بيروت (لبنان) "أ ف ب": شنّت دمشق وحليفتها موسكو خلال الساعات الأخيرة غارات جوية دامية على مناطق سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا، مع سعي النظام لاستعادة مناطق استحوذت عليها هيئة تحرير الشام ومجموعات حليفة لها في هجوم واسع بدأته الأسبوع الماضي.

واعتبر الرئيس السوري بشار الأسد الذي تلقّى دعما متجددا من حليفتيه روسيا وإيران، أن الهجوم، وهو الأوسع منذ أعوام، هو محاولة "لإعادة رسم خريطة" المنطقة.

بينما قالت تركيا المتواجدة عسكريا في شمال سوريا والداعمة لفصائل مسلّحة، أن الهجوم ليس "تدخلا أجنبيا".

وبدأت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة) وفصائل حليفة لها، هجوما واسعا الأربعاء، أسفر عن خروج حلب، ثاني كبرى مدن سوريا، بالكامل عن سيطرة القوات الحكومية للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع في البلاد عام 2011.

وقتل 11 مدنيا على الأقل بينهم خمسة أطفال الإثنين جراء غارات نفذها الطيران الروسي والسوري على محافظة إدلب (شمال غرب)، أبرز معاقل المعارضة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وأفاد المرصد أن الغارات استهدفت "مناطق عدة، بينها مدينة إدلب ومخيم للنازحين شمالها"، ما أسفر عن مقتل "11 مدنيا بينهم خمسة أطفال وسيدتان وإصابة العشرات بجروح".

وقال المدرّس حسن أحمد خضر (45 عاما) المقيم في المخيّم قرب مدينة إدلب، "كنت وجيراني نقف في الشمس لنحصل على بعض الدفء وسط الجو البارد.. عندما حصل القصف" مضيفا أنه استهدف "عائلات مهجرة تقطن عند أطراف المخيم"، ما أسفر عن مقتل طفل من طلابه مع شقيقاته الأربعة بينما نقل الوالدان الى المستشفى للعلاج.

وأفاد الجيش السوري من جهته في بيان بأن قواته تتحرّك "على عدة محاور في أرياف حلب وحماة وإدلب للالتفاف على الإرهابيين وطردهم من المناطق التي دخلوها وتأمينها بالكامل وتثبيت نقاط تمركز جديدة للتحضير للهجوم التالي، مع استمرار وصول المزيد من التعزيزات العسكرية".

وأضاف بيان قيادة الجيش "خلال الساعات الـ24 الماضية تواصلت الاستهدافات التي ينفذها الجيش العربي السوري بالتعاون مع القوات الروسية الصديقة العاملة في سوريا عبر ضربات مركزة جوية وصاروخية ومدفعية على مواقع الإرهابيين ومستودعاتهم وخطوط إمدادهم ومحاور تحركهم في ريفي حلب وإدلب".

وأدت المعارك والقصف منذ الأربعاء الى مقتل 457 شخصا غالبيتهم من المسلحين، إضافة الى 72 مدنيا، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وتمكنت الفصائل في هجومها أيضا من السيطرة على مناطق في ريفي حلب (شمال) وحماة (وسط).

في مدينة حلب، أظهرت فيديوهات لوكالة فرانس برس مقاتلين مسلحين يجوبون الشوارع على متن سيارات عسكرية أو سيرا على الأقدام. واحرق بعضهم العلم السوري، بينما رفع آخرون "علم الثورة".

وكانت الطرق شبه خالية، لكن بعض السوريين كانوا يتواجدون في الشوارع ويهتفون للمقاتلين.

دعم الحلفاء

وكانت مدينة حلب محور معركة طاحنة في السنوات الأولى للنزاع السوري الذي بدأ في العام 2011 بعد تظاهرات مناهضة للرئيس بشار الأسد، وتعرضت أحياؤها الشرقية لقصف مدمّر من قوات النظام التي استعادت السيطرة عليها بالكامل عام 2016 بعد تلقيها دعما جويا روسيا ومساندة ميدانية من مستشارين إيرانيين وفصائل مرتبطة بطهران أبرزها حزب الله اللبناني.

ويأتي هجوم الفصائل في لحظة إقليمية ودولية حرجة، اذ تنشغل روسيا بحربها في أوكرانيا، بينما تلقت إيران وحلفاؤها، خصوصا حزب الله، ضربات إسرائيلية موجعة في الفترة الماضية.

وبدأ الهجوم في شمال سوريا يوم دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان حيز التنفيذ بعد نزاع بدأ في أكتوبر 2023 وتحوّل مواجهة مفتوحة اعتبارا من سبتمبر، على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس.

