سيظل الـ 30 من نوفمبر يومًا مشهودًا وخالدًا في أنصع صفحات التاريخ اليمني الحديث، وسيظل اسمُهُ محفورًا في ثنايا ذاكرة هذا الشعب العظيم؛ لارتباطه بحدثٍ عظيم شهدهُ مُعظم أبناء شعبنا العزيز، وهو خروجُ آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن، وإسقاط وإفشال مشروع الجنوب العربي، وإفشال المؤامرات والتدخلات الأجنبية التي ايقنت بسبب صمود أبناء الشعب اليمني أن المحتل إلى زوال مهما بلغت قوته وجبروته.

الثورة / أحمد السعيدي

عانى أبناء اليمن في جنوب الوطن مُعاناةً صعبة؛ بسَببِ الاحتلال البريطاني الذي كان يُمارس كُـلّ أساليب البغي والقمع والتعذيب، كما استخدم كُـلّ وسائل السيطرة على بعضٍ من المحافظات الجنوبية واستخدم سياسَة “فرّق تسد” فقام بتقسيم المجتمع، إلى سلطنات صغيرة بلغ عددها تحديدًا 21 سلطنة، وعين عليها المشايخ والسلاطين والزُعماء، كانت بريطانيا تطمع في احتلال جنوب اليمن وتحلم في البقاء والسيطرة على ميناء عدن؛ نظرًا لما تتمتع به اليمن من موقع استراتيجي، ناهيك عن سعيها لتغيير اسم جنوب اليمن إلى الجنوب العربي، وذلك؛ بهَدفِ تغيير هُــوِيَّته وأصالته وحتى لا تتحقّق وحدته مع الشمال، ويبقى بلدًا لهُ كرامته وحريته.

 

الطلقة الأولى

 

بين الطلقة الأولى التي تفجرت شرارتها في الرابع عشر من أكتوبر 1962م من على قمم جبال ردفان على يد شهيد أكتوبر المناضل راجح غالب بن لبوزة.. وبين يوم إعلان الاستقلال الثلاثين من نوفمبر 1967م مراحل نضالية في سفر التاريخ الثوري اليمني الذي نحتفي هذه الأيام بذكراه السابعة والخمسين، وينبغي ان تظل نبراسا يقتدي به كل الأجيال اليمنية في الحاضر والمستقبل، ليكونوا على بينة من ان الحماس الثوري والتمرد على الظلم وانتزاع الحرية والكرامة لها جذورها ومنبتها العريق والأصيل، وخلال أربع سنوات من الكفاح للتحرير، قدم أبناء اليمن في جنوب الوطن، أعظم التضحيات في سبيل الخلاص من جحيم المستعمر البريطاني بمشاركة مختلف الأطياف والتوجهات والتكوينات من الفعاليات الطلابية والنسائية والنقابية في مسيرة النضال من خلال المظاهرات والإضراب والكفاح المسلح.. تكللت في العام 1967م بإعلان استقلال جنوب اليمن وتحرره بخروج آخر جندي بريطاني من مستعمرة عدن وكان الثلاثين من نوفمبر هو يوم الحرية وعيد الجلاء والاستقلال، لتعم الفرحة كل قرى ومدن اليمن شمالا وجنوبا.

 

عمليات فدائية

 

بعد تشعب المواجهات مع القوات البريطانية في المناطق الريفية وامتدادها إلى 12 جبهة، أعلنت الجبهة القومية عن فتح جبهة عدن، ونقل النضال إليها، حيث أصبح للعمليات التفجيرية وطلقات الرصاص ببسالة المقاومة.. صدى إعلاميا عالميا يصعب على الاستعمار البريطاني إخفاؤه، وقد شكّل نقل العمل العسكري إلى عدن انعطافاً استراتيجياً لتنظيم الجبهة القومية والثورة محلياً وعربياً، ودولياً، بل شكّل مرحلة جديدة في حياة المناضلين أنفسهم الذين اشتركوا في العمليات العسكرية، فكان العمل العسكري والفدائي داخل المدينة عامل إرباك للقوات الأجنبية، حيث عمل على تخفيف الضغط على الجبهات الريفية المقاتلة، وتشتيت قوات الاحتلال، الأمر الذي ساعد على مد الجبهة القومية لنشاطها النضالي إلى مختلف مناطق الجنوب، عمليات فدائية جديدة ظهرت أيضاً فيها, كان منفذ العملية هو الذي يحدد الهدف بنفسه دون الرجوع إلى القيادة المركزية، وأثبتت هذه العمليات نجاحها, حيث عملت على بث الرعب في نفوس الجنود البريطانيين، خصوصاً بعد مقتل رئيس المخابرات البريطانية في عدن «هيري ييري» ورئيس المجلس التشريعي « آرثرتشارلس»، ليجد البريطانيون أنفسهم بين كماشة من النار والرصاص بفعل المقاومة الشرسة التي سادت كل أوساط الشعب، وأخذت أشكالاً عدة، كما أن الدعم العربي الذي لاقته المقاومة من الدول العربية وخصوصاً من مصر دبلوماسياً ومادياً عزز موقف المقاومة، وأجبر المستعمر على طرح السؤال الأكثر عمقاً وهو: إلى متى البقاء في وجه الطوفان؟

 

ضربات الأحرار الموجعة…

 

في نوفمبر عام 1967م قوت شوكة المقاومة اليمنية واشتدت سواعدها النضالية لتبطش بالاستعمار البريطاني واستولت على كافة المناطق اليمنية وألحقت ذلك بخوض معارك عنيفة مع جنود الحكومة البريطانية والتي ذاقت شر الهزيمة، وتحت تأثير هذه الضربات الموجعة والقاسية فوجئت بريطانيا بتلقي ضربة قوية أخرى أسقطتها أرضاً وذلك عندما اشتدت حركة التظاهرات والاضطرابات والإضرابات السياسية ونتيجة لتوالي واستمرار هذه الأحداث الثورية استضافت مدينة جنيف في الـ 22 من نوفمبر وحتى الـ 27من نوفمبر عام 1967م مؤتمراً تفاوضياً بشأن استقلال الجنوب والذي انتهى بتوقيع وثيقة الاستقلال في يوم الـ 29 من نوفمبر 1967 والذي فيه شهد رحيل آخر جندي بريطاني من الجنوب سابقاً.

 

الاحتلال الجديد

 

واليوم وبعد أكثر من نصف قرن من طرد الاستعمار البريطاني سولت لهُ نفسه بالعودة مجدّدًا مع النظام السعوديّ ودويلة الإمارات للتمركز والتحكم في بعضٍ الأجزاء من المحافظات الجنوبية؛ ليسيطروا على شواطئها ومُعظم أراضيها، ويقوموا بإنشاء القواعد العسكرية على جزرها، وينهبون خيراتها وثرواتها؛ تحت مسمّى إعادة الشرعية المزعومة على أمل أن يجدوا مبرّراً لذلك، يعتقدون بأنهم سَيُعيدون اليمن إلى أوضاعه السابقة ويحقّقون ما يُريدون، ومن يدعون الوطنية من العملاء هم اليوم أنفسهم من يرتمون في أحضان الملكية والرجعية، ورغم ما تعرض له الشعب من قصفٍ وقتلٍ وحصار، وما شهدته البلاد من حروبٍ طاحنة، ومؤامرات عدائية، إلا إنهُ ما زال شعبًا قويًّا بقوته إيمانه، مُتمسك بحريته، ما زال شعبًا مُتماسكًا ولا أحد يجرؤ على تفريقه، ولا أحد قادر على نزع هُــوِيَّته الإيمانية، فاليمن سيبقى جسدًا واحدًا، لن يستطيع أحد فصل جزءٍ منه أَو تقسيمه، ولا أحد قادر على انتزاع شيئًا من حقوقه وممتلكاته، فكما كانت اليمن مقبرة الغزاة في الماضي ستكون مقبرة الغزاة في الحاضر، وكلّ من يُفكر في غزوها فليعلم بأنه سَيُقبر في ترابها، أو سيرحل مهزومًا فاشلًا مُتخبطًا كما أتى إليها، وأن كُـلّ الأعداء والعُملاء والخونة مصيرهم إلى زوال وخسران.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

جامعة صنعاء.. محاضرة للباحث الدولي “تيم أندرسون” حول دور اليمن في مساندة غزة

يمانيون../
استضافت جامعة صنعاء اليوم الأكاديمي والناشط الحقوقي الدولي البروفيسور تيم أندرسون لإلقاء محاضرة حول دور اليمن في مساندة مقاومة الشعب الفلسطيني بغزة وأثر ذلك في كسر الهيمنة الأمريكية الصهيونية على المنطقة.

