النقد الذاتي– مهمةٌ على طاولةِ اجتماعاتِ تنسيقيةِ «تقدُّم»

د. وجدي كامل

الحربُ التي تعصفُ ببلادِنا اليومَ لم تقتصرْ على التدميرِ المادِّيِّ الذي طمسَ معالمَ حقوقِ وكرامةِ السودانيين، بل تجاوزت ذلكَ إلى تدميرِ أعماقِ وجذورِ الوعيِ الجمعيِّ بآلةِ الإعلامِ المضادِّ، حيثُ نصَّبَتْ سلطةُ اللاعقلِ مرجعًا مطلقًا لإدارةِ العملِ السياسيِّ.

هذهِ الحربُ، التي أصبحَ السؤالُ حولَ مَن أطلقَ الطلقةَ الأولى فيها شاغلًا من الماضي، بعد أن تأكدَ للجميعِ ضلوعُ تنظيمِ الإخوانِ المسلمين، ممثَّلًا في المؤتمرِ الوطنيِّ، وجيشِهِ، وجهازِ مخابراتِهِ في إشعالِها، تستدعي وقفةَ تأمُّلٍ نقديٍّ، إنْ لم يكنْ إقرارًا مفتوحًا بالنقدِ الذاتيِّ كذلك.

إنَّها حربٌ أشعلَها، ومن دونِ شكٍّ، أنصارُ النظامِ القديمِ وحلفاؤُهم من الكليبتوقراطيينَ العسكريينَ والمدنيينَ. غيرَ أنَّ الأسئلةَ الكبرى تظلُّ متصلةً بأدائنا ودورِنا ما قبلَها وبعدَ اندلاعِها، وإلى أيِّ مدى ساهمنا، بشكلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ، في تغذيةِ ما يجري، بما في ذلك استمراريتُها.

أكتبُ وكلي ثقةٌ بأننا، بضعفِنا وقلةِ حيلتِنا وانعدامِ وحدتِنا، ساهمنا في انحرافِ الثورةِ عن مسارِها. لقد انحرفْنا بها قبلَ وقوعِ الحربِ نتيجةَ أخطاءٍ قاتلةٍ وقراراتٍ غيرِ مدروسةٍ ارتكبَها الفاعلونَ الأساسيونَ في المشهدِ السياسيِّ. فمنذ إرهاصاتِ التوقيعِ على الوثيقةِ الدستوريةِ، ثمَّ تشكيلِ الحكومةِ الأولى، فالثانية، وحتى اندلاعِ الحرب، ساهمتْ المنظومةُ السياسيةُ، بجميعِ مكوِّناتِها، وبنحوٍ مشتركٍ، في جعلِ المشروعِ المعادي للثورةِ يمضي نحوَ أهدافِهِ، وذلكَ بسببِ غيابِ وحدتِنا وضعفِ رؤيتِنا الاستراتيجيةِ.

هنا، تتساوى أخطاءُ الجميعِ، وخاصةً تحالفُ قوى الحريةِ والتغييرِ، كما الأحزابُ ذاتُ التأثيرِ الجماهيريِّ مثل الحزبِ الشيوعيِّ وحزبِ البعث. ورغمَ الاعترافِ باتساعِ الهوةِ بين مواقفِ التحالفِ والحزبينِ، إلا أنَّ عجزَ هذه القوى عن الوصولِ إلى اتفاقٍ مرحليٍّ على الحدِّ الأدنى منحَ القوى المضادةَ نقاطًا لم تكنْ لتكسبَها لولا غيابُ التفكيرِ الاستراتيجيِّ في قراءةِ وتعريفِ العدوِّ الرئيسيِّ للثورة.

النقدُ الذاتيُّ الذي بُذلَ من مركزيةِ تحالفِ قوى الحريةِ والتغييرِ قبلَ الحرب، بتنظيمٍ من صحيفةِ *الديمقراطي*، لا شكَّ أنه كان مهمًّا ومفيدًا. غيرَ أنَّ درسًا جوهريًّا يبقى في أنَّ غيابَ مرافقةِ النقدِ للتجربةِ في لحظاتِها الحاسمةِ جعلَ النتائجَ دونَ فاعليةٍ ملموسةٍ.

