فاجأت قوّات المعارضة السورية السوريين والعالم بإعلانها بدء ما أسمته "معركة ردع العدوان"، بعد سنوات من الجمود في الملف السوري عسكريًا وسياسيًا، وإن تخلل ذلك ما بين الحين والآخر غزل تركي للتطبيع مع النظام، قابله تمنّع من جانب بشار ونظامه.

المراقبون والمتابعون قرؤوا الحدث والتطورات الأخيرة بأشكال متباينة، بل ومتناقضة أحيانًا من حيث الأهداف والنتائج المتوقعة.

وإن كانت أهداف العملية قد تتغير وتتبدل بطبيعة الحال تبعًا لتطورات الميدان ولمواقف الجهات الفاعلة وقدراتها وحساباتها.

غير أنّ هناك، بتقديري، ثوابت وحقائق لا ينبغي القفز عليها أو تجاوزها في قراءة المشهد، لمن أراد تحكيم العقل والمنطق، لا العواطف ولا الأهواء في تلك القراءة، منها:

الملف السوري خرج من يد السوريين، معارضة ونظامًا، منذ سنين طويلة. فالسوريون، ومع كل أسف وأسى، هم الأضعف تأثيرًا والأقل نفوذًا فيما يتعلق بمصير ومستقبل بلادهم. تطورات الملف السوري محكومة بشكل كبير بإرادات الدول الفاعلة وقواتها (ومليشياتها) وأدواتها وحساباتها، وهي (مع تفاوت الحضور والتأثير): الدولة العبرية، تركيا، روسيا، إيران، والولايات المتحدة.

سوريا جزء من منطقة يُراد إعادة تشكيلها وربما تفتيتها (كما حصل ويحصل مع العراق والسودان واليمن)، وهذا ما يعلنه بنيامين نتنياهو، وما صرح به دونالد ترامب، الرئيس القادم للبيت الأبيض.

إعلان

تركيا هي الدولة الأقرب للسوريين، وهي من تحمل العبء الإنساني الأكبر في قضيتهم، ولا يمكن لهذه العملية العسكرية، والتي جمعت فرقاء الأمس والمتنافسين، أن تقع إلا بتوجيه ودعم وإسناد تركي. غير أنه ليس من السهل قراءة دوافع وأهداف تلك المعركة بدقة، وإن كانت تلك الأهداف ستتضح وينجلي عنها غبار الأحداث قريبًا.

اعتبر البعض أن معركة "ردع العدوان" استلهمت تجربة "طوفان الأقصى"، من خلال مباغتة قوات النظام في عملية استباقية. واستفادت المعارضة من التباينات في المواقف بين إيران وحزب الله من جهة، ونظام بشار الأسد من جهة أخرى.

وقد أظهر النظام في عدوان إسرائيل على لبنان، كما في محرقة غزة، مواقف أقرب إلى الحياد السلبي، بدلًا من أن يقدم لحلفائه (حزب الله)، الذين ساندوا حربه الوحشية بحق السوريين، أي دعم أو مساندة.

أصحاب هذه الرؤية يرون أن المعارضة حققت وستحقق إنجازات كبيرة في هذه المعركة ستنعكس إيجابيًا على مسار التسوية. ستفيدها في ذلك التطورات الأخيرة وانتكاسة حزب الله وخروجه مهتزًا ومنكفئًا من "وحدة الساحات"، وخلافاته مع الإيرانيين والنظام السوري.

كما أن انشغال روسيا وانهماكها في أوكرانيا يسمحان للمعارضة السورية، من خلال هجومها المباغت ونتائجه، بإعادة صياغة القضية السورية. وإذا بالغنا في التفاؤل، قد ينتهي الأمر بإنهاء النظام السوري، مع ما يراه البعض انتهاء لدوره في المنطقة والإقليم.

فيما يرى المتشائمون أن ما يجري من تحركات لا يفيد السوريين بقدر ما يفيد قوى إقليمية، وأن ما يحدث هو فخ للمعارضة السورية سينهي كل التفاهمات السابقة، وسيمهد لتسوية لا ترضي الكثير من المعارضين تُفرض بالقوة على أرض الواقع، تشمل عودة "المحرر" من الأراضي السورية إلى سيطرة النظام، من خلال توافقات الأطراف الفاعلة في الملف السوري.

إعلان

ويستخف أولئك المتشائمون بمن يعوّل على الانشغال الروسي والإيراني. فالطرفان قادران بما يمتلكان من صواريخ على تحويل الشمال المحرر إلى ما يشبه قطاع غزة تدميرًا وإحراقًا، مستفيدين من القبول والتعايش العالمي مع الإجرام الإسرائيلي.

للدول النافذة مصالح فيما يجري، فتركيا تريد الضغط على النظام، أما الولايات المتحدة والدول الغربية، وربما بمباركة الحكومة الإسرائيلية، فإنها تريد الاستفادة من النزاعات الطائفية – في سوريا والعراق ولبنان وغيرها – لإعادة رسم خارطة المنطقة، لتشكيل دويلات طائفية تتناغم مع طرح "إسرائيل الكبرى"، وهذا ما يعلنه ويكرره قادة الاحتلال وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير.

أصحاب هذه الرؤية يربطون ما يُطرح من تهجير للفلسطينيين من الضفة وغزة وإعادة رسم المنطقة مع ما يحدث الآن في سوريا، خصوصًا أن إسرائيل قد تستفيد من وقف إطلاق النار في لبنان لإطلاق يدها في سوريا وملاحقة حزب الله والنفوذ الإيراني، ربما بالتنسيق مع روسيا، خصوصًا أن الاتفاق الأخير لا يشمل سوريا بطبيعة الحال.

لن يطول بنا الوقت كثيرًا حتى تتضح أبعاد الصورة، غير أنني لا أشك أن شعوبنا المغلوبة على أمرها هي من سيدفع أثمانًا باهظة لما يجري من صفقات سياسية وترتيبات أمنية، تتجاوز حقوقها ومعاناتها، ولا تحسب حسابًا لمصائرها ولا لمستقبلها.

كما أن غياب قيادة في المعارضة السورية تجمع بين الرؤية السياسية الإستراتيجية، والتفاني في خدمة السوريين، وتقديم الصالح العام على الصالح الشخصي والحسابات الفئوية والحزبية، أمر كان وما يزال يعمّق معاناة السوريين ويهوي بمستقبلهم إلى المجهول.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الملف السوری فی سوریا

إقرأ أيضاً:

ماذا يعني الهجوم الدموي على حلب للحرب السورية؟

حقق مقاتلو الفصائل السورية المعارضة، أكبر تقدم لهم منذ سنوات ضد القوات الحكومية، ما أدى إلى تجدد الحرب الأهلية التي وصلت إلى طريق مسدود، منذ فترة طويلة.

الجماعة الرئيسية التي تقود الهجوم هي هيئة تحرير الشام، الفصيل الذي كان مرتبطاً سابقاً بتنظيم القاعدة الإرهابي.

انطلقت الحملة الجديدة للمتمردين الأربعاء في محافظة حلب شمال غرب سوريا. وبحلول السبت، استولى المتمردون المناهضون للحكومة على معظم مدينة حلب الرئيسية، وفقاً للمقاتلين وللمرصد السوري لحقوق الإنسان في بريطانيا، وسيطروا على جزء كبير منها في غضون ساعات، ولم يواجهوا مقاومة تذكر من قوات الحكومة السورية.
وقال أحد قادة المعارضة، إن الهجوم يهدف إلى وقف هجمات القوات الحكومية وحلفائها من الفصائل المدعومة من إيران، وهو أخطر تحدٍ لحكومة الرئيس بشار الأسد منذ سنوات.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن الهجوم يوحد مختلف فصائل المتمردين، التي تمثل آخر بقايا مجموعة متعددة الأطراف من جماعات المعارضة، التي قاتلت منذ 2011، بقوة لإطاحة الأسد، وفي مرحلة ما، سيطرت على أجزاء كبيرة من البلاد.

The ingredients that enabled the apparant escalation of the Syrian Civil War—with 600,000 dead and 13,000,000 refugees over 14 years—with rumours of Assad fleeing to Moscow are:

1. Ukraine war has hugely weakened Russia and its ability to protect vassals like Assad (as Armenia… https://t.co/pRiEE1qrlo pic.twitter.com/gioqinD3xH

— Saul Sadka (@Saul_Sadka) November 28, 2024

والجماعة الرئيسية التي تقود الهجوم هي هيئة تحرير الشام، الفصيل الذي كان مرتبطاً سابقاً بتنظيم القاعدة الإرهابي. وتسيطر الهيئة على معظم الأراضي الشمالية الغربية، التي لا تزال تحت سيطرة جماعات المعارضة. وانضمت أيضاً فصائل معارضة عدة مدعومة من تركيا إلى الهجوم، بحسب قادة الفصائل والمرصد.

تقويض التماسك

ورغم أن الفصائل تجتمع على عدو مشترك، فإنها كثيراً ما تقاتلت في ما بينها، ما أدى إلى تقويض التماسك الذي كانت تحتاجه لتحدي الجيش السوري. وفي بيان عبر الفيديو أعلن فيه الهجوم، قال القائد العسكري لغرفة عمليات المعارضة المقدم حسن عبد الغني، إن الهجوم يهدف إلى وقف الضربات الجوية السورية وغيرها من الهجمات على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة.
وأضاف "من أجل ردّ نيرانهم عن شعبنا، هذه العملية ليست خياراً. ومن واجبنا الدفاع عن شعبنا وأرضه. بات واضحاً للجميع أن ميليشيات النظام وحلفائها ومن بينهم مرتزقة إيران، قد أعلنوا حرباً مفتوحة على الشعب السوري".
ودعمت إيران الحكومة السورية طيلة الحرب، وأرسلت مستشارين وقادة من قوة الحرس الثوري إلى القواعد والخطوط الأمامية، ودعمت الميليشيات بآلاف المقاتلين للدفاع عن الحكومة.

