ملخص
(اختبرت مقالة عثمان عن غير قصد مسبق بؤس التوقع في نهوض القوى المدنية السودانية بإرادة وطنية لإنهاء الحرب. فإذا اشتكى المجتمع العالمي من انقطاع التفاهم بين الأطراف المتحاربة في حومة الوغى فلن يسعد بالمجتمع المدني الذي ينعم بحال ما بعد بابلية في قول هيدت).

وجد الأكاديمي عالم النفس الاجتماعي الأميركي جوناثان هيدت في قصة بابل المروية في “سفر التكوين” مماثلاً في واقع أميركا الحطيم في عصر دونالد ترمب.

وأهل بابل قوم اتفقوا على بناء برج عالٍ يبلغ السماء طولاً، ولم يقبل الرب منهم ذلك، فمسخ ألسنتهم حتى لم يعُد أحد يفهم مقالة أحد آخر، وبطل بناء البرج بالنتيجة. وهكذا قضى الرب عليهم ألا يتواصل بعضهم مع بعض وأن يعيشوا في حال من عدم التفاهم المتبادل. وبناء على قصة برج بابل هذه، قال هيدت إنهم يعيشون في أميركا عصر ما بعد بابل الذي الغضب فيه هو منتهى الفحولة، ويذهب الأداء المسرحي فيه بالكفاءة والمتانة، ويغلب فيه “تويتر” على صحف أميركا قاطبة، وكفت به القصص من أن تروج (أو أن تكون لها أقله المصداقية) إلا من كسارات منها هنا أو هناك. وعليه، فالحقيقة لم تعُد تجد الذيوع الكبير والقبول.

المسرح السوداني
وكان السودان في الأسبوع الماضي مسرحاً لعصر ما بعد بابل، أي العصر الذي تطبق فيه على الناس حال عدم التفاهم المتبادل، وكان بطل الواقعة التي تقطعت أسباب التواصل بين الناس بسببها هو رئيس تحرير جريدة “التيار” عثمان ميرغني.

اختبرت كلمة لعثمان السبت الماضي المياه في قول الأعاجم، لنرى منها، وإن لم يقصد إلى هذا، إن كان بوسعنا الاتكال على الإرادة المدنية الوطنية التي نزكيها كمناط الرجاء في إنهاء الحرب في السودان. فكتب كلمة على لسان الفريق أول عبدالفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة، دعا فيها القوى السودانية كافة إلى مؤتمر يعقد في منتجع “أركويت” بولاية البحر الأحمر. وأركويت بلدة على جبال البحر الأحمر اتخذها الإنجليز مصيفاً، ثم صارت بعدهم فندقاً لقضاء شهر العسل، ثم صارت منتجعاً لعقد المؤتمرات العلمية والسياسة.

ونص القرار على أن تبحث هذه القوى السياسية بنداً واحداً هو تشكيل المجلس التشريعي الذي سيخرج منه مجلس للوزراء بالشروط والنسب التي يتوافق عليها المجتمعون. وسأل البرهان هذه القوى أن تفرغ من تكوين هذا المجلس خلال شهر ليكون عام 2024 آخر الأحزان السودانية، وينفتح طريق جديد نحو مستقبل مشرق زاهر. ومن اختصاص المجلس التشريعي المقترح تكوين هيئة عليا للسلام، أو بأي اسم آخر، مستقلة تدير ملف السلام بقانون خاص يجيزه المجلس لتحديد صلاحياتها وتنظيم أعمالها. واقترح البرهان عليها بغير إلزام أن يتم التمثيل في المجلس التشريعي المقترح، على نواب عن القطاعات مثل قطاع القانونيين والقوات المسلحة والأحزاب السياسية والمعلمين والرعاة والمزارعين وهلم جرا. ولضمان انعقاد المؤتمر أمّن البرهان للأحزاب عدم الملاحقة السياسية لأي من كان ولأي سبب، ومن ذلك تجميد الإجراءات القانونية التي أعلن النائب العام عنها قبل أشهر عدة ضد بعض السياسيين والناشطين والصحافيين. وسيوجه مجلس السيادة الدعوة إلى ممثلي بعض الدول لحضور الجلسة الافتتاحية للمؤتمر لتأكيد رغبة السودان في فتح صفحة جديدة من الدخول في الشراكة مع المجتمعين الدولي والإقليمي.

“خيال علمي”
لم يحل قول عثمان في صدر كلمته “هذا خيال علمي من عندي” من دون “تواطؤ” أطراف الخصومة السياسية عندنا على أنها الحق عن البرهان، ولم يعن البرهان نفسه في الكشف عن “الخيال العلمي” الصحافي من وراء ما ذاع عنه. فاكتفى في كلمة ألقاها أمام مؤتمر نساء شرق السودان الإثنين الماضي بتكذيب الحديث عن دعوة نُسبت إليه عن عقد مؤتمر للقوى السياسية، وأضاف “ليست هناك تسوية سياسية مع أي جهة سياسية. وما يشاع في هذا الخصوص عار من الصحة تماماً”. وبالطبع الكلمة المنسوبة إليه ليست مما يدرأ بالتكذيب لأنها مكذوبة “في مسماها”، كما نقول، أي من عثمان في أصل منشأها.

