لنجعل كلمتنا واحدة، وموقفنا ثابتًا ، نحن أمة لا تُكسر، وراية الحق التي نرفعها اليوم ستبقى مرفوعة أبدًا، لأنها تستمد قوتها من الله، ومن دماء الشهداء، ومن صمود الشعوب التي لا تعرف اليأس. إن النصر آتٍ، لا محالة، بقوة الله وهمّة الأبطال الذين لن يُثنيهم شيء عن تحقيق وعد الحرية والكرامة. سمير السعد
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات التی ت
إقرأ أيضاً:
لذا لزم التنويه: عن المعركة الأخيرة (3-8)
يبدو الحديث عن المعتقل وما فيه هيّنٌ قياسا بالحاصل للأهل في فلسطين، لزمني وقتٌّ لأستطيع الكتابة هذه المرّة، الحياة كلّها بمن عليها وما عليها لا تزنُ جناح بعوضة أمام جسد يتبخّر، ويخالط الهواء والتراب، من يأمن -خاصّة جيران السوء- أنّه تنفّس شيئا من جسد شهيد تطاير؟ لكنّها الحياةُ والإنسان، في المعتقل كما في القطاع، لا شيء يشبه الإبادة مهما بشعَ، لكنّ روحا واحدة أُزهقت ظلما تستحقّ أن يتوقّف لها العالم كلّه.
الذين يسقطون فجأة، كان السقوط ينخر أساسهم شيئا فشيئا، قبل أن ينهاروا دفعة واحدة، لم يحدث شيء فجأة؛ هم فقط لم ينتبهوا حين تخلّوا عن تلك المعركة الصغيرة التي وجب عليهم خوضها؛ أنهم انزلقوا حتى وصلوا لهذا المصير.
المعركة في حقيقتها ليست ضدّ السجّان وحده، إنّما مراده منك ومن الجميع: الاعتياد الذي سيتسرب إلى نفسك ويترسّب فيها حتى تتبلّد، فلا تثور لإهانة ولا تقاوم اعتداء.
تظنّ في المبتدأ باعتقالك أنّك ستتجنّب أخيرا زوّار الفجر، وبعض الظنّ إثم كما نعلم، إذ أنهم مبرمجون على ذلك، سيقتحمون زنزانتك كما يقتحمون بيتك، وستشعر بما تشعر به في هذه وتلك، مزيجٌ من الغضب والانتهاك، هناك إهانة صامتة يوجّهها لك فتح عينيك على بيادات تملأ كلّ فراغٍ حولك.
دخلوا في حملةٍ صباحيّةٍ، تسبق موجة صقيعٍ ضربت السجن -لا أعلم لو ضربت البلاد معه- وقاموا بتجريدِ الزنزانة من كلّ ما فيها، خاصة الملابس الشتويّة.. هكذا بكلّ بسَاطَة!
وقفتُ أنظرُ لهم كأنّ الأمرّ لا يعنيني.. تمادوا لاستفزازي بتخريبٍ، وأنا صامتٌ تماما، حتى سألوني: "هو أنت مش هتتخانق؟".
لم يصدّقوا سكوتي.. لم يعتادوه. كانَ غريبا عليهم وعليّ..
لم أُخبرهم: تسارعَ نبضي، وضاقَ صدري، اختنقتُ، وباغتتني نوبةُ هلعٍ، كادت تُسقطني.. كدتُ أبكي.. وكلّ احتمالِ طاقةٍ فيَّ حشدتُه لأبقى واقفا، ولو بحجّة الصبر وطولِ البال. كنتُ أفكّرَ: كم أنا وحيد! لكن يجب ألا أسقط
كانوا يفكّرون: هذه فرصتنا للتمادي؛ وقد فعلوا، إذ مزّقوا الملابس التي صادروها -حتى لا أستطيع استعادتها بالشكوى أو العراك- وسكبوا زيتا وبقايا طعام وقمامة على الفراش وما تبقّى من الملابس، وأفسدوا كلّ ما لم يصادروه، بما في ذلك الأدوية.
