قال الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية، إن: "ما يحدث في سوريا مؤخرًا، ومن قبلها فلسطين يؤكد أننا في أمسِّ الحاجة إلى أقلامٍ وأصوات تعمل على إصلاح الموازين، خاصة في ظل ما تقوم به الآلة الصهيونية من جهود للسيطرة على الأدوات الإعلامية وتزييف الحقائق. لكن هذه الجهود ستذهب هباءً بوجود إعلاميين وصحفيين من أصحاب الخبرة والوعي يقومون ببناء الوعي الصحيح في مقابل آلات الهدم والتزييف.

"

جاء ذلك خلال لقاء عقده ، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، مع مسؤولي الملف الديني من مندوبي ومحرِّري الصحف والمواقع الإلكترونية.

وناقش اللقاءُ استراتيجية دار الإفتاء والأمانة العامة وأولوياتها خلال الفترة المقبلة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

عبر الدكتور نظير عيَّاد عن سعادته بهذا اللقاء، مؤكدًا أن الإعلام يشكل أداة محورية لنقل صحيح الدين وبناء الوعي، قائلًا: "الإعلام يعدُّ أداةً فعَّالة ننظر إليها كصوت للحق، وهي مسؤولية كبيرة تؤجرون عليها في الدنيا والآخرة، خاصة مع تسارع الأحداث في المنطقة العربية".

وأشار مفتي الجمهورية إلى أهمية الشراكة مع الإعلاميين والصحفيين لتحقيق رسالة بناء الوعي، داعيًا إلى تقديم إعلام صادق ونزيه قادر على مواجهة التزييف الإعلامي الذي تمارسه بعض القوى.

مفتي الجمهورية في جلسه حوارية مع صحفيي الملف الدين

وتابع مفتي الجمهورية مؤكدًا أهمية تكاتف الجهود الإعلامية والمؤسسية لإيصال رسالة دار الإفتاء في بناء الوعي وتصحيح المفاهيم المغلوطة، مشددًا على أن: "دار الإفتاء ستواصل البناء على ما تم إنجازه خلال السنوات السابقة، ونعمل معًا على تحقيق الأهداف التي تخدم الوطن والمجتمع."

وأوضح المفتي أن الدار ستعمل خلال الفترة المقبلة على إعادة منظومة القيم الأخلاقية، مشيرًا إلى أن الأزمة الأخلاقية تعد أساس المشكلات التي تواجه المجتمعات، مضيفًا: "الإنسان هو محور الرسالات السماوية، ولهذا ستتركز الجهود على القضايا التي تمس المواطن مباشرة، مع التركيز على القيم الدينية والإنسانية التي تلبي احتياجات الواقع دون أن تصطدم مع أصول الدين."

مفتي الجمهورية في جلسه حوارية مع صحفيي الملف الدين

كما تحدث عن أهمية الاستفادة من الفضاء الرقمي باعتباره ضرورة حياتية وأداة تواصل فعالة مع الشباب، موضحًا أن: "دار الإفتاء تمتلك الوسائل والأدوات التي تمكنها من أن تكون رائدة في هذا المجال، وسنعمل على تطوير هذه الإمكانات لخدمة قضايا المجتمع."

وأضاف فضيلته: "السوشيال ميديا من أهم الأدوات التي لا يمكن غض الطرف عنها، وهي واحدة من نعم الله، لكن الإشكالية ليست فيها ولكن في سوء استخدام هذه النعمة."

وأكَّد الدكتور نظير عياد أنَّ دار الإفتاء المصرية تسعى إلى بناء شراكات داخلية وخارجية مع المؤسسات الدينية ممثلة في الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والكنيسة المصرية إلى جانب المؤسسات الأخرى. وقال: "من غير المقبول أن تعمل كل مؤسسة بمعزل عن الأخرى في ظل التحديات التي نواجهها."

وتناول فضيلته الجهود التي تقوم بها بعض إدارات ووحدات الدار النوعية، مثل "مركز سلام"، موضحًا أنه يهدف إلى مواجهة التطرف والإسلاموفوبيا من خلال منظومة معرفية متكاملة تشمل رصد وتحليل الخطاب المتطرف، وإعداد برامج تدريبية، والتعاون الدولي مع مراكز أبحاث ومؤسسات متخصصة. وأضاف: "لدينا الرغبة في أن يكون لمركز سلام مراكز فرعية داخل مصر وخارجها لمحاصرة الأفكار المتطرفة التي يمكن أن تستغل."

