تشير دراسة أجراها باحثون من فريق دولي مشترك إلى أنه خلال العصر الحجري الحديث المتأخر، بين 7 و5 آلاف سنة قبل الميلاد، طوّرت المجتمعات الزراعية في منطقة الهلال الخصيب تقليد طهي معقدًا يتضمن خبز أرغفة كبيرة من الخبز و"الفطائر" بنكهات مختلفة على صوان خاصة معروفة لدى علماء الآثار باسم صواني التقشير.

وتعرف "الفوكَشْيَة" حاليا بأنها خبز إيطالي يخبز في الفرن ويغطى بالأعشاب وبعض المكونات الأخرى بشكل يشبه "البيتزا" لكن مع عدة فوارق.

وبحسب الدراسة التي نشرها الباحثون في دورية "ساينتفك ريبورتس"، كانت صواني التقشير عبارة عن حاويات ذات قاعدة بيضاوية كبيرة وحواف منخفضة، مصنوعة من طين خشن، وكانت هذه الصواني تختلف عن الصواني الشائعة في سطحها الداخلي، حيث تميزت بشقوق مرتبة بشكل متكرر ومنتظم.

وقد سمحت التجارب السابقة التي استخدمت نسخًا طبق الأصل من هذه الصواني وهياكل طهي مماثلة لتلك الموجودة في المواقع الأثرية من الفترة المدروسة للباحثين بطرح فرضية حول وظيفتها.

نسخة حالية من خبز الفوكشية (باركمان وكريستي) الكيمياء تكشف السر

وبعد فحص كيميائي لتركيب بعض المواد في شظايا خزفية من صواني التقشير التي حصل العلماء عليها من المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا، أشارت التحقيقات إلى أن أرغفة الخبز الكبيرة المصنوعة من الماء والدقيق ربما كانت تُخبز على هذه الصواني، وأنها توضع في أفران مقببة لمدة ساعتين تقريبًا عند درجة حرارة أولية تبلغ 420 درجة مئوية.

إعلان

ولكن كيف عرف العلماء أن ما يخبز في صواني التقشير كان الفوكشية وليس الخبز العادي؟ الإجابة عن هذا السؤال تظهر في تحليل العينات التي درسها الفريق البحثي، حيث تتشكل آثار تآكل العجين العادي في صورة تمزقات وقشور كبيرة على السطح الخزفي.

وعلى النقيض من ذلك، يظهر الخبز المعجون بالدهون الحيوانية أو الزيت النباتي تآكلا في شكل أسطح مستديرة، وملامح متموجة، وبقع داكنة، ما يمكن الباحثين من التمييز بين نوعي الخبز.

إلى جانب ذلك، سيطرت الأعشاب على مجموعات الحصوات النباتية المرصودة في جميع العينات، حيث بلغت حوالي 95٪ من جميع الأشكال المورفولوجية الملحوظة.

وبحسب الدراسة، فقد تميزت جميع العينات التي فحصها الفريق بوجود سلسلة من الأحماض الدهنية الحرة المشبعة طويلة السلسلة، ويشير وجود آثار بعض تلك المركبات إلى تحلل للدهون الحيوانية.

دهون وتوابل

وإلى جانب ذلك، أظهر التحليل الكيميائي امتزاج الدهون الحيوانية مع بقايا نباتية، وهو ما تم إثباته من خلال رصد كمية أعلى من "حمض اللوريك"، والذي يعد إشارة إلى وجود توابل نباتية.

وكشف التحليل الكيميائي عن وجود سلسلة من ثلاثة من "الكيتونات"، وهي مركبات كيميائية لا يمكن تفسير وجودها إلا من خلال تكسير الدهون الحيوانية في صواني التقشير بعد تسخينها في درجات حرارة مرتفعة تبلغ 300 درجة مئوية على الأقل وتصل إلى 420 درجة مئوية التي رصدتها الدراسة.

وكانت الأخاديد الموجودة على السطح الداخلي لهذه الصواني تسهل إخراج الخبز بمجرد خبزه. وعلاوة على ذلك، فإن الحجم الكبير للأرغفة، حوالي 3 كيلوغرامات، يشير إلى أنها كانت مخصصة على الأرجح للاستهلاك الجماعي.

