محمد الضوراني
الكيان الصهيوني الهش والذي هو أوهن من بيت العنكبوت فظهر حجم هذا الكيان وضعفه أمام قوة الله عز وجل، وعزيمة وثبات المؤمنين في حركات المقاومة وَمحور المقاومة؛ فتعرَّى هذا الكيان الذي يسمي نفسه ويسميه الضعفاء من أنظمة عربية وغيرها بأن يمتلك الجيش الذي لا يهزم وأنه الجيش الذي يمتلك التقنيات العسكرية الحديثة والإمْكَانيات التي يرعب بها العالم والمنطقة؛ فإذا به اليوم يهزم وتُمَرَّغُ أنفُه في التراب أمام حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، واليوم يخرج من لبنان وهو ذليل ضعيف جبان وقد لقّنه الأبطالُ الدروسَ القاسية والهزائم المتتالية.
نشهد هزيمة هذا الكيان كما هزم سابقًا في فلسطين ولبنان؛ ففي هذه المعركة الكبيرة بين الحق والباطل، الحق والمتمثل بالقضية الفلسطينية القضية المحورية والمركزية والرئيسية لكل الأُمَّــة، وامتداد هذا الصراع بين الحق في قضيته وفي مبادئه وفي كُـلّ ما يحملُ من قيم وثقافة وأخلاق إيمانية، وبين الباطل والممثل بمحور الشر الأمريكي الإسرائيلي ومعهم كُـلّ تلك الأنظمة والكيانات والتيارات والثقافات والتوجّـهات التي تدعم هذا الباطل ومحوره الشيطاني الذي سيطر على الواقع العسكري والسياسي والاقتصادي منذ سنوات طويلة.
وبعد (طُـوفَان الأقصى) في السابع من أُكتوبر حدث تغيُّرٌ استراتيجي واضح وجلي غيَّرَ معادلة الردع ومعادلة المواجهة بين الحق والباطل؛ فظهر أهلُ الحق في جهادهم وقوتهم وثباتهم وتمسكهم بالقضية المحورية وهي تحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية ممثلة بالأقصى، وتوجيه البوصلة نحو العدوّ الحقيقي للأُمَّـة الإسلامية وهم اليهود بمؤامراتهم ومكائدهم وأهدافهم الشيطانية لإفساد الأُمَّــة الإسلامية والانحراف بها عن دين الله ومنهج الله.
هذا الطوفان الذي غير الواقع وكشف وعرى الجميع أمام حجم هذه المعركة؛ فمنهم من تحَرّك وكان السباق في مناصرة الشعب الفلسطيني وحمل المشروع التحرّري، ومنهم من انفضح أمام الله -عز وجل- أولاً ففضل السكوت والسكون، بل والدعم للنظام الصهيوني والأمريكي، في حالة من الانحطاط والسقوط الأخلاقي والضعف والهوان، بينما نجد من تحَرّك وفضل أن يكون مع الشعب الفلسطيني كموقف وتحَرّك عسكري وسياسي واقتصادي في محور مقاوم امتد من فلسطين ولبنان والعراق واليمن والجمهورية الإسلامية في إيران، ففي مقدمة الخطوط تحَرّك حزب الله قيادة وأفراداً ومجتمعاً في تبني الموقف الصحيح والمشرف مع إخوتهم في فلسطين، وقدموا في سبيل ذلك التضحيات الكبيرة بخيرة أبنائهم في قضية هي الحق وهي الشرف وهي الرفعة عند الله، واستمر في موقفه رغم الهجمة الصهيونية الإجرامية والأمريكية لإبعادهم عن القضية المحورية وهي القضية الفلسطينية.
واليوم وبعد أن استمر المقاومون في لبنان في مواجهة الصهاينة وتمريغ أنوفهم في التراب نجد أن العدوّ الصهيوني قد أُصيب بالإحباط والهزيمة العسكرية والهزيمة النفسية، هذا الكيان الذي يريد تحقيق دولة “إسرائيل” الكبرى من النيل إلى الفرات لم يستطع الثبات ولم يستطع مواجهة مجاميع من المجاهدين الذين تمسكوا بالله وتوكلوا على الله، لم يستطيعوا أن يستمروا في المواجهة، وهذا نعمة من الله ودرس للأُمَّـة المسلمة أن الله عز وجل من يجب أن نتمسك به ونسير حسب منهجه ونتوكل عليه، وأن يكون موقفنا في هذه الدنيا وفق الحق؛ فمن كان مع الله وتحَرّك وتبنى الحق فالله وعده بالنصر؛ فنحن نشهد النصر الذي كان يعتبر من المستحيلات، نجد النصر والتمكين للمؤمنين، بينما من فضل الجمود والسكوت والاستسلام فهو الخاسر في الدنيا قبل الآخرة.
الكيان الهزيل والضعيف سوف يزول وينتهي والمعركة مُستمرّة بين الحق والباطل وسوف ينتصر الحق برجاله بحركاته بتياراته بدوله بكل من يقف معه هو المنتصر، والآيات بتجلياتها الواضحة للنصر سوف تتحقّق بإذن الله.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: هذا الکیان بین الحق
إقرأ أيضاً:
لقاء الله: الأمل الأعظم والموعد الحق للمؤمنين
قال الدكتور محمد مختار جمعة، أستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، ووزير الأوقاف السابق إنه من أروع المشاهد التي تذكرها كتب السيرة النبوية والقرآن الكريم هو لقاء الله عز وجل، ذلك اللقاء الذي يعبر عن عظمة الخالق ورحلة الإنسان التي لا تكتمل إلا بعودته إلى ربه.
لقاء الله عز وجل
وتابع جمعة، في آيات عديدة من القرآن الكريم، يتحدث الله سبحانه وتعالى عن اليوم الذي يجتمع فيه المؤمنون مع خالقهم في دار الحق. يقول الله عز وجل في سورة النبأ: {ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} [النبأ: 39]. هذا اليوم هو يوم المرد، يوم يجد فيه كل إنسان جزاء أعماله.
و أضاف جمعة، ويُعرِّف القرآن الكريم لقاء الله على أنه أكبر أمل للمؤمنين، حيث يقول الله سبحانه في سورة العنكبوت: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 5]. فالرجاء في لقاء الله ليس مجرد أمنية، بل هو مبدأ حيوي ينبني عليه سلوك الإنسان في حياته اليومية، وفي معاملاته مع الآخرين، وفي التزامه بالخير والابتعاد عن الشر. إن الإنسان الذي يحب لقاء الله، يحب أن يكون في طاعة الله ورضاه، ويعمل صالحًا حتى يُحسن لقاءه.
حب لقاء الله هو أحد أعظم علامات الإيمانوتابع جمعة، حب لقاء الله هو أحد أعظم علامات الإيمان، كما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللّهِ، أَحَبَّ اللّهُ لِقَاءَهُ". هذا الحديث يوضح أن حب لقاء الله هو انعكاس لحب الله لعبدٍ طاهرٍ مخلصٍ في عمله. وفي هذا الإطار، تُنير حياة المؤمن بنور الله، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ، كَرِهَ اللّهُ لِقَاءَهُ". فإذا كان المؤمن يكره الموت، فهو يكره اللقاء الجسدي الذي يبتعد عن الحياة الدنيا، ولكنه عندما يُبشَّر برحمة الله ورضاه وجنته، يتمنى لقاء الله، بل ويحب لقاءه.
أما في جانب آخر، فإن الذين لا يؤمنون بلقاء الله ولا يعملون من أجل هذا اللقاء، يقول عنهم القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس: 7، 8]. هؤلاء الذين ينغمسون في ملذات الدنيا ويغفلون عن حقيقة الآخرة، سيكون مصيرهم بعيدًا عن رحمة الله. إنهم يرفضون الاعتراف بحقيقة اليوم الآخر، ويتجاهلون إشارات الله الدالة على عدله ورحمته.
لقاء الله عز وجل لا يقتصر على وعدٍ من الله، بل هو أيضًا اختبار للإنسان في كيفية تقبله لذلك اللقاء. يقول الله سبحانه في سورة فصلت: {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ} [فصلت: 54]. أما المؤمنون الذين آمنوا بالآخرة وعمِلوا الصالحات، فإنهم يوم القيامة سيجدون جزاءهم في الجنة، وهي دار اللقاء الحق التي لا تحجبها غمامة ولا غموض.
لقاء رحمة وكرم لا يُضاهىووضج جمعة أنه تتجلى عظَمة هذا اللقاء عندما نعلم أن لقاء الله ليس مجرد لحظة محاسبة، بل هو لقاء رحمة وكرم لا يُضاهى، يقول الحق في القرآن: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ… وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} [هود: 105-108]. وهذا التفريق بين الفريقين، بين شقي وسعيد، هو ثمرة عمل الإنسان في الدنيا، فما زرع في دنياه من إيمان وتقوى، يلاقيه في لقاء ربه.
إن حب لقاء الله يتطلب منا أن نحب ما يحب الله، وأن نبتعد عن ما يُغضب الله، وأن نخلص النية في العمل والطاعة، فلا كذب ولا غش، ولا خيانة ولا فساد، من أحب لقاء الله، أحب أن يكون عمله في الدنيا صادقًا مع الله، بعيدًا عن الموبقات. نسأل الله أن نكون من أهل هذا اللقاء العظيم، وأن يجعلنا من السعداء الذين يلقون ربهم في دار النعيم، بغير حساب ولا عذاب.