مفتي الجمهورية في جلسه حوارية مع صحفيي الملف الدين

وحول فوضى الفتاوى وجهود الدار لمواجهة هذه الأزمة، قال فضيلة المفتي: "يجري حاليًّا تعاون وتنسيق بين الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف المصرية لوضع إجراءات ودراسة فكرة مقترح قانون لتجريم الفتوى من غير المختصين. نعمل حاليًّا على دراسة مشتركة لكيفية مواجهة فوضى الفتاوى وتنظيم من له حق القيام بهذه المهمة."، وكل هذا من خلال تعاون جاد بين المؤسسات الدينية وتحت مظلة الأزهر الشريف بقيادة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب -شيخ الأزهر-.

وأشار فضيلته إلى مشروع "المؤشر العالمي للفتوى"، مؤكدًا أنه يمثل مبادرة رائدة لرصد اتجاهات الفتاوى عالميًّا وتحليلها لمواجهة التطرف الفكري. وقال: "الدار تسعى خلال المرحلة المقبلة إلى التوسع في قياس مؤشر الفتوى في أماكن عدة وذلك لإصدار تقارير دقيقة تساعد في الوقوف على مواطن التشدد والتطرف ومن ثم معالجة القضايا المعاصرة."

كما استعرض الدكتور نظير عياد جهودَ الدار في دعم استقرار الأسرة المصرية من خلال مركز الإرشاد الزواجي، الذي يقدم جلسات إرشادية وحملات توعية للمُقبلين على الزواج. وأشار أيضًا إلى وَحدة حوار التي تهدُف إلى معالجة القضايا المجتمعية وإجراء مراجعات فكرية تسهم في تعزيز الوعي، وذلك من خلال تفنيد أقوال الجماعات المتطرفة والكشف عن خلفياتها وأسبابها وطرق علاجها وعرض ذلك من خلال حوار علمي هادئ على صفحات ومنصات دار الإفتاء المصرية ومناقشات هادئة متزنة.

مفتي الجمهورية في جلسه حوارية مع صحفيي الملف الدين

كما تحدث فضيلته عن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم والمراكز والوحدات الموجودة بها والتي تكشف عن عمق رؤية وسرعة معالجة القضايا والمستجدات.

وفي ختام اللقاء، أعلن فضيلة الدكتور نظير عياد عن تنظيم دار الإفتاء ندوة دولية تحت عنوان: "الفتوى وتحقيق الأمن الفكري"، يومَي 15 و16 ديسمبر الجاري، برعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي. تهدف الندوة إلى مناقشة دور الفتوى في إرساء دعائم الأمن الفكري ومواجهة التحديات المعاصرة.

وأكَّد فضيلته أنَّ هذه الفعالية تأتي ضمن رؤية دار الإفتاء لتعزيز دَور الفتوى في بناء الوعي المجتمعي ومواجهة الفكر المتطرف.

اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية: تكنولوجيا التواصل الحديثة مزقت الأواصر والتعاون بين الناس

مفتي الجمهورية ينعى شقيقة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب

مفتي الجمهورية يزور معهد أذربيجان للعلوم الدينية

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية دار الإفتاء المصرية الدکتور نظیر عیاد دار الإفتاء بناء الوعی من خلال

إقرأ أيضاً:

بحضور مفتي الجمهورية...الأنبا إرميا والدكتور محمد أبو زيد يناقشان "الفتوى والعيش المشترك"