وتقدم الدراسة أدلة واضحة فيما يتعلق بكل من استخدامات هذه القطع الأثرية وطبيعة الأطعمة المعالجة فيها، وعلى وجه الخصوص يشير تحليل الفيتوليتات (البحث عن بقايا السيليكا من النباتات) إلى أن الحبوب مثل القمح أو الشعير التي تحولت إلى دقيق، قد استخدمت في هذه الصواني، بحسب بيان صحفي رسمي صادر عن جامعة أوتونوما برشلونة.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

السوريون يعودون إلى فلسطين.. فلسطين تعود للسوريين

مع الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة الاربعاء الماضي خرجت العديد من مظاهرات الاحتفال في العديد من المدن السورية، وباتت لا تنسى مشاهد خروج أهالي دمشق وحماة ومناطق كثيرة في سوريا من تلقاء أنفسهم للاحتفال بشكل عفوي عقب إعلان وقف إطلاق النار. والمعروف أن الاحتفالات في كثير من البلاد العربية والإسلامية بصورة عفوية، لكن الفوارق في سوريا مهمة ونوعية، أبرزها:

أولها، أن هذا الشعب مكلوم رغم فرح انتصار الثورة والتحرير، ولم يتعاف بعد من معاناته وآلامه، بل أمضى الأسد الهارب ووالده نصف قرن ونيف في المتاجرة والكذب وتجويع السوريين وإفقارهم وإذلاهم باسم فلسطين، لكن على الرغم من ذلك خرجوا محتفلين بغزة ولغزة.

وثانيها، أن أمرا كهذا لم يحدث كثيرا في سوريا في سابق المواعيد خلال عهد الممانع الهارب وخاصة خلال الحروب السابقة؛ بأن يكون بهذه العفوية والحرية، ولم يحدث حتى في حروب وأحداث فلسطينية سابقة قبل الثورة أو خلالها باستثناء حالات محددة خلال تشييع القادة الفلسطينيين الشهداء كخليل الوزير وفتحي الشقاقي؛ لأن الأمر حينها كان أكبر من كل نظام الأسد.. كان الأمر في معظم الأحيان مقتصرا حينها على أهالي المخيمات الفلسطينية فقط؛ الذين يتفاعلون مع قضيتهم الأم ويكسرون جدران المتاجرة والخوف لأجل أبناء جلدتهم في فلسطين.. أما نظام الأسد المتاجر فقد كان يحول بين الشعب السوري وفلسطين ويمنعه عن الشعور بحرية تبني القضية الفلسطينية، يكفي الرعب الآتي إليهم من فرع فلسطين ويكفي الخوف من محاولة إبراز عن أي شكل من أشكال التعبير عن النفس اجتماعيا أو سياسيا، فكيف إن كان الأمر يتعلق بفلسطين.. حين زال هذا الجدار عادت الأمور لنقطة البداية في علاقة السوريين الفطرية بفلسطين وشعبها، وتحررت القلوب والعقول وبات مجال الحرية مفتوحا وبمنأى عن حسابات سياسية أو مخاوف أمنية، وتغير فهمهم للأمر وطبيعة تعاطيهم وفهمهم لعلاقتهم بفلسطين وشعبها ولكيفية التعاطي مع الاحتلال، وهو ما ظهرت مؤشرات له بعد انتصار الثورة وباتت تظهر وتُرى بشكل أوضحممنوع عليك أيها السوري في حظيرة الأسد أن تعبر عن فلسطين عفويا وبصورة شعبية أو بأي صورة إلا من خلال هذا المتاجر ووفقا لما يراه ممكنا ومناسبا. والأمر لدى هذا النظام مضاعف جدا عن بقية أنظمة العرب خاصة في ما يتعلق بفلسطين، فهو يظهر بصورة المستبد الممانع لكنه في الواقع بممارسة الجاسوس الديكتاتور؛ على عكس كل الأنظمة العربية الواضحة غالبا في الأمر، وهنا صعوبة المسألة على السوريين..

حين زال هذا الجدار عادت الأمور لنقطة البداية في علاقة السوريين الفطرية بفلسطين وشعبها، وتحررت القلوب والعقول وبات مجال الحرية مفتوحا وبمنأى عن حسابات سياسية أو مخاوف أمنية، وتغير فهمهم للأمر وطبيعة تعاطيهم وفهمهم لعلاقتهم بفلسطين وشعبها ولكيفية التعاطي مع الاحتلال، وهو ما ظهرت مؤشرات له بعد انتصار الثورة وباتت تظهر وتُرى بشكل أوضح.. نصف قرن من التعتيم والمنع للسوريين عن فلسطين الحقيقية والصحيحة التي باتت تقوم على علاقة الشعب السوري المباشرة بالشعب الفلسطيني وقضيته دون أصنام تتوسط الطريق، وصار زمام المبادرة بيد الشعب نفسه..

الحقيقة الثالثة هي أهمية موقع سوريا لفلسطين وحقيقة أن هناك أراضي سورية محتلة إسرائيليا، ما أعاد في أذهان الشعب السوري فهم وترتيب علاقته بهذا الغول المترصد لسوريا واللص الطامع بأراضيها وغير الراغب بانعتاقها ورؤيتها بخير من جهة الجنوب، فكل ما قام به الاحتلال الإسرائيلي بعد سقوط الأسد من إبطال اتفاق فض الاشتباك للعام 1974 وتوغلات وعبث وتوتير للأجواء وقصف وغارات وتدمير واستباحة للقنيطرة وريفها وريف درعا؛ ما هي إلا انتهاكات وجرائم يصعب بعدها أن يسمح السوريون بأي شكل من أشكال الشعور بأن إسرائيل شيء آخر سوى المحتل والعدو الذي تغيظه فرحة السوريين وحريتهم ولا تناسبه أن تكون سوريا موحدة أو حرة، فلا سلام أو شعور بالأمان مع من يقوم بتدمير ما تبقى من قدرات سوريا ويعفش أراضيها ويهجر سكانها.

ما كلمات أم وليد الساروت، والدة أيقونة الثورة السورية عبد الباسط الساروت، بأن الفرحة السورية ناقصة بدون فلسطين في ظل الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة ودعواتها المتكررة لجموع السوريين في الساحات ألا ينسوا دعم ونصرة فلسطين وغزة؛ إلا دليل شعبي صادق وعميق على أن عامة السوريين يرون أنفسهم فلسطينيي الانتماء بطبيعتهم، وبأن الهتاف الذي زين ساحات الثورة والمخيمات "واحد واحد واحد فلسطيني سوري واحد" هو حقيقة تراها العين
وأما الحقيقة الرابعة فهي أن طبيعة علاقة الفلسطيني بسوريا تقوم على الاندماج والانتماء التام لها جغرافيا واجتماعيا وحضاريا، وهو ما أثبتته الوقائع وآخرها الثورة السورية، واختلاط الدماء بين السوريين والفلسطينيين، والدور الكبير والتضحيات التي قدمها فلسطينيو سوريا على مذبح الحرية. وسأكرر هنا ما قاله المفكر الفلسطيني السوري الكبير أحمد برقاوي: "نحن الفلسطينيين ناسا ومجتمعا سياسيا ومدنيا ما زلنا على قناعة كاملة بأننا نحن والسوريين شعب واحد"

وهذا ما يقود إلى الحقيقة الخامسة التي تكمل فكرة برقاوي، إذ إن السوريين وبعد التخلص من الطاغوت وتحرر قلوبهم وعقولهم من الخوف والاستبداد والمتاجرة بفلسطين والحيلولة دونها، وفعله الأسدان لإشغالهم عنها بجراحهم العميقة ودمائهم الغزيرة وقتلهم وترهيبهم أمنيا وسياسيا، من قبل الأسد وإيران، إضافة إلى مسيرة الاندماج الاجتماعي الطويلة مع الفلسطينيين في سوريا، وامتلاك السوريين كل الأدلة الدامغة على أن هؤلاء الفلسطينيين هم سوريون مثلهم بالممارسة وفي كل شيء، حتى في الثورة ضد الأسد وفي بذل الشهداء والدماء بعد التحرر.

وبإدراك كل ذلك باتوا يبنون في العقلية الجمعية والممارسة وليس الخطاب والشعارات فقط؛ فكرة مفادها أن فلسطين أرضا وقضية وشعبا هي جزء طبيعي من سوريا، وما كلمات أم وليد الساروت، والدة أيقونة الثورة السورية عبد الباسط الساروت، بأن الفرحة السورية ناقصة بدون فلسطين في ظل الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة ودعواتها المتكررة لجموع السوريين في الساحات ألا ينسوا دعم ونصرة فلسطين وغزة؛ إلا دليل شعبي صادق وعميق على أن عامة السوريين يرون أنفسهم فلسطينيي الانتماء بطبيعتهم، وبأن الهتاف الذي زين ساحات الثورة والمخيمات "واحد واحد واحد فلسطيني سوري واحد" هو حقيقة تراها العين.

ربما يصح القول إن السوريين عادوا إلى فلسطين بالطريقة الصحيحة للعودة، بل عادت فلسطين إليهم.

مقالات مشابهة

  • السوريون يعودون إلى فلسطين.. فلسطين تعود للسوريين
  • «الأرصاد» تكشف طقس الإسكندرية غدا الاثنين.. كم تسجل الصغرى؟
  • شبورة ضبابية وأمطار.. «الأرصاد» تكشف تفاصيل حالة الطقس غدا
  • ضباب وشبورة كثيفة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدا
  • صقيع وبرودة ليلا.. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس اليوم الأحد
  • الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس غدا
  • شبورة كثيفة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدا
  • ناسا تكشف مفاجأة عن ارتفاع درجات الحرارة في 2024.. ما السبب؟
  • بين التجويع والإقصاء.. وثائق تكشف مجزرة حوثية تعمّق معاناة عشرات آلاف التربويين
  • مصر تكشف عن عدد الشاحنات التي ستدخل غزة من رفح يوميا