ديسمبر 2, 2024آخر تحديث: ديسمبر 2, 2024

تعاود ذكريات التلفزيون بـ(جاسم سرحان) من أهالي مدينة الصدر، وكيف شرف هذا الجهاز المبهر – في وقته – البيت بعدما كان هو ومجموعة من أطفال المحلة يفترشون الأرض عند بيت جيرانهم (أبو محمد) وهو من القلائل الذين احضروا التلفزيون إلى منازلهم.

يقول سرحان ” كان الجهاز بالأسود والأبيض، يُوضع على مكان مرتفع بعدما يُغطى بقطعة قماش من القطيفة تزدانها مزهرية للورد الصناعي” ولعل وضعه على مكانٍ مرتفعٍ لحماية من عبث الأطفال، ويضيف جاسم ” كان أسعد أيام حياتي، حين كلفني هذا الجار الطيب بعملية تشغيل التلفزيون، وأصبحت مشرفاً عليه أمام أولاد المنطقة “.

بما أن التلفزيون في السابق لم يكن سوى عن قناتين محليتين، التاسعة والسابعة، كما يقول (هادي عبود) من أهالي الصدرية” كان البث مباشر من خطابات سياسية وحفلات غنائية وثقافية ليتطور إلى عرض المسلسلات والأفلام الملونة في بداية سبعينيات القرن الماضي”.

ويشير عبود إلى طقوس تلك الفترة الزمنية ” كان ليوم الجمعة فيما مضى خصوصية لدى العائلة العراقية لاسيما عند الساعة الرابعة عصراً حيث يتم عرض الفيلم العربي وعادةً ما يسود الصمت ويتسمر الجميع أمام شاشة التلفزيون مع هدوء في أنحاء المنطقة “.

لعب التطوير التكنولوجي في قلب حال صديقنا التلفزيون من مدلل الاسرة إلى من يعطف عليه بعدما كثر المنافسين له اليوم. وهذا ما ذكرهُ المهندس (حمدي وهاب) من أهالي شارع فلسطين ” وسائل الاتصال في تطوير مستمر لا يتوقف، وبدأ هذا الجهاز يفقد بعض بريقه السابق، فهناك الموبايل واللاتبتوب واي باد وغيرها دخلت على الخط مما حدي بجامع الاسرة إلى أن ينزوي في مكان ما، وأحياناً لا يعطف عليه أحد “.

ويضيف وهاب ” هنا اختلاف كبير بين تلفزيون الماضي عن الأجهزة المعاصرة حيث وسعت هذه الأخيرة حالة الانفرادية في حين كان التلفزيون في السابق وسيلة لجمع العائلة تحت ظلاله”.

كثرة أجهزة التلفزيون لا يعني الاستخدام لها المستمر كما تقول (ميعاد محسن) من أهالي الشعب ” اصبح في كل غرفة تلفزيون ، وهذه الكثرة لا تعني المشاهدة المستمرة ، بل هو لأغراض الديكور فقط ، وأحياناً يأكل بعض الأجهزة التراب دون أن تستعمل ” .

وقد تغيرالتلفزيون من حيث الشكل والحجم وأصبحت عملية التصليح أكثر سهولة كما يذكر المصلح (محمد سعدون) من أهالي المشتل ” كان التلفزيون عبارة عن صندوق خشبي أو بلاستكيكي مربع الشكل مع شاشة محدبة،أختلف اليوم، والبلازما هي المسيطرة مع تقنيات الربط الحديثة بالأنترنيت والحاسوب والموبايل”.

ويضيف ” اعتقد ان التصليح أصبح أكثر سهولة بعدما كانت الأجهزة معقدة “.

وفي نفس السياق يقول (أبو علي) من أهالي الصدرية ” تفاجأت عندما ذهبت إلى المصلح لان المبلغ التصليح المطلوب يعادل تقريبا سعر جهاز جديد، فقررت إعطاء القديم إلى أحد الدوارة وشراء تلفزيون جديد ” ويذكر كيف أن تلفزيون أهله في السابق ملَ من كثرة دخوله ورش التصليح لدرجة انه أصبح من ذوي الخبرة في عملية فتحه وإعادة تركيبه.

