الملاذ الأخير للإرهاب في حلب
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
لا حديث اليوم بعد وقف إطلاق النار بجنوب لبنان، سوى هجوم فصائل الإرهاب في سوريا على مدينة حلب؛ انطلاقًا من معاقلهم بمحافظة إدلب شمال سوريا.
هذه الفصائل تم تقسيمها من قبل الروس والأتراك والإيرانيين في مفاوضات وتفاهمات "أستانة" (في كازاخستان) و"سوتشي" (في روسيا)، الى ثلاث فئات: فئة خَطِرة يجب قتلها، وفئة يُمكن الاستفادة منها، وفئة يُمكن دمجها.
ما قامت به هذه الفصائل الإرهابية من هجوم مُباغِت على حلب بإيعاز ورعاية أمريكية- تركية- صهيونية، يُمثِّل تنصلًا تركيًا واضحًا من التفاهمات مع روسيا وإيران، ورغبة تركية صهيو-أمريكية في نقل المعركة إلى سوريا؛ كحاضنٍ فعلي قوي وعُقدة لوجستية بين فصائل المقاومة بلبنان وغزة ومعها كذلك.
هذه المعركة المباغتة والمتوقعة أيضًا، ليست سوى تعويض للعدو الصهيوني ورُعاته عن نكبتهم التي تجرعوها على أيدي مقاتلي "حزب الله" في لبنان، وفشل مُخطَّطهم في هزيمته ونزع سلاحه وتشكيل حكومة موالية لهم بلبنان؛ أولى مهامها تطويق سوريا ومناصبة العداء لها، في استعادةٍ لمخطط تنصيب بشير الجميل رئيسًا على لبنان عام 1982؛ والذي شكَّل تنصيبه حينها تهديدًا مباشرًا لسوريا ومصالحها ونفوذها الإقليمي، وبالنتيجة قبولها الانضمام قسرًا إلى ركب "كامب ديفيد". ولم يقتصر الأمر على الدولة السورية وحدها؛ بل أمتد كذلك الى حليفهم الروسي والذي استشعر خطورة وجوده في حال بقي لبنان تحت رئاسة بشير الجميل المُقرَّب من الكيان الصهيوني.
لهذا كان الحل في التخلُّص من الجميل قبل تنصيبه وإعادة خلط الأوراق السياسية بلبنان لصالح سورية والحليف الروسي السوفييتي حينها. معركة حلب ليست سوى استنساخ لسيناريو بشير الجميل مع فارق الزمان والمكان وتوزيع المهام. معركة حلب اليوم بمثابة صك اعتراف من العدو الصهيوني ورعاته بهزيمتهم النكراء في لبنان، وفشلهم في تمرير مخططهم في إعادة لبنان لا يُشبه نفسه.
الإرهاب لا يعمل لنفسه ولا يعمل لوحده، فهو أجير وعميل لمشاريع غيره، وفصائل الإرهاب مُخترقة دائمًا من قبل أجهزة المخابرات المُشغِّلة لها والعدوَّة لها كذلك. لهذا لا شك أن مُخطَّطها للهجوم على حلب مكشوفٌ من قبل الجانب السوري وحلفائه، ولكن ما تلاحظ هو حجم الهجوم ونوعه وما صاحبه من ضجيج إعلامي مُنظَّم كحربٍ نفسيةٍ ولتضليلِ الرأي العام، بقصد تحقيق نصر تكتيكي واستغلال عنصر المباغتة والمفاجأة، وقد نجحت تلك الفصائل ورعاتها في تحقيق ذلك من الساعات الأولى للهجوم. واستهداف سوريا اليوم بعد فصول مُنهَكَة عاشها العدو الصهويني مع "طوفان الأقصى"، يعني اللجوء إلى الخطة (ب)، وهي استهداف الحاضن الأكبر والرئيس للمقاومة.
ما غاب أو غُيِّبَ عن ذهن العدو ومخططه هو حجم حلفاء سوريا اليوم، والذين ارتبطت مصالحهم عضويًا مع النظام والدولة في سوريا، والظاهر منهم: روسيا وإيران والعراق واليمن ولبنان ومصر والجزائر والصين وفصائل المقاومة بغزة.
فإذا علمنا بمكونات محور المقاومة ومعهم الحليف الاستراتيجي الروسي ومصلحتهم الطبيعية والمباشرة في أمن واستقرار وسلامة سوريا ووحدة ترابها، فإن الأمر يدفعنا إلى توضيح مواقف الآخرين (الإيجابي) من سوريا في هذا الظرف، مثل: الصين ومصر والجزائر.
الصين تنظر بكل ارتياب إلى المقاتلين الصينيين "الإيجور" المنضوين تحت راية فصائل الإرهاب، على اعتبار أن هؤلاء سيشكلون طابورًا خامسًا داخل الصين غدًا، وسيعملون على زعزعة الاستقرار في إقليمهم الذي يُطالب بالانفصال عن الصين وبمباركة من الغرب. كما تنظر مصر إلى سوريا على أنها من المكونات الصلبة لأمنها القومي منذ عام الوحدة 1958؛ حيث ما زالت عقيدة الجيش المصري ولغاية اليوم تعتبر الجيش السوري هو الجيش الأول، والجيش المصري هو الجيش الثاني. كما تنص العقيدة العسكرية للجيش المصري على أن سوريا هي الخندق الأول لمصر، لهذا أقامت مصر غرفة عمليات مشتركة مع الجانب السوري منذ بداية الأحداث بسوريا عام 2011.
أما الجزائر فتربطها وشائج تاريخية واجتماعية كبيرة مع سوريا، منذ زمن نفي الأمير عبدالقادر الجزائري من قبل الاستعمار الفرنسي الى دمشق عام 1855.
وفي المجمل، ومن واقع تجربة مع الإرهاب وصناعته وتصديره، فإنها ترى أن تفريخ الإرهاب في سوريا اليوم لا يمنع انتشاره ونقله الى جغرافيات أخرى وقت الحاجة، لهذا لا بُد من محاربته ومحاصرته في كل جغرافية يَنبُت فيها.
بلغة العقل والمنطق، ما عجز الغرب عن تحقيقه في سوريا منذ عام 2011، لا يمكنه تحقيقه اليوم؛ لأن لغة المعطيات اليوم تغيَّرت، وحلفاء الأمس ضد سوريا تبعثروا ولم يعد منهم سوى الأمريكي والفرنسي والتركي والصهيوني، وحلفاء سوريا في المقابل تعددوا وتكاثروا، وفصائل المقاومة قويت شوكتها واشتد عودها وتعددت جغرافياتها، مقابل خصوم أرهقتهم المواجهة، وحاصرتهم العداوات والكراهية في الإقليم والعالم.
لهذا يمكن القول إنهم يمارسون ما يشبه النحر لتلك الفصائل ويحثونهم على الانتحار؛ حيث أطلق التنكُّر التركي لتعهداته اليد للسوريين والروس والإيرانيين لخوض حرب موحَّدة ضد فصائل الإرهاب تلك، وهذه الحرب ستكون مفصلية سريعة وحاسمة، تكون خاتمة للإرهاب في سوريا، وكفيلة بإعادة وحدة التراب السوري وعودة السيادة الكاملة والاستقرار للدولة السورية وجوارها.
قبل اللقاء.. قد يكون من ضمن أهداف الرعاة لتحفيز وتحريض فصائل الإرهاب للقيام بهذا الهجوم الواسع هو نجاحهم في مهمتهم، أو التخلص منهم في ميدان المعركة، وبالتالي ضمان شرورهم بطريقة تبدو طبيعية.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل يمكن كبح جماح حزب الله في سوريا ولبنان؟
في 17 مارس (آذار)، اتفق كل من لبنان وسوريا على وقف إطلاق النار بعد اندلاع اشتباكات على الحدود الشمالية للبنان مع سوريا، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص.
عاني حزب الله من تراجع نفوذه
تُعدّ هذه الاشتباكات الأحدث في سلسلة مواجهات شهدتها الحدود السورية اللبنانية بسبب حزب الله.
وتسعى الحكومة السورية الجديدة، التي تولّت السلطة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد سقوط نظام بشار الأسد، إلى تحقيق الاستقرار في البلاد بعد 14 عاماً من الحرب الأهلية، ومع ذلك، فإن استمرار أنشطة حزب الله على الحدود يهدد مثل هذا الاستقرار.
وفي هذا الإطار، قال سيث فرانتزمان، باحث مختص بالشؤون العسكرية، في مقاله بموقع مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكي إن سوريا تمر بمنعطف حاسم، حيث زارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك دمشق في 20 مارس (آذار) للقاء القيادة السورية الجديدة، وأكد تطلع الشعب السوري إلى مستقبل أكثر استقراراً، وضرورة كبح الجماعات المتطرفة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم.
تزامن ذلك مع اضطرابات شهدتها اللاذقية في أوائل مارس (آذار)، حيث تورط موالون للأسد في استهداف قوات الأمن السورية الجديدة، مما أدى إلى ردود فعل عنيفة ضد العلويين، وسط تردد دمشق في التدخل خوفاً من تفاقم الأوضاع.
Can Syria and Lebanon Rein In Hezbollah?https://t.co/Nx1Tw95d9O
— Seth Frantzman (@sfrantzman) March 26, 2025وعلى بعد نحو 100 ميل من اللاذقية، تقع بلدة القصير السورية، التي تُعدّ بوابة إلى شمال لبنان، واستخدمها مقاتلو حزب الله خلال الحرب الأهلية السورية كنقطة عبور إلى سوريا لدعم نظام الأسد. ورغم تغيّر المشهد السياسي، لا يزال الحزب يحتفظ بقوات مسلحة كبيرة في لبنان، مسخراً ترسانته العسكرية ليس فقط ضد إسرائيل، بل أيضاً لترهيب اللبنانيين وتعزيز نفوذ الأسد، في ظل استمرار ارتباطه الوثيق بإيران.
تراجع النفوذ الإيراني وسقوط الأسدوعندما سقط نظام الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024، شكّل ذلك انتكاسة كبيرة لحزب الله. وجاء هذا التطور في وقت كانت إسرائيل قد كثّفت فيه ضرباتها ضد الحزب، بعد أشهر من القتال بين سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
ورفعت إسرائيل مستوى عملياتها العسكرية ضد حزب الله بعد أن رفض الأخير وقف هجماته عليها، حيث كان يدعم حماس في غزة وأطلق آلاف الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
في هذا السياق، تولّى أحمد الشرع السلطة في سوريا، وشكّلت معارضته لحزب الله والنفوذ الإيراني ضربة لطهران، إذ فقدت أحد أهم ممراتها البرية الاستراتيجية.
ويسعى الشرع إلى توحيد البلاد، وترسيخ صورته كقائد حديث لسوريا الجديدة، حيث استقبل دبلوماسيين غربيين، وقام بزيارات رسمية إلى تركيا وعدد من الدول العربية، فضلاً عن إبرامه اتفاقاً مع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في شرق البلاد.
حزب الله في مواجهة ضغوط متزايدةيبدو أن حزب الله يسعى لإفشال جهود الحكومة السورية الجديدة. فقد ضبطت دمشق في الأشهر الأخيرة عدة شحنات أسلحة كان يُعتقد أنها موجهة إلى حزب الله.
5. Americans and Israelis, along with many Lebanese, will believe that the moment has come to pry Lebanon from the orbit of Iran, Syria and the resistance front. The search for an alternative Lebanese leadership has begun. The problem will be that the Christian and Sunni leaders… pic.twitter.com/iMH0KPp2G1
— Joshua Landis (@joshua_landis) September 28, 2024كما أن الاشتباكات التي اندلعت بالقرب من القصير تأتي ضمن هذا السياق، حيث قام مقاتلو الحزب بقتل أفراد من قوات الأمن السورية، ما يزعزع استقرار الحدود بين البلدين.
وهذه الاستراتيجية هي ذاتها التي يعتمدها حزب الله في جنوب لبنان لتهديد إسرائيل. ولكن، على عكس جنوب لبنان، لا يمكن لحزب الله الادعاء بأنه "يقاوم الاحتلال" في سوريا، إذ أن العديد من السوريين يعدونه أحد الأطراف المسؤولة عن معاناتهم خلال الحرب الأهلية.
وإذا استمرت المواجهات بين حزب الله والحكومة السورية الجديدة، فقد يدفع ذلك دمشق إلى الاعتماد على ميليشيات متطرفة أخرى، مثل تلك التي هاجمت العلويين في اللاذقية.
كما قد يؤدي ذلك إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، خصوصاً مع إيران أو روسيا، اللتين كانتا داعمتين للأسد وما زالتا تحتفظان بمصالح كبرى في سوريا. على سبيل المثال، تمتلك روسيا قاعدة عسكرية في اللاذقية، ومن غير الواضح ما إذا كانت موسكو ستتدخل بشكل مباشر في النزاع المستجد.
علاوة على ذلك، فإن عدم قدرة الحكومة السورية على ضبط حدودها سيُعقّد جهودها في مكافحة تهديدات تنظيم داعش، كما قد يعرقل تعاونها مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في دمج القوى الأمنية والفصائل المسلحة المختلفة داخل البلاد.
آفاق المستقبلتمرّ سوريا بمرحلة حساسة. فالعديد من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران تواجه ضغوطاً متزايدة في المنطقة. على سبيل المثال، بدأت الولايات المتحدة في منتصف مارس (آذار) بشنّ ضربات جوية ضد ميليشيا الحوثيين، المدعومين من إيران، في اليمن.
في الوقت نفسه، يعاني حزب الله من تراجع نفوذه، في وقت شهد فيه لبنان انتخاب رئيس جديد ورئيس وزراء قد يكونان قادرين على كبح نفوذ الحزب داخلياً.
وفي العراق، يبدو أن الميليشيات الموالية لإيران تعاني من انقسامات داخلية غير مسبوقة، ومن ناحية أخرى، شنت إسرائيل هجوماً عسكرياً جديداً ضد حماس في 18 مارس (آذار)، مما زاد من تعقيد المشهد الإقليمي.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: إذا مارست الولايات المتحدة وحلفاؤها ضغوطاً على لبنان من أجل كبح جماح حزب الله ومنع المزيد من الاشتباكات مع سوريا، فقد يسهم ذلك بشكل كبير في تعزيز استقرار دمشق، وتقليل مخاطر تصاعد التطرف في المنطقة، وربما رسم ملامح جديدة للتوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.