كيف رُميت فرنسا تحت القطار في النيجر؟
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
كيف رُميت فرنسا "تحت الباص" في النيجر؟
واشنطن لا تنظر بقلقٍ إلى انقلاب النيجر، عكس فرنسا التي تصرّفت بذعر وهي تراقب سقوط مناطق نفوذها الواحدة تلو الأخرى في منطقة الساحل الأفريقي.
هل تبنت واشنطن مقاربة براغماتية في التعاطي مع انقلاب النيجر، وإلقاء حليفتها فرنسا "تحت القطار" وتجنّب التورّط في أزمة جديدة في منطقة الساحل؟
حاولت واشنطن التعاطي بانفتاحٍ على الانقلابيين في النيجر، إذ نفت وجود علاقة لروسيا، أو لمجموعة فاغنر، بالعملية الانقلابية، بعكس ما حاولت فرنسا الإيحاء به.
كان واضحاً الغيظ الفرنسي من خطوة أميركية رأت فيها باريس تشجيعاً للانقلابيين على الاستمرار في نهجهم. ثم أعلنت واشنطن عن تأييدها التوصّل لحلّ دبلوماسي لأزمة النيجر.
لا تستطيع فرنسا التدخّل مباشرة لإطاحة العسكر، لأنّه سيبدو محاولةً من الدولة الاستعمارية السابقة لإطاحة حكومة تعارضها (ولو انقلابية) وتنصيب أخرى موالية لها (ولو منتخبة).
* * *
لم تخيّب الولايات المتحدة في تعاملها مع أزمة الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر أواخر الشهر الماضي (يوليو/ تموز) تقديرات العارفين بسياساتها التي تستمر في تبنّي مقاربة مغرقة في النفعية، مؤدّاها التعامل مع كل من يخدم مصالحها.
منذ الساعة الأولى للإعلان عن إطاحة الرئيس المنتخب، حاولت واشنطن التعاطي بانفتاحٍ واضحٍ على الانقلابيين في النيجر، إذ نفت وجود علاقة لروسيا، أو لمجموعة فاغنر، بالعملية الانقلابية، بحسب ما حاولت فرنسا الإيحاء به لاستنفار الغرب للوقوف في وجه الانقلاب، أخذاً بالاعتبار موجة العداء السائدة ضد روسيا في الغرب بسبب الحرب في أوكرانيا.
وكان هذا أول مؤشّر على أن واشنطن لا تنظر بقلقٍ إلى التغيير في النيجر، عكس فرنسا التي تصرّفت بذعر وهي تراقب سقوط مناطق نفوذها الواحدة تلو الأخرى في منطقة الساحل الأفريقي، عن طريق انقلابات عسكرية بدأت في مالي (2018) وانتقلت إلى غينيا (2021) ثم بوركينا فاسو (2022) وأخيراً النيجر (2023).
الضربة الثانية التي تلقّتها السياسة الفرنسية التي أطاح الانقلاب حلفاءها في حكم البلد الأفريقي الذي تستورد منه نحو 30% من احتياجاتها من اليورانيوم لتشغيل مفاعلاتها النووية المستخدمة في توليد الطاقة، تمثلت في إيفاد واشنطن ثاني أهم مسؤول في وزارة الخارجية، وهي نائب الوزير، فيكتوريا نولاند، إلى نيامي، عاصمة النيجر، حيث اجتمعت بقادة الانقلاب لحثّهم على التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة.
وكان واضحاً مقدار الغيظ الفرنسي من الخطوة الأميركية التي رأت فيها باريس تشجيعاً للانقلابيين على الاستمرار في نهجهم. بعد ذلك، أعلنت واشنطن بوضوح عن تأييدها التوصّل إلى حلّ دبلوماسي لأزمة النيجر.
ويُعتقد أن الموقف الأميركي ساهم في دفع دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) وفي مقدّمتها نيجيريا، إلى التراجع عن فكرة التدخّل العسكري، وعن المهلة التي أعطتها للانقلابيين للتخلّي عن السلطة وإعادة الرئيس المخلوع، محمد بازوم، إلى السلطة.
في المقابل، كانت فرنسا تدفع فكرة التدخل العسكري وتشجع دول "إيكواس" على التحرّك لإزاحة الانقلابيين، على أن تؤمّن هي الدعم اللوجستي، والغطاء الجوي، مستفيدة من وجود ما يقرُب من 1400 جندي فرنسي في النيجر، في إطار عمليات مكافحة الجماعات المتطرّفة في منطقة الساحل.
ونظراً إلى موجة العداء الشعبي لها، باعتبارها الدولة الاستعمارية السابقة، لا تستطيع فرنسا التدخّل مباشرة لإطاحة حكم العسكر، لأنّ هذا سيبدو محاولةً من الدولة الاستعمارية السابقة لإطاحة حكومة تعارضها (ولو انقلابية) وتنصيب أخرى موالية لها (ولو منتخبة). وعليه، لن تستطيع باريس التحرّك من دون غطاء أفريقي، لن يتوفّر، على الأرجح، من دون موافقة أميركية.
وتجادل واشنطن بأن التدخّل العسكري محفوف بالمخاطر، وقد يؤدّي إلى انهيار كل منطقة الساحل الأفريقي في ضوء الانقسام داخل "إيكواس" وإعلان دول حزام الانقلابات (مالي وبوركينا فاسو وغينيا) عن استعدادها للتدخّل أيضاً دعماً لقادة الانقلاب في النيجر، في حال تدخّل حلف "الديمقراطيات"، ما يعني تفجّر حرب إقليمية واسعة في المنطقة الغارقة في الفوضى أصلاً.
