سوريا.. فصل جديد من خراب العالم العربي
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
لا يمكن قراءة الأحداث التي بدأت يوم الجمعة الماضي فـي سوريا بمعزل عن بقية أحداث الشرق الوسط، إن الأمر يبدو الآن أكثر ترابطًا ويكشف عن تحالفات إسرائيلية وإقليمية وغربية «لإعادة رسم خريطة المنطقة» أو رسم الشرق الأوسط الجديد وفقا للتعبير الإسرائيلي الذي تكرر كثيرا منذ بدأت الحرب على غزة ولبنان. إن تحريك مقاتلي هيئة تحرير الشام للسيطرة على مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية من حيث المساحة والأهمية بعد يومين من سريان اتفاق وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وحزب الله بوساطة أمريكية وفرنسية يكشف عن أهم أهداف إسرائيل من عملية وقف إطلاق النار والمتمثلة، وفق السياسة الإسرائيلية، فـي قطع جميع خطوط الإمداد على حزب الله القادمة من إيران، وفق الرواية الإسرائيلية، وعودة القتال فـي سوريا وإثارة الفوضى والرعب يسهل على إسرائيل استهداف العمق السوري سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائها فـي التنظيمات الإرهابية.
تبدو إسرائيل مستمرة فـي تنفـيذ سياستها العميقة لبناء شرق أوسطي جديد عبر تفتيت «محاور المقاومة» وإضعافها وإشغالها بالصراعات حتى تستطيع التفرغ لمعاركها الكبرى خلال المرحلة القادمة وفقا للإستراتيجية التي تتحدث عنها إسرائيل منذ سنوات والتي تجد الآن فرصة كبيرة لتنفـيذها فـي ظل الحكومة اليمينية المتطرفة وكذلك الاستقطاب الحاصل الآن بسبب الحرب القائمة على قطاع غزة. إن سوريا الآن فـي أمسّ الحاجة الآن لدعم عربي يحفظ أمنها واستقرارها عبر ضغط عربي على أمريكا وقوى إقليمية ضالعة فـي أحداث سوريا. ولا يخفى أن تجدد الصراع فـي سوريا له تداعيات إقليمية أوسع؛ وبالنسبة للدول العربية المحيطة من شأنه أن يقود إلى صراع أوسع إذا لم يكن على المدى الحالي فإنه قادم على المدى القريب فـي ظل تحولات عميقة فـي المنطقة من شأنها أن تعيد -فعلا- رسم خارطة المنطقة ويعقد البيئة الأمنية فـي منطقة الشرق الأوسط ويعيد تمركز الجماعات المتطرفة التي تسيُّرها قوى عالمية وإقليمية لم تعد خافـية على أحد. إن الحل الأمثل الآن يتمثل فـي تعاون دولي من أجل القضاء على أسباب ظهور الجماعات المتطرفة فـي سوريا وحماية هذا البلد العريق الذي عانى طوال العقد الماضي من ويلات الحروب والضياع والتشرد تحت عناوين لا قيمة جوهرية لها سوى أنها ضرب للوطن وتشريد لسكانه وانتهاك لحقوق الإنسان وكرامته بغض النظر عن مصدر ذلك الانتهاك.. وحان الوقت لصحوة عربية تعي المخطط الكبير الذي يحاك للعالم العربي، فليس ثمة وضوح أكبر مما يحدث الآن فـي المنطقة. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فـی سوریا
إقرأ أيضاً:
ما الذي يحدث في العالم ؟
نحن اليوم أمام سؤال كبير لن ندركه بكل أبعاده طالما ونمط التفكير الذي يسيطر في التفاعل مع الأحداث هو نفسه دون تغيير، ثمة أحداث مماثلة قد حدثت في سياق التاريخ البشري حملت إجابات واضحة، لكننا ما نزال نتعامل مع القضايا الكبرى في حياتنا بذات نمط التفكير القديم الذي يؤمن بالكليات دون تحليل، أو تدقيق، أو معرفة الأبعاد والآثار، التي تترك ظلالا على الحياة بكل تموجاتها، ولذلك نجد التاريخ يتكرر في حياتنا، وتتكرر كل مآسيه وأحداثه دون وعي منا أو إدراك.
القضية ليست انسياباً وجدانياً، ولا الحياة عاطفة وطاقات إيمانية، ولكنها نظام دقيق، وقانون أكثر دقة، من أدرك تفاصيله وأبعاده استطاع البناء، وحقق وجودا فاعلا ومؤثرا في الحياة، وربما وجدنا في التاريخ القريب والبعيد ما يؤيد ذلك من خلال التأمل والتفكير، فمثلا في وقعة الخندق لم يمنع القوة الإيمانية من التعامل والتفاعل مع تجارب الأمم الأخرى، فكان الخندق فكرة جديدة غيرت مسارا وأحدثت متغيرا في النتائج، وفي الحديبية كانت هناك قوة مؤمنة ضاربة قادرة على الغلبة لكنها مالت إلى العقل، وقبلت ببنود صلح مجحفة فكان الانتصار من حيث ظن الكثير الهزيمة والهوان، فالعقل هو القوة الموازية للقوة الإيمانية وبتظافرهما يتحقق الوجود، وتنتصر إرادة الخير والعدل في المجتمعات الإنسانية .
