(عدن الغد)خاص:

قراءة في طبيعة وواقع ومستقبل الصراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية..

ما انعكاسات هذا الصراع على الدولة ومؤسساتها.. وهل أضر بالوضع المعيشي للمواطنين؟

كيف استفاد الحوثيون من الصراع بين الانتقالي والشرعية؟

هل يتوج هذا الصراع بفشل التحالف والشرعية والانتقالي في تحقيق أهدافهم؟

ما الحل لوقف الصراع بين الحكومة الشرعية والانتقالي؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

تتصف العلاقة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية بأنها علاقة "جدلية"، فالتداخل الذي تمثله الشخصيات المنتمية لكلا الطرفين هو سبب هذا الجدل، وهو جدل يكاد يحظى بطابع "بيزنطي"، لا يصل في نهاية الجدال إلى أي نتيجة ولا يظهر أي منتصر من وراء كل هذا المراء.

فبعض أفراد الانتقالي ما قبل مايو/ آيار عام 2017 كانوا من صلب البنية الشرعية للبلاد، بل وتقلدوا مناصب سيادية وعامة، وتحدثوا باسم الحكومة الشرعية قبل أن يخرج المجلس الانتقالي الجنوبي بصفته الاعتبارية إلى النور ككيان رسمي، غير أن صراعات هؤلاء اليوم مع الشرعية التي كانوا جزءًا منها ذات مرة ترتقي إلى مرتبة الفجور الذي يلي الخصومة الظاهرة.

كما أن العكس صحيح، ثمة أفراد وشخصيات كانت من صقور الشرعية اليمنية باتوا اليوم أعضاء قياديين في المجلس الانتقالي الجنوبي، ومن صقوره أيضًا، وأكثر خصومة للشرعية من نظرائهم الانتقاليين حتى، ما يؤكد أن العلاقة بين الطرفين جدلية للغاية، ولا يمكن فصل التداخل فيما بينها إلا بالنظر إلى مؤثرات وعوامل الصراع الدائر في اليمن بتشعباته وتفرعاته الإقليمية والدولية.

خلفية الانتماء والارتباطات الأولى لعدد من شخصيات الانتقالي والشرعية على السواء، لا تعكس حقيقة هذا العداء والصراع بين الطرفين والكيانين السياسيين، سواءً كان قبل أن يلتئمان في حكومة مناصفة واحدة، أو حتى قبل ذلك، وكل هذا مرتبط بتطورات المشهد السياسي العام وتأثيراته على الأطراف الداخلية والمحلية، وعلى طبيعة المواجهة بين الجانبين.

فمنذ تشكيل المجلس الانتقالي وتأسيسه في الرابع من مايو/ آيار عام 2017، اختار لغة حادة شديدة اللهجة في التعامل مع الحكومة الشرعية، بل ووصمها بأنها "نظام احتلال" للجنوب، بينما على الجانب الآخر "شيطنت" الشرعية ومناصريها كل من يتعامل مع المجلس الانتقالي الجنوبي وداعميه واتهمتهم ببيع سيادة الدولة مقابل الحصول على دعم إقليمي بالتمكين.

وتطور هذا الوضع ليصل إلى حد المواجهة العسكرية، بدأت أولاها في يناير/ كانون ثاني عام 2018، والتي كانت بمثابة "جس نبض" عسكري لما سيأتي لاحقًا، وهو ما شهد دمويةً أكبر وتجسد في مواجهات أغسطس/ آب عام 2019 الدموية، والتي نتج عنها واقع سياسي وعسكري وأمني مغاير، قلب موازين القوى والأوضاع في المحافظات المحررة من اليمن.

آثار هذا التغيير في القوى ما زالت تداعياته متواصلة إلى اليوم، بل إنها ازدادت حدة، رغم أن التداخل والجدية في العلاقة بين الطرفين وصلت إلى مستويات متقدمة، من خلال مشاركة الانتقالي في المجلس الرئاسي اليمني، وليس في الحكومة فقط، بالإضافة إلى تواجد شخصيات شرعية كبيرة في قوام هيئة رئاسة الانتقالي، وكل ذلك لم يسهم في إيقاف الصراع والخلاف بين الجانبين.