وأشار الباحث والمفكر الاسترالي “أندرسون” في المحاضرة التي نظمها قسم العلوم السياسية بكلية التجارة والاقتصاد إلى دور اليمنيين في مناصرة الشعب الفلسطيني ومواجهة قوى الشر وعلى رأسها أمريكا وكسر هيمنتها.

ولفت إلى خيانة الأسرة الدولية تجاه الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني بحق سكان غزة بإيعاز من الإدارة الأمريكية، وكذا التحول الكبير في غرب آسيا وتحديدا ًمحور المقاومة، الذي أصبح واقعاً يزعزع التواجد والهيمنة الأمريكية في المنطقة.

وأكد أن شعوب العالم تنظر إلى ما يقوم به اليمن في نصرة المستضعفين ودعم وإسناد المقاومة في فلسطين، بأنه الشيء الصحيح.. محذرا من خطورة الهيمنة التي تسعى إليها الدول الكبرى للقضاء على القيم وتغيير الهوية وتشكيل وعي مجتمعي جديد.

وذكر الباحث الدولي أن الأمريكيين لا يتعلمون من خسارتهم أمام أي مقاومة تحمل قضية حقيقية.. داعياً الأمم والمجتمعات الصغيرة للتكتل وتكوين قوة إقليمية قادرة على فرض القرار على الدول التي تحاول أن تهيمن على الشعوب المستضعفة.

وأكد أن مصير الكيان الإسرائيلي بعد معركة “طوفان الأقصى” كمصير النظام العنصري في جنوب إفريقيا، حيث تداعى العالم للتخلص من جرائم العنصرية الصهيونية، وباتت نظرة الرأي العام العالمي أكثر سلبية تجاه هذا الكيان.

ولفت إلى أن حرب غزة عززت ضرورة التخلص من القطبية الواحدة.. مستعرضاً جانباً من كتابه “غرب آسيا ما بعد واشنطن، تقويض الاستعمار في الشرق الأوسط” والذي يتناول كيف تحول النظام العالمي ضد عملاق أمريكا الشمالية بعد فشل حروب واشنطن المتعددة للوصول إلى شرق أوسط جديد، وكيف حلت الصين محل الولايات المتحدة كمركز إنتاجي واقتصادي للعالم، بالإضافة إلى تنافس المنظمات العالمية الجديدة مع تلك التي أنشأها الأنجلو أمريكيون.

وأوضح من خلال كتابه أن مستقبل الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط والتي تسمى الآن غرب آسيا هو انعكاس لهذا التوجه الجديد، والتأكيد على حق الشعوب في تقرير المصير كنقطة انطلاق، وما يترتب على ذلك من حاجة دول ما بعد الاستعمار إلى بناء أنظمة اجتماعية قوية ومستقلة في مواجهة القوة المهيمنة.

وأكد أندرسون أن العقلية الأمريكية الإمبريالية هي التي تقود جميع الحروب في الشرق الأوسط وتغذيها، وأن هيمنة الولايات المتحدة على العالم زائلة لا محالة.. لافتا إلى تشكل قوس مقاومة عالمي يشمل “الصين، وروسيا، وإيران، فنزويلا، البرازيل” وحركات المقاومة العربية المناهضة للهيمنة الأمريكية ولمشروع الشرق الأوسط الجديد، وسيكون هذا القوس الجيوسياسي رديفا اقتصاديا صاعدا يتمثل في تحالفي شنغهاي وبركس الاقتصاديين ما يرفع حظوظه في إنهاء نظام القطبية الأحادية.