والعالم اليوم يخوض صراعا وجوديا في مستويات متعددة ذات أبعاد وثقافات وتغاير كبير، ففي المستوى الحضاري حدث انفجار كبير جعل العالم يبدو كقرية صغيرة، وفي المستوى الثقافي المتعدد والمتنوع تاهت الحقائق والمسلمات ولم تعد هناك من ثوابت بل كادت الرياح أن تموج بكل القضايا ذات المنطق السليم، وقد تعددت وسائل التفاعل الاجتماعي والوسائط، حتى وصل الفرد إلى مرحلة الضياع والتيه، وتعززت قيم جديدة، وضاعت قيم كانت من الثوابت الجامعة للمجتمع البشري، وسادت نظم ثقافة التفاهة والانحطاط، وكل مشاهير الزمن اليوم والمؤثرين من الرعاع وعوام الناس من الذين لا يملكون فكرة أو معرفة سوى فكرة الابتذال والسقوط القيمي والأخلاقي، أما الجانب الاقتصادي فقد تبدلت وتغيرت كل أدواته وعلاقاته وبشكل متسارع وكبير فالغني بين غمضة عين وافتتاحها قد يصبح فقيرا، والفقير قد يصبح غنيا، والصراع اليوم على أشده في العالم، وبالعودة إلى زمن الدولة العربية القديم وتحديدا في زمن الدولة العباسية، نجد اتساع الدولة، وهذا الاتساع في الجغرافيا فرض اتساعا في التفاعل مع الثقافات، ولذلك نشأت مدارس فقهية متعددة تتعاطى مع الواقع الجديد وتدرسه وتحاول أن تشرعنه بالدليل النصي، أو النقلي، أو العقلي، أو الاجتهادي، حتى أصبحت الدولة ذات شأن عظيم يخافها الأعداء ويرسلون الهدايا تودداً إليها، فكان وجود الدولة الإسلامية قويا وقائدا للمجتمع الإنساني والحضاري والثقافي والتقني والعلمي، وبعد أن دبَّ الضعف في أركانها وتشتت أمرها بزغت الحضارة الغربية على أنقاضها واستفادت من العلوم والمعارف التي تركتها بين ظهرانينا، فكان العلماء المسلمون هم النبراس الذي أضاء مسالك الحضارة المعاصرة، وقد أضافوا إلى تلك المعارف معارف وعلوما جديدة فاشتغلوا دون ملل أو كلل ومال المسلمون إلى الدعة والسكينة دون أن يحققوا وجودا حضاريا وثقافيا جديدا على الرغم من أنهم يحملون رسالة الخيرية إلى البشرية جمعاء .
والسؤال اليوم الذي يجب أن نقف أمامه هو : ما الذي جعلنا نبدو في تصور العالم أننا أمة متوحشة تشكل عبئا على الحضارة الإنسانية المعاصرة وعلى الرفاه والحياة الكريمة ؟ هذا السؤال هو نفسه الذي يبعث فينا روح الهزيمة، وفي السياق روح الانتصار على الذات المنكسرة في كوامن انفسنا، فنحن نملك مقومات الحياة والرفاه ومقومات الحياة الكريمة للإنسان ونملك مقومات الانتصار للإنسان الذي يؤكد ديننا على حريته وتعزيز عوامل التكريم فيه، ويرفض استغلاله واستعباده والحط من قدره أو النيل من آدميته وبشريته، فالإسلام جاء من أجل تحرير الإنسان من عبادة البشر ومن استغلال البشر لبعضهم ليكون إنسانا حرا كريما، ومسار التاريخ الإسلامي وشواهده وقصصه وأخباره كثيرة وهي مبثوثة في التراث الثقافي الذي أم نعد نقرأه، وفي المقابل نجد تاريخ الأمم الأخرى التي توازى وجودها مع بزوع الحضارة الإسلامية يتحدث عن استغلال واستعباد للإنسان بل كادت بعض الأمم أن تأكل بعضها بعضا ولا ترى للبشر أي قيمة أو معنى سوى أنهم موجودون لخدمة أسيادهم الذين امتازوا عليهم بالثروة والسلطة والقوة، هذه الصورة تغايرت مع الضعف الذي أصاب المسلمين وضياع أمرهم وشتاته، ولعل أبلغ عبارة موجزة في هذا الأمر ما قاله أحد أقطاب عصر النهضة العربية الشيخ محمد عبده حين عاد من الغرب فقال : “ذهبت إلى الغرب فوجدت إسلاما ولم أجد مسلمين وعدت للشرق فوجدت مسلمين ولم أجد إسلاما ” وهنا تكمن الإشكالية للسؤال الذي علينا أن نبحث له عن إجابة في عالم اليوم الذي نعيش فيه ونشعر بعدم وجودنا فيه .
اليوم الأمة تباد في الشرق، تباد في فلسطين، وفي لبنان، وفي سوريا، وفي اليمن، وشتاتها وضياعها واضح للعيان، وقضية وجودها في خارطة العالم الجديد لا قيمة ولا معنى له بل هناك من يساهم ويعزز هذا الضياع من بني جلدتنا ممن يتحدثون بلساننا ويؤمنون بديننا ولا سبيل لنا إلا بالعودة إلى مقومات وجودنا الثقافية والحضارية وبدون ذلك سنكون ضحايا هذا العالم المتغطرس والمستغل .