نساء في حواضن الدعم والجيش!
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
نساء في حواضن الدعم والجيش!
بثينة تروس
يا لهول العنف الواقع على كاهل المرأة في بلاد تشهد أكبر كارثة إنسانية، حيث أصبحت أجسادهن مسرحاً لمعارك بطولاتها المتوهمة وخساراتها المبينة! تُستهدف النساء والفتيات كأدوات ضغط ميداني وإعلامي، بينما تحتفل الأمم المتحدة بحملة “16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة” تحت شعار “لا عذر” في الوقت ذاته، يجتهد المتقاتلون في السودان لاختلاق الأعذار لاستمرار الحرب تحت دعاوى “الكرامة”، التي يبدو أنها تخص الجنرالات وطلاب السلطة وحدهم، إذ لا كرامة للمرأة فيها.
لم تجد النساء خياراً سوى الفرار من مناطق سيطرة وحواضن مليشيات الدعم السريع، التي ولغت في الانتهاكات الإنسانية، من اغتصاب وعنف وتشريد ونهب وتهجير. كيف لا؟ وهناك تاريخ طويل لاستخدام سلاح الاغتصاب لحسم المعارك وإذلال الرجال عبر إذلال نسائهم. كانت نساء دارفور أول ضحايا هذه الظاهرة، وما كانت نساء المركز بمأمن من هذا العنف. فقد شاطر الجنرالات- أشقاء الأمس وخصوم اليوم- أدوات القمع ذاتها، ملاحقين النساء بسبب مطالبتهن بالحقوق، ورفع التمييز، والدفاع عن المهمشات والمستضعفات، مثل بائعات الشاي والنازحات من مناطق النزاعات.
أثناء الحرب، تصاعد مدّ عسكرة الدولة وويلات العنف الجنسي، ما دفع الأمهات للتضحية بأنفسهن لحماية بناتهن من الاغتصاب، واختيار الموت على وصمة العار المجتمعي التي لا ترحم الناجيات. فررن بحثاً عن الأمان لهن ولأطفالهن، مشياً على الأقدام لأيام، محفوفات بالرعب والمجهول وخطر الاختطاف. تشتتت الأسر وانقطعت السبل، كأنهن في يوم الحشر: (يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه) سورة عبس: 34-36
ما إن يحططن الرحال في مكان اعتقاداً منهن بأنه آمن، حتى تطاردهن المليشيات بلا رحمة من قرية إلى أخرى، فلا يجدن بدًّا من مواصلة الهروب. وبينما يُقدر لبعضهن اللجوء خارج البلاد، فإنهن يواجهن هناك شقاءً آخر، بلا دعم مادي أو معنوي، ما اضطر الكثيرات منهن إلى التسول في شوارع عواصم الغربة، بعدما دفعتهن حرب “الكرامة”، وهن الكريمات، إلى هذه المهانة.
أما المواطنات اللواتي لجأن إلى مناطق الجيش بحثاً عن الأمان، فقد واجهن قدراً لا يقل قسوة. استُقبلن بالشكوك والاتهامات من مليشيات الجيش والفلول وأجهزة الاستخبارات، التي مارست عليهن قانون “الوجوه الغريبة” والانتماء القبلي، موجهة إليهن تهماً واهية بالخيانة الوطنية لمجرد صور أو تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تخص معارك الدعم السريع أو قياداته. وُضعن في السجون ليواجهن أحكاماً بالإعدام، بينما يُطلق سراح قادة الدعم السريع ويُستقبلون كفاتحين في مؤسسات الجيش. استبدلت هؤلاء النساء رعب القصف الجوي بأزيز الطائرات المسيرة، مجهولة المصدر.
حتى المدافعات عن حقوق الإنسان والقانونيات لم يسلمْنَ من الاختطاف والضرب والتهديد في مناطق سيطرة الجيش، بسبب دفاعهن عن المظلومين المسجونين بتهم واهية كالخيانة الوطنية فقط لانتمائهم العرقي. وفي محاكم بورتسودان، تنحاز السلطة القضائية الفاسدة إلى منطق القوة، مغلقة أعينها عن إقامة العدالة.
