كتبت سابين عويس في" النهار": طرح الموقف الأخير للمستشار المعيّن حديثاً للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، المحامي مسعد بولس، من الرئاسة في لبنان وإمكان أن ينتظر شهرين أو ثلاثة، أكثر من علامة استفهام في الأوساط السياسية لسببين أساسيين، أولهما يرتبط بالتوقيت الذي تزامن مع الإعلان الرسمي لترامب عن تعيين بولس مستشاراً للشؤون العربية وشؤون الشرق الأوسط، ما يضفي على كلامه مسؤولية تجاه مقاربة الإدارة الأميركية الجديدة للملف الرئاسي في لبنان، الأمر الذي يقود إلى السبب الثاني المتصل بهذه المقاربة وما تفكر فيه الإدارة الجديدة المقبلة في تعاملها مع هذا الاستحقاق.
ففي كلام بولس موقف لافت لجهة حديثه عن مهلة لإنجاز الانتخابات الرئاسية تتناقض مع الموعد الذي حدده رئيس المجلس نبيه بري. ووصف بولس الملف الرئاسي بالشائك والمهم الذي يحتاج إلى العمل بتروٍّ وتأنٍّ ومن دون تسرع مشيراً إلى أن من صبر سنتين وشهرين، يمكن أن يصبر شهرين أو ثلاثة ويعمل على إتمام الأمر في شكل متكامل، لافتاً إلى أنه ليس الأميركيين القرار، بل من مسؤولية اللبنانيين والكتل النيابية، مشجّعاً على ممارسة الديموقراطية واحترام الدستور والقوانين وإعادة إحياء المؤسسات وبسط سلطة الدولة على كامل حدودها البرية والبحرية والجوية. ولم يغفل الإشارة إلى أن لا تعاطي بالشؤون الخارجية قبل تسلم الرئيس ترامب مهامه، وفق ما ينص عليه قانون الولايات المتحدة. هذا يعني أن كلام بولس ليس ملزماً بل توقع منه ألا يكون الموعد المحدد من بري في 9 كانون الثاني المقبل، أي بعد نحو خمسة أسابيع، حاسماً لجهة انتخاب رئيس، كما يعني في شكل واضح أنه لن يكون هناك رئيس قبل تسلم ترامب مهامه، وأكثر ليس قبل أن ترسم إدارته مسارها حيال الملف اللبناني. والثابت أن ترامب بتعيينه بولس، اللبناني الأصل، يعكس انخراطاً واضحاً في الملف. ظهر ذلك من خلال تسهيله مهمة الموفد الشخصي للرئيس جو بايدن آموس هوكشتاين في إنجاز وقف النار مع إسرائيل، ومواكبة إجراءات تنفيذه، عبر إرسال الضابط الأميركي لتولي مهماته في اللجنة المشتركة المشرفة على تطبيق القرار.
لا تبدو واشنطن مستعجلة على انتخاب رئيس ما لم يكن ذلك من ضمن رزمة متكاملة تشمل الحكومة ورئاستها. وحديث بولس عن ضرورة التروّي قد يعكس قراراً بالتريّث ورصد مدى التزام لبنان بتطبيق قرار وقف النار، ولا سيما التزام "حزب الله" بالانسحاب، ومدى قدرة الجيش على إلغاء المظاهر المسلحة وعدم التهاون مع الحزب، وهذا يشكل في حد ذاته اختباراً لقائد الجيش المرشح الأكثر حظاً لدى الأميركيين.
ولكن ماذا عن مصير جلسة التاسع من الشهر المقبل، هل تصمد أم تؤجّل؟
قد يكون من المبكر الإجابة عن هذا السؤال في بعده السياسي المرهون بحركة الاتصالات والمشاورات والتحالفات لإنضاج توافق على اسم مرشح، لكن الثابت في البعد القانوني أن الموعد سيكون حاسماً وخياراته محدودة، ورهن أمرين: إما التأجيل وإما عدم اكتمال النصاب إذا تعذر التوافق، وإلا إذا حضر الى المجلس 86 نائباً واكتمل النصاب، فإن الجلسة وفق التزام بري لن تنتهي إلا بانتخاب رئيس ولو بدورات متتالية كما وعد. حتى الآن، لا مبررات أمام النواب لعدم الحضور، وبالتالي الجلسة قائمة وملزمة بإنتاج رئيس، فهل يلجأ بري إلى التأجيل، أم يقصّر ترامب مهلة التروي، كما فعل بالنسبة إلى قرار وقف النار؟
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
المواطنة العادلة في الإسلام.. تشريع إلهي يسبق مواثيق العصر الحديث
يمثل موضوع المواطنة جزءاً من مشكلة الهوية والمفاهيم المختلف فيها، والتي برزت منذ بدء الاحتكاك الفكري والثقافي والسياسي والعسكري للأمة الإسلامية مع الحضارة الغربية في القرن الماضي، وإذا كانت المسألة قد حُسمت على صعيد الواقع منذ أن تمزقت الدولة العثمانية وتحولت أشلاؤها العربية وغيرها إلى دول وحكومات قومية وإقليمية، فإن المسألة لم تنته على المستوى الفكري والثقافي، بل ظلت سؤالاً كبيراً يُطرح بشكل أو آخر.
