يمانيون:
2025-04-25@04:38:13 GMT

ضمائرُ ومشاعر

تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT

ضمائرُ ومشاعر

راكان علي البخيتي

بينما يعيش إخواننا في غزة الحياة المليئة بالمآسي والأحزان ومآسي الحرب التي ليس لها شبيه، وهم من هولها أصبحوا يختارون النوم جميعًا ليستشهدوا جميعًا، وعندما نرى ونشاهد كُـلّ حدث يأتي وهو يحمل معه آهات وأنين وأوجاع إخوتنا في غزة وهم بين شهيد، وجريح، ومفقود، ونازح، وأسير، وطفل بقي تحت الركام لم يبقَ من أفراد أسرته أحد، ورجل مسن فقد أسرته ولم يبقَ منهم أحد والجميع يتم إبادتهم دون رحمة، ومن استطاع منهم أن ينجوَ من الصواريخ استشهد من شدة الجوع والعطش.

ثم نأتي لنسأل أنفسنا هل كان أحد يتخيل أن يرى ويشاهد كُـلّ تلك الجرائم البشعة؟ ثم لا تحرك تلك المشاهد ضميره ومشاعره وأحاسيسه؟ وهل كان يأتي في الخيال أن تجد أحداً لا يريد أن يسمع عن هذه الأحداث ولم تحَرّكه صرخات وبكاء وأنين الأطفال، ثم ترى مشاعره تتحَرّك ويبكي عندما يستمع إلى صوت موسيقى في أغنية يغنيها فنان وهو يشرح قصة فراق بين عشيق مع عشيقته جمعتهم علاقات محرمة، أَو يبكي عندما يخسر فريقه الرياضي أمام فريق آخر.

تتحَرّك مشاعره أثناء مشاهدته لبعض الأفلام السينمائية، التي تروي قصصَ العاشقين والعاهرين والساقطين، وفيها المشاهد التي فيها الفراق والعناق المحرم وتدعو إلى الرذيلة والسقوط في مستنقع الانحرافات الأخلاقية والسلوكية.

ثم الضمائر والمشاعر التي تتحَرّك لتجمع المال وتؤسس الجمعيات الكبيرة وتشترك في الأسهم والشركات العملاقة لتجني المال الكثير وتستقطب الشباب والفتيات ليكونوا فنانين يجيدون فن الرقص والتمايل أَو يصبحوا ممثلين ومنتجي أفلام تعرض في البارات والأندية والملاهي والمنتجعات.

أم تلك الضمائر التي تسعى إلى الاهتمام بتربية الكلاب وتتعامل معها بكل لطف ورحمة وتبادلها الحب وتقدم لها الخدمات التي ترتقي بها إلى درجة الإنسان بل وأعظم من ذلك.

ففي الوقت الذي يبكي فيه طفل فلسطيني فقد أمه وحليب أمه بحنانها وعطفها بالكامل، تبكي جماهير عربية وإسلامية على مدرجات الملاعب لمُجَـرّد حصول أحد اللاعبين المحترفين على بطاقة حمراء، وبينما تعانق الشابة الفلسطينية أخيها الشهيد، تجد أكثر شباب وبنات الخليج العربي يتسابقون ليحتضنوا الفنانة والفنان والراقصة والراقص.

وبينما يدافع الشاب الفلسطيني عن حرمة المسجد الأقصى بروحه وجسده يستقبل “تركي آل الشيخ” العاهرات في أطراف مكة ويصنع لهم مجسم الكعبة ليطوفوا عليها بأجساد عارية، ويعتبر ذلك المشهد من أهم المنجزات ويدعو بقية الشعوب إلى تلك الأعمال كونه يعتبرها حضارة وتعايشاً مع الشعوب.

وبينما أصبحت مشاعر وضمائر أكثر أبناء الأُمَّــة تتحَرّك من الركبة إلى السرة، لا تبدي للقضية الفلسطينية أي اهتمام، تحَرّك الشعب اليمني العظيم وقائده العظيم وأظهر مشاعره التي كان يحملها أجداده الأنصار وضمائرهم التي حملوا بها مسؤولية رفع راية الإسلام وساندوا الشعب الفلسطيني المظلوم بكل قوة عسكرية جعلت من أمريكا مسخرة أمام العالم وكسرت هيمنتها وهيبتها ومرغت أنفها في الماء وأغرقت سفنها وبوارجها وأساطيلها في البحار وكلّ المحيطات.

فشتان بين مشاعر وضمائر شعب يمن الأنصار الذي حمل السلاح في وجه طواغيت الجاهلية الحاضرة والماضية، يوم أرادت قريش أن تجعل الكعبة محاطة بالطبول والمطربات والأوثان ومزاراً لليهود وأحبارهم، تلك المشاعر والضمائر هي حية وباقية إلى اليوم تذود وتقاتل وتدافع عن شرف الأُمَّــة كما كانوا في السابق وبين ضمائر ومشاعر تحَرّكها أهازيج الجماهير في الملاعب والمطربات والفنانين في العروض والمسارح والحفلات الغنائية، التي جعلتهم يهربون من واقع المواجهة والصراع مع العدوّ إلى واقع الانحلال الأخلاقي وموت الضمائر وانحراف المشاعر.

