في وقت حساس تعيش فيه سوريا أوضاعًا معقدة، تصدرت الأوضاع الميدانية في شمال البلاد مباحثات دولية، حيث كانت الأزمات المتزايدة محورًا رئيسيًا في اتصالات أمريكية وتركية، وسط تحذيرات من زيادة التصعيد وتأثيراته على الاستقرار الإقليمي والدولي. 

ومع تزايد التوترات على الأرض، دعت القوى الدولية إلى ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لوقف التصعيد العسكري وتجنب دخول المنطقة في دوامة جديدة من العنف.

دعوات للحد من التصعيد وحماية المدنيين

في ظل التصعيد المستمر في شمال سوريا، أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اتصالًا هاتفيًا مع نظيره التركي هاكان فيدان لمناقشة الوضع الأمني في المنطقة. وأوضح بيان للخارجية الأمريكية أن بلينكن أكد خلال الاتصال على "أهمية وقف التصعيد" و"حماية أرواح المدنيين والبنى التحتية" في ظل الهجمات الواسعة التي شنتها فصائل مسلحة على مناطق عدة في شمال سوريا، مما أسفر عن تقدم ميداني لفصائل المعارضة، لا سيما في محافظة حلب.

وفي خطوة إضافية، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أيضًا اتصالات مع عدد من نظرائه في المنطقة، حيث بحث مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان التطورات في سوريا، كما تناول مع نظيره العراقي فؤاد حسين الأزمة ذاتها. هذه المشاورات الدبلوماسية تأتي في وقت يشهد فيه الشمال السوري مزيدًا من التصعيد العسكري الذي يهدد بزيادة تعقيد الوضع في البلاد.

وعلى الأرض، شهدت محافظة حلب، في شمال غرب سوريا، تصعيدًا عسكريًا كبيرًا، حيث شنت فصائل مسلحة هجومًا واسعًا، ما أسفر عن تقدم ميداني لها في عدة قرى وبلدات. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد تمكنت الفصائل المسلحة من السيطرة على عدد من المناطق، ما جعل مدينة حلب ثاني أكبر مدينة في سوريا بعد دمشق، خارج سيطرة الحكومة السورية للمرة الأولى منذ بداية النزاع في 2011.

ومع استمرار الهجمات، أظهرت التقارير العسكرية السورية أن الجيش السوري قد تمكن من تحقيق تقدم ملحوظ في ريف حماة بعد وصول تعزيزات عسكرية ضخمة، حيث أعلن الجيش السوري عن استعادة السيطرة على مناطق من ريف حماة الشمالي بعد وصول قوات إضافية مجهزة بالأسلحة الثقيلة وراجمات الصواريخ.

وأمام التقدم الكبير الذي أحرزته الفصائل المسلحة، بدأت إيران في إرسال تعزيزات عسكرية لدعم الحكومة السورية في مواجهة التحديات المتزايدة. وأفاد مصدر عسكري سوري بعبور قوات من الحشد الشعبي العراقي، المدعوم من إيران، إلى سوريا عبر معبر البوكمال العسكري، حيث توجهت هذه القوات إلى مناطق شمال سوريا لتعزيز خطوط التماس مع الفصائل المسلحة في ريف حلب وإدلب.

ويشير الخبراء إلى أن هذا التحرك يعكس الدعم الإيراني المستمر لنظام بشار الأسد، ويعزز الوجود العسكري الإيراني في سوريا، الذي يشهد تصاعدًا منذ بداية النزاع. وأكد مصدر سياسي إسرائيلي أن طهران بدأت في تعزيز وجودها العسكري في سوريا في محاولة لمساعدة الأسد على التصدي للهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة، خاصة تلك المدعومة من تركيا والمعارضة للنظام السوري.

التحركات الإسرائيلية والقلق من التوسع الإيراني

من جانب آخر، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن حزب الله اللبناني قد بدأ في نقل بعض قواته من لبنان إلى سوريا بهدف حماية المنشآت الإيرانية في البلاد، ما يضيف بعدًا جديدًا للصراع ويزيد من التوترات على الحدود الشمالية لإسرائيل. وقال مسؤولون إسرائيليون إن التصعيد في سوريا قد يؤدي إلى تهدئة مؤقتة على الحدود الشمالية لإسرائيل، لكن في المقابل، يخشون من أن تستغل إيران الوضع لزيادة وجودها العسكري في سوريا.

وعلى الصعيد الدولي، يواصل المجتمع الدولي دعوته إلى خفض التصعيد في سوريا. وتدعو العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، إلى ضرورة وقف الأعمال القتالية والتركيز على الحلول السياسية لإنهاء النزاع المستمر منذ أكثر من عشر سنوات. وتزداد المخاوف من أن يؤدي التصعيد العسكري إلى مزيد من الدمار في سوريا، إضافة إلى تداعياته السلبية على الأمن الإقليمي والإنساني في المنطقة.

وتشهد سوريا في الوقت الراهن تصعيدًا ميدانيًا خطيرًا يعكس استمرار النزاع المستمر منذ 2011، ويضيف أبعادًا جديدة إلى الأزمة المعقدة. ففي ظل الهجمات المتزايدة في الشمال السوري، والوجود العسكري المتنامي للقوى الأجنبية، تبقى الدعوات الدولية لخفض التصعيد وحماية المدنيين هي الأمل الوحيد لتجنب المزيد من العنف وتدهور الوضع الإنساني. يبقى السؤال قائمًا حول كيفية إدارة هذا التصعيد والحد من تداعياته على المستوى الإقليمي والدولي في ظل الظروف الحالية المعقدة.