جاءت شريعة الإسلام شاملة لجميع أبعاد الحياة البشرية بكل دقائقها وتفصيلاتها، ابتداءً من سلوك الإنسان كفرد مع غيره من الأفراد وضمن مجتمعه، حتى تنظيم علاقات الدول، بما في ذلك الفهم الإسلامي للمضمون السياسي، الذي يعني إصلاح شؤون الناس الدينية والدنيوية، وإبعادهم عن الفساد، وتوجيههم نحو الحق والعدالة وجميع وجوه الخير.
إن خطاب الإسلام خطاب عام لبني الإنسان، وفيه تأكيد واضح للحقوق والقيم التي تنظم الحياة البشرية، ومنها المساواة التي تعد منطلقاً أساسياً وقاعدة شرطة لممارسة الحقوق واستقامتها، والالتزام بكل الواجبات.
أولاً ـ المواطنة في الخطاب الإسلامي
المواطنة هي تمتع الشخص بالحقوق المقررة، والتزامه بالواجبات المفروضة، وممارستها في بقعة جغرافية معينة.
لقد عبر النبي ﷺ عن حب الوطن والارتباط به، في قوله لمّا همّ بالخروج من مكة: “والله إنك أحب البلاد إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ماخرجت” [أخرجه الترمذي برقم (3925)]، وفي ذلك دلالة نبوية على جواز الارتباط الشعوري بالوطن، وأهميته بالنسبة للإنسان، بل إن الإسلام اعتبر إخراج الإنسان من دياره معادلاً للقتل، قال تعالى: {ولو أَنَّا كتَبْنا عليهم أنِ اقتُلوا أنفسكم أو اخرجوا من ديَٰركم ما فعلوه إلَّا قليلٌ منهم ۖ ولو أنَّهم فعلوا ما يوعظون بهۦ لَكان خيرًا لهم وأشدَّ تثبيتًا}.
إن خطاب الإسلام خطاب عام لبني الإنسان، وفيه تأكيد واضح للحقوق والقيم التي تنظم الحياة البشرية، ومنها المساواة التي تعد منطلقاً أساسياً وقاعدة شرطة لممارسة الحقوق واستقامتها، والالتزام بكل الواجبات.المواطنة في القرآن الكريم:
من خلال دراسة القرآن الكريم نجد أن مصدر الحقوق والواجبات في الإسلام هو الله وحده، وليس بشراً أيّاً كان هذا البشر، نبياً أو غير نبي، وهذا ما يظهر بشكل واضح من خلال قول الله تعالى: {لقد أرسَلْنا رسُلَنا بالبَيِّنَٰت وأنزلْنا معهم الكِتَٰبَ والميزان لِيقومَ النَّاس بالقِسط}، وبذلك يقوم الإسلام في مجال الحقوق والواجبات على أساس وحدة المشرِّع وأبدية التشريع، إذ إن من المسلَّم به أن حق التشريع لله عز وجل وحده، بينما تتعدد وتتباين منابع التشريع عند أصحاب الأديان والعقائد الأخرى، ومن ذلك التشريع الغربي المعاصر.
وليس من شك أن وحدة المصدر الإلهي التشريعي هو السر وراء خلود الأحكام التشريعية، وصلاحيتها المطلقة للتطبيق قي كل زمان ومكان، حيث يعد التبديل والتغيير آفة التشريعات والقوانين الوضعية المتغيرة دائماً، والتي تتبدل فيها أوضاع ومراكز وحقوق المخاطبين بها دونما استقرار أو ثبات.
المواطنة في السنة النبوية:
تشكل السنة مصدراً ثانياً للمواطنة في الإسلام، وهي تُعدّ مصدراً مفسراً وموضحاً لما جاء في القرآن الكريم من أحكام، وقد بينت السنة النبوية الشريفة مجموعة من الحقوق والواجبات للإنسان بشكل عام، والتي تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بحقوق المواطنة، ومنها:
أ ـ الحق في الحياة:
إن النبي ﷺ أكد في تطبيقاته وأحاديثه على وجوب الحفاظ على حياة الإنسان، كونها أمانة وهبها الله له وأنعم عليه بها، وعليه فليس للإنسان أيّاً كان حق التنازل عنها، وليس حراً في هدر حياته أو إلغائها، ولهذا حذر النبي ﷺ تحذيراً بالغ الشدة، وأنذر ببيان بالغ القسوة الذين تبلغ بهم هموم الحياة مبلغ اليأس منها، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه"، وفي رواية أخرى: "لا يتمنى أحدكم الموت، إما محسناً فلعله يزداد، وإما مسيئاً فلعله يستعتب" [البخاري: 7235].
بـ ـ التقدير القيمي والأخلاقي للإنسان: من أجل حماية قدسية حياة الإنسان، دعا الإسلام وضمن العديد من القيم والأخلاق التي تصون حياته وتحفظ حقوقه، وتهدف هذه القيم إلى الحفاظ على التوازن بين الحقوق والواجبات، لأن لكل فرد حقوقاً من زاوية، وتترتب عليه من زاوية أخرى واجبات تجاه أخيه الإنسان، ولذا وجه النبي ﷺ المسلم إلى منع لسانه ويده من الاعتداء على الآخرين، فقال: “المسلم هو من سلم المسلمون من لسانه ويده” [البخاري: 10].
ثانياً ـ المواطنة في وثيقة المدينة:
تمثل صحيفة المدينة أو دستور المدينة، الذي جاء مقنناً على شكل مواد قابلة للتطبيق، ولها قابلية المرجعية القانونية، كونها مثلت عقداً سياسياً واجتماعياً، صيغ بروح المبادئ الكلية النصية في القرآن الكريم، وتوافقت عليها معظم أطراف القوى الفاعلة داخل المجتمع المدني المتعدد قبلياً ودينياً، ولقد حددت وثيقة المدينة المعالم الرئيسية لـ"كيفية التعامل والتعاقد والشراكة والتكافل والتعارف والتوافق مع الآخر".
وتكمن أهمية الوثيقة في محاولة تحويل الناس القاطنين في المدينة ـ بشكل قانوني ـ، من رعايا إلى مواطنين، ونقلهم من إطار القبيلة والقبلية إلى رحاب الدولة والأمة، ولم يلغِ الرسول ﷺ دور القبيلة، بل عدّل دورها وسحب بساط التحكم من يديها، فـ”بعد أن كانت القبيلة هي الأمة والدولة، غدتْ لبنة في كيان الدولة الجديدة والأمة الوليدة ".
وبعد أن كان الفرد مغيباً تماماً في القبيلة، وكانت قبيلته تتحمل مسؤولية خطئه، جاءت الوثيقة لتبرز ذاتية الفرد الذي يتحمل مسؤولية أفعاله خيراً وشراً {ولا تَزِر وازِرةٌ وِزْر أُخْرىٰ}، فأكدت الوثيقة شخصية العقوبة، أي أن المواطن يتحمل الآثار القانونية للجريمة التي يرتكبها، ولا شأن للأبرياء الآخرين من عشيرته أو سلالته، وقد ورد في الوثيقة ما نصه: "إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوقع إلا نفسه ولا ثم امرؤ بحليفه".
العدل سور يحمي المجتمع من التفتت والتشرذم، وينأى به عن العداوة والبغضاء، ويشد من تعاضد الناس وتعاون بعضهم مع بعض، ويستوي في محيطه القوي والضعيف، والغني والفقير، والقريب والبعيد، والمسلم وغير المسلم..أكدت الصحيفة على اعتبار المجتمع اليهودي جزءاً من المجتمع السياسي، أي جزءاً من الجماعة السياسية، تلتزم بحكم رئيس الدولة لا باعتباره نبيّاً، بل باعتبار مشروعيته السياسية المستمدة من الاتفاق نفسه.. إن قبول اليهود بالوثيقة لم يُفضِ إلى اعتقادهم بنبوة محمد ﷺ، بل بقبول مشروعيته السياسية كقائد وكحاكم لتلك الدولة.
لقد كان أساس المواطنة عند الرسول ﷺ، هو الانتماء إلى الوطن (المدينة)، فمن أراد الانتماء وأن يكون مواطناً في مجتمع المدينة فعليه أن يهاجر إليها، وقد وُجدت رابطتان أساسيتان في المدينة، هما رابطة الدين (الإيمان) ورابطة الوطن (الولاء لنظام الدولة).