واقع كهذا يثير الكثير من الجدل والاستغراب حول كيفية وصول الصراع والخلاف بين الشرعية والانتقالي إلى هذا المستوى الفج من العلاقة المتدهورة، رغم امتلاك الطرفين مقومات التوافق، كونهما يشتركان في مصير واحد سياسيًا وخدميًا وحتى عسكريًا -وهو الأهم- في ظل تربص مليشيات الحوثي واللعب على متناقضات العلاقة بينهما، لكن الواقع المشاهد اليوم يؤكد للأسف أن التوافق بين الجانبين يكاد يكون صعبًا إن لم يكن مستحيلًا.

> تداعيات صراع الشرعية والانتقالي

قد يكون خلاف أو صراع الكيانات السياسية والحزبية أمرًا صحيًا ومحمودًا في الدول الديمقراطية، غير أن هذا لا ينطبق على الحالة اليمنية والوضع في المناطق المحررة، والصراعات هنا ألقت بتأثيرات مؤلمة على كافة المجالات الاقتصادية والمعيشية والخدمية، وهو نتاج طبيعي للفجور الذي وصلته الصراعات والخصومات بين الشرعية والانتقالي.

في بقية دول العالم، يسعى الخلاف والصراع السياسي والمنافسة الحزبية إلى تحقيق رفاهية المجتمع والناس، ومحاولة الفوز بأصوات المواطنين الذين يمنحون أصواتهم لمن يخدمهم ويوفر لهم احتياجاتهم الأساسية، وهذا الأمر غائب في اليمن والمناطق المحررة التي ضاق الناس فيها ذرعا بصراعات الشرعية والانتقالي، ما تبعه من حرمان في الخدمات المرتبات وتردي الأوضاع المعيشية.

فمن الطبيعي أن يؤثر أي صراع سياسي وعسكري داخلي على عمل واستقرار مؤسسات الدولة الخدمية والاقتصادية، والتي خرجت تقريبا عن الخدمة في المناطق المحررة؛ نتيجة غياب الدولة؛ كإحدى أهم وأبرز تبعات صراع الانتقالي والشرعية، وبالتالي فإن المواطن البسيط هو من يدفع ثمن كل هذه الفوضى الناتجة عن خلافات السيطرة والنفوذ.

وما يزيد من المأساة أن البسطاء وحدهم هم من يكتوون بنيران التدهور المعيشي والاقتصادي وانهيار سعر الدولة، بينما رؤوس المتصارعين المتسببين بكل هذه الكارثة ينعمون ويعيشون حياة رغدة في قصورهم أو فنادق الخارج، دون أن يستشعروا الحرمان من الكهرباء أو المياه، ودون أن يمضي الشهر بلا مرتبات، ودون أن ينزلوا إلى الأسواق ليلمسوا ارتفاع أسعارها الجنوني.

وحده المواطن الغلبان على أمره هو من يذوق هذه المأساة، ويبحث عن مؤسسات الدولة لتنقذه فلا يجدها، ويضطر إلى الدفع والدفع للحصول على أبسط حقوقه من الخدمات، فيما المسئولون عن قوته وخدماته غارقون في صراعاتهم وخلافات السيطرة على الحكم والسلطة.

قد يكون موقف الانتقالي من الحكومة الشرعية وسبب صراعه وخلافه معها أنها لم توفر الخدمات، وتعذب المحافظات الجنوبية خدميا نظير دعمها ووقوفها مع الانتقالي، لكن في حقيقة الأمر فإن الجميع يتحمل مسئولية التردي المعيشي والخدمي، بمن فيهم الانتقالي المسيطر على مؤسسات الدولة في أكثر من محافظة محررة، فالمسئولية مشتركة، واستمرار الصراع يفاقم هذه المشكلات ويأججها.