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

إبادة دارفور التي لم تنته مطلقا

ها هو فصل جديد من الأهوال تتكشف صفحاته في منطقة دارفور بالسودان، منطقتي.

ففي الثالث عشر من أبريل، استولت قوات الدعم السريع ـ وهي جماعة مسلحة مدعوة من دولة عربية ـ على مخيم زمزم وهو أكبر ملاذ للنازحين في السودان. وبوصفي نازحة وناجية من الإبادة الجماعية، فقد تشبثت بهاتفي أشاهد الفظائع عبر مقاطع فيديو مشوهة، محاولة أن أساعد من بعيد في إجلاء الناجين وتدبير الطعام لهم والماء والدواء، وتعقب الموتى منهم أو الأحياء.

على مدى سنتين، ظلت قوات الدعم السريع في حرب مع القوات المسلحة السودانية، أي الجيش السوداني الرسمي المدعوم من المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر وإيران وروسيا.

عادت العاصمة السودانية الخرطوم ـ بعد خضوعها طوال شهور للنهب والعنف الجنسي في ظل احتلال من قوات الدعم السريع ـ إلى سيطرة القوات المسلحة السودانية، لكن في موطني، أي شمالي دارفور، توشك الفاشر على الوقوع في أيدي الميلشيات شبه العسكرية.

وفي حين تواصل الجماعتان القتال، والفوز بالأرض وخسارتها، يبدو أن الثابت الوحيد هو أن المدنيين السودانيين يتحملون عناء الانتهاكات.

والناس من أبناء دارفور يتذكرون جيدًا هجمات مطلع القرن الحالي المعترف في عام 2003 بكونها إبادة جماعية والتي تحقق فيها المحكمة الجنائية الدولية. ولقد حذر خبير منع الإبادة الجماعية الأممي والولايات المتحدة من أن الإبادة الجماعية جارية تارة أخرى.

وفي رأيي أن إبادة دارفور الجماعية لم تنته قط. ولو أن التطهير العرقي الذي جرى في الجنينة سنة 2023 وحصار الفاشر وإحراق عشرات القرى خلال الأشهر القليلة المنصرمة ليس بالدليل الكافي على ذلك، فمن المؤكد أن أهوال مخيم زمزم دليل كافٍ. لقد باتت حياتنا نحن السودانيين ووجودنا نفسه مهددين.

فقد أدى أسبوع من القصف وإطلاق النيران في زمزم إلى مصرع أكثر من أربعمائة شخص، من الأطفال وعمال الإغاثة، وقادة المجتمع، ومن أقاربي. فاضطر مئات آلاف المقيمين في المخيم إلى الهرب بأنفسهم. وترددت أخبار تفيد أن أطفالًا صغارًا ماتوا من الظمأ وهم يحاولون الفرار. تهدمت العيادات، وترددت أخبار عن وفاة متطوعين في المطابخ الجماعية، وأطباء، وتفيد بأن الجرحى ينزفون دون أن يمد أحد لهم يد العون. وتظهر في الصور المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما يبدو أنه عمليات إعدام لمدنيين. ومن عداد المفقودين في مخيم زمزم ثمان وخمسون امرأة وفتاة من أقاربي وعائلتي الكبيرة يقول شهود عيان إن قوات الدعم السريع اختطفتهن. كما اختفى بعض من لم يتمكنوا من الهرب، ومن هؤلاء اثنان من أعمامي.

في زمزم عملت، ودرّست، وبكيت، وفرحت. فعلى مدى سنين، كان المخيم مأوى وأملا للناجين من إبادة دارفور الجماعية. وقد نشأ المخيم من عدم، حتى أصبح مجتمعًا مزدهرًا أعادت فيه العائلات النازحة تأسيس حياتها وعملت من أجل أن توفر لأبنائها مستقبلا أفضل. وشأن كثير من الشباب، تقدمت لمد يد العون، بالتدريس في مخيم زمزم في عامي 2013 و2017. أقمنا المخيم والاقتصاد وسددنا الفجوات الناجمة عن إجلاء جماعات المساعدة الدولية من المنطقة بعد عقود من الحرمان والتشريد والعزلة الاقتصادية والسياسية.

والآن أبيد كل ذلك. وتشير صور الأقمار الصناعية إلى أن زمزم يحترق، في صدى مؤلم للماضي حينما حركت صور مماثلة العالم إلى العمل في دارفور. في غضون أيام من فبراير، أوقفت منظمتا أطباء بلا حدود وبرنامج الغذاء العالمي عملياتهما في المخيم بسبب الخطر.

وفي ظل إعاقة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية وصول المساعدات في جميع أنحاء دارفور وعرقلتهم أو نهبهم لها، ضربت مجاعة من صنع الإنسان مخيم زمزم بشدة. وكانت منظمة أطباء بلا حدود في العام الماضي قد حذرت من وفاة طفل كل ساعتين بسبب سوء التغذية هناك. وذكرت منظمة «أنقذوا الأطفال» في ديسمبر أن العائلات تتغذى على علف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من انتشار العنف في الأشهر الأخيرة، استمر الناس في اللجوء إلى زمزم، لكونه أكثر أمنا من أي مكان آخر.

وقد أفادت المنظمة الدولية للهجرة أن ما يصل إلى أربعمائة ألف شخص اضطروا إلى الفرار من زمزم في ثنايا هجوم قوات الدعم السريع. وقد تم تسكينهم في أرض قاحلة تقع شمالي الفاشر وليس في متناولهم فيها غير قدر محدود للغاية من الطعام والماء. وانهار الناجون المنهكون المتجهون سائرين على الأقدام إلى «طويلة»، وهي بلدة على بعد نحو ستة وثلاثين ميلًا غرب زمزم. وفي مكان قريب، تعرض أبو شوك، وهو مخيم آخر للنازحين، لهجمات متكررة من قوات الدعم السريع. وتعرض العشرات للقتل. فهذا ليس محض تهجير، ولكن إبادة.

وتعد أفعال قوات الدعم السريع جزءًا من حملة إرهاب أشمل. فالجماعة متهمة باستخدام القتل خارج نطاق القضاء والعنف الجنسي والتجويع المتعمد بوصفها أسلحةً حربيةً ضد المدنيين. ولقد مارست قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية الوحشية بلا هوادة ضد المدنيين في صراعهما على السلطة. وقد ترقى فظائعهما إلى مستوى جرائم الحرب، وفقًا لما قالته بعثة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن الجهود الإنسانية وجهود السلام والدبلوماسية الدولية التي تركز على إنهاء الصراع لم تقم فقط بإقصاء المدنيين، وإنما ركزت أيضا وباستمرار على الأطراف المتحاربة. وقد عجز الجنرالات الذين تركزت عليهم تلك الجهود المرة تلو الأخرى عن إنهاء الحرب. فلا بد من محاسبتهم قبل أن تحل علينا مذبحة أخرى.

قبل سنوات، عندما كنت في الرابعة والعشرين من عمري، قدت مسيرة سلام عبر السودان لترويج مسؤولية جماعية عن السلام. كانت آمال الناس بسيطة ولكنها عميقة: فقد كانوا يريدون الطعام على موائدهم، والمدارس، والصحة الجيدة، والفرصة لرؤية أطفالهم يكبرون. واليوم، تبدو تلك الأحلام أبعد منالا من أي وقت مضى.

وأكبر أمل للسودان الآن إنما يكمن في الأفراد المهتمين، وفي الناجين الشجعان الباقين على الأرض، وفي الجماعات السودانية من قبيل (الشبكة الإنسانية لنازحي الداخل) التي حافظت على حياة مخيمات من قبيل زمزم. وبرغم أن جمع التبرعات ضروري لإنقاذ الأرواح، فكل تمويل العالم لن يكفي لإنهاء هذه الحرب إذا استمرت دول غنية في دعم الأطراف المتحاربة.

ولا بديل عن أن يفرض قادة العالم ضغطا على القادة العسكريين وداعميهم من أجل السماح بإيصال المساعدات والموافقة على وقف فوري لإطلاق النار في المناطق الأكثر تضررًا، فدونما عمل فوري، يشمل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، من أجل حماية المدنيين وخلق عملية مفتوحة تعطي الأولوية لإسهام المدنيين في جهود السلام وموافقتهم عليها، سوف يستمر محونا سياسيًا وعمليًا. ولو أننا حاضرون على الطاولة، فلا ينبغي أن نكون محض رموز أو أفكار ثانوية. وإنما يجب أن نقود الجهود التي ستحدد كيف نعيش بقية حياتنا.

وإلى أعمامي وأبناء عمومتي الذين ما زالوا محبوسين في زمزم، أقول: ألمكم ليس خفيًا. وشجاعتكم غير منسية. ولقد خذلكم العالم اليوم، ولكننا سنناضل لكيلا يخذلكم في الغد. وفي مواجهة عنف الإبادة الجماعية، يكون أملنا في حد ذاته فعلًا وتحديًا.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: المساعدات الإنسانية التي نقدمها في غزة تتم وفق مبادئ الإنسانية
  • مشيرب: الأسواق التي تنشر مقاطع عن منع بيع منتجات النسيم تمارس «العهر»
  • بعد تهديد واشنطن.. بريطانيا: أوكرانيا هي التي تقرّر مستقبلها.
  • الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مدرسة يافا التي تؤوي نازحين بحي التفاح
  • من هي أبرز الشخصيات التي ستشارك في وداع البابا؟
  • إبادة دارفور التي لم تنته مطلقا
  • الصين تتوعد الدول التي تسير على خطى أمريكا لعزل بكين
  • ما التحديّات التي تنتظر البابا الجديد؟
  • عن الابادات الجماعية التي عايشناها .. لكم أحكيها
  • ما أبرز الرسوم الجمركية التي فرضتها أميركا عبر التاريخ؟‎