هل يصمد الاتفاق الإسرائيلي مع حزب الله؟
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
أخيرا وبعد رحلات مكوكية عديدة بين واشنطن وبيروت وتل أبيب وشملت عواصم أخرى أحيانا عربية ودولية لتقريب وجهات النظر حول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، وهو الاتفاق الذي تعمّد نتنياهو عرقلته أكثر من مرة لخدمة مصلحته الذاتية في إطالة أمد الحرب لصالحه هو شخصيا، خاصة وأن النتائج على الأرض تصب بوجه عام في صالحه سواء في قطاع غزة أو في بيروت من ناحية، وقدرة إسرائيل على زيادة ومضاعفة الخسائر البشرية في كوادر حماس وحزب الله، وهو ما زاد من حجم الفراغ في مواقع قيادية متخصصة ومؤثرة بعد عملية تفجير البيجر التي استهدفت نحو أربعة آلاف عنصر من كوادر حزب الله خلال ضربة واحدة تم الإعداد لها بدقة وتأن، وبالتنسيق من أطراف مخابراتية من أكثر من دولة تعاونت مع إسرائيل في هذه العملية التي هزت الثقة التي تميزت بها حماس وحزب الله في السنوات الأخيرة وتوجت بطوفان الأقصى، الذي زلزل إسرائيل على النحو الذي لم يتم من قبل على هذا النحو باستثناء ما حدث في حرب عام 73 من ناحية ثانية.
وفي حين شكّلت عمليات الدعم الأمريكية والأوروبية لإسرائيل عناصر دعم مهمة لإسرائيل جعلتها تستخف بأية تهديدات من الأمم المتحدة، بل شجعتها على محاولة المساس بمؤسسات الأمم المتحدة والسعي إلى التخلص منها بشكل أو بآخر بحجة الانحياز ضد إسرائيل، فإن إسرائيل ظهرت في الواقع أمام العالم وفي مختلف القضايا التي تتورط فيها مع دول أخرى ليشكل ذلك حماية لإسرائيل وعرقلة عملية لإمكانية تطبيق أية عقوبات صغُرت أو كبُرت ضد الدولة المدللة لدى الأمم المتحدة (إسرائيل) فإن الأمر وصل في الواقع إلى حد منع الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريش من دخول إسرائيل بحجة أنه شخص غير مرغوب فيه لأنه انتقد إسرائيل في موقف اعتبره نتنياهو أن به مساسا ما بإسرائيل وذلك برغم أن جوتيريش اعتذر عما بدر منه. ولم يقبل نتنياهو ذلك لأنه يسعى لتكريس معنى معين في التعامل مع إسرائيل سواء كان مع دول أو منظمات أو قادة أو غيرهم. تجدر الإشارة إلى أن نتنياهو حرص على إطالة أمد الحرب في غزة وفي لبنان من أجل محاولة ترميم ما تأثر من مفهوم الردع الذي طالما تمتعت به إسرائيل قبل طوفان الأقصى وتهشم جانب منه في السابع من أكتوبر العام الماضي ويفسر ذلك موقف نتنياهو ومراوغاته وبالفعل تبدل موقف الرأي العام الإسرائيلي منه الذي انخفض بشكل ملحوظ قبل عدة أشهر ليعود إلى التحسن والارتفاع مرة أخرى مؤخرا ولتتحسن شعبية نتنياهو مرة أخرى داخل إسرائيل بعد تفجيرات البيجر واغتيال قيادات عليا في حماس وحزب الله اللبناني. وفيما يتصل باتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ممثلة في الكابينت «المجلس الوزاري المصغر لإسرائيل» وحزب الله الذي وافق على الاتفاق، فإنه يمكن الإشارة إلى بعض الجوانب من أهمها: أولا، أن النقطة موضع الجدل حول الاتفاق هي ما تريده إسرائيل من ضمان عدم تعرضها لتهديدات من جنوب لبنان وذلك بسحب قوات حزب الله وكذلك أسلحته الثقيلة إلى ما وراء نهر الليطاني ولمسافة خمسة كيلومترات على الأقل وهو ما لا يوافق عليه حزب الله الذي اتبع تكتيك ضربة مقابل ضربة تجنبا للتصعيد مع إسرائيل وحفاظا على الموقف بين الجانبين حتى حادث تفجير البيجر الذي نقل الموقف إلى مرحلة جديدة بما أثاره من صدمة في جانب حزب الله وما تبعه من اغتيال حسن نصر الله قائد الحزب ما أربك الحزب خاصة بعد الاغتيال السريع للخليفة المحتمل هاشم صفي الدين وليخلفه نعيم قاسم نائب رئيس الحزب سابقا في قيادة الحزب مع إدخال بعض التعديلات على تكتيك الحزب في مواجهة إسرائيل وإعلانه الاستمرار في المواجهة حتى تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أواخر نوفمبر الماضي بعد التغلب على آخر نقاط الخلاف وبجهود مكثفة من المبعوث الأمريكي اوكستيل وتشكيل لجنة متابعة لتنفيذ الاتفاق مكونة من أمريكا وفرنسا وإسرائيل واليونيفيل ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في 28 نوفمبر ولمدة 60 يوما لضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان وإعادة انتشار القوات اللبنانية محلها تدريجيا، وبحيث تكون قوات الجيش والشرطة اللبنانية هي وحدها فقط الموجودة في الجنوب اللبناني وأن يكون سلاحها هو السلاح الوحيد هناك دون غيره بعد استكمال إعادة الانتشار المتفق عليها. وبعد تزويد قوات الجيش