عَقد جناحُ دار الإفتاء المصرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب -اليوم الإثنين- ندوةً جديدة بعنوان "الفتوى والعيش المشترك"، بحضور فضيلة الدكتور نظير مُحمَّد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، حيث شارك فيها كلٌّ من نيافة الأنبا إرميا، الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأُرثوذكسي، والأمين العام المساعد لبيت العائلة، وفضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو زيد الأمير، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف والمنسق العام لبيت العائلة المصرية، وشهدت حضورًا مكثفًا من قِبل روَّاد المعرض وعدد من الباحثين والإعلاميين.
وفي معرض الندوة عبَّر فضيلةُ المفتي في كلمته عن شُكره وترحيبه بنيافة الأنبا إرميا والدكتور محمد الأمير، مؤكدًا أهميةَ هذا اللقاء الذي يعكس روح التفاهم والتعايش بين أبناء الوطن الواحد.
وأشار فضيلته إلى العلاقة الوثيقة التي تجمعه بنيافة الأنبا إرميا، موضحًا أن هذه العلاقة ليست مجرد صداقة شخصية فحسب، بل تتجاوز ذلك لتجسد تعاونًا مشتركًا بين المؤسستين الدينيتين الإسلامية والمسيحية، وأكد أن كلتا المؤسستين تقومان بدَورهما الوطني في مواجهة تحديات الواقع الاجتماعي، وتعزيز قيم السلام والمواطنة.
وتطرق الدكتور نظير مُحمَّد عيَّاد إلى الدَّور الذي تقوم به دار الإفتاء المصرية في تصحيح المفاهيم الدينية بما يتماشى مع طبيعة الناس وظروفهم، مع الالتزام بأصول الدين، وأوضح أن الفتوى الرشيدة هي التي تحقق التوازن بين الحفاظ على تعاليم الدين ومراعاة العَيْش المشترك بين أبناء الوطن.
كما شدَّد فضيلتُه على أن التاريخ الإسلامي شهد لقاءاتٍ هامةً تعكس روح التلاحم بين المسلمين والمسيحيين، مثل اللقاء الذي جمع المسلمين بالمسيحيين في الحبشة خلال عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ووثيقة المدينة المنورة، فضلًا عن أمثلة متعددة عبر عصور الإسلام المختلفة، وأكد أنَّ أيَّ فتوى تخالف هذه المبادئ ليست من الدين في شيء، بل تعود إلى فهم خاطئ من قِبَل أصحابها.
وفي ختام كلمته، وجَّه الدكتور نظير مُحمَّد عياد شكره لنيافة الأنبا إرميا والدكتور الأمير، داعيًا الله أن يديم روح المودة والرحمة بين الجميع، وأن يسود الخير والسلام لما فيه مصلحة الوطن والعباد.
من جهته بدأ نيافة الأنبا إرميا -الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي والأمين العام المساعد لبيت العائلة- كلمته بقوله: "باسم الإله الواحد الذي نعبده جميعًا"، موجِّهًا الشكرَ لفضيلة المفتي والحاضرين، وأشار إلى أن مسئولية الفتوى هي مسئولية الأمن والسلام في المجتمع، موضحًا أنه عندما تصدر الفتوى من شخصٍ سَوِيٍّ فإنها تأتي بالصورة المناسبة التي يقدمها الدين؛ مما يؤدي إلى بناء المجتمعات وازدهارها، أمَّا البلاد التي تفشَّت فيها الفتاوى غير السليمة فإن مصيرها إلى الزوال.
وتناول الأنبا إرميا مفهومَ "العيش المشترك" الذي دعت إليه الأديان السماوية من خلال ثوابت مشتركة، فقال: "جاء في المسيحية: اطلبوا السلام واسعوا وراءه، وطوبى لصانعي السلام، وإن سلمتم على إخوانكم فقط فما الذي تصنعون؟ فالسلام يجب أن يكون حتى مع الأعداء، فكيف بشركاء الوطن؟"، وأكد أن المسيحيين يسعون دائمًا للعيش السلمي المشترك.
أما في القرآن الكريم، فقد ورد اسم الله "السلام" في سورة الحشر، وجاء الأمر بالدخول في السِّلم كافة في سورة البقرة. وأشار إلى أن الله خلق الناس جميعًا مختلفين في المعتقدات والأجناس والمفاهيم ليعيشوا في تعاون ومحبة، مستشهدًا بقوله تعالى: {لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]، كما ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفشوا السلامَ بينكم»، موضحًا أن القرآن أَولى اهتمامًا خاصًّا بالتعامل مع أهل الكتاب، مستدلًّا بقوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113].
واستشهد نيافة الأنبا بما قاله الدكتور حمدي زقزوق رحمه الله عن الرحمة والرأفة التي زرعها الله في قلوب أتباع السيد المسيح عليه السلام، مستدلًّا بقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً...} [الحديد: 27]، وقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82].
وتطرَّق الأنبا إلى أهمية ضبط الحماس الديني، مستشهدًا بقول الله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22]، وبقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99]، وكذلك: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]. كما أشار إلى الآية التي تعطي الحق في الدفاع عن الوطن والدين والعرض: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].
وفي سياق الندوة، أضاف الأنبا إرميا أن الجهود المشتركة في بيت العائلة قد أثمرت تعزيزَ قِيَم التفاهم والتعايش المشترك بين أبناء الوطن، مشيرًا إلى بعض الإشكاليات التي ظهرت خلال هذا المسار، وأوضح أن الأجيال الحالية قد لا تدرك كيفية زرع الفتن كما ورد في كتاب هنري كيسنجر الذي تطرق إلى خطط تقسيم البلاد العربية بهدف تفتيتها، بما في ذلك السعي إلى إحداث انقسامات بين السُّنَّة والشيعة والمسلمين والمسيحيين.
وأشاد الأنبا بفِطنة الإمام الأكبر وتنبُّهه للخطر القادم، مؤكدًا صعوبة التغلب على ما زُرع في عقول الناس من عداوات تاريخية.
وتذكَّر الأنبا قول الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46]، وقوله: {وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} [العنكبوت: 46]، إلى جانب الإشارة إلى الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم ونصارى نجران، وما حدث من سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما امتنع عن الصلاة في الكنيسة حتى لا يأتي من بعده من يحاول الاستيلاء عليها.
وأكَّد الأنبا أن من بين الإشكاليات حالة النفور بين الشيخ والقسيس، والتي تم تجاوزها بتقريب وجهات النظر وتغيير الفكر المترسِّخ وبناء صداقات متينة بينهما، وذكر كذلك أن سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما استعان بطبيب نصراني؛ ما يعكس حالة التعاون بين المسلمين والمسيحيين منذ القدم، كما استشهد بتكليف ابن طولون لمهندس قبطي ببناء المسجد، مشيرًا إلى أن هذا الوعي بالتعاون المشترك ضروري لاستقامة أحوال البلاد وتنميتها، والحفاظ عليها من التفكك والانهيار.
وفي إطار الندوة، أشار الأنبا إرميا إلى ذكاء عمرو بن العاص عندما دخل مصر، حيث تمكن من التعامل مع الانشقاق بين الأقباط والرومان الذين حاولوا استمالته تحت نفوذهم، لكنه أدرك تلك المحاولة بحنكة، وبعد انتهاء الحرب، وجد أحد القساوسة هاربًا من كرسيه البابوي، فأعطاه كتاب أمان وأعاده إلى مقره بعد غياب دام سنوات.
وأكد الأنبا إرميا أن مصر كانت وما زالت دولة تعددية تستقبل الثقافات والأديان المختلفة، مشيرًا إلى دخول الأنبياء إلى مصر مثل: إبراهيم، ويوسف، وموسى، وعيسى عليهم السلام، بالإضافة إلى رحلة هروب المسيح مع أمه مريم العذراء، كما استعرض مكانةَ السيدة مارية القبطية في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واستشهد بقوله تعالى في سورة يوسف: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99]، إلى جانب النصِّ الوارد في الكتاب المقدس: "مبارك شعبي مصر".
وأشار إلى لفتة احترام وتقدير من المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، حيث تم طباعة كلمة فضيلة مفتي الجمهورية ضمن منشورات المركز الثقافي، وفي حديثه عن بناء الإنسان أوضح الأنبا إرميا أن الأديان السماوية جاءت للحفاظ على الإنسان وتعزيز قِيَم التعامل الإنساني للوصول به إلى بر الأمان، وأكد أن الأديان جميعها تتفق على أهمية بناء الإنسان وتنميته ليحيا حياة سعيدة.
كما أشار إلى أن السيد المسيح جاء ليبارك الأسرة ويرفض الانحرافات الأخلاقية، وهو ما أيده القرآن الكريم، وبيَّن الأنبا إرميا أن هناك مشتركات بين الرسالات السماوية تهدف إلى بناء الإنسان وتطويره، واختتم بالدعوة إلى إبراز هذه المبادئ والقِيَم المشتركة ونشرها، مؤكدًا على ضرورة تكاتف أبناء الوطن لتحقيق التقدم والنهضة رغم الاختلافات.
كما تحدَّث فضيلة ا الدكتور محمد أبو زيد الأمير، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف والمنسق العام لبيت العائلة المصرية، موضحًا أن مصر دائمًا كانت حريصة على تعزيز روح المواطنة، ليس فقط من خلال التشجيع عليها بل من خلال ترسيخها بين كافة أبناء الشعب المصري دون النظر إلى الدين أو اللون أو الجنس، وهذا نابع من إيمان مصر بأن الدين لله والوطن للجميع، وتحت هذه المبادئ يتسع الوطن لجميع أبنائه، ومن هذا المنطلق يقدِّر الأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب الكنائس المصرية، وعلى رأسها الكنيسة القبطية الأُرثوذكسية بقيادة قداسة البابا تواضروس، كما يكنُّ أبناء الكنائس المصرية للأزهر الشريف ودار الإفتاء وكافة المؤسسات الدينية التقدير والاحترام.
وأضاف أن مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي قدمت نموذجًا مثاليًّا في تحقيق التعايش السلمي والمواطنة الحقيقية، وذلك من خلال حرصها على وضع تشريعات دستورية تدعم سياسة رسمية مشتركة تهدف إلى تحقيق المساواة والتسامح والتعايش السلمي بين جميع أفراد المجتمع، وأكد أن الدستور المصري في المادة الثالثة ينص على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود هي المصدر الرئيسي للتشريعات التي تنظم شؤونهم وأحوالهم، مما يمنحهم كامل الحرية في ممارسة شعائر دينهم.
وتحدث أيضًا عن فكرة "بيت العائلة المصرية" التي طُرحت من قِبل فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، عقب أحداث كنيسة القديسين، هذه الفكرة التي لاقت قَبولًا من قداسة البابا شنودة، والتي تهدُف إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وحماية أبناء مصر؛ وبناءً على ذلك صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء بيت العائلة المصرية، وتبنى الأزهر الشريف إعلانًا عن المواطنة والعَيْش المشترك، ويستمر هذا المشروع منذ أكثر من 13 عامًا بهدف تعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء مصر.
وأشار إلى حضارة مصر العريقة التي تمتدُّ لأكثر من سبعة آلاف عام، وأن المصريين جميعًا يشتركون في هذه الحضارة العظيمة، كما تحدث عن العائلة المقدسة التي مرَّت بعدَّة مسارات في مصر، مثل: أسيوط وسخا والدير المعلق، مؤكدًا أن هذه المسارات تعكس عمق العيش المشترك بين المصريين على مر العصور.
وأوضح أن مفهوم "العائلة المصرية" ليس سوى صيغة حديثة للتعامل بين المسلمين والمسيحيين في مصر، مؤكِّدًا أن الشريعة الإسلامية جاءت للحفاظ على الإنسان وحمايته، بما يضمن حفظ الكليات الخمس التي تحمي الإنسان.
وفي ختام حديثه، أشار إلى أن حُرمةَ الإنسان عند الله أعظمُ من أي شيء آخر، مستشهدًا بما قاله النبي محمد صلى الله عليه وسلم حول حُرمة النفس البشرية عند طوافه حول الكعبة المشرَّفة، حينما قال صلى الله عليه وسلم موجهًا حديثه إلى الكعبة: "ما أعظمك وما أعظم مكانك! ما أطيبك وما أطيب ريحك!" ثم قال: إن حرمة الإنسان أعظم عند الله منك. 
كما أكَّد أن الإنسان هو بنيان الربِّ ملعون من هَدمه، وأن كل ما يترتب على ذلك هو الحفاظ على هذا الكيان العظيم، موضحًا أن مصر، هذا البلد الذي نعيش فيه أساسه مبني على أمر التعددية الدينية من آلاف السنين، وهذه الندوة تطبيق عملي على الواقع الحقيقي الذي يعيشه أبناء مصر، فمصر بلد التعددية، وهذه عمامة الأزهر، وهذا هو لباس الكنيسة، مؤكدًا أن مصر هي بهجة الأكوان.

مقالات مشابهة

  • بحضور مفتي الجمهورية...الأنبا إرميا والدكتور محمد أبو زيد يناقشان "الفتوى والعيش المشترك"
  • مؤكدا على دعم الدولة للمؤسسات الدينية.. تفاصيل لقاء مفتي الجمهورية ووزير المالية
  • مفتي الجمهورية يزور وزير المالية بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة
  • وزيرا خارجية تركيا والأردن يبحثان الأوضاع في سوريا وفلسطين
  • عمرو الليثي ينعي الدكتور سامي عبد العزيز: فقدنا قامة إعلامية كبيرة
  • مفتي الجمهورية: ندرس مشروعٍ يقصر الإفتاء على منسوبي المؤسسة الدينية
  • الحكومة: حزمة الحماية الاجتماعية التي يجرى إعدادها تغطي فئات المجتمع (فيديو)
  • مفتي الجمهورية السابق: مواجهة الإلحاد تتطلب إنشاء منصات إلكترونية للرد
  • مفتي الجمهورية يُشيد بموقف المصريين في رفض التهجير ودعم القضية الفلسطينية
  • مفتي الجمهورية: دار الإفتاء تسعى لتعزيز الوعي الإنساني في المجتمع