البرهان وعبد الحي.. الحاوي والأفاعي
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
البرهان وعبد الحي.. الحاوي والأفاعي
فايز الشيخ السليك
لم استغرب من حديث الشيخ عبد الحي يوسف، الذي فتح النيران على قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقال فيه ما لم يقله مالك في الخمر؛ وإن كان الحديث صادماً لكثيرين من أنصار الحرب، ومجموعات مغيبة عن حقيقة المشهد؛ إلا أن الحديث وردود الأفعال استدعت إلى ذاكرتي وصف الرئيس المغدور علي عبد الله صالح لحكم اليمن وتشبيهه بأنه “مثل الرقص فوق رؤوس الأفاعي”.
ولرؤية الصورة من كل الزوايا، كان لا بد من طرح تساؤلات مرتبطة بكيفية صعود البرهان على خشية المسرح السياسي، وتولي قيادة الجيش؟ ما علاقة صعود الجنرال بحراك ديسمبر الثوري وتياره الجارف من جهة وبين محاولات الإسلاميين للانحناء للعاصفة؟
انتفض الشعب في عام 2018 انتفاضة ماردٍ هبَّ من غفوته، وسار كاندفاع السِّيل في قوته، حيث تصاعدت الأحداث تباعاً، ومر الحراك الثوري بحالات مدٍ وجزرٍ، وسط عزيمة وإصرار عظيمين على ضرورة الانتصار، قادت التراكمات النوعية والكمية، إلى زلزال السادس من أبريل 2019، الذي هزّ أركان النظام وبعثرها.
ومع ذلك؛ لم يكن أمر إسقاط نظام الإسلاميين بكامل مكوناته أمراً سهلاً، فللإسلاميين وجودٌ ضخمٌ ومؤثر داخل الجيش، وأقرَّ مؤسس الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي، باختراقهم للجيش منذ عام 1977، وعندما وصلوا إلى السلطة في عام 1989 اشترطوا لالتحاق الطلاب بالكلية الحربية الحصول على تزكية من التنظيم الإسلامي؛ ليحتكر الإسلاميون رتب الضباط منذ عام 1990 حتى سقوط البشير؛ مع وجود استثناءات لضباط غير إسلاميين، لكن بعد ثلاثين عاماً أكلت دابة الأرض منسأة النظام الإسلامي حتى لم يتبق أمام قادته غير اللجوء إلى إعداد سيناريوهات قادرة على امتصاص الصدمة وفتح الأبواب أمام المناورة مع الشارع الملتهب.
صعد الفريق أول عوض بن عوف، وسقط خلال 48 ساعةً وعكس ذلك حجم الإرباك داخل المنظومة الحاكمة ولجنتها الأمنية في مواجهة عواصف وزلازل الشوارع الثائرة، كما أظهرت مستوى صراعات مراكز القوة وسط قيادات الحركة الإسلامية، مع بروز محاور إقليمية داخل ذات المنظومة ليتفق الجميع تحت ضغط الشارع على ذهاب البشير، انحناءً للعواصف.
أطاحت تلك التوازنات بالحلف المكون من وزير الدفاع عوض بن عوف، ورئيس هيئة الأركان كمال عبد المعروف، ومدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح عبد الله قوش، وكشفت مصادر عليمة أن جماعات من الحركة الإسلامية اجتمعت أيام الحراك الثوري، وأوصت بتولي الفريق البرهان، رئاسة المجلس العسكري، فقبل البرهان التكليف المشروط من الجهتين، حيث اشترط الإسلاميون الاحتفاظ بأموالهم وأصولهم ومنظماتهم مقابل ابتعادهم مرحلياً عن المشهد على أن ينفذ البرهان خطةً لاجتثاث بذور ديسمبر، وإبعاد القوى السياسية المنظمة، وعلى وجه التحديد قوى الحرية والتغيير، وافق البرهان، على العرض المقدم، واشترط لتولي رئاسة المجلس تعيين قائد قوات الدعم السريع نائباً له.
حرص البرهان، قبل إعلان بيانه على الظهور في ساحة الاعتصام، وأكد أنه جاء للحوار مع قادة المعارضة، ومن الواضح أنَّ الجنرال رتبَّ أوراقه، وأراد المناورة مع قوى الثورة باستخدام تكتيكات الغرض منها كسب الوقت، وامتصاص الغضب الشعبي على البشير والإسلاميين، وكان الجيش والأمن أهم أدوات المناورة والقوة، في وقت لا تمتلك فيه قوى الثورة مؤسسات عسكرية وأمنية تحل محل القوى الموجودة.
استخدمت القوى المضادة للثورة أساليب متعددة لضربها؛ بدءً بحملات اغتيالات معنوية وظفت فيها وسائل التواصل الاجتماعي حيث نظمت حفلات شواء كثيفة الأدخنة، ولم تمر لحظة دون صدور منشورات متنمِّرة، وكتابات ساخرة، وأخبار كاذبة وقصص مفبركة، واتهامات بالخيانة والعمالة بغرض التقليل من رموز الحكومة الانتقالية وتشويه سمعتهم، ولأن المشروع الإسلامي أهم شعاراته هو “فلترق كل الدماء” استهدفوا رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ومارسوا ضده اغتيال معنوي ومحاولة اغتيال جسدي.
كانت البداية بمجزرة فض الاعتصام، ووجه النائب العام في السودان تهما جنائية متعلقة بجرائم ضد الانسانية بحق ضباط وعناصر من الدعم السريع، لدورهم في فض اعتصام القيادة العامة. وقالت لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة، إن ثمانية ضباط على الأقل سيتهمون بارتكاب جرائم ضد الإنسانية لدورهم في ما وصف بالقتل الجماعي للمتظاهرين في أوائل يونيو 2019.
ظلت قضية مجزرة فض الاعتصام محل مساومات ومزايدات، ما بين تصريحات الفريق البرهان، باتهامه للدعم السريع بفض اعتصام القيادة، مع أن ذات الرجل كان قد نفى تورط الدعم السريع؛ يفهم تناقض تصريحات البرهان، حيث كان موقفه الأول يتسق مع علاقة شهر العسل بين الجنرالين، أما التصريحات التالية فقد جاءت بعد تفجر الحرب بينهما، ثم بدأ العسكريون في ارسال رسائل متتالية لزعزعة الاستقرار، إما عن طريق محاولات انقلابية، أو بث شائعات بانقلاب، وتصوير المكون العسكري بصورة المدافع عن الانتقال؛ وسبق أن أدانت محكمة عسكرية عدداً من الضباط بالاشتراك في محاولة انقلابية في 11 يوليو 2019، وحكمت بالسجن 9 سنوات على رئيس أركان الجيش السابق، الفريق هاشم عبد المطلب، الذي تزعم المحاولة الانقلابية، وكذلك على اللواء ركن عبد العظيم الأمين قائد قوات الدفاع الشعبي، واللواء ركن بحر أحمد قائد المنطقة العسكرية الوسطى، والعميد ركن محمد قرشي الأمين قائد أمن القوات المسلحة، والمقدم ركن صالح فضل المولى، وحكمت عليهم بالسجن 5 سنوات وخفض رتبهم العسكرية ثم الطرد من الخدمة.
حملت المحاولة “الانقلابية” رسالة إلى البرهان، الذي بدأ يلعب لصالح ورقه، وممارسة الرقص على السلالم، والمناورة بالجميع، فمرة يفاوض الحرية والتغيير، فيضغطه الإسلاميون، فيفض اعتصام القيادة، وعندما جاءت المجزرة بنتيجة عكسية وتأكيد تمسك الشارع بالحكم المدني، ورفضه نظام البشير وتوابعه، عاد البرهان للتفاوض مرة أخرى، ثم تم تسريب بيان مسجل للانقلاب- بالصوت والصورة- للفريق عبد المطلب الذي أعلن فيه حل المجلس العسكري الانتقالي الذي يرأسه البرهان، و«إعادة الثقة بين الشعب وقواته المسلحة» عبر تسلم الجيش مقاليد الحكم في البلاد، بحجة أن المجلس العسكري الانتقالي «متردد وضعيف»، وتكوين مجلس عسكري جديد. وأقر الفريق عبد المطلب، في تسريب آخر مصور أثناء التحقيق معه، بأنه ينتمي إلى الحركة الإسلامية بقوله: «أنا (أنتمي إلى) الحركة الإسلامية منذ أن كنت ملازماً”.
كانت الرسالة واضحة من كلمات مثل “تردد” “ضعيف”، تسليم السلطة للجيش”. والمقصود هنا عدم التزام البرهان بخارطة طريق الإسلاميين، وتشكلت الحكومة الانتقالية بتأييد شعبي واقليمي ودولي كبير، ولما اقترب موعد تسليم البرهان رئاسة المجلس السيادي لشخص مدني وفق اتفاق الوثيقة الدستورية، بدأ الجنرال يلتف على عملية التسليم، وعاد من جديد إلى حاضنته الإسلامية التي دفعته نحو الانقلاب مرةً أخرى.
فشل سيناريو عزل الحكومة الانتقالية، ولجأ البرهان، بالتواطؤ مع حمدان، إلى اتخاذ تدابير عسكرية عبر انقلاب أكتوبر 2021 للانقضاض على المرحلة الانتقالية وساهم قائد الدعم السريع مساهمةً كبيرةً في التخطيط للانقلاب، وتنفيذه وذلك عبر دعم اعتصام القصر وقوى الكفاح المسلح وتأجيج صراعاتها مع القوى المدنية، ثم جاء دورهما المشترك في تأجيج نيران شرق السودان وتحريض ودعم قادتها القبليين المنتمين للحركة الإسلامية وتحفيزهم على إغلاق الموانئ وشارع بورتسودان الرئيسي، من أجل خنق الحكومة وخلق حالة تذمر وسط المواطنين؛ يأتي ذلك بالتزامن مع بروز عصابات “تسعة طويلة” المسنودة من الأجهزة الأمنية والاستخبارية.
اشتعلت الحرب اللعينة التي خطط لها الإسلاميون، وهدفوا منها إعادة ترسيم المشهد السياسي بالدماء؛ إلا أن الحرب تطاول أمدها، ودخلت الأطراف مرحلة “الانهاك” لطول أمد القتال الشرس بين الطرفين، وظهر نتيجة لذلك شروخُ كانت مخفية داخل جدار الحركة الإسلامية، وبدأ تياران يتشكلان، أحد مراكزه في تركيا، والثاني مركزه متحرك، وهو الأكثر ارتباطاً بالبرهان.
بدأ تيار تركيا منذ أمدٍ بعيد يهاجم البرهان، ويصفه بالعمالة والتردد، وتشكلت قناعات لديهم بأن البرهان يحتمي بهم، ويعزز قوته بمليشياتهم، لكنه يجير ذلك لطموحاته الخاصة بدعمٍ إقليمي ودولي يريد التخلص من الجناح المتطرف.
في هذا السياق تتبنى إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، مشروع تسوية أطرافها إقليمية، ترحب بأحد تيارات الحركة الإسلامية وترفض التيار الآخر، وهو التيار الأكثر تشدداً ومعاداة للمجتمع الدولي، وتدعم بعض من دول الجوار ودول خليجية هذه التسوية، والتي تعطي للعسكر مستقبلاً وضمانات لبعضهم بعدم المساءلة على جرائم الحرب بشرط إطفاء نيرانها، والتوصل إلى تسوية سياسية فيما بعد يقودها بعض المدنيين المقربين من الطرفين.
عبر البرهان عن تذمره من الإسلاميين أكثر من مرة، حيث صرح مباشرة في العام الماضي بأن الإسلاميين أفقدوا الجيش تعاطف أصدقاء مهمين، فيما قال الأسبوع الماضي في كلمته خلال مؤتمر اقتصادي بمدينة بورتسودان، “إن المقاتلين في الميدان لا ينتمون إلى المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية، مشيرًا إلى أن السودان ليس بحاجة إلى المزيد من الصراعات أو الانقسامات في الوقت الراهن”.
مؤكد أنَّ حديث البرهان، أثار غضب التيار الآخر بعد أن منعهم من عقد مؤتمر للشورى في بورتسودان في وقت سمح فيه بعقد مؤتمر لتيار كرتي الداعم المباشر لقيادة البرهان لهذه المرحلةـ وهو تيار برغماتي، سوف يصبر على مناورات البرهان، ولا يرفض استمرار رئاسته حتى انتهاء الحرب، فيما يصر التيار الثاني على إبعاد البرهان قبل انتهاء الحرب وسد الباب أمام طموحاته الشخصية ومشاريعه الإقليمية، وهذا ما عبر عنه الشيخ عبد الحي، المقرب من البشير وتياره، فهجوم الشيخ على قائد الجيش ووصفه بالعمالة والكذب والتردد يعني نقل الصراع المكتوم إلى العلن، حيث لم يستطع الرجل معه صبراً، بل أن عبد الحي، قصد الإشارة إلى أن ما تحقق من انتصارات كان بفضل الحركة الإسلامية وقواتها، وأن الحرب مثلت فرصةً لأحياء فضيلة الجهاد وبريق الحركة الإسلامية.
لا يوجد صراع فكري بين الإسلاميين الذين نضب معين انتاجهم المعرفي والسياسي منذ رحيل الشيخ حسن الترابي قبل ثمانية أعوام، ولا يوجد صراع حول كيفية حكم السودان، بقدر ما هو صراع للسلطة وللجاه، بينما تستخدم ورقة الدين للتجييش ودغدغة مشاعر المواطنين، وإذا ما أخرج عبد الحي يوسف الرأي الحقيقي في عبد الفتاح البرهان، وأعلنت بداية مفاصلة بينه وبين بعض الإسلاميين، فلا يتغير رأي تيار كرتي في الجنرال، لكن يتعاملون معه بطريقة “انتهازية” للاستفادة من الجيش ورمزية البرهان، إلا أن هذه المجموعة لها ذات الآراء لكنها تختلف في التكتيك وفي توقيت المفاصلة.
نعم يسير البرهان، في ذات طريق علي عبد الله صالح، تماماً، يرقص ذات الرقصة على رؤوس الأفاعي، حيث يحاول التحالف مع الجميع، ويتفق مع الجميع ويعمل ضد الجميع، ويعد الجميع بوعود مختلفة، ويبيع لآخرين “أحلام الأمل البعيد” بإيهامهم بتشكيل حكومة منهم وإبعاد خصومهم، لكن إلى متى تستمر اللعبة؟ هل يقضي على أفاعي الحركة الإسلامية بتعاون إقليمي ودولي وسيطرة على الجيش؟ أم سوف تلدغه حيةٌ سامة؟.
الوسومالحركة الإسلامية ثورة ديسمبر صلاح قوش عبد الحي يوسف عبد الفتاح البرهان علي كرتي عوض بن عوف فايز الشيخ السليك فض الاعتصامالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحركة الإسلامية ثورة ديسمبر صلاح قوش عبد الحي يوسف عبد الفتاح البرهان علي كرتي فض الاعتصام الحرکة الإسلامیة الدعم السریع عبد الحی عبد الله
إقرأ أيضاً:
نجح الجيش في التصدي لمحاولة المليشيا للسيطرة على السلطة
يبدو أن القوات المسلحة هي صمام أمان البلد أكثر مما نعتقد؛ فهي كذلك ليس في مواجهة خطر تمزيق السودان بالحرب وحسب، وإنما أيضا بعد الانتصار في الحرب، وهذا هو التحدي الأكبر.
بعد تحدي الجنجويد والمرتزقة وحربهم على الدولة فإن الخطر التالي مباشرة هو تعدد القوات التي تحمل السلاح. والتهديد لا يكمن بالضرورة في تمرد مشابه لتمرد الدعم السريع، ولكن في الصراعات التي يخلقها وجود هذه القوات.
التحدي أمام مؤسسة القوات المسلحة وأمام الشعب السوداني هو توحيد كل القوات التي تحمل السلاح في معركة الكرامة في جيش قومي مهني واحد.
هذه القضية تكاد تكون هي الأولوية الثانية بعد الانتصار في الحرب إن لم تكن الأول مشترك، أي بنفس الأهمية.
بدمج كل القوات التي تقاتل مع الجيش الآن في جيش واحد وفق رؤية وطنية متوافق عليها ستنتهي الكثير من المشاكل والمخاوف. سيكون لدينا مؤسسة جيش قوية تمثل كل الشعب، وبقدر ما ستكون تجسيدا للوحدة ستكون قوية لفرض هذه الوحدة أمنا واستقرارا في كل التراب السوداني.
ولكن قضية الجيش الواحد الذي يحتكر السلاح لا تنفصل عن باقي قضايا الحكم والدولة، لذلك لا بد من التوافق على رؤية وطنية شاملة بكل ما يعنيه الشمول من حيث المضمون ومن حيث المشاركة.
لقد نجح الجيش في التصدي لمحاولة المليشيا للسيطرة على السلطة كما نجح في منع تدميرها للدولة رغم الأضرار الكبيرة التي وقعت على البلد وعلى الناس. ولكن يجب أن يكون لدينا تعريف واضح محدد للانتصار في هذه الحرب. متى نقول أننا انتصرنا؟
هل عندما نشنق آخر جنجويدي بإمعاء آخر قحاتي؟
أم عندما ننجح في المحافظة على وحدة البلد وسلامة أرضها واستقلالها وسيادتها وضمان حرية شعبها في تقرير مصيره وصناعة مستقبله.
في رأيي أن مقياس الانتصار في الحرب هو إلى أين سيتجه السودان بعد نهاية الحرب؟ هل سيخرج دولة واحدة ذات سيادة بدستور محترم نظام حكم مستقر بجيش واحد بمؤسسات دولة من قضاء وخدمة مدنية مهنية ومحترمة أم سيستمر في نفس الفشل وربما ينحدر للأسوأ؟ هذا هو محدد الانتصار.
لذلك، بقدر ما نحرص على التصدي للحرب التي استهدفت كيان الدولة والتي ما تزال مستمرة و ما يزال الشعب السوداني يبذل دماءه وموارده وزمنه في ذلك، إلا أن امتلاك رؤية واضحة لماهية الانتصار الذي نبحث عنه، ومتى نقول أننا انتصرنا في الحرب هو أمر في غاية الأهمية. لماذا؟
لأن إمتلاك التصور الصحيح للانتصار يجعلك تتخذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح. إذا حصلت على هذا الانتصار عبر الحرب أو عبر التفاوض، فأنت تعرف ماذا تريد. ولأن تصورنا عن الانتصار لا ينفصل عن تصورنا لما يجب أن يكون عليه مستقبل البلد بعد هذا الانتصار وبموجب هذا الانتصار. بل إن تصورنا للانتصار المطلوب يحدد الطريقة التي نخوض بها حربنا الحالية أيضا.
ورغم كل سوء الحرب إلا أنها ليست أصعب شيء.
– ماذا؟ هل هناك ما هو أصعب الحرب؟
نعم؛ السياسة!
فنحن وصلنا إلى الحرب بسبب الفشل السياسي. وقد تنتصر عسكريا اليوم، ولكنك إذا فشلت سياسيا بعد ذلك فسوف تعود إلى دوامة الحرب مرة أخرى.
وحتى لا نفشل فيما هو أصعب فيجب أن نعرف ماذا نريد ومن الآن.
أقول هذا الكلام وأنا مدرك تماما أنه لم يكن ممكنا وأنه سيكون لغوا بلا أي معنى لولا الدماء التي سالت وتسيل في ميدان معارك الكرامة؛ فلولا هؤلاء الأبطال لما كنا نملك حتى رفاهية الفشل؛ لو انتصر الأعداء لكنا فقدنا كل شيء.
ولكن الأعداء لم ينتصروا، وذلك بفضل التضحيات التي لا ينبغي أن تُنسى، ولكن أيضا لا ينبغي أن تضيع بفشل آخر جديد بسبب غياب الرؤية. هذه مسئولية الجميع.
حليم غباس