اليوم، وفي غمرةِ تصاعدِ العملياتِ الحربيةِ وكثافةِ الدمارِ وتعقيداتِ المشهدِ السياسيِّ، نجدُ أنفسَنا بحاجةٍ ملحَّةٍ لإعادةِ الدفعِ بنقدٍ يتصلُ بإسهامِنا كقوى الثورةِ في إشعالِ الحربِ، أو الإبقاءِ على استمراريتِها دونَ تردُّدٍ أو وجلٍ من مواجهةِ الحقيقة.

فإذا كان غيابُ وحدةِ قوى الثورةِ عاملًا في إضعافِها، فإنَّ استمرارَ هذا الغيابِ يُعَدُّ دافعًا جديدًا لبقاءِ الحرب. فالحربُ الدائرةُ بين القوتينِ العسكريتينِ، ومن خلفِهما المصالحُ السياسيةُ الداخليةُ والخارجيةُ، تتغذَّى اليومَ من وضعيةِ التفككِ والتناقضاتِ التي تعيشُها قوى الثورةِ. وهو ما يجعلُ تعريفَها ممكنًا كحربٍ سياسيةٍ صامتةٍ بين أطرافِ الثورةِ ذاتِها، لا بدَّ من الإقرارِ بها والعملِ جديًّا لحلِّ معضلاتِها.

إنَّ اجتماعَ الهيئةِ القياديةِ لتنسيقيةِ “تقدُّم” في الأيامِ المقبلةِ، وبالإضافةِ إلى الأهدافِ المعلنةِ، يحملُ مهامًا جوهريةً بدونِها لن نتمكَّنَ من خلقِ المعادلةِ السياسيةِ المطلوبةِ لتشكيلِ ضغطٍ فعليٍّ على الأطرافِ المتحاربةِ لإيقافِ الحرب.

وحتى تصبحَ وحدةُ قوى الثورةِ هدفًا استراتيجيًّا أمامَ التنسيقيةِ، فإنَّ عليها، وباعتبارِ تحالفِ الحريةِ والتغييرِ مكوِّنًا أساسيًّا من مكوناتها، أن تشرعَ في تقديمِ تنازلاتٍ جادَّةٍ، تبدأُ بتوجيهِ النقدِ إلى الذاتِ، واستبعادِ تكرارِ الأخطاءِ التي يمكنُ حصرُ أبرزِها فيما يلي:

– منحُ السلطةِ لوكلاءِ عسكريينَ ومدنيينَ دونَ تمحيصٍ.

– التوقيعُ على الوثيقةِ الدستوريةِ التي قُدِّمتْ كثمنٍ بخسٍ لمظاهراتِ الثلاثينَ من يونيو، معَ ترويجِها وكأنَّها انتصارٌ عظيمٌ.

– الصمتُ على خروقاتِ قادةِ اللجنةِ الأمنيةِ، رغمَ توفرِ الأدلةِ على أدوارِهم المشبوهةِ.

– الإبقاءُ على الأجهزةِ الأمنيةِ القديمةِ دونَ تفكيكٍ، مما سمحَ لها بإعادةِ إنتاجِ القمعِ لصالحِ النظامِ القديمِ.

– الفشلُ في بناءِ إعلامٍ بديلٍ يدعمُ الثورةَ، مما تركَ الساحةَ خاليةً للإعلامِ المعاديِّ.

**ما العمل؟**

إيقافُ الحربِ ليسَ مجرَّدَ مطلبٍ سياسيٍّ أو إنسانيٍّ فحسب، بل هو الخطوةُ الأولى في مسارٍ طويلٍ لإعادةِ بناءِ الدولةِ. غيرَ أنَّ عودةَ السلطةِ المدنيةِ دونَ مراجعةٍ نقديةٍ شاملةٍ ستعني إعادةَ إنتاجِ الأزمةِ.