> التحالف.. وصراع الإخوة

تكمن مشكلة عدم التوافق بين الشرعية والانتقالي في أن هذا الأخير يمتلك مشروعًا سياسيًا يتناقض والمشروع الذي تحمله الحكومة الشرعية، وهذا التطرف في مطالب كل طرف هي من جعلت الخلافات والصراعات تتواصل وتتصاعد لتصل إلى هذا المستوى من الحدة، خاصة مع تطور الأمور وخروجها إلى استخدام العنف والقوة.

ووسط كل هذا الكم من المواجهات والصراعات العسكرية والسياسية والإعلامية، يبقى دور التحالف العربي ممثلا في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة مهمًا للغاية، في إنهاء هذا الصراع أو تأجيجه وفق الأجندات ومصالح هذا الطرف أو ذاك.

وليس بخافٍ على أحد الدعم الذي يقدمه قطبا التحالف للشرعية والانتقالي، صحيح أن الغطاء يتمثل بالتدخل العسكري لإعادة ودعم الشرعية لكن هذا لا يمنع من وجود مصالح يسعى كل طرف خارجي إلى اكتسابها من وراء هذا الدعم.

وبرأي خبراء ومراقبين فإن مدى نجاح التحالف في إنهاء الصراع مرتبط أساسًا بمدى حصوله على مكاسب مترتبة على تواجده في اليمن، وتدخله العسكري الذي من المؤكد أنه لا يمكن أن يحدث بلا مقابل أو ثمن، وهو ما ينتظره التحالف من أدواته المحلية في المناطق المحررة، تمامًا كما تنتظره إيران من حليفها وأداتها الحوثية في الشمال.

ولعل في اضطرام جذوة الصراع بين الانتقالي والشرعية سبيل للتحالف وغيره من القوى الخارجية والإقليمية للحصول على مصالح ومكاسب في الداخل اليمني، لم يكن ليحصل عليها لولا استمرار هذا الصراع، فوجود سلطة قوية متماسكة لا يمكن أن يخدم التحالف ولا يخدم أي طامع في اليمن وموقعها الجغرافي الهام، وثوراتها الطبيعية البكر.

وعليه، فإن أية محاولات لإنهاء صراع الإخوة الأشقاء من قبل التحالف العربي محكومة بمدى فوزه بمكاسب على الأرض، خاصة وأن هذه المكاسب يجب أن تتلاءم مع سيحصل عليه التحالف من مكاسب نتيجة تفاوضه مع مليشيات الحوثي، وبالتالي اكتمال المصالح من وراء التدخل العسكري للتحالف في اليمن، سواءً من الشرعية ومكوناتها أو من الحوثيين.

> صراع يستفيد منه الحوثي

لا يمكن أن يخدم الصراع الجاري بين الانتقالي والشرعية أي منهما، بل إن الخسارة لا بد أن تطوق وتطالب كل منهما، وتتجاوزهما لتصل إلى المواطنين البسطاء الكادحين نتيجة التدهور المعيشي والاقتصادي الحاصل بسبب غياب مؤسسات الدولة المتأثرة بالصراع.

لكن ثمة من يستفيد من مثل هكذا صراع عبثي، وهي مليشيات الحوثي المتربصة بالجميع، والتي تحشد حاليا على تخوم المحافظات الجنوبية والشمالية على السواء، في لحج وأبين وشبوة، بالإضافة إلى تعز ومأرب، وهو ما يعني أن الحوثيين يبنون على صراعات خصومه ليتربص بهم وينقض عليهم، بينما هم منشغلون في صراعاتهم.

وبالتالي، فإن صراعات الانتقالي والشرعية لا يمكن إلا أن تنعكس عليهما ككيانين سياسيين يمكن أن يتلاشيا إذا استمرا في مواجهة بعضهما ونسيان العدو المشترك المتربص بهما من الخارج.

وحقيقة الأمر، فإن صراعات كهذه لا تخدم أهداف أي من الأطراف، سواءً كان الانتقالي أو الشرعية أو حتى التحالف العربي الذي يجب عليه لم شمل أجنحة الشرعية والتوفيق فيما بينها، كما أن على الشرعية والانتقالي الإسراع بحل خلافاتهما على الأقل رأفةً بهذا الشعب المكلوم وتقديم مصالحه على مصالحهم.