وفي هذا السياق، أشار أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور طارق فهمي، إلى أن الأوضاع في سوريا تشهد تغييرات قد تكون لها تداعيات كبيرة على الأمن الإقليمي والدولي، خصوصًا مع تقدم "هيئة تحرير الشام" إلى مطار حلب، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة قد تؤثر بشكل بالغ على مستقبل البلاد.

وأضاف فهمي في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن المناطق الشمالية، بما في ذلك حلب وإدلب وحماة، تشهد صراعًا عسكريًا متزايدًا قد يؤدي إلى تغيير الخريطة العسكرية في سوريا. وأضاف أن هذا التصعيد قد يمتد ليشمل مناطق أخرى مثل اللاذقية وحمص، في وقت يبدو فيه أن "نظام سوريا البيضاء" أو ما يعرف بالنظام في شمال غرب سوريا، لن يكون له تأثير يذكر في المشهد الحالي.

أشار فهمي إلى أنه في ظل الوضع الحالي، يمكن تصور سيناريوهين رئيسيين. الأول هو "سقوط المدن السورية تباعًا"، في ظل غياب دور حاسم من القوى الإقليمية مثل إيران وحزب الله، رغم دعمهم للنظام السوري. الثاني يتمثل في "الإنهاك التدريجي للطرفين"، مما قد يؤدي إلى إضعاف الأطراف الفاعلة في النزاع، ويتطلب التعاون مع القوى الإقليمية مثل تركيا.

وأكد فهمي أن التصعيد العسكري الحالي قد يترتب عليه نتائج سلبية على المدى القريب، مشيرًا إلى صعوبة التنبؤ بقدرة النظام السوري على الصمود في وجه الضغوط. كما أضاف أن التوترات الحالية تضع النظام أمام تحديات معقدة، حيث تزداد التدخلات الإقليمية والدولية، مما يزيد من تعقيد الوضع في سوريا والمنطقة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: سوريا شمال سوريا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن المزيد المزيد التصعید العسکری الفصائل المسلحة فی سوریا فی شمال

إقرأ أيضاً:

إيران تحذر قيادة سوريا الجديدة: الوضع لن يبقى هكذا

قال قائد فيلق الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، اليوم الاثنين، إنه على الرغم من أن "أعداء" إيران قد نجحوا في سوريا، فإن الوضع سيتغير، وذلك في آخر تصريحات معادية من السلطات الإيرانية ضد القيادة الجديدة لسوريا.

ونقلت وسائل الإعلام الحكومية عن سلامي، قوله: "في سوريا ... حقق الأعداء أهدافهم، لكن الوضع لن يبقى على هذا النحو".

وأضاف: "يمكن لصواريخنا أن تضرب أي هدف في المنطقة والتغلب على دفاعات العدو المضادة للصواريخ".

وكانت إيران حليفا رئيسيا للرئيس السوري السابق بشار الأسد، الذي أطاحت به قوات المعارضة في ديسمبر. وكان سقوطه بمثابة نكسة كبيرة لإيران.

إيران تكشف عن صاروخ "اعتماد".. رسالة تهديد إلى إسرائيل قبل ذكرى الثورة الإسلامية | تقريرإسرائيل تزعم مواصلة تمويل إيران لفصائل لبنان بحقائب مليئة بالنقدوزير خارجية إيران يزور قطر للقاء قادة حماسوزير خارجية إيران: طهران لم تتلق رسالة من ترامب بخصوص المفاوضات

ومنذ سقوط الأسد، أدلى كبار المسؤولين الإيرانيين مرارا وتكرارا بتصريحات معادية تجاه قيادة سوريا الجديدة.

وبعد أسبوعين من سقوط الأسد في 8 ديسمبر، توقع المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، صعود "مجموعة قوية ومشرفة" في سوريا-على نطاق واسع على أنه إشارة إلى أن طهران تخطط لإنشاء قوة وكيل جديدة في البلاد.

وأثار خطاب إيران انتقادات من الجامعة العربية، التي أصدرت بيانًا في نفس الشهر لرفض "التصريحات الإيرانية التي تهدف إلى تأجيج الفتنة بين الشعب السوري".

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي يواصل التصعيد العسكري في الضفة
  • البطريرك يوحنا العاشر ناقش مع وفد القوات الأوضاع في سوريا ولبنان
  • إيران تحذر قيادة سوريا الجديدة: الوضع لن يبقى هكذا
  • روسيا تؤكد استمرار المباحثات مع سوريا لتحديد مصير قاعدتيها العسكريتين
  • ‏الرئاسة التركية: الرئيس السوري أحمد الشرع يزور تركيا غدا
  • العدو الصهيوني يُواصل عدوانه العسكري على 3 مدن شمال الضفة الغربية والمقاومة تتصدى
  • بدعم من أبرز منظّري القومية التركية.. حزب سياسي يثير انقساماً في سوريا
  • الدفاع التركية تعلن قتل 23 عمالياً شمالي سوريا
  • خبير: إسرائيل تتبنى سياسة التصعيد العسكري لمواصلة الحرب على غزة
  • قتلى وجرحى في قصف للدعم السريع على الأبيض ومخاوف من التصعيد