مسرحية الفيل يا ملك الزمان.. إسقاطات رمزية على مأساة غزة
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
على مسرح المدينة التعليمية في العاصمة القطرية، عُرضت مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" للكاتب السوري سعد الله ونوس، ضمن فعاليات مهرجان الغُرة الثقافي. هذا العمل المسرحي، الذي كُتب عام 1969، يستمر في استحضار الواقع السياسي والاجتماعي، مقدَّمًا هذه المرة بأداء كل من جمال سليمان ورشيد ملحس، وإخراج ماهر صليبي، ليكشف عن عمق رمزيته التي تجد امتدادها في حاضر غزة، في ظل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي.
تبدأ المسرحية بالكلمات التالية من راوي المسرحية "هذه حكاية بلاد كان العصر فيها كالبحر الهائج لا يستقر على وضع، والناس فيه يبدون وكأنهم في التيه، يبيتون على حال ويستيقظون على حال، تعبوا من كثرة ما شهدوا من تقلبات وما تعاقب عليهم من أحداث، يتفرجون على ما يجري ولكن لا يتدخلون فيما يجري، وفي أحد الأيام اعتقدوا أنهم اكتشفوا سر الأمان".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"دار خولة" للكويتية بثينة العيسى.. في مواجهة زحف الحداثة وفقدان الجذورlist 2 of 2في الذكرى العاشرة لرحيل رضوى عاشور.. "الطنطورية" تنتظر العودة من الشتاتend of listلم يكن اكتشاف سر الأمان بأن ملك ما أو قائد ما منحهم إياه أو وهبهم العدل كهبة، لكن ذلك السر اكتشفوه من شدة ما قاسوا من خوف، حيث أنه كان للملك فيل ظالم، يجول فوق البيوت ويعيث في الأرض فسادًا، حتى وصل به الأمر أنه دهس طفلًا تحت أقدامه الغليظتان، حينها اكتشفوا أن الأمان سيكون بالتخلص من ذلك الفيل.
إعلانتتجلى في المسرحية إسقاطات متجددة على معاناة الشعوب، حيث يُصور الفيل كرمز للطغيان الذي يسحق كل ما يعترض طريقه، وهو انعكاس مأساوي لما يواجهه الغزيون، على سبيل المثال في أحد مشاهدها، يوصف طفل دهسه الفيل بـ"عجين من لحم ودم"، مشهد يطابق ما يعايشه أهالي القطاع، حيث بلغ عدد الأطفال الشهداء منذ بدء العدوان الأخير أكثر من 17 ألفًا، وفق إحصاءات فلسطينية حديثة.
"يا ويل أمه".. صرخة الأمهات الغزيات"يا ويل أمه" إن هذه العبارة تكررت كثيرة في نص المسرحية، وما هذا التركيز إلا مقاربة مع أمهات غزة بشكل خاص، فإن الأم الغزية منذ بداية حرب الإبادة في 7 أكتوبر، تشرين الأول 2023 كانت المفجوعة الأولى في أطفالها، وأصوات النساء في غزة هن من نستذكرهن بمجرد أن نغمض أعيننا لنتخيل المشهد هناك، ومن الجُمل التي تناولت وصف دقيق لأمهات غزة أيضًا "تأتي الأم لتنادي ابنها فتلم جثته من الطريق".
وقيل في المسرحية أيضًا "لا أمان على طفل في هذه المدينة حتى لو وضعته أمه في بؤبؤ العين"، وهنا يحضرني ما يقاسيه الأطفال في الظروف الجوية الباردة بالخيام في غزة، يحضرني أيضًا الأطفال الخدج في المستشفيات بغزة، حيث طالهم الموت بدون رحمة، وهُددوا به نتيجة قصف المستشفيات وحصارها ونقص الامدادات والوقود، وهنا تأتي المقاربة، لا المستشفيات ولا أحضان الأمهات مصادر للأمان لأولئك الأطفال.
الفيل والمجتمع الدولي.. ملك يُحب الظلم"تعرفون طبعًا.. والله أنه فيل الملك"، وهنا يبدأ سكان القرية بالتجمهر والحديث عن الواقعة، نساء ورجال وأطفال، بات أمر الفيل حديث الساعة الآن، ووسط التجمع تتجرأ طفلة على طرح سؤال خاف الكبار كثيرًا من طرحه، لكنها سألته بفطرتها التي لم تكبلها سلاسل الخوف بعد "ألن يعاقبوا الفيل؟" الجميع يهزون رؤوسهم، ويستهجنون سؤال الطفلة ويحاولون إسكاتها، لأنه فيل الملك! ولا أحد يستطيع أن يعاقب فيل الملك! ثم يأتي تدخل موسيقي في المسرحية فيه كلمات أغنية تشير اغتيال الطفولة وانعدام الأمان.
إعلانيشبه "الملك" في المسرحية المجتمع الدولي، الذي يرعى الظلم ويتجاهل أصوات الضحايا، فالملك يحب فيله ويغض الطرف عن جرائمه، تمامًا كما يغض المجتمع الدولي الطرف عن ممارسات الاحتلال، بحجة "حق الدفاع عن النفس"، متجاهلين الأطفال الذين يقتلون والأسر التي تُباد.
الفنان السوري "جمال سليمان" يؤدي دور الملك في مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" (الجزيرة) جرائم "الفيل""على مد عمري رأيت كثيرًا من الفيلة، لكل ملك فيله، لكن حتى الآن لا أرى مثل هذا الفيل شرًا وغطرسة" يقول رجل في المسرحية، ونستنبط هنا رمزية واضحة: على مرّ الزمان كانت للدول ذات السيطرة على العالم حلفائها التي تدافع عنها وتبرر جرائمها وتعمي عيونها عن ما تفعل، لكن الذي يفعله الاحتلال الاسرائيلي اليوم ليس له مثيل في الشر والغطرسة، والصمت الدولي عن هذه الجرائم غير مسبوق، وهنا تأتي رمزية الملك فهو يشبه المجتمع الدولي الذي يحب "الفيل"، يدعمه ويعطيه الدلال، "لماذا يحب الملك فيلًا مؤذيًا يا أمي؟" تتساءل طفلة في من الشعب، ولا أحد يجد لها إجابة واضحة.
يخرج رجل يدعى زكريا من جموع الشعب في المسرحية وينادي بصوت عنيف وغاضب "ما هذا، حالة لا تطاق ولا تحتمل، ألا يكفينا ما نحن فيه؟ فقر وعذاب"، وكأن زكريا فتح باب الغضب أخيرًا، وبدأ الشعب من بعده يعدد ما يواجهه من سوء في الحال: أوبئة، مجاعات، وهموم كثيرة.
ألا يذكركم هذا بواقع الظروف في غزة؟ فمن ناحية الأوبئة فبسبب عوامل عدة تشمل الاكتظاظ ونقص المياه والصرف الصحي وتعطل أعمال الرعاية الصحية ونقص توفر المطاعيم، فإن الأمراض أكثر قابلية للانتشار في غزة، فقد أكدت منظمة الصحة العالمية على انتشار سلالة فيروس شلل الأطفال النوع الثاني في قطاع غزة، عدا عن أمراض الإسهال والكبد والوبائي والأمراض الجلدية، وأما عن التجويع فقد أشار تقرير بحثي إلى أن 95% من سكان غزة يعانون درجات متنوعة من المجاعة! وذلك بسبب تخريب البنية التحتية والزراعية، وإغلاق المعابر والتضييق على الإمدادات الغذائية.
إعلان"لم نر يوم أبيض منذ بدأ يسرح في المدينة" يقول رجل من الشعب في المسرحية، إن هذا هو واقع الفلسطينيون منذ بدء الاحتلال الاسرائيلي على فلسطين، وليس على غزة فقط، فمنذ عام 1948، والاحتلال يمارس بشاعاته تحت رعاية دولية بكل الطرق المؤذية، إبادة وتجويع وتهجير، يسرد أبطال المسرحية هموهم التي تشبه هموم الشعب الفلسطيني، ووسط سردهم تُذكرهم امرأة بأنه فيل الملك، لكن زكريا ينبههم أن يومًا بعد يوم ستزداد الضحايا وتكبر المصائب، فهذا الفيل مثل الكائنات المصاصة للدماء، كلما ازدادت ضحاياها ازداد تعطشها للدم، ويمثل هذا التعطش لهفة الاحتلال للتوسع فمن يوم دخوله أرض فلسطين وله هدف واحدًا يسعى لتحقيق، فنجده يبني المستوطنات ويضيق على الشعب ويبيدهم إذا لزم الأمر، المهم أن يتوسع.
وعلى الرغم من كل المصائب التي استعرضها الشعب جراء بطش الفيل إلا أنهم أكدوا على صبرهم لانتظار الفرج، لكن زكريا كان له رأيًا مختلفًا، فقد اقترح أن يشكون أمر الفيل للملك، يتعجب الشعب بقية الشعب من الفكرة، فهم غير متأكدين من عاقبة هذا التصرف، فبحسب الأخبار المنتشرة في المدينة أن هذا الملك يحب فيله كثيرًا، فلكم أن تتخيلوا أنه كاد مرة أن يطلق زوجته من أجله! خاف الجميع من غضب الملك، لكن زكريا أقنعهم بالذهاب إلى قصره والشكوى إليه من الفيل، فبحسب قول زكريا "من يعلم ربما الملك لا يعرف ما يفعله الفيل بنا"، وبعد محاولات إقناع كثيرة، قرر الجميع الاستعداد والذهاب إلى قصر الملك.
الأصوات العربية أمام المجتمع الدولي
إن حالة الشعب الذاهب للشكوى إلى الملك الآن، هي أشبه بحالات الأصوات العربية المتجهة إلى المجتمع الدولي الحامي والراعي للفيل، لأن الشعب الغزي في أيامه التي يعيشها ليس لديه فرصة حتى للشكوى، فمقاربته الآن بالمسرحية مع الشعب غير منطقية، فالفيل في غزة صار أكثر سلطة وبطشًا بحيث لا يتمكن الناس حتى من الوصول لقصر الملك من أجل الشكوى عليه، فهم يموتون قبل أن يصلون أصلًا!
إعلانتوحيد الأصوات، أمر تطلب مجهودًا كبيرًا من القائد زكريا حتى تمكن من جعلهم جميعًا على موجة واحدًا، يتحدثون بنبرة مفهومة وواضحة وبطريقة منظمة، وهذا ما تحتاجه بالتحديد الأصوات العربية، توحيد للطاقة والصوت، نعم الجميع لديه شكواه ومعاناته، نعم الجميع لديه حقوقه، لكن أمام المجتمع الدولي يجب أن يكون كل شيء واضح ومنظم، والكلام مقنعًا ومرتبًا، وإلا فسنخسر فرصتنا كأصحاب للحقوق.
حالة الشعب الذاهب للشكوى إلى الملك الآن، هي أشبه بحالات الأصوات العربية المتجهة إلى المجتمع الدولي الحامي والراعي للفيل (الجزيرة)وبعد أن احتشدت الأصوات وكأنها صوت واحد، دخلت جموع الناس إلى قصر الملك المهيب، وبدأت رهبته تدخل قلوبهم، سُحرت عيونهم بأعمدة القصر وحراسه الأقوياء، وهنا حاولوا تمالك أنفسهم حتى جاءت اللحظة التي قابلوا فيها الملك، يبدأ الملك بخطابه اتجاه شعبه، مشيرًا إلى أن جهود الجميع تتظافر لبناء البلاد، ومؤكدًا على فخره بإنجازاته العظيمة في مملكته، الإنجازات التي في نظره أثارت طمع الطامعين من الأعداء، كما لفت الملك في خطابه إلى أنواع الأعداء، نوع خارجي وآخر داخلي يندس بين الشعب ويتظاهر بحبه، ويضيف الملك إلى كلامه عدو ثالثًا " للأسف أنفسنا عندما تضعف فتصغي للطابور الخامس الذي يغرغر بالطيبين منا فيحرضهم على الشكوى ونشر الفوضى" وبعد كل جملة يقولها الملك كان الشعب يتفاعل بالتصفيق الحار من شدة الخوف.
أحيانًا يمارس المجتمع الدولي هذه اللعبة بطريقة ملتوية، من يشتكي على شيء يضّيق عليه عيشته، ومن يحاول أن يثور على الظلم والاستبداد يتهم بأنه إرهابي، تمامًا كما يفعل الملك في هذه المسرحية، ويجد الملك في مسرحيتنا أيضًا أن لا حل إلا بالصبر على المشاكل، وهذا ما يذكرني بالاتهامات التي تطال المقاومة خاصة تلك التي تشير إلى أنها ألقت بالشعب إلى التهلكة، متناسين أن الشعب أصلًا كان يعيش في الهلاك بسبب الفيل، أي المحتل الاسرائيلي.
إعلانزكريا يفتح فهمه ويقول "الفيل.." وقبل أن يكمل كلامه ينهال الملك بوابل من كلمات المدح لفيله العزيز، الأمر الذي يزيد من خوف الشعب قبل التفوه بأي شكوى، يتساءل الملك إذا ما كان نهيمُ الفيل يفزع الأطفال! وكادت طفلة أن تبوح بالحقيقة، أن لا ليس ما يدمرهم مجرد نهيم، لكن الجميع تداركها وحالة من التوتر عمت المكان، حتى خضع الشعب ونطقوا بما أراد الملك سماعه "نحن نحب الفيل"، بل وأخفوا حقيقة أنه قتل طفلًا رضيعًا وذلك خوفًا من حُكم الملك عليهم، وطالبوا بزواج الفيل وتكاثره كي يكون سعيدًا، وأن لا يكون وحيدًا!
إعادة قراءة النص في سياق اليومعَرض "الفيل يا ملك الزمان" في الوقت الحالي ليس مجرد إعادة إحياء لنص كلاسيكي، بل هو تذكير بقضايا إنسانية عالقة، تكشف التواطؤ العالمي مع الطغيان، وتجدد الدعوة للوعي والمقاومة ضد كل أشكال القمع والاستبداد.
المسرحية التي استلهمت سياقها من أحداث القرن العشرين، تجد صدى أكثر قوة اليوم، في عالم لا يزال يُواجه "فيلة" طغت وتجبّرت على حساب حياة الأبرياء.
وشهدت فعاليات الغرة للآداب والفنون، التي تنظمها مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، عروضا مسرحية وفنية مزجت بين الإبداع والتراث، من تقديم نخبة من الفنانين المرموقين والمواهب الواعدة.
واستقطبت الفعالية، التي أقيمت على مدار خمسة أيام واختتمت اليوم الاثنين بالمدينة التعليمية في العاصمة القطرية الدوحة، جمهورا كبيرا من مختلف الثقافات والأعمار في قطر، حيث احتفت بالحضارة العربية الإسلامية وإبداعاتها الفنية والثقافية من خلال عروض مسرحية وموسيقية وأمسيات شعرية وورش عمل تعليمية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الأصوات العربیة المجتمع الدولی فی المسرحیة الملک فی فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
30 نوفمبر.. ذكرى الاستقلال التي تكشف خيانة اليوم
شاهر أحمد عمير
يعد يوم 30 نوفمبر 1967 نقطة فارقة في تاريخ اليمن، ففي هذا اليوم المجيد تمكّن الشعب اليمني من طرد آخر جندي بريطاني من أرض عدن، ليعلن انتهاء استعمار دام لأكثر من 129 عامًا، كان ذلك اليوم بمثابة إعلان للحرية والسيادة اليمنية، وشهادة على إرادَة الشعب اليمني وصموده ضد المحتلّ، الذي قدم التضحيات الجسيمة؛ مِن أجلِ كرامته واستقلاله. ورغم مرور أكثر من نصف قرن على هذه المناسبة التاريخية، فَــإنَّ روح الاستقلال ما تزال حية في وجدان كُـلّ يمني حر، لكن ما نراه اليوم من تناقضات يثير تساؤلات حقيقية حول مفهوم الاستقلال الحقيقي.
اليوم، بينما يحتفل البعض بذكرى الاستقلال، نجد أن هناك من يتنكر لهذا التاريخ، ويخدم أجندات القوى الاستعمارية الجديدة، ما يسمى بـ”حكومة الفنادق” تعد مثالًا حيًّا على هذا التناقض، هذه الحكومة التي تدعي تمثيل الشعب اليمني، تحتفل بذكرى طرد الاستعمار البريطاني من عدن، بينما تقاتل اليوم جنبًا إلى جنب مع التحالف السعوديّ الإماراتي، الذي يضم قوى استعمارية جديدة من بينها أمريكا وبريطانيا و”إسرائيل”، هذه الحكومة التي كانت جزءًا من مقاومة الاستعمار البريطاني في السابق، أصبح دورها اليوم معاكساً تمامًا، حَيثُ تقاتل ضد قوات يمنية ترفض الاحتلال، وتدافع عن السيادة الوطنية.
من ناحية أُخرى، تقف حكومة صنعاء وحكومة البناء والتغيير والقوات المسلحة اليمنية موقفًا مبدئيًّا يعكس روح 30 نوفمبر الحقيقية، هذه الحكومة رغم الحصار والمحن، تواصل مقاومة الاحتلال وتدافع عن السيادة اليمنية؛ فالقوات المسلحة اليمنية اليوم تمثل امتداداً طبيعيًّا لنضال الشعب اليمني ضد الاستعمار، وهي تواصل السير على نهج الأبطال الذين قاوموا الاستعمار البريطاني قبل عقود.
إن موقف حكومة صنعاء يثبت أن الاستقلال لا يتحقّق فقط بتطهير الأرض من الاستعمار القديم، بل بالتصدي لأي شكل من أشكال الوصاية أَو الاحتلال مهما كانت الهُــوِيَّة التي يرتديها.
ما تفعله حكومة الفنادق اليوم هو مثال صارخ للازدواجية، فهي تحتفل بذكرى الاستقلال في الوقت الذي تقدم فيه نفسها كأدَاة طيعة في يد قوى الاحتلال، في خطوة تفضح خيانتها وتبعيتها للأجندات الخارجية، هذه الحكومة التي كان من المفترض أن تمثل الشعب، أصبحت اليوم جزءًا من مؤامرة تهدف إلى تمزيق اليمن وتقسيمه، كيف يمكن لحكومة تحتفل بطرد الاستعمار البريطاني أن تبرّر وقوفها إلى جانب التحالف الذي يقصف اليمن ويستهدف المدنيين؟ وكيف يمكن لممثلين عن الشعب اليمني أن يقاتلوا تحت راية المحتلّ ضد أبناء وطنهم؟
إن هذه الازدواجية في المواقف تعكس الفجوة الكبيرة بين الادِّعاءات والأفعال، حكومة الفنادق تحاول تزييف الحقائق والتغطية على مواقفها المخزية عبر استغلال مناسبة 30 نوفمبر، لكنها لا تستطيع أن تخفي حقيقة أنها تسعى لتحقيق مصالحها الشخصية على حساب الشعب اليمني، وقد باتت هذه الحقيقة واضحة للجميع، بأن هذه الحكومة أصبحت أدَاة بيد قوى الاحتلال، وليس لها من هَــمَّ سوى تنفيذ أجندات الخارج، حتى وإن كان ذلك على حساب استقلال الوطن وتضحيات الشعب.
ذكرى 30 نوفمبر تحمل رسالة هامة للجميع: الاستقلال لا يُمنح، بل يُنتزع؛ فَــإنَّ النضال؛ مِن أجلِ الحرية والكرامة لا ينتهي بخروج جيوش الاحتلال القديمة، بل يستمر في مواجهة أية محاولة جديدة للتدخل في شؤون اليمن.
اليوم، كما كان في الماضي، ما يزال اليمنيون يقاومون الاحتلال بكل أشكاله، ويثبتون أن سيادتهم الوطنية ليست قابلة للمساومة.
الشعب اليمني، بقيادة حكومة صنعاء وقواته المسلحة، يوجه رسالة واضحة إلى العالم: أننا كما طردنا الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967، سنواصل نضالنا لطرد جميع قوى الاحتلال، مهما كانت قوتها أَو دعمها الدولي، ولن نسمح لأية قوة بأن تتحكم في مقدرات وطننا، فنحن أبناء هذا البلد العظيم الذين لا يعرفون الخضوع.
وفي هذه الذكرى، يبقى السؤال: هل ستظل حكومة الفنادق تحاول تضليل الشعب اليمني بتزييف التاريخ، أم ستعود إلى ضميرها الوطني وتدرك أن الاستقلال والسيادة ليسا مُجَـرّد شعارات تُرفع في المناسبات؟ الشعب اليمني سيظل متمسكًا بروح 30 نوفمبر، وسيتابع النضال حتى يحقّق النصر الكامل، ويظل اليمن حرًا مستقلًا، بعيدًا عن أي شكل من أشكال الوصاية والتبعية.