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: المجلس الانتقالی الجنوبی الحکومة الشرعیة مؤسسات الدولة الانتقالی فی العلاقة بین بین الطرفین الصراع بین هذا الصراع فی الیمن لا یمکن یمکن أن

إقرأ أيضاً:

هل يستطيع ترامب أن يفرق بين الصين وروسيا؟

ترجمة: نهى مصطفى -

في مقابلة في أكتوبر الماضي تفاخر دونالد ترامب قائلا: «الشيء الوحيد الذي لا تريد حدوثه أبدًا هو أن تتحد روسيا والصين. سأضطر إلى فك وحدتهما، وأعتقد أنني أستطيع أن أفعل ذلك». خلال حملته الانتخابية، قال الرئيس المنتخب إنه سيوقف الحرب في أوكرانيا «في غضون 24 ساعة» وأنه سيكون أكثر صرامة من الرئيس بايدن مع الصين.

لم يوضح ترامب قط خطته بالضبط لـ«تفكيك» هاتين الدولتين، وبناءً على تاريخه، وقد يضطر لابتكار خطة فورية. لكن المؤشرات المبكرة تشير إلى أن الإدارة المقبلة قد تسعى إلى الإضرار بالشراكة الصينية الروسية من خلال الحد من التوترات (وحتى تحسين العلاقات) مع موسكو من أجل الضغط على بكين ــ وهو عكس ما خطط له وزير الخارجية هنري كيسنجر منذ أكثر من خمسين عاما، عندما سعت الولايات المتحدة إلى تحقيق الوفاق مع الصين لاستغلال الانقسام الصيني السوفييتي.

يبدو أن هذه المدرسة الفكرية تحظى بشعبية كبيرة في عالم ترامب، بما في ذلك أولئك الذين تم ترشيحهم لفريق الأمن القومي الخاص به.على سبيل المثال، دعا مايكل والتز، عضو الكونجرس الذي اختاره ترامب ليشغل منصب مستشاره للأمن القومي، إلى مساعدة الولايات المتحدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن ثم تحويل الموارد إلى «مواجهة التهديد الأكبر من الحزب الشيوعي الصيني».

في بكين وموسكو، يترقب القادة فترة الفراغ الرئاسي التي ستستمر بضعة أسابيع وبداية ولاية ترامب الجديدة. وتتمثل الأولوية القصوى للكرملين في اجتياز هذه الفترة بأمان وتجنب التصعيد مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا قبل انتقال ترامب إلى البيت الأبيض. ويأمل الرئيس بوتن أن تؤدي ولاية ترامب الجديدة إلى خفض الدعم الغربي لكييف، إذا لعبت موسكو أوراقها بشكل جيد، حتى لو لم يتم التوصل إلى إنهاء رسمي للعدوان في أوكرانيا.

لكن مخاوف بكين عكس ذلك تمامًا. أشار اجتماع الرئيس الصيني شي جين بينج مع بايدن في نوفمبر خلال قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ إلى أن الإدارة الديمقراطية لن تعطل بشكل كبير العلاقات الأمريكية مع الصين في طريقها إلى الخروج، أما بالنسبة للفريق الجمهوري القادم، فلدى بكين أسباب للقلق ــ سواء من خطاب حملته أو من مجموعة الشخصيات التي رشحها ترامب لشغل وظائف رئيسية في حكومته.

لا يوجد الكثير من التفاصيل حول «خطة السلام» التي يعتزم ترامب تنفيذها في أوكرانيا. لكن حتى قبل الدخول في محادثة رسمية مع ترامب، يتعين على الكرملين أن يتغلب على الأسابيع القليلة المقبلة، التي يراها واحدة من أخطر فترات حرب أوكرانيا.

بعد ما يقرب من عام من المداولات المؤلمة، منحت إدارة بايدن أخيرًا كييف الإذن باستخدام أسلحة بعيدة المدى تنتجها دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك الصواريخ التكتيكية للجيش (ATACMS) المصنوعة في الولايات المتحدة وصواريخ Storm Shadow البريطانية، ضد أهداف عسكرية داخل الأراضي الروسية. في 19 نوفمبر، تعرض مستودع أسلحة روسي في منطقة بريانسك لقصف زعمت وزارة الدفاع الروسية أنه صاروخ ATACMS ، وبعد يومين تعرض مركز قيادة ورد أنه يضم جنرالات كوريين شماليين لقصف بصواريخ Storm Shadow في منطقة كورسك الروسية.