### **خطواتٌ أساسية:** بناءُ سياساتٍ جديدةٍ لما بعدَ الحربِ من خلالِ ورشٍ متخصصةٍ تلتزمُ نتائجُها الجهازَ التنفيذيَّ. إعادةُ هيكلةِ الدولةِ وتفكيكُ مؤسساتِ الفسادِ. تمكينُ الكفاءاتِ الوطنيةِ بعيدًا عن المحسوبياتِ الحزبيةِ. إنشاءُ منصاتٍ إعلاميةٍ وثقافيةٍ قويةٍ تعبِّرُ عن روحِ الثورةِ وتواجهُ الآلةَ الإعلاميةَ المضادةَ. إيلاءُ الثقافةِ دورَها في معالجةِ قضايا التنوُّعِ التي أُسيءَ استخدامها خلالَ الحرب. **خاتمة:**

الحربُ التي أكلتْ أرواحَ السودانيينَ وجعلتْ مواردَهم وثرواتِهم نهبًا للصوصِ المحليينَ والإقليميينَ لم تكنْ قدرًا محتومًا، بل هي نتيجةٌ لأخطاءٍ جماعيةٍ تستدعي الوحدةَ على أسسٍ جديدةٍ تقومُ على ثقافةِ البناءِ الوطنيِّ بدلًا من الكراهيةِ السياسيةِ.

wagdik@yahoo.com

الوسومالإخوان المسلمين الحرب الحزب الشيوعي السوداني السودان اللجنة الأمنية المؤتمر الوطني تنسيقية تقدم حزب البعث د. وجدي كامل قوى الحرية والتغيير

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإخوان المسلمين الحرب الحزب الشيوعي السوداني السودان اللجنة الأمنية المؤتمر الوطني تنسيقية تقدم حزب البعث قوى الحرية والتغيير قوى الثورة

إقرأ أيضاً:

ثلث قرن من التعلم الذاتي والـCase Study في التعليم الزراعي بجامعة العريش

بدأت جامعة العريش تجربة التعليم الذاتي من خلال مقرر المنظومة الزراعية بكلية العلوم الزراعية البيئية بالعريش في 15 أكتوبر من العام الجامعي ١٩٨٩/١٩٨٨ واستمرت حتى الآن.
المنظومة الزراعية هي أسلوب تعلم ذاتي يهتم بدراسة الحالة Case Study ، وهي عبارة عن مشكلة افتراضية أو واقعية يستوجب تشخيصها بقصد إيجاد حلول، واستنباط قواعد ومبادئ تطبيقية لاستعمالها وتوظيفها في حالات مشابهة. 
ومن ثم؛ تمر دراسة الحالة بتحليل مكونات ثلاثة محيطات متفاعلة: وهي المحيط الطبيعي، المحيط المصنوع، المحيط الاجتماعي.
ويهتم هذا الأسلوب الدراسي بتنمية مهارات الطلاب علميا وعمليا؛حيث يساهم في أن يكون خريجو الكلية قادرين على مواجهة المشكلات المختلفة وبناء مهندس زراعي مدرك لمجريات الأوضاع الزراعية الحديثة والمتطورة.
وقد أقيم الحفل الختامي للأنشطة الطلابية لطلاب الفرقه الأولى والثانية والثالثة بشعبها المختلفة التي قامت بالزيارات الميدانية للمناطق التنموية بسيناء بمنطقة الكيلو 61 بالحسنة، ومنطقة النثيلة بوسط سيناء ومنطقتي رمانة، وبئر العبد في محيط ترعة السلام، ومزارع الفارما بمنطقة بئر العبد .
وذلك برعاية كاملة من معالي الأستاذ الدكتور  حسن الدمرداش رئيس الجامعة، بإشراف من الأستاذ الدكتور  محمد نجاتي عميد الكلية، و الأستاذ الدكتور  هاني محمد سامي وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب والسادة منسقي المنظومة الزراعية، واعضاء هيئة التدريس، والهيئة المعاونة، والطلاب، وبحضور ممثلي الجهات البحثية والتنفيذية بالمحافظة والذين اشادوا بالعروض المقدمه من قبل الطلاب والجهود المبذوله لتحقيق أهداف المنظومة الزراعية. وفي ختام الحفل تقدم الأستاذ الدكتور حسن الدمرداش بحث الطلاب على تنمية الذات وتنمية المهارات العلمية والعملية كما تتقدم كلية العلوم الزراعية للأستاذ الدكتور رئيس الجامعة على دعمه المتواصل والمستمر للعملية التعليمية والتوجيهات السديدة من أجل تطوير التعليم والجامعة تحت قيادة سيادته.
أوضح الأستاذ الدكتور محمد نجاتي عميد كلية العلوم الزراعية البيئية أن الكلية تهدف إلى تأهيل وتدريب وإخراج مهندسين زراعيين في المجالات المتصلة باستزراع الأراضي الصحراوية الجديدة، بالإضافة إلى تحسين قدراتها الإنتاجية وتنمية مواردها الطبيعية، وقد اتبعت الكلية منذ نشأتها نظاماً متطوراً في التعليم وهو نظام المنظومة الزراعية والذي يعتمد على منهج دراسة الحالة وهو دراسة أي نظام بيئي دراسة متكاملة، من خلال دراسة ثلاث محيطات أساسية وهي المحيط الطبيعي والمحيط المصنوع والمحيط الاجتماعي، بالإضافة إلى دراسة التداخل فيما بينها، فالتداخل بين الثلاث محيطات ينتج عنه دراسة تفصيلية لتحليل مكونات النظام البيئي، ويتوافق تماماً هذا النظام مع رؤية مصر ۲۰۳۰ والتي تهدف إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال دراسة ثلاث محاور وهي المحور الاقتصادي والمحور البيئي والمحور الاجتماعي، وأتمنى من أبنائنا الطلاب العمل الجاد نحو الاستفادة المثلى من إمكانيات الكلية والجامعة وذلك لتحقيق غايتهم نحو التميز والعمل بروح الفريق والتعاون والسعي إلى الإبتكار واكتساب المهارات التي تؤهلهم للتعامل بكفاءة في سوق العمل المختص بالتنمية الزراعية المستدامة.
ذكر الاستاذ الدكتور هاني محمد سامي وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب أنه من المعروف ان نظام التعليم الذي يسود في أغلب الجامعات المصريه بتتبع نظام يعتمد على النظم التقليدية ولكن انفردت كليه العلوم الزراعية باستخدام نظام التعليم الذاتي ودراسة الحالة والتفاعل مع البيئة وجمع الحقائق والمعلومات من اماكنها والكشف عن المشكلات ومحاولة ايجاد الحلول المناسبة لها ليخرج إلى الحياة العملية خريج قادر علي التعامل مع المجتمع وقادر على حل المشكلات التي تعترض هذا المجتمع.

مقالات مشابهة

  • جمعية حقوق الإنسان بجهة مراكش تدين اعتقال منسق تنسيقية متضرري الزلزال
  • طلب مناقشة حول سياسة الحكومة في تطوير الثروة المعدنية على طاولة الشيوخ.. غدا
  • مبادرة أردوغان على طاولة البرهان وتركيا تعلن إفتتاح بنك في بورتسودان
  • “مكافحة غلاء الأسعار” على طاولة أول اجتماعات الحكومة الليبية في 2025
  • طلب مناقشة حول سياسة الحكومة فى تطوير الثروة المعدنية على طاولة الشيوخ
  • خبير يكشف تفاصيل تحقيق الاكتفاء الذاتي في الطاقة
  • ثلث قرن من التعلم الذاتي والـCase Study في التعليم الزراعي بجامعة العريش
  • جمعية الصحفيين الإماراتية تكشف عن برنامج حفل اليوبيل الفضي يناير الجاري
  • الوفد السوري يغادر السعودية بعد مباحثات وعدة اجتماعات
  • هام من الوكالة الوطنية للمقاول الذاتي