وتطرق إلى أن التدابير القسرية الأحادية التي تتخذها واشنطن تحت مسمى عقوبات هي غير قانونية، لأن القانون الدولي يحظر الإكراه الاقتصادي من خلال مبدأ عدم التدخل الضمني في ميثاق الأمم المتحدة، كما أنها غير شرعية لوجود النية غير القانونية وهي الإضرار باقتصاد دولة أخرى وحقوق دول الطرف الثالث بغرض الإكراه السياسي، إلى جانب أنها تنتهك الأعراف والمعاهدات الدولية.

واعتبر ما تسميها أمريكا “العقوبات” المترافقة مع الحصار البري والبحري والحروب الدعائية والتي تهدف لتغيير نظام الحكم، شكلا من أشكال الحصار، مستشهدا في ذلك بالحروب الاقتصادية ضد سوريا وكوبا وإيران ونيكاراغوا وفنزويلا واليمن وذلك يتشابه مع العقوبات الجزئية على مجموعات المقاومة في العراق لبنان والتي تجسد المعنى الحقيقي للإكراه السياسي.

وأكد حاجة الأمة اليوم إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ودعم الأنظمة القطبية المتصاعدة “الصين، إيران، وروسيا” ونظام “البريكس” وعدم التعامل بالدولار للخروج من التبعية لدول الهيمنة.

فيما أوضح السفير الدكتور أحمد العماد، وعميد كلية التجارة الدكتور هاني مغلس أن الباحث والمفكر الدولي “تيم أندرسون” لاحظ خلال زياراته للعديد من الدول أن الجميع يثنون على دور اليمن المشرف في دعم محور المقاومة الذي يتطلع إلى الحرية والتخلص من نظام هيمنة القطب الواحد.

وأشارا إلى أن أمريكا تتراجع بشكل مضطرد بفعل ضربات الشعوب الحرة والمقاومة ما يتطلب تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي والسياسي فيما بينها لأنها تمثل حالة بديلة عن الهيمنة الأمريكية القائمة.

وأوضحا أن “أندرسون” انخرط على مدى 15 شهراً في المظاهرات الأسبوعية التي شهدتها العاصمة الأسترالية سدني للتنديد بالمجازر التي ارتكبها الكيان الصهيوني في عدوانه الهمجي على غزة، وأسهم من خلال كتاباته ومواقفه في فضح عدوانية الغرب، واعتبر التدخلات غير المشروعة منبعاً للشرور وأداة للهيمنة واستعباد الشعوب المقهورة.

وذكر العماد ومغلس أن العالم ينظر بإجلال إلى دور اليمن في إطار منظومة قوس المقاومة العالمية لحالة الهيمنة الأمريكية، وأنه لعب دورا أساسيا في هذه المرحلة.. لافتين إلى دور جامعة صنعاء في مناصرة القضية الفلسطينية من خلال المظاهرات الأسبوعية التي استمرت طوال العام.

وفي ختام المحاضرة التي حضرها نخبة من قيادات الجامعة، وأعضاء هيئة التدريس والباحثين، أهدى المفكر “أندرسون” نسخة من أهم مؤلفاته لمكتبة كلية التجارة، فيما قدم عميد كلية التجارة درع الكلية للباحث “أندرسون” تقديرا لمواقفه الشجاعة في الدفاع عن المستضعفين في العالم.

سبأ

مقالات مشابهة

  • اليمن.. يوسفُ العرب الذي سيُعيد المجد من رُكام الخيانة
  • في رحيل الجنرال الذي أغتالته “إسرائيل” 100 مرة!!
  • العالم العربي بين نموذج ديب سيك وشات جي بي تي
  • سياسي أردني: اليمن أجبر الكيان الصهيوني على وقف عدوانه على غزة
  • جامعة صنعاء.. محاضرة للباحث الدولي “تيم أندرسون” حول دور اليمن في مساندة غزة
  • السودان وجنوب السودان يتفقان على مراقبة الحدود
  • وقفة تضامنية لـ لقاء العاملين في القطاع العام مع الجنوبيين: المقاومة السبيل الوحيد للحفاظ على السيادة
  • المركزية الأمريكية تكشف تفاصيل معركة بحرية “معقدة” مع اليمن
  • إسرائيل تحذر السكان من العودة إلى قراهم في جنوب لبنان
  • صورتان تهزّان القلوب من الجنوب.. مشاهد مُبكية!