???? SYRIA MUST READ @VanessaBeeley gives by far the most comprehensive summary & analysis of what’s going on in Syria. She’s been there through the war & is there in Damascus. She also got it right before most long ago. I’ll add and comment on a few things here. ????

This… https://t.co/KbVfvXlJgl

— Fiorella Isabel (@FiorellaIsabelM) November 28, 2024

وأفادت وسائل إعلام رسمية سورية الخميس، بأن القوات الحكومية تواجه "هجوماً إرهابياً واسع النطاق" على قرى وبلدات ومواقع عسكرية. ومنذ الأيام الأولى للانتفاضة، وصفت الحكومة كافة أطياف المعارضة بـ "إرهابية".
وقالت الحكومة إنها ترد "بالتعاون مع القوات الصديقة"، دون أن تحدد تلك القوات. كما قالت إنها ألحقت خسائر فادحة بالمتمردين.

غارات إسرائيلية

لم تشارك سوريا مباشرة في الصراعات التي تعصف بالشرق الأوسط منذ العام الماضي، إلا أن أراضيها كانت منذ فترة طويلة ساحة معركة بالوكالة للقوى الدولية. وعلى مدى سنوات، شنت إسرائيل غارات دامية على سوريا، قائلة إن أهدافها  مسلحين مدعومين من إيران، بما في ذلك حزب الله اللبناني. وتصاعدت تلك الهجمات عقب الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وقال الجيش الإسرائيلي، إن بعض هذه الضربات تهدف إلى قطع تدفق الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية بين حزب الله وإيران. ولطالما تدفقت الأسلحة والأموال من إيران عبر الحدود السورية إلى حزب الله في لبنان.
وفي أبريل (نيسان)، أدت غارة إسرائيلية دامية استهدفت جزءاً من مجمع السفارة الإيرانية في دمشق، إلى مقتل عدد من كبار القادة الإيرانيين.
وأوردت وسائل إعلام إيرانية الخميس، أن قائداً في قوة الحرس الثوري الإيراني قتل في الهجوم الجديد للمتمردين.
وأدى أكثر من عقد من الحرب الأهلية والمعارك بالوكالة وغزو تنظيم داعش الإرهابي، إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ مختلفة. وتسيطر الحكومة الآن على أكثر من 60% من البلاد، بما في ذلك معظم المدن الكبرى. ولكن هذا لم يكن الحال دائماً.


وفي ذروة قوة المعارضة في الحرب الأهلية، وبعد اجتياح داعش لأجزاء من سوريا، فقدت الحكومة السيطرة على معظم البلاد.لكن الوضع انقلب عام 2015 عندما تدخل الجيش الروسي بشكل مباشر لمساعدة الأسد.

ومع ذلك، لا تزال أجزاء كبيرة من البلاد خارج سيطرة الحكومة، بما فيها المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال الغربي والشرقي، والتي تهيمن عليها ميليشيا يقودها الأكراد، وتدعمها الولايات المتحدة.
وتشمل المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا أجزاء من محافظتي إدلب، وحلب، ويسكنها نحو 5 ملايين سوري. ونزح أكثر من نصفهم من منازلهم إلى مناطق  أخرى في سوريا.
ورغم أن داعش فقد آخر موطئ قدم له في سوريا في 2019، إلا أنه يحتفظ بخلايا نائمة، يعتقد أنها تختبئ في صحراء سوريا الشاسعة، وتشن هجمات من حين إلى آخر على جنود ومدنيين.

مقالات مشابهة

  • ماذا يحدث في سوريا؟!
  • لماذا بدأت معركة حلب في هذا التوقيت؟
  • ماذا يحدث في سوريا؟ .. ردًا على توسع التنظيمات المسلحة.. الجيش السوري يتاهب لاستعادة حلب وحماة.. وروسيا تدعم "بشار" بغطاء جوي
  • ماذا يعني الهجوم الدموي على حلب للحرب السورية؟
  • المعارضة السورية: قادة في النظام يتواصلون معنا لتنسيق سيطرتهم على سوريا
  • عاجل: قوات المعارضة السورية تعلن انطلاق معركة حماة بعد تقدمها السريع في حلب وإدلب
  • خبير عسكري: المعارضة السورية أمام معركة طويلة والنظام فقد دعم حلفائه
  • نقطة تحوّل.. ماذا تعني سيطرة فصائل المعارضة على حلب؟
  • ما بين السطور في بيان فصائل المعارضة السورية ووضع حلب.. خبير دفاعي وأمني يوضح لـCNN