أعباء الحرب على النساءأولئك الذين يروجون لاستمرار الحرب، ويستخدمون النساء كأدوات إرهاب، لا يكترثون لمعاناتهن. هؤلاء النساء يتحملن بشجاعة كلفة الحياة الباهظة، ويحافظن على أبنائهن، حتى وهن يقفن لساعات في صفوف “التكية” ومطابخ الدعم للحصول على وجبة قد تنقطع قبل أن يصل دورهن. في معسكرات اللاجئين، لا يجدن إلا انتهاكات إضافية لإنسانيتهن، في ظروف تفتقر لأدنى مقومات العيش الكريم. يواجهن الجوع، والأوبئة مثل الكوليرا وحمى الضنك، في غياب الرعاية الصحية والنفسية التي لا تتوفر إلا في ظل سلام يعيد لهن جزءاً من كرامتهن ويتيح التعافي من تلك الانتهاكات المريرة.
النساء عماد التغييررغم هذه المآسي، فإن النساء السودانيات يمتلكن تاريخاً مشرفاً من النضال النسوي، مقارنة بنظيراتهن في دول الإقليم. لديهن رصيد ضخم من التجارب في العمل المدني والتوعوي، ما يؤهلهن لقيادة مسيرة التغيير وانتزاع الحقوق، مستندات إلى ثقافاتهن وأديانهن وعاداتهن. لهن دور مشهود في فض النزاعات وتحقيق السلم والتعايش المجتمعي، إذ أنهن، في جوهرهن، داعيات للحياة ومبدعات في صنع واقع جديد، مهما كان المحيط قاسياً.
بالرغم من كل المعوقات، تعرف السودانيات جيداً كيفية تحقيق أهدافهن. لن تعجزهن الحروب عن الوقوف مجدداً كـ”كنداكات” لهزيمة القبح والمساهمة في إعادة إعمار هذا الوطن، إذا حافظ أبناؤه على وحدته وأعلوا قيمة السلام!
tina.terwis@gmail.com
الوسومالأمم المتحدة التكية الجيش الحرب الدعم السريع السودان العنف ضد المرأة النساء بثينة تروس حقوق الإنسان حملة 16 يوماً عسكرة الدولة كنداكاتالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأمم المتحدة التكية الجيش الحرب الدعم السريع السودان العنف ضد المرأة النساء حقوق الإنسان حملة 16 يوما عسكرة الدولة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
توسع أحكام الإعدام في السودان بمزاعم التعاون مع «الدعم السريع» .. هيئة حقوقية: ما يحدث للنساء في ولاية النيل الأزرق «جرائم ضد الإنسانية»
قالت هيئة حقوقية سودانية إن الأجهزة الأمنية المُوالية للحكومة في العاصمة المؤقتة بورتسودان، احتجزت أخيراً، 5 نساء تعسفياً، بمزاعم التعاون مع قوات «الدعم السريع»، مِن بينهن محامية، مشيرة إلى امتلاء المعتقلات والسجون بأعداد كبيرة من السجناء والسجينات بالتهم نفسها.
وأفادت عضو المكتب التنفيذي لهيئة «محامو الطوارئ»، رحاب مبارك، بأن الخلية الأمنية بمدينة الدمازين، عاصمة ولاية النيل الأزرق، جنوب شرقي البلاد، ألقت القبض على النساء، يوم الاثنين الماضي؛ لأسباب «جهوية وعرقية بحتة». وقالت، لــ«الشرق الأوسط»، إن النساء معتقلات في «وضع سيئ جداً ويمارَس بحقِّهن الابتزاز والتهديد بالسجن لفترة لا تقل عن 10 سنوات؛ لإجبارهن على الاعتراف قسراً بتعاونهن مع قوات (الدعم السريع)».
وأضافت أن الجيش السوداني ظل يرفض كثيراً من طلبات اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة المعتقلات، علماً بأن غالبيتهن أمهات لا يجري السماح بزيارتهن. ولم يتسنَّ الحصول على تعليق من المتحدث باسم الجيش حول هذه الاتهامات.
وعدَّت القانونية ما يحدث للنساء في مدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق وغيرها من مناطق السودان، أنه «يدخل ضمن الجرائم ضد الإنسانية ترتكبها الاستخبارات العسكرية والخلية الأمنية التابعة للجيش، وفقاً لتصنيفات عرقية». وقالت رحاب مبارك إن المعتقلين بمزاعم التعامل مع «الدعم السريع» يتجاوز عددهم المئات، حيث تصدر يومياً في محاكم الطوارئ والمحاكم الجنائية بمختلف ولايات البلاد أحكام بالإعدام والسجن المؤبد أو السجن لفترة تتراوح بين 6 و10 سنوات.