لن يكون لهذه النكسات، مهما كانت مؤلمة بالنسبة للروس، تأثير كبير على مسار القتال. فروسيا تكتسب تدريجيا المزيد من الأرض على الجبهة الشرقية. وما يقلق الكرملين هو تجاهل الغرب الواضح للخطوط الحمراء التي أعلنتها موسكو بوضوح والردع النووي. فقد قال بوتن في مناسبات عديدة إن أوكرانيا لا تستطيع استخدام أنظمة مثل ATACMS و Storm Shadow دون مساعدة فنية كبيرة من أفراد حلف شمال الأطلسي، وبالتالي، من وجهة نظر الكرملين، فإن استخدام الأوكرانيين لها يشبه إطلاق الناتو النار على روسيا. والاستهداف داخل الحدود الروسية مسألة مختلفة تماما؛ وفي رأي الكرملين، يجب وقف هذا الأمر عاجلاً وليس آجلاً.

في رد فعل على هذا العدوان الغربي الملحوظ، نشرت روسيا في التاسع عشر من نوفمبر عقيدة نووية جديدة تخفض بشكل كبير حدود استخدام الأسلحة النووية وتمهد الطريق لشن ضربات نووية ضد الدول غير النووية (مثل أوكرانيا) التي تشن هجمات بعيدة المدى بدعم من دولة نووية. ولتعزيز هذه التهديدات اللفظية، التي لم يول الغرب أهمية كبيرة لها، أطلقت روسيا في الحادي والعشرين من نوفمبر صاروخا قادرًا على حمل رؤوس نووية على مصنع عسكري في دنيبرو. من الانفجارات الطفيفة نسبيًا، فإن الصاروخ كان يحمل حمولة ضئيلة أو معدومة ــ وهذا يعني أن الإطلاق كان إشارة سياسية توضح قدرة الكرملين واستعداده للتصعيد.

من وجهة نظر موسكو، عادت الكرة الآن إلى ملعب واشنطن. فقد حذر بوتن صراحة زعماء الغرب من أنه سيرد على أي خطوات تصعيدية، مثل توجيه ضربات جديدة إلى روسيا أو إرسال قوات إلى أوكرانيا. وبذلك، يأمل في استقرار الوضع حتى يفتح تنصيب ترامب نافذة جديدة من الفرصة للتفاوض على إنهاء الصراع لصالح الكرملين.

يدرك الكرملين أن التحركات الأخيرة التي اتخذتها إدارة بايدن، بما في ذلك رفع القيود المفروضة على الأسلحة الموردة إلى أوكرانيا، تعمل على تعزيز نفوذ واشنطن في أي مناقشات مستقبلية. ولهذا السبب فإن موسكو تقاوم بشدة التصعيدات الأكثر خطورة، بينما لا ترد على تلك التي تعتبر أقل أهمية، مثل العقوبات الجديدة ضد النظام المالي الروسي التي كشفت عنها إدارة بايدن في 21 نوفمبر، أو قرار واشنطن بتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالألغام الأرضية.

لا شيء في هذه المرحلة يشير إلى أن بوتن مستعد للتراجع عن أهدافه الأصلية الأكثر تطرفًا - والتي، على حد تعبيره، هي «نزع السلاح وإزالة النازية من أوكرانيا»، وهو ما يعني في نهاية المطاف تغيير النظام في كييف وحق النقض الدائم لموسكو على السياسة الخارجية لأوكرانيا. سيصبح الكرملين سعيدًا بتحقيق هذه الأهداف على طاولة المفاوضات، ولكن إذا لم يتمكن من تأمين الشرط المسبق الأكثر أهمية - التراجع عن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا - فإن الزعيم الروسي سيستمر في القتال، على أمل أن يكون الوقت في صالح روسيا في حرب الاستنزاف، وأن مخزونات الأسلحة الغربية المستنفدة والإحجام عن التصعيد سوف يحد من قدرة ترامب على مساعدة أوكرانيا.