وقال الأسد اليوم خلال اتصال مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان إن الهجوم في شمال البلاد محاولة "لتقسيم المنطقة وتفتيت دولها وإعادة رسم الخرائط من جديد".

وأكد، بحسب بيان للرئاسة السورية، أن "التصعيد لن يزيد سوريا وجيشها إلا إصرارا على المزيد من المواجهة".

وكان الأسد توعّد الأحد باستخدام "القوة" لمواجهة "الإرهاب"، مؤكدا "أهمية دعم الحلفاء والأصدقاء" في مواجهة الهجوم.

في طهران، أكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية اسماعيل بقائي الاثنين أن وجود المستشارين الإيرانيين في سوريا "كان قائما في الماضي وسيستمر في المستقبل"، بحسب ما تطلبه الحكومة السورية.

وكان وزير الخارجية السوري عباس عراقجي أكّد قبل زيارته الى دمشق في نهاية الأسبوع الماضي، دعم بلاده "الحازم" للسلطات السورية.

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف لصحافيين "نواصل بالطبع دعم بشار الأسد"، مشيرا الى أن موسكو ستبني موقفها استنادا "إلى ما هو ضروري من أجل استقرار الأوضاع".

ليس "تدخلا أجنبيا"

ومن سوريا، انتقل عراقجي الى أنقرة حيث التقى نظيره التركي هاكان فيدان.

وقال فيدان "من الخطأ في هذه المرحلة، محاولة تفسير هذه الأحداث في سوريا على أنها تدخل أجنبي"، منتقدا غياب الحوار بين الأسد ومعارضيه.

وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اتصل بفيدان الأحد، مشددا على "ضرورة وقف التصعيد وحماية أرواح المدنيين والبنى التحتية".

ورأت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة التي كانت مواقفها حلال النزاع السوري، مساندة لمعارضي النظام، في بيان مشترك، أن "التصعيد الحالي يؤكد الحاجة الملحة إلى حل سياسي للنزاع بقيادة سوريّة، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254" الصادر عام 2015 والذي أقرّ خطة سلام في سوريا، من دون أن يترجم بأي شكل يذكر على أرض الواقع.

وأعلنت الصين دعمها للنظام في "جهوده للحفاظ على الأمن القومي والاستقرار"، وفق ما أفاد الناطق باسم الخارجية الصينية لين جيان الاثنين.

إخلاء مناطق كردية

وفي موازاة هجوم هيئة تحرير الشام، شنّت فصائل مدعومة من تركيا هجمات على مناطق سيطرة القوات الكردية في شمال سوريا.

وطالبت قوات سوريا الديموقراطية، الجناح العسكري للإدارة الذاتية الكردية، الإثنين بإجلاء المدنيين الأكراد من محيط مدينة حلب، غداة سيطرة فصائل سورية موالية لأنقرة على مدينة تل رفعت شمال حلب.

وقال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، "نعمل على التواصل مع كافة الجهات الفاعلة في سوريا لتأمين حماية شعبنا وإخراجه بأمان من منطقة تل رفعت والشهباء" في ريف حلب الشمالي "باتجاه مناطقنا الآمنة في شمال شرق البلاد".

وأوضح عبدي أن قواته تدخلت بعد "انسحاب الجيش السوري وحلفائه" من حلب، من أجل "فتح ممر إنساني بين مناطقنا الشرقية وحلب ومنطقة تل رفعت لحماية شعبنا من المجازر، لكن هجمات المجموعات المسلحة المدعومة من الاحتلال التركي قطعت هذا الممر".

وتل رفعت في الأساس مدينة ذات غالبية عربية، لكن بعد شنّ أنقرة والفصائل الموالية لها هجوما على منطقة عفرين عام 2018، ثم سيطرتها عليها، تدفّقت عشرات آلاف العائلات الكردية إليها.

وتقع تل رفعت في جيب يسيطر عليه المقاتلون الأكراد في ريف حلب الشمالي، ويقدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان وجود أكثر من مئتي ألف كردي محاصرين فيها حاليا من الفصائل السورية الموالية لأنقرة.

ولم تشهد سوريا مثل هذا التصعيد منذ سنوات، لا سيما بعد أن أتاح وقف لإطلاق النار رعته موسكو وأنقرة عام 2020 تحقيق هدوء إلى حدّ كبير في إدلب، حيث كانت هيئة تحرير الشام تسيطر على نحو نصف مساحة المحافظة وعلى أجزاء ملاصقة لها من محافظات حلب وحماة واللاذقية.

ورغم تراجع حدة المعارك إلى حد كبير بالسنوات الماضية، إلا أن جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية للنزاع فشلت.