محاكمات سياسية
وأكدت مبارك أن هذه الأحكام، التي صدرت بحق المئات من المواطنين السودانيين، «محاكمات سياسية» لا يتوفر فيها أدنى مقومات الشفافية والعدالة بحقِّ مَن يجري اعتقالهم بهذه التهم.
وألقت السلطات الأمنية القبض على المئات من السودانيين في المناطق التي استردّتها من قوات «الدعم السريع»، ووجَّهت لهم تُهماً تحت مواد من القانون الجنائي تتعلق بالتعاون مع «منظومة إرهابية».
ويواجه الجيش السوداني والميليشيات التي تُقاتل في صفوفه اتهامات بارتكاب أعمال قتل خارج نطاق القانون، وانتهاكات واسعة ضد المدنيين العُزل في مناطق النزاع.
ورصدت هيئات حقوقية مستقلة، خلال الأشهر القليلة الماضية، توسع السلطات السودانية في إصدار أحكام الإعدام شنقاً حتى الموت ضد عشرات من الرجال والنساء؛ لإدانتهم، بموجب المواد 50 و51 و65 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، المتعلقة بإثارة الحرب ضد الدولة، والمشاركة مع قوات «الدعم السريع» في ارتكاب جرائم جنائية ضد المدنيين.
وقال قاضي درجة أولى، لــ«الشرق الأوسط»، إن «أغلب الأحكام يتأسس على بلاغات بالتعاون أو التخابر، أو شخص جرى تجنيده من قِبل (الدعم السريع)، بالإضافة إلى الأشخاص الذين تثبت عليهم تُهم الاشتراك في أعمال العنف أو النهب، مثلما حدث في كثير من مناطق النزاعات».
وأضاف القاضي، الذي طلب حجب هويته، أن كثيراً من هذه الأحكام تسقط في درجات الاستئناف، وقد لا تجد التأييد في المحاكم العليا. وأوضح أنه إذا لم تثبت للنيابة بيِّنة لانخراط المتهم في موجبات الاتهام فوق مرحلة الشك المعقول لنشاطه مع قوات «الدعم السريع»، يُخلى سبيل المتهم دون محاكمة. وقال القاضي إن أغلب البلاغات والأحكام، التي صدرت ضد الأشخاص بالتعاون مع «الدعم السريع»، سُجّلت في ولايات البحر الأحمر ونهر النيل والولايات الشمالية.
القضاء الحالي غير معتمد
بدوره قال قانوني وخبير في حقوق الإنسان إن العقوبات الصادرة من القضاء الحالي لا يُعتدّ بها قانوناً؛ لكونها تتلقى الأوامر من الأجهزة الرسمية والحكومية. وأضاف القانوني، الذي فضل عدم ذكر اسمه لوجوده داخل البلاد، «أن هذه الأحكام ذات طابع سياسي، وأصبحت من أدوات الحرب، وطالت كثيراً من الأبرياء». وأشار إلى أنه منذ اندلاع الحرب، درجت السلطات الأمنية، التابعة للجيش السوداني، على القبض بالاشتباه على الفارّين من العاصمة الخرطوم وغيرها من الولايات، مما عرّض كثيراً من الأشخاص للاعتقال والتعذيب دون وجه حق.
وقال إن الغرض من هذه الأحكام مخاطبة الخارج بالانتهاكات التي ترتكبها قوات «الدعم السريع»، لتحقيق مكاسب سياسية، وليس لها أي علاقة بالقانون والعدالة. وأشار، في هذا الصدد، إلى البلاغات «الكيدية ذات الطابع السياسي»، التي سبق أن دوَّنتها النيابة العامة في مواجهة قادة «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)»، التحالف السياسي الأكبر في البلاد، وخاطبت الإنتربول الدولي بالقبض عليهم.
وأصدر قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في مطلع أغسطس (آب) من العام الماضي، قراراً بتشكيل لجنة لجرائم الحرب وانتهاكات «الدعم السريع» برئاسة النائب العام، وعضوية ممثلين عن القوات المسلحة، والمخابرات العامة، والداخلية، والشرطة، ومفوضية حقوق الإنسان، ووزارتي العدل والخارجية.
السودان: الشرق الأوسط: أحمد يونس