على النقيض من بوتين، لدى شي العديد من الأسباب لتوقع أن يكون الانتقال من بايدن إلى ترامب فترة من الهدوء النسبي في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. ومع ذلك، بمجرد تولي ترامب منصبه، قد يصبح الوضع بالنسبة لبكين محفوفًا بالمخاطر. في السنوات الأخيرة، عملت بكين وواشنطن بجد للحفاظ على الاستقرار والقدرة على التنبؤ في علاقتهما. باستخدام العديد من قنوات الاتصال، بما في ذلك الاتصالات المنتظمة بين مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ووزير الخارجية الصيني وانج يي، نجحت بكين وواشنطن في الصمود في الانتخابات الرئاسية في يناير في تايوان، وتجنبتا في الغالب حروب التجارة والسيطرة على الصادرات المزعجة، وخفضتا درجة الحرارة في النقاط الساخنة المحتملة للمواجهة العسكرية، بما في ذلك مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي.

أكد آخر اجتماع عقده بايدن وشي في نوفمبر أنهما يعتزمان تمديد هذا النهج حتى 20 يناير. وقد ردت بكين على الفور على مجموعة تدابير الرقابة على الصادرات الجديدة التي فرضتها الإدارة المنتهية ولايتها والتي تستهدف قطاع صناعة الرقائق الصيني، والتي تم الكشف عنها في الثاني من ديسمبر، بحظر صادرات العديد من المعادن الحيوية إلى الولايات المتحدة بما في ذلك الجاليوم والجرمانيوم والانتيمون. لكن هذه التحركات تم إعدادها منذ فترة ولم تكن مفاجئة. وفي الوقت الحالي، لدى الجانبين سبب للحفاظ على الهدوء وممارسة ضبط النفس. يتعامل بايدن مع الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، والصين ليست في مزاج يسمح لها بالسعي إلى مواجهة غير ضرورية وسط تدهور الظروف الاقتصادية.

في حين أن لدى بوتن أسبابًا للتفاؤل بشأن ترامب، فإن شي لديه الكثير مما يدعو للقلق. فخلال فترة ولاية ترامب الأولى، بدأ حربًا تجارية مع الصين، واستهدف شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي بالعقوبات وحملة ضغط لإلغاء تثبيت معداتها من شبكات الحلفاء، وعزز الأصول والشراكات العسكرية الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأطلق العنان لحرب دعائية بشأن جائحة كوفيد-19. وقد يبدو الوضع أسوأ هذه المرة. ففي عام 2016، كان الاقتصاد الصيني على مسار نمو أقوى بكثير مما هو عليه الآن، وكان الاقتصاد الأمريكي ضعيفًا. واليوم، انقلبت الأمور، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى السياسات الاقتصادية التي انتهجها شي على مدى العقد الماضي.

معظم فريق خبراء الأمن القومي والتجارة الذي يجمعه ترامب، الذين تم ترشيحهم حتى الآن، معروفون بآرائهم المتشددة بشأن الصين، وهم يدعون إلى زيادة الإنفاق الدفاعي لمواجهة بكين، فضلاً عن التعريفات العقابية، والمزيد من القيود على مراقبة الصادرات، ودعم تايوان. ولجعل الأمور أسوأ، فإن معظم كبار المسؤولين الجدد في إدارة ترامب إما غير معروفين تمامًا في الصين أو لم يزوروا البلاد منذ سنوات، ويقضون وقتًا في تايوان بدلاً من ذلك. وبالمثل، فإن فريق شي الحالي، وخاصة كبار مساعديه في الاقتصاد، ليسوا معروفين جيدًا في واشنطن. منذ عام 2022، أحاط شي نفسه بأشخاص - بما في ذلك رئيس أركانه، كاي تشي، ونائب رئيس الوزراء هي ليفينج – ليس لديهم مكانة دولية، ولا يتحدثون الإنجليزية، ومن الصعب التواصل معهم منذ ترقيتهم إلى المكتب السياسي.

في خضم حالة عدم اليقين التي قد يجلبها ترامب، فإن آخر ما يقلق بوتن وشي هو قدرة واشنطن على تحقيق انقسام حقيقي بين بلديهما، على الرغم من وعد ترامب بالقيام بذلك أثناء الحملة الانتخابية. أولا وقبل كل شيء، ما زال من غير الواضح ما إذا كان ترامب قادرًا على التفاوض على صفقة بشأن أوكرانيا ترضي بوتن. وإذا لم تتم معالجة المخاوف الأساسية للكرملين، فقد تستمر موسكو في القتال، وستكون الخطة بأكملها لتحسين العلاقات مع الكرملين على حساب بكين غير مؤكدة. وحتى إذا توصلت جميع الأطراف إلى اتفاق بشأن أوكرانيا وخفف ترامب العقوبات الأمريكية ضد روسيا، فإن السحابة السامة حول الاقتصاد الروسي لن تتبدد على الفور. تزويد موسكو بتدفقات نقدية إضافية سيتطلب موافقة أوروبية، وهو أمر غير مضمون بأي حال من الأحوال، لأن العديد من العواصم لا تزال متشككة في روسيا بوتن ولا تريد العودة إلى عصر ما قبل الحرب من الاعتماد الاقتصادي.

تعتمد روسيا بشكل كبير على الصين اقتصاديًا، حيث إن 40٪ من الواردات الروسية تأتي من الصين و30٪ من الصادرات الروسية تذهب إلى هناك على مدى العامين الماضيين. هذا الاعتماد يتعمق، ولا يمكن التراجع عنه بين عشية وضحاها. ووقف هذا الاعتماد يتطلب جهودًا منسقة من قبل الأمريكيين والأوروبيين لزيادة التجارة الثنائية مع روسيا، وهو أمر يصعب تصوره في ظل ترامب.

أخيرًا، يعرف بوتن وشي أن هذه ستكون فترة ولاية ترامب الأخيرة، وأنه يمكن بسهولة أن يتبعه رئيس من شأنه أن يعكس أي اتفاق تم التوصل إليه في عهد الرئيس الجمهوري. على النقيض من ذلك، يخطط كل من شي وبوتن للبقاء في السلطة بعد عام 2029، عندما تنتهي ولاية ترامب. وبصرف النظر عن العلاقة الشخصية بين بوتن وشي، فإن عدم ثقتهما المشتركة في واشنطن وآمالهما في أن يصبحا أكثر قوة في نظام متعدد الأقطاب - على حساب الولايات المتحدة - من المرجح أن يوفر أساسًا قويًا بما يكفي للحفاظ على الشراكة الصينية الروسية مستقرة ومتنامية.

ألكسندر جابويف مدير مركز كارنيجي روسيا وأوراسيا.

نشر المقال في Foreign Affairs

مقالات مشابهة

  • موعد لقاء بوتين وترامب يقترب مع توالي إشارات الطرفين الإيجابية
  • اليمن يثبت صلابته: تحليل مصري يكشف أسباب إسقاط الطائرة الأمريكية F-18
  • أوحيدة: ضغوطات سلطة الأمر الواقع الموجودة في طرابلس سبب تأخير الانتخابات
  • مليشيا الانتقالي تعتدي على النازحين في عدن وتطلق النار على الصيادين في حضرموت
  • ما هو نظام التعليق وكيف يعمل بالسيارات ؟
  • هل يستطيع ترامب أن يفرق بين الصين وروسيا؟
  • الغرياني: المشري مارق عن الشرعية.. واذا استمرت الحكومة على هذا الحال سنصل إلى الإفلاس والمجاعة
  • تحليل: موريتانيا تدير ظهرها لـ”العالم الآخر” وتعلن الإنخراط في المشاريع الملكية
  • الجيش الأمريكي يعلن قتله لزعيم تنظيم الدولة في سوريا
  • فضل مصر وكم مرة ذكرت في القرآن الكريم وكيف وصفها سيدنا نوح؟