بعدما شغل الناس لفترة طويلة من الزمن ، التلفزيون اليوم يلفظ أنفاسه الأخيرة كما يروج له بعض الخبراء في ظل منافسة كبيرة من قبل أجهزة الكترونية متطورة يدخل منها كل يوم نوع جديد ليلغي القديم في حركة مستمرة لا تتوقف عن دوران مع كل هذا التحدي مازال هذا الجهاز السحري في وقته يحمل الكثير من الذكريات القريبة التي تتحدث عنه بنوع من التعجب والابهار.

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: من أهالی

إقرأ أيضاً:

(الدراما في زمن الحرب … الجزء الأول)

خلال إحدى زياراتي للخرطوم قبل الحرب اضطررت للوقوف امام ( بنشر ) علي مدخل كبري شمبات لمعالجة احد اطارات سيارتي ، اوقفت السيارة امام مدخل البنشر و نزلت ابحث عن العامل و لم اجده ، دخلت لداخل البنشر الذي كان عبارة عن دكان صغير فوجدت العامل راقدا علي سرير صغير داخل البنشر و رافعا اقدامه علي الارفف ، القيت عليه السلام و لم يتحرك بل ظل في ذات وضعه و قال لي ( مرحب ، مالها عربيتك ؟؟ ) حبنها اندهشت حقيقة من الاسلوب و قلت له ( عايز ارخصها ) .

هذا المشهد ليس بالغريب علينا ولا نستطيع ان نقول بانه سلوك فردي ، بل هي ظواهر و سلوكيات منتشرة في جميع بلادنا ، بداية من صاحب البقالة في الحي الذي يمتلك سرير داخل بقالته مرورا بالتجار الذين ينتهجون سياسة ( يفتح الله ) و انتهاءا” بموظفين الخدمة العامة الذين يخرجون جميعا في الصباح لزيارة زميلتهم التي انجبت مؤخرا” تاركين مراجعين المؤسسة بالعشرات في انتظار عودتهم ،
هذه السلوكيات و الظواهر التي اقعدت بلادنا ردحا من الزمان لا يمكن للدولة ان تعالجها بالقوانيين و اللوائح ، فالقانون لن يخدم ثقافة البيع و الشراء او يحسن في اداءها و لن يستطيع ان يسيطر علي التسيب و الكسل عند موظف الخدمة العامة .

كذلك مشاكلنا الاجتماعية التي تسيطر علي الساحة الآن من تفكك اسري و انتشار للمخدرات و جرائم الابتزاز و الاسرة و الطفل و جرائم المعلومات ، و كذلك آثار الحرب الاخلاقية و النفسية ، كلها يا سادتي لن يستطيع اي قانون علي وجه الارض ان يحد من انتشارها او يعالجها .
الحل يا سادتي في الدراما فقط ، الدراما هي وحدها القادرة علي نشر ثقافة البيع و الشراء و تثقيف المواطن بحقوقه القانونية و واجباته ، وحدها الدراما قادرة علي تثقيفنا سياسيا و اقتصاديا” و امنيا” .
مسلسل ( بيرزون بريك ) اشهر المسلسلات الامريكية لو اجريت بحثا” صغيرا حول اهم الممولين لانتاجه ستجد ان شبكة فوكس التلفزيونية الامريكية هي اكبر منتج للمسلسل و التي تملك الحكومة الامريكية اكبر اسهمها و اذا بحثت اكثر ستجد ان اكبر داعم لهذا المسلسل هي ( السجون ) الامريكية او المؤسسات الاصلاحية ، لماذا يا تري ؟
فقط لاجل تبصير المجتمع الامريكي بخطورة الدخول للسجون الامريكية التي يمكن ان تتعرض فيها للقتل بسهولة او للاغتصاب او ان تقضي فترة عقوبتك ك ( كمريرة) لاحد زعماء السجون حتي لو كانت تهمتك سرقة محفظة فقط .

دعكم من امريكا و لننظر لاخوتنا في شمال الوادي ، سنجد ان الحكومات المصرية كلها كانت تدفع بميزانية تقارب ميزانية التعليم لمجمع ( ماسبيرو ) او هيئة الاذاعة و التلفزيون المصري و لمدينة الانتاج الاعلامي ، هل كل هذه المبالغ كانت لدعم سياسات الانظمة الحاكمة هناك ؟
بالطبع لا ، بل كانت لانتاج مسلسلات تغرز في المواطن المصري حب بلاده و التضحية من اجلها مثال ( رافت الهجان ) و لاجل تثقيف المواطن باساليب البيع و الشراء و التسويق و لاجل توعية المواطن المصري من مخاطر الجريمة و لاجل تعليمه اسس و قواعد ادارة السياحة و التعامل مع السياح و لاجل توعيتهم بمخاطر الوجود الاجنبي و رفع مستوي الحس الامني للمواطن و لتعريف المواطن بحقوقه امام الشرطة و توعية الشرطة بواجباتها و حدود تعاملها مع المواطن مثال فيلم (هي فوضي ) و .. الخ .

الدراما المصرية درست اجيال كاملة تاريخ بلادهم و جسدت لهم شخصيات بلادهم الوطنية من جمال عبد الناصر الي انور السادات و شخصياتهم الفنية من ام كلثوم الي عبد الحليم و الموسيقار عبد اللوهاب .
قبل عدة سنوات تحدثت في مقال عن محمد احمد المحجوب و عمر الحاج موسي ، فسالتني احدي الصديقات في البوست قائلة ( ديل منو ؟؟ ) لا تثريب عليها بالطبع لان المناهج التعليمية لم توفيهم حقهم و الدراما السودانية عجزت عن تخليدهم باعمال درامية ، نحتاج لمسلسل درامي يوثق لمعركة الكرامة بشهداءها و لمسلسلات توثق ثورات اكتوبر و ابريل و لافلام تعيد لنا ارواح المحجوب و الازهري و كروما و خضر بشير ، افلام توثق لقواتنا المسلحة وهي تحرر الرهائن الامريكان من جبال بوما في اشهر عملية ادهشت العالم وقتها و نوثق لشرطتنا و مباحثنا التي كشفت اشهر الجرائم في ساعات قليلة و مخابراتنا التي قامت بعملية بدر الكبري في اكبر عملية مخابراتية شهدها العالم عندما خدعت القزافي .

افلام تحكي لنا قصص ابو داؤود و عظمة الحوت و تخبر العالم كله ان بالسودان كان هناك رجل اسمه محجوب عبد الحفيظ عندما اهتم بذوي الاحتياجات الخاصة و خصص لهم برنامج ( الصلات الطيبة ) بتلفزيون السودان لم يكن العالم وقتها قد قرر ان يخصص (باركنج ) للمعاقين .
نحتاج ان نوثق لفساد و عمالة احزابنا السياسية و ضلالهم في اكبر عمل درامي لنضمن ان الاجيال القادمة لن يخدعوها المعاقين فكريا” و نفسيا” من جديد .

في هذه السلسلة من المقالات سوف نحاول ان نعرف اسباب فشل ( الجقر ) في ( ديالا ) و نجاح ابوبكر الشيخ في ( اقنعة الموت ) فنحن من المؤمنين باهمية الدراما في المجتمع و نعلم جيداً بان الدراما ليست تسلية بل هي جزء من الحل ، فإهمال الدولة للدراما و تركها للتجار هو إهمال لا يقل خطورة عن إهمال الأمن القومي للبلاد .
نزار العقيلي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • دراسة: مشاهدة التلفزيون 4 ساعات يصيبك بالخرف والاكتئاب ومرض باركنسون
  • من النجاح للاختفاء.. كيف فقد سكايب بريقه لصالح منافسين أكثر ذكاء؟ «فيديو»
  • من النجاح للاختفاء.. كيف فقد سكايب بريقه لصالح منافسين أكثر ذكاء؟
  • تركيا.. "تيك توكر" شهير يفقد حياته بسبب تحديات الطعام
  • سلوى عثمان: المسرح له هيبته ولكن التلفزيون جذبني أكثر
  • جوارديولا: مان سيتي لم يفقد الأمل في التأهل لدوري الأبطال رغم الخسارة
  • النصر يفقد خدمات الغنام والخيبري أمام استقلال طهران في دوري أبطال آسيا
  • (الدراما في زمن الحرب … الجزء الأول)
  • الأهلي يفقد نجمه أمام الأخدود بسبب الإيقاف
  • مؤشر بورصة مسقط الأسبوعي يفقد 40.535 نقطة .. والتداول عند 18.6 مليون ريال