ثالثاً ـ الأسس العامة للمواطنة في الإسلام
1 ـ العدل والمساواة:
العدل سور يحمي المجتمع من التفتت والتشرذم، وينأى به عن العداوة والبغضاء، ويشد من تعاضد الناس وتعاون بعضهم مع بعض، ويستوي في محيطه القوي والضعيف، والغني والفقير، والقريب والبعيد، والمسلم وغير المسلم، قال تعالى: {يا أيُّها الَّذين ءَامنوا كونوا قَوَّامين بالقِسط شهداء للَّه ولو على أنفسكم أو الوالدَيْن والأَقربين} [النساء: ١٣٥].
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّه يأمر بالعدل والإِحسان} [النحل: ٩٠]؛ وفي الالتزام بهذا الأمر، والعمل به، وتحقيقه على أرض الواقع البشري، عبادةٌ لله تعالى وطاعة لأوامره، جل شأنه، وفي مخالفته معصية كبيرة يعاقب عليها في الدنيا والآخرة. وإقامة العدل بين الناس حق إنساني يشترك فيه الناس جميعاً؛ لأن أصل البشر واحد.
وقد جاء في خطبة الوداع: "أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وإن الله عليم خبير، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى".
ومقتضى ذلك: أن يكون جميع المواطنين طائفة واحدة بلا تمييز لأحدهم على الآخر في تطبيق القانون، والقانون في النظام الإسلامي هو الكتاب والسنة، وما بني عليهما من أحكام، والكتاب والسنة ليس فيهما محاباة لطبقة على طبقة، ولا لجنس على جنس، ولا للون على لون، فالأجير والأمير، والأسود والأبيض، والرئيس والمرؤوس، والغني والفقير، كلهم سواسية؛ فقد هدم الإسلام كل تمايز في تلك الصفات، ولم يجعلها سبباً لامتياز وتفوق ما، وأقام التفاضل بين الناس على التقوى ونافع الأعمال، قال تعالى: {إنَّ أَكرمَكم عند اللَّه أتقاكم} [الحجرات: ١٣].
2 ـ الحرية:
انطلاقاً من مبدأ حرية العقيدة الذي قرره الإسلام، على الدولة الحديثة المسلمة والمسلمين جميعاً واجب التسامح الديني إزاء سائر أهل الملل والنحل، والتسامح الديني ليس معناه بالطبع اتخاذ المواقف المتأرجحة من الأديان أو القول بأن الكل سواء، فهو إما جهل أو نفاق، فللتسامح الديني مقومات من أهمها رسوخ الإيمان، وقوة الاقتناع بأن الإسلام وحده هو الدين الحق، قال تعالى: {إنَّ الدِّين عند الله الإسلام} [آل عمران: ١٩].
وبهذا المنطق الإيماني يحب المسلم الخير لجميع الناس، ويتقدم المسلم بعرض دينه أمام الجميع، ويدعوهم إليه دون فرضه على أحد، بل ولا بد من ترك الناس أحراراً في أن ينظروا في أمرهم، ويختاروا أي دين أو معتقد يميلون إليه.
ويجب على المسلم رعاية شعور غير المسلمين وخاطرهم بعدم إيذائهم بالقول أو الفعل، فمن المنهي عنه سب معتقداتهم، أو الاستهزاء بما يدينون به، سداً للذريعة، كذلك من المحظور التضييق عليهم عند ممارسة دينهم، بل ينبغي تمكينهم من ممارسة شعائر دينهم، وإعطائهم الحرية الكافية في ذلك، مع مراعاة النظام والشعور العام.
وكذلك فإن الله كفل للناس في القرآن الكريم حرية الاعتقاد عامة، وهي تقتضي تقرير حرية الرأي والتعبير، لأن حرية الاعتقاد لن تتم إلا بجعل العقل حراً طليقاً، للتفكُّر والتدبر في الكون والإنسان، وليصل الإنسان “برأيه” وقناعته إلى الإيمان أو الكفر أو حتى الحيادية. وتبرز حرية التعبير من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول الله تعالى: {كنتم خير أُمَّةٍ أُخرِجت للنَّاس تأمرون بالمعروف وتنهَون عن المنكر وتؤمنون باللَّه} [آل عمران:110].
ـ الخاتمة:
إن المبادئ العامة للمواطنة الحديثة (الحرية والمساواة والعدالة والمشاركة) موجودة بنسقها العام في الإسلام وحقوق المواطنة الإسلامية، وتكتسب شرعيتها من أن الله تعالى هو مصدر إقرار تلك الحقوق، وهي أيضا واجبة، فالتنازل عنها إثم، فالجهاد ما شرع في الإسلام إلا لأجل حمايتها، وتتعمق هذه الشرعية بكون الإنسان خليفة الله في الأرض، وكون الإنسان غاية والدين وسيلة.