وحذّر المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون من أن القتال الدائر "تترتب عليه عواقب وخيمة على السلام الإقليمي والدولي"، داعيا الأطراف المعنيين إلى "الانخراط السياسي العاجل والجاد.. لحقن الدماء والتركيز على الحل السياسي".

تشهد سوريا منذ 2011 نزاعا مدمرا أسفر عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص واستنزف الاقتصاد وأدى إلى تشريد وتهجير أكثر من نصف عدد سكانها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هیئة تحریر الشام شمال سوریا فی سوریا تل رفعت فی شمال أسفر عن

إقرأ أيضاً:

24 قتيلا في معارك بين فصائل موالية لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية

قتل 24 مقاتلا على الأقل غالبيتهم من فصائل مسلحة مدعومة من تركيا في اشتباكات مع قوات سوريا الديمقراطية في منطقة منبج (شمال)، على ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الخميس.

وأحصى المرصد مقتل 23 عنصرا من الفصائل الموالية لتركيا، وعنصرا من قوات « مجلس منبج العسكري » المنضوي في قوات سوريا الديمقراطية، « في حصيلة غير نهائية، للاشتباكات العنيفة (…) خلال هجوم الفصائل الموالية لتركيا على محور قرى العطشانة والمسطاحة جنوبي مدينة منبج ».

ويسيطر على منطقة منبج ذات الغالبية العربية في شمال شرق محافظة حلب، « مجلس منبج العسكري » المؤلف من مقاتلين محليين يعملون تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الأكراد عمودها الفقري وتدعمها واشنطن.

وأفاد المرصد عن تواصل « الاشتباكات في جنوب وشرق منبج في ظل قصف القوات التركية المنطقة بالطيران المسير والمدفعية الثقيلة ».

من جهتها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية تصديها لهجمات من الفصائل الموالية لتركيا.

وقالت في بيان « صباح اليوم، وبدعم من خمس طائرات مسيرة تابعة للاحتلال التركي وكذلك الدبابات والمدرعات التركية الحديثة، شنت المجموعات المرتزقة هجمات عنيفة على قرى العطشانة، السعيدين، خربة تويني، محشية الشيخ عبيد المصطفى، خربة زمالة، المسطاحة، سعيدين، تلة سيرياتيل وقرية علوش في جنوب وشرق مدينة منبج ».

وأكدت أن عناصرها تمكنوا من « إفشال جميع الهجمات » وقتل مقاتلين من الفصائل الأخرى وتدمير آليات عسكرية.

وبالتوازي مع شن هيئة تحرير الشام وفصائل موالية لها هجوما مباغتا في 27 نوفمبر من معقلها في شمال غرب سوريا أتاح لها إطاحة حكم الرئيس بشار الأسد، شنت فصائل موالية لأنقرة هجوما ضد القوات الكردية، انتزعت خلاله منطقة تل رفعت ومدينة منبج من الأكراد.

ولا تزال قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على مناطق واسعة من شمال شرق سوريا وجزء من محافظة دير الزور (شرق)، وخصوصا الضفة الشرقية لنهر الفرات. تخضع هذه المناطق للإدارة الذاتية التي أنشأها الأكراد في بداية النزاع في سوريا عام 2011 بعد انسحاب القوات الحكومية من جزء كبير منها.

وما بين 2016 و2019، نفذت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، ونجحت بفرض سيطرتها على منطقتين حدوديتين واسعتين داخل سوريا.

والتقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، الإثنين، وفدا من قوات سوريا الديمقراطية، على ما أفاد مسؤول مطلع وكالة فرانس برس، الثلاثاء، مشيرا إلى أن المحادثات كانت « إيجابية » في أول لقاء بين الطرفين.

كلمات دلالية الأكراد تركيا سوريا

مقالات مشابهة

  • الطيران الأمريكي يقصف شرق مدينة صعدة شمال اليمن
  • وسائل إعلام يمنية: غارات أمريكية بريطانية تستهدف مدينة صعدة
  • سوريا: ضبط مستودع ذخيرة في حمص تابع لـ فلول الأسد
  • استشهاد 7 فلسطينيين بينهم 4 أطفال في غارة إسرائيلية على مدينة غزة
  • 24 قتيلا في معارك بين فصائل موالية لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية
  • المرصد السوري: سقوط 24 قتيلا في معارك بين قسد وفصائل مسلحة في منبج
  • حقيقة تعرض الرئيس السوري السابق بشار الأسد لمحاولة إغتيال في روسيا (التفاصيل الكاملة)
  • مادورو يحذر من "إرهاب رقمي" شلّ المجتمع السوري
  • إعادة بناء الجيش السوري.. مهمة معقدة في مرحلة ما بعد الأسد
  • عن طريق السم.. محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس السوري بشار الأسد