اللبناني في الجنوب بخمسة آلاف من الجنود اللبنانيين لتعزيز قوة الجيش هناك وتوفير كميات من الأسلحة الفرنسية للقوات اللبنانية هناك. جدير بالذكر أن إسرائيل كانت تعارض لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق وتعارض مشاركة فرنسا وقوة اليونيفيل فيها أيضا قبل الاتفاق على حل ذلك بموافقة إسرائيل بالطبع. ثانيا، أنه كالعادة تشهد الساعات المصاحبة لدخول اتفاقات وقف إطلاق النار وما بعدها مماحكات بين الأطراف المعنية وقد استعدت إسرائيل لذلك بخطة متكاملة حسبما صرح رئيس الأركان الإسرائيلي قبيل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مما أثار قلق الجيش اللبناني والأطراف المعنية بالوضع في لبنان حيث عمدت إسرائيل إلى التهديد المتعمد والمتكرر باستعدادها للعودة إلى القتال إذا خرق حزب الله الهدنة بأي شكل أو في أي مكان في جنوب لبنان وأنه مستعد لذلك، والمفارقة أن الجيش الإسرائيلي هو من بادر بخرق الاتفاق يومي 27 و28 مرات عديدة حسبما أعلنت القيادة اللبنانية وأبلغت ذلك إلى الأمم المتحدة عدة مرات في اتهامات متبادلة زعمت في إحداها أنها أطلقت النار على مسيّرة لبنانية لإبعادها عن منطقة وجودها وليس بنيّة القتل، على أية حال فإن خطورة تكرار الاتهامات المتبادلة أنها قد تخرج عن السيطرة وتتحول إلى اشتباكات مطولة تعيد أجواء الحرب ومخاطرها مرة أخرى والمؤكد أن البلدين ليسا في حاجة إلى مثل ذلك ويبدو أن تلك المماحكات والخروقات قد هدأت نسبيا بعدما اشتعلت المواجهات في شمال سوريا في الأيام الأخيرة وشملت حلب وحماة وإدلب مما أدى إلى تدخل القوات الروسية في سوريا لتعزيز الجيش السوري ومحاولة تحجيم هجمات المسلحين المعارضين لدمشق وقالت إن على دمشق التصدي لهم لاعتدائهم على سيادتها. ثالثا، أن مما له دلالة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المهجوس بالحرب وبالرد على أي مساس بإسرائيل لتأكيد استعادتها القدرة على الردع التي ضاعت منها في هجوم طوفان الأقصى في أكتوبر من العام الماضي قد عمد إلى تكرار العودة إلى الحرب في لبنان أكثر من مرة في تحذير وتهديد وقحَيْن، رغم أنها لا تتورط في مثل هذه الأعمال لا مع لبنان ولا مع غيرها وقد تكون رسائل مبطنة ربما لأطراف أخرى في المنطقة، وفي هذا الإطار زعمت إسرائيل مرتين في الأيام الماضية أنها اكتشفت تهريب أسلحة من مصر في مسيرتين كانت إحداهما تنقل أربع بنادق وبضعة مسدسات على حد الادعاء الإسرائيلي وهو ادعاء مضحك في الحالتين؛ لأن مصر أكدت مرارا أنها لا تتورط في مثل هذه الأعمال لا مع لبنان ولا مع غيرها وأنها تلتزم بذلك بجدية شديدة. وإذا كانت إسرائيل تتوق إلى العودة للحرب مرة أخرى فإن لبنان يسعى إلى انتخاب رئيس للبلاد يوم التاسع من الشهر الجاري من أجل أن يعيد استقراره ويفوت الفرصة على دعاة الحرب في حكومة نتنياهو ومن ثم فإن فرص صمود اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان تظل قائمة إلا إذا عمد نتنياهو إلى عرقلة جهود وقف إطلاق النار في غزة بعد أن أكد الرئيس الأمريكي بايدن على التحرك الجاد في غزة وإن كان الوقت لن يسمح له رغم استعداد حماس للتجاوب مع تلك الجهود التي قد يسعى ترامب إلى البناء عليها إذا تيقن من فرص نجاحها. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اتفاق وقف إطلاق النار الأمم المتحدة وحزب الله مرة أخرى حزب الله فی لبنان
إقرأ أيضاً:
هوكشتاين في لبنان الاثنين لتثبيت وقف النار
يعود الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت الاثنين بعد إنجاز توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل" الذي أنهى الحرب بين الجانبين لحظة دخوله حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني الفائت
وكتبت دوللي بشعلاني في" الديار": مصادر سياسية مطّلعة تقول انّ زيارة هوكشتاين الى لبنان تصبّ في إطار "تثبيت" اتفاق وقف النار لما بعد فترة الـ 60 يوماً بكثير. فالإدارة الأميركية الحالية، وتلك اللاحقة، لا تريد استمرار الحرب بين لبنان و "إسرائيل". فالرئيس الأميركي جو بايدن الذي سيغادر البيت الأبيض خلال أسابيع، أراد إنهاء هذه الحرب، وإلّا لما أرسل موفده الخاص هوكشتاين الى بيروت و "تلّ أبيب" لانتزاع هذا الاتفاق من قبل الطرفين قبل انتهاء عهده. كذلك فإنّ ترامب سبق وأن أعطى التوجيهات لرئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو بضرورة إنهاء القتال والحروب في المنطقة قبل دخوله الى البيت الأبيض.
وما تسعى اليه "إسرائيل" من خلال المراوغة في تنفيذ الانسحاب بهدف إبقاء قوّاتها في بعض القرى الحدودية، الى حين جعل منطقة جنوب الليطاني منزوعة السلاح وخالية من المسلّحين، على ما تلفت، فليست سوى محاولة لن تُجدي نفعاً، كون الاتفاق ينصّ على انسحابها من القرى التي دخلت اليها خلال الفترة السابقة. أمّا منطقة جنوب الليطاني وانتشار الجيش اللبناني فيها، فيعود للحكومة اللبنانية إعادة الأمن والاستقرار اليها وتطبيق ما ينصّ عليه الاتفاق فيها بالتعاون والتنسيق فيما بينها وبين الجيش و "اليونيفيل" ولجنة المراقبة. وليس على "الإسرائيلي" نزع أو تفكيك أي سلاح، أو ضبط الأمن وما الى ذلك، لأنّ الإتفاق لا يذكر مثل هذا الأمر، وإن كان يتذرّع ببند "الحقّ في الدفاع عن النفس" الذي ورد في الاتفاق لكلّ من الطرفين. فلا أحد يتعرّض له، على ما يدّعي، ووجوده داخل الأراضي اللبنانية كونه يُشكّل انتهاكاً للسيادة اللبنانية، كما لاتفاق وقف النار وللقرار 1701، هو الذي يُعرّضه للخطر، الأمر الذي يفرض عليه الإنسحاب سريعاً قبل انتهاء مهلة الـ 60 يوماً من جميع القرى الحدودية التي دخلها وتوسّع فيها ودمّرها وحرق أراضيها، خلال فترة وقف إطلاق النار وليس قبلها.
أمّا هوكشتاين، فيأتي للإطلاع على ما يحصل على أرض الواقع، ولإجراء المحادثات مع المسؤولين اللبنانيين، على ما أكّدت المصادر، وللاجتماع كذلك بلجنة المراقبة التي ليس عليها فقط الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار، إنّما المساهمة في تطبيقه والحفاظ عليه لأطول فترة ممكنة. وكان هوكشتاين قد قال إن هذا الاتفاق قد وُضع ليستمر لعقود، في إشارة الى ما كان عليه الوضع جنوباً من أمن واستقرار بعد صدور القرار 1701 في 11 آب 2006 وحتى 7 تشرين الأول 2023. وخلال هذه الفترة، لا بدّ من تطبيق بنود القرار 1701، واستكمال المفاوضات غير المباشرة لتثبيت الحدود البريّة بين لبنان و "إسرائيل" والتي تسمح لعودة الهدوء الى المنطقة، ووقف التعديات والخروقات للسيادة اللبنانية.
وتتوقّع المصادر أن يعطي هوكشتاين "ضمانات" لكلّ من لبنان و"إسرائيل" لاستمرار وقف إطلاق النار بين الجانبين، سيما وأنّ المرحلة المقبلة تتطلّب الأمن والاستقرار من أجل إعادة الإعمار عند الحدود الجنوبية من الطرفين، بهدف عودة سكّان القرى والمناطق الحدودية في أسرع وقت ممكن. كما أنّ الهدوء من شأنه، إعادة العمل بعمليات التنقيب واستخراج النفط والغاز من البلوكات البحرية، في حين أنّه من شأن عودة الحرب الى المنطقة الجنوبية وقف الاستثمارات النفطية في الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة. وهو الأمر الذي لا تريده الولايات المتحدة ولا فرنسا ولا دول "الخماسية" المعنية بملف النفط في لبنان.
ومن المتوقّع أن يتطرّق الموفد الأميركي خلال محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، على ما أفادت المعلومات، ولكنّه قد لا يحضرها حتى وإن تزامنت مع وجوده في لبنان، لكي لا يُقال إنّه يمارس الضغوطات على اللبنانيين، أو قد يُغادر لبنان قبل موعدها في حال أنهى جميع لقاءاته في بيروت. فانتخاب رئيس الجمهورية أمر حسّاس يتعلّق أيضاً بكلّ الملفات الداخلية والخارجية المتعلّقة بترسيم الحدود وعودة النازحين السوريين الى بلادهم، وعودة الإستثمارات الى لبنان، وبناء الثقة في الداخل والخارج، وإعادة بناء المؤسسات والقيام بالإصلاحات وما الى ذلك...