تمثلت القشّة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى الفرنسيين في إقرار إدارة الرئيس جو بايدن أول أمس الاثنين تعيين كاثلين فيتزغيبون سفيراً فوق العادة لواشنطن في نيامي. وكان مجلس الشيوخ الأميركي أقرّ هذا التعيين يوم 27 يوليو/ تموز الماضي، أي بعد يوم فقط من إطاحة الجيش الرئيس واستلامه السلطة.
ويرى كثيرون أن إرسال سفير إلى نيامي في هذا الوقت تحديداً، رغم موقف واشنطن الداعي إلى إعادة الحكم الديمقراطي وإطلاق سراح الرئيس المخلوع وعائلته، يعد بمثابة اعتراف بشرعية النظام العسكري، لا يقلّل من وطأته "تحجّج" إدارة بايدن بأنها رشّحت فيزغيبون لهذا المنصب في يوليو 2022.
يبدو واضحاً أن واشنطن تبنّت مقاربة براغماتية مكشوفة في التعاطي مع انقلاب النيجر، قرّرت بموجبها إلقاء حليفتها فرنسا "تحت القطار" وتجنّب التورّط في أزمة جديدة في منطقة الساحل، والمحافظة على وجودها العسكري في البلاد.
إذ تملك أميركا أكبر قاعدة مسيّرات في منطقة الساحل تستخدمها في ملاحقة التنظيمات الجهادية، إلى جانب 1100 جندي أميركي، أما الديمقراطية فيمكن الحديث عنها في يوم آخر.
*د. مروان قبلان كاتب وأكاديمي سوري
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أفريقيا أميركا فرنسا انقلاب النيجر بايدن ماكرون إيكواس التدخل محمد بازوم منطقة الساحل فی منطقة الساحل فی النیجر
إقرأ أيضاً:
فرنسا تطالب الحكومة السورية بمعاقبة المسؤولين عن الانتهاكات في الساحل
طالبت فرنسا، الاثنين، الحكومة السورية بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي وقعت بحق مدنيين في منطقة الساحل السوري خلال اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن العام ومجموعات مسلحة موالية لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، إنه تواصل مع نظيره السوري أسعد الشيباني وأبلغه تنديد بلاده "الشديد" بأعمال العنف التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة.
Je me suis entretenu avec le ministre des Affaires étrangères intérimaire de Syrie. Je lui ai exprimé notre vive inquiétude, notre ferme condamnation des exactions commises contre des civils et notre exigence que les coupables de ces crimes soient punis. — Jean-Noël Barrot (@jnbarrot) March 10, 2025
وأضاف في تدوينة عبر حسابه على منصة "إكس"، أنه أبلغ الشيباني كذلك بمطالبة باريس معاقبة المسؤولين عن الجرائم التي شهدتها سوريا.
وكان الاتحاد الأوروبي علق على التطورات الأخيرة سوريا عقب الهجمات التي شنها "فلول" النظام المخلوع على قوات الأمن في مناطق مختلفة من الساحل، مشيرا إلى أنه "يدين الهجمات التي قيل إنها من عناصر موالية للأسد على قوات الحكومة المؤقتة في الساحل السوري".
وشدد الاتحاد الأوروبي في رسالة إلى القيادة السورية، على ضرورة "حماية المدنيين في جميع الظروف، مع الاحترام الكامل للقانون الدولي الإنساني"، داعيا "جميع الجهات الخارجية إلى احترام سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها".
وخلال الأيام الأخيرة، شهدت محافظات اللاذقية وطرطوس الساحليتين توترات أمنية غير مسبوقة على وقع هجمات منسقة شنتها قوات موالية للنظام المخلوع، ما أسفر عن قتلى ومصابين في صفوف قوات الأمن العام والمدنيين.
ووثقت تقارير وقوع انتهاكات وإعدامات ميدانية طالت مدنيين في مناطق الاشتباك، ما دفع الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للنظر في ملف الانتهاكات بالإضافة إلى لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي في البلاد.
ومساء الأحد، قال الشرع في ثاني كلمة له منذ بدء التطورات في الساحل السوري الخميس الماضي إن "المخاطر التي نواجهها اليوم ليست مجرد تهديدات عابرة، بل هي نتيجة مباشرة لمحاولات انتهازية من قبل قوى تسعى إلى إدامة الفوضى وتدمير ما تبقى من وطننا الحبيب".
وتابع بالقول "نجد أنفسنا أمام خطر جديد يتمثل في محاولات فلول النظام السابق ومن وراءهم من الجهات الخارجية (لم يسمها) خلق فتنة وجر بلادنا إلى حرب أهلية، بهدف تقسيمها وتدمير وحدتها واستقرارها".
وشدد الرئيس السوري على أن "سوريا ستظل صامدة، ولن نسمح لأي قوى خارجية أو أطراف محلية بأن تجرها إلى الفوضى أو الحرب الأهلية".
وأردف قائلا: "لن نتسامح مع فلول الأسد، الذين قاموا بارتكاب الجرائم ضد قوات جيشنا ومؤسسات الدولة، وهاجموا المستشفيات وقتلوا المدنيين الأبرياء، وبثوا الفوضى في المناطق الآمنة".