كانت ربّما هذه مرّة وحيدة لم أخض فيها المعركة حين وجب أن أفعل، بطول سنوات اعتقالي العشر، وكانت المرّة الوحيدة التي تعرّضتُ فيها لهذا القدر الذي تعرّضتُ له، قد يتساقط عن ذهني الكثير من النجاحات صغيرها وكبيرها، لكني لن أنسى هذه المرّة التي أفلتُّ فيها يدا، فخسرتُ ما لزمني سنين لأستعيده.
قضيتُ نحو عامين أو يزيد في معتقل طرة تحقيق (سجن القاهرة للمحبوسين احتياطيّّا) أخوض معارك يوميّة على كل واقعة تعذيب، كل صفعة، كل شتمة أو إهانة لأي مسجون، لأي شخص ولو عسكري من ضابط أو ضابط صغير من قيادته، استنزفني ذلك تماما، وما زلتُ لم أستعد نفسي أو أرمم ما هدّمته منها صرخات المعذّبين أو طرقعات الفلقة أو صفق الصفعات على أجسادهم، لكنّ نتيجة باقية تحققت من ذلك: أصبحت صفعة أو لكمة تزلزل السجن بمن فيه (سجّانين وسجناء)، الكلّ تصيبه الخضّة وينتظر التبعة، وكان التجنّب سبيلهم الوحيد تجنّب الجريمة لتجنّب المعركة.
لا يبدو الأمرُ مستحقّا، سينقضي السجن حين ينقضي، والنجاة في تجنّب الصدام، الاختباء حتى تنتهي المأساة، فـ"كلّ رأسٍ بارزٍ سيقطع" كما قيل لي هناك، ويقال لي في كلّ وقت.
لكن فات القائلين والمصدّقين أنه لا يُدفن رأسه إلا ميّت، ولا أحد يعرف تحديدا النقطة التي سيبدأ فيها الانزلاق، فقط سيدرك -متأخّرا- وهو يسقط، أن خطوة ما سبقت أوصلته لهذا القاع، كانت تنازلا فاعتيادا، ثم سقوطا.
والتجنّب لا يجدي ولا يحمي، بل يجعلك أنت الضحيّة القادمة، ولو أوقفت الجريمة قبل أن تصل لغيرك لندر أن تصل إليك.
يشبه الأمر منطق "القُطريين" في استيعاب أمنهم القومي (داخل حدود كلّ قُطر)، والنتيجة معروفة للجميع، ويمكن مشاهدتها على الهواء وفي الواقع: أنت التالي؛ إذ لا طريقة للدفاع عن حقوقك لا يسبقها النضال من أجل الآخرين وحقوقهم، يستوي في هذا حقوقك السجنيّة، كما علاقتك مع الاحتلال.
ولولا اعتياد الانتهاكات، واعتياد الخنوع، واعتياد "كامب ديڤيد" واعتياد الوساطة الكذابة، واعتياد التنسيق الأمني، واعتياد حصار الأهل، واعتياد تمرير الشحنات الحربية كما المواد الغذائية للعدو، واعتياد شراء الغاز الفلسطيني من سارقه، واعتياد القروض وشروط البنك الدولي وصندوق النقد، واعتياد القمع والحبس والتقتيل داخلا.. لولا هذه السلسلة من الاعتيادات، لو خاض الكلّ معركته الأخيرة/الوحيدة في انزلاقتنا الأولى، لما حصلت الإبادة ربّما، ولما كان الحال هو الحال.
أن تخوض كلّ معركة كأنّها الأخيرة، لا يعني أن تنتصر، ولا أن تفتعل البطولة، بل فقط أن تترك أثرا فيك يشهد أنّك لم تنزل دون إرادتك.
أحيانا تكون المعركة في أن تقول لا، وأحيانا، في أن تقف على قدميك وأنت ترتجف.
لا أدّعي أنني كنت شجاعا في تلك الليلة، ولا أظنّ أنني كنت جبانا.. كنت فقط، في المنتصف الموحش بينهما. وهذا هو أخطر الأماكن: أن تظنّ أنك ما زلت واقفا، بينما كلّ شيء فيك يتهاوى في صمت.