كانت القوى المنسوبة لـ”تقدم” بصورة أو أخرى هي التي احتفلت بكلمة البرهان المختلقة لم يساورها الشك في مصداقيتها على أن ذلك لم يكُن يتطلب أكثر من قراءة حتى ولو عجلى لكلمة عثمان، “هذا خيال علمي من عندي”، بل نقل أحدهم عبارة عثمان نصاً ليعلق بعدها مباشرة بقوله “هل مجلس السيادة غير الشرعي يمكن أن ينظم أو ينتج شيئاً شرعياً. أعتقد بأن هذه إحدى أباطيل الكيزان”. وعلق آخر تحت نص كلمة عثمان عن البرهان بـ”عبث” وهو عبث بالفعل أو قريباً منه. فجاء الزول (الرجل) بما يفيد باختلاق النص، ولكن صاحب الحاجة أرعن. فغلبت حاجته لمعارضة البرهان على أن يعتبر بما جاء به هو نفسه عن اختلاق النص. وجددت المقالة المكذوبة ذِكراً لنظام الإنقاذ سوداء أعاد البرهان، المعدود مخلب قط للكيزان، إنتاجها. فكتب النور حمد، الأكاديمي، يقول إن دعوة البرهان التي قدمها لحوار القوى السياسية لا يستثني أحداً محاولة لإعادة “حوار الوثبة” المقبور، بل بصورة باهتة ميتة. و”حوار الوثبة” هو ما دعا إليه الرئيس المخلوع عمر حسن أحمد البشير القوى السياسية عام 2015 للتواثق على “وطن يسع الجميع”، وقاطعه من الأحزاب من قاطعه وانخذل بعض من شاركوا فيه لإدارته ومخرجاته. ونواصل.

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: خیال علمی على أن

إقرأ أيضاً:

السعودية تدين “الاعتداءات الغاشمة” على حرمة المسجد الأقصى

السعودية – ترأس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت امس الأربعاء في العاصمة الرياض، وأدانت “الاعتداءات الغاشمة على حرمة المسجد الأقصى”.

وفي مستهل الجلسة اطلع مجلس الوزراء على مضامين المحادثات التي جرت خلال الأيام الماضية بين المملكة والدول الشقيقة والصديقة بهذا الخصوص، ومن ذلك الرسالة التي تلقاها الملك سلمان من رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين.

وتناول المجلس مجمل التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية والمساعي التي تبذلها المملكة من خلال علاقاتها الثنائية وعضويتها في المنظمات والمجموعات المتعددة الأطراف لتعزيز التعاون المشترك في مواجهة التحديات، ومواصلة العمل من أجل إحلال الأمن والازدهار بالمنطقة والعالم.

أوضح وزير الإعلام سلمان بن يوسف الدوسري في بيانه عقب الجلسة أن “المجلس أعرب عن إدانته الشديدة لاستمرار الاعتداءات الغاشمة على حرمة المسجد الأقصى، والرفض القاطع للمساس بالوضع التاريخي والقانوني للقدس”، مطالبا “المجتمع الدولي بمحاسبة سلطات الاحتلال على انتهاكاتها الخطيرة بحق المدنيين الأبرياء والمقدسات الإسلامية في فلسطين”.

وشدد المجلس على ما جاء في البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري الاستثنائي لدول الخليج العربية من الوقوف الثابت والدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق، والتطلع إلى نجاح جهود وقف إطلاق النار في غزة، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية احترام سيادة سوريا واستقلالها، ورفض التدخلات الأجنبية في شؤونها.

المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • شاهد.. القائد الميداني للدعم السريع “يأجوج ومأجوج” يفقد أعصابه بعد أن حاصره نشطاء بأسئلة ساخنة: (أين قائدك حميدتي؟ نحنا قائدنا البرهان حايم من بلد لبلد ومن طيارة لطيارة)
  • المشهداني:ضعف الحكومة = ضعف العملية السياسية
  • قائمة الهواتف التي لن تتمكن من استخدام “واتس آب” مع بداية 2025م
  • البرلمان ينظم ملتقى علميًا للإعلان عن الانتهاء من إعداد دليل الصياغة التشريعية
  • الحكيم يدعو القوى السياسية إلى الاستعداد لـطارئ يمس أمن العراق ويحذر من مندسين
  • الدائرة الواحدة أم الدوائر المتعددة؟ صراع المصالح يشعل الساحة السياسية
  • شاهد.. بمشاركة عدد من الحسناوات.. الفنان عثمان بشة يطلق الفيديو كليب الضجة “جو جبنة”
  • البرهان يبدي استعداده للانخراط في أي مبادرة “حقيقية” لإنهاء الحرب
  • جرف الصخر.. اختبار جديد لميزان القوى السياسية في العراق
  • السعودية تدين “الاعتداءات الغاشمة” على حرمة المسجد الأقصى