"الثورة السورية" كما عشناها مغربيا..
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
خلال هذه الأيام وأنا أتابع أحداث غزة وما تقدمه المقاومة الفلسطينية واللبنانية من بطولات وتضحيات، وجدت أن الأحداث الجارية في سوريا أثرت بشكل كبير على متابعة الوضع الفلسطيني وشوشت على وضوح الرؤية، كما هالني حجم التعاطي العاطفي مع الأحداث الجارية في سوريا.
فهل ما يحصل في سوريا هو استئناف لثورة حقيقية ضد نظام مستبد من أجل تحقيق الحرية والديموقراطية، أم إن الأمر يتعلق بجماعات مسلحة يجري توظيفها بالوكالة لخدمة أجندات إقليمية ودولية وتوزيع مراكز النفوذ فوق الأراضي السورية؟
قررت الكتابة في هذا الموضوع بعدما لاحظت حجم الحملة الدعائية الإعلامية التي ساهمت فيها شخصيات سياسية المفروض فيها التريث والتأني والامتناع عن المساهمة في التضليل الإعلامي والسياسي.
ولذلك اعتبرت من مسؤوليتي الأخلاقية أن أبسط بعض المشاهدات الميدانية التي تكشف جزءا مما نحن بصدده انطلاقا من تجربتي الشخصية كما عشتها خلال سنوات الربيع العربي وأنا رئيس لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، عسى أن تكون مفتاحا لفهم ما يجري اليوم، خصوصا بالنسبة للشباب الذي يندفع بحماسة وراء شعارات يتم استغلالها لتزوير الحقائق على الأرض.
بين احتجاجات 20 فبراير إلى الثورة السورية..
إلى جانب عدد من الشباب المغربي والتيارات المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية نزلت يوم20 فبراير سنة 2011 للمطالبة بالإصلاح، وكانت آمالنا وأحلامنا متعلقة بما يجري في الأقطار العربية الأخرى، تونس، مصر، ليبيا، اليمن وسوريا..
بالنسبة للحالة السورية وقع انزلاق من احتجاجات سلمية مدنية يتبناها سوريون إلى احتجاجات عنيفة حولت سوريا إلى ساحة حرب بين أطراف خارجية ( سأعود إليها في مناسبة قادمة).
ما يهمني هو كيف تفاعل الشباب المغربي وخاصة من ذوي الاتجاهات السلفية المتشددة مع هذه المرحلة تحت تأثير دعاوي الجهاد في سوريا..
في منتدى الكرامة لحقوق الإنسان كنا نتبنى موضوع السلفية الجهادية في المغرب بعد التداعيات الحقوقية للتفجيرات الإرهابية لسنة 2003، ومنذ سنة 2008 نضجت لدينا مقاربة شمولية لمعالجة هذا الموضوع سميناها » المقاربة التصالحية في معالجة ضحايا قانون مكافحة الإرهاب » ونظمنا لذلك العديد من الندوات والورشات، منها ندوة بالدار البيضاء تحت عنوان « المقاربة التصالحية لمعالجة قضايا مكافحة الإرهاب » سنة 2008، ورشة بالرباط سنة 2013 إلى جانب منظمة عدالة وجمعية الوسيط من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان تحت عنوان : » من أجل فهم سليم للحالة السلفية بالمغرب »، وأنجزنا وثيقة للترافع بها أمام الحكومة المغربية تستند على ثلاث عناصر: (الحوار الفكري، احترام حقوق السجناء، الإدماج الاقتصادي والاجتماعي).
ما يهمني من هذا الاستطراد هو ما لاحظناه ابتداء من سنة 2013 من إقبال متزايد لعدد من الشباب السلفي على السفر إلى سوريا من أجل ما كانوا يتصورونه جهادا، معظمهم كان يكفر بالدولة ومؤسساتها، ويحمل فكرا تكفيريا اتجاه الأنظمة العربية القائمة.
السلفيون الجهاديون المغاربة ورحلة الجهاد لسوريا..
من خلال النقاشات التي كانت تجمعنا مع بعضهم والذين كنا نتحاور معهم في إطار مشروع المقاربة التصالحية أو في إطار حل بعض مشاكل الإضراب لعدد منهم داخل السجون، كان تصورهم للجهاد هو أن عدوهم هو طائفة نصيرية لا تنتمي إلى ملة الإسلام مدعومة بالشيعة الرافضة التي تمثلها إيران وحزب الله، وهما يمثلان تهديدا لإخواننا السنة هناك، كما كان بعضهم معجبا بتجربة أبو مصعب الزرقاوي ودولته في الرقة، وكان بعضهم لا يخفي رغبته بأن يعيش إسلام الصحابة رضوان الله عليه في ظل تنظيم الدولة الإسلامية، خصوصا مع الإغراءات المادية التي كانت تقدم لهم.
نعم، كان التواصل يتم بواسطة بعض المواقع المعروفة التي تصطاد زبناءها عبر الأنترنيت، كانت تبث مشاهد لبعض العمليات الجهادية مرفوقة بمظاهر التعذيب التي يقوم بها النظام السوري ضد معارضيه، وهي مشاهد مؤثرة نجحت في استقطاب مئات الشباب المغربي المتحمس لفكرة الجهاد ونيل الشهادة في سبيل الله والدخول للجنة، وبعضهم كان يعاني من أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة، وكان خيار السفر إلى سوريا هو هروب من جحيم الفقر والحرمان..
أعرف شابا في مقتبل العمر من مدينة العرائش كان ينشط كثيرا في إطار ما كان يسمى ب »اللجنة المشتركة للدفاع عن معتقلي السلفية الجهادية » كانت له مشاكل اجتماعية مع زوجتيه، وكان يعاني من أزمة مالية خانقة، فجأة سمعته ذهب لسوريا وسرعان ما تناقلت وسائل الإعلام صوره مقتولا..
لم يكن لهؤلاء الشباب أي تصور للديموقراطية أو الحرية أو الإصلاح السياسي، وكان التوظيف يتم عبر الأنترنيت بواسطة إغراءات مادية كبيرة ( وعد بتوفير مبلغ 1000 دولار شهريا، والسكن والزواج والتدريب على القتال، ) وفي رأيي هذا عمل استخباراتي محض ولا علاقة له بالثورة ومطالب الحرية.
كانوا يتلقون تذكرة السفر إلى إستنبول، يتم استقبالهم في تركيا وهناك يتم نقلهم إلى الحدود السورية قبل أن يتم توزيعهم على الجماعات المسلحة المختلفة، نعم يتم توزيعهم كما سيتضح بعد قليل؟
كان بعضهم ينجح في الفرار من معسكرات التدريب بعدما يصطدم بواقع مغاير لما وعد به، وحينما يعود إلى المغرب كان يجد السلطات الأمنية في استقباله فيتم إيداعه السجن..
تعديل قانون مكافحة الإرهاب بالمغرب لتجريم السفر لمناطق التوتر..
كانت المشكلة أن القضاء المغربي لم يجد الأساس القانوني لمحاكمة العائدين من جبهات القتال في سوريا، فقامت الحكومة المغربية بتعديل قانون مكافحة الإرهاب من أجل محاكمة « كل من يسافر إلى مناطق التوتر في العالم للقيام بمهام قتالية ».
وأعتقد بأن الأجهزة الأمنية المغربية كانت على علم بكل من يرغب في السفر إلى سوريا عبر مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، فكانت تغض الطرف عن بعضهم وتعتقل بعضهم حرصا على حياتهم، أما من سقط في المحرقة السورية فكانت في حل من أمره ومن نجح في العودة كانت تعتقله إلى أن تتأكد من مراجعته لأفكاره الجهادية فتطلق سراحه .
من الوقائع التي جعلتي أتعامل مع موضوع » الثورة السورية » بحذر شديد، هو ما نقله لنا أحد المحامين أعضاء المكتب التنفيذي للمنتدى الذي كان ينوب عن أحد العائدين من سوريا، وكيف جرى استقباله في تركيا هو ومجموعة من رفاقه، لكن سيفاجأ في الحدود السورية أنه سيتم توزيعهم على مجموعات مسلحة مختلفة، وحصل أن وجد نفسه في أحد الاشتباكات التي جرت بين فصيلين » جهاديين » أن وجد نفسه أمام صديقه المغربي الذي تقاسم معه رحلة السفر وهو يقاتل في فصيل آخر!!
هنا قرر العودة ليتم اعتقاله.
الخلاصة الأساسية..
التي ينبغي أن يفهمها بعض الشباب المتحمس اليوم لما يسمى بالثورة السورية، أن ما حصل في المغرب من تغرير بمئات الشباب حصل مثله في معظم الدول العربية والإسلامية، بل وفي البلدان الأوربية من الجاليات المهاجرة وغيرها..
إن تجربة المخابرات الأمريكية في توظيف مفهوم الجهاد والتلاعب بمشاعر ملايين المسلمين ليست جديدة، فقد جرى توظيف مبدأ الجهاد للزج بمئات الآلاف من العرب والمسلمين في ما سمي ب »الجهاد الأفغاني » الذي كان في الحقيقة سلاحا في يد أمريكا لإضعاف الاتحاد السوفياتي آنذاك.
واليوم، أستطيع القول بأن الراعي الإقليمي للمجموعات المسلحة السورية بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية لعب دورا رئيسيا في إغراق سوريا بالجماعات المتشددة، من أجل تحقيق غايات سياسية بعيدة جدا عن خدمة أغراض الإصلاح السياسي وبناء الديموقراطية وتحقيق الحرية.
في الحلقة القادمة أتحدث عن الدور التركي، والذي أصبح من المسؤولية الأخلاقية والفكرية والشرعية تسليط الضوء عليه لفهم غاياته وأهدافه الحقيقية.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: مکافحة الإرهاب السفر إلى فی سوریا من أجل
إقرأ أيضاً:
الرئيس الشرع: كانت سوريا ومازالت جزءاً من هذا البيت العربي الكبير وعودتها إلى جامعة الدول العربية لحظة تاريخية تعكس الرغبة بتعزيز التضامن العربي
2025-03-04SAMERسابق الرئيس الشرع أمام القمة العربية غير العادية “قمة فلسطين” في القاهرة: في هذا اليوم التاريخي أعبر عن شكرنا وامتناننا لدعمكم المستمر تجاه الشعب السوري انظر ايضاًالرئيس الشرع أمام القمة العربية غير العادية “قمة فلسطين” في القاهرة: في هذا اليوم التاريخي أعبر عن شكرنا وامتناننا لدعمكم المستمر تجاه الشعب السوري
آخر الأخبار 2025-03-04بدء كلمة رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع أمام القمة العربية غير العادية “قمة فلسطين” في القاهرة 2025-03-04بيدرسون يدين التصعيد العسكري الإسرائيلي المستمر في سوريا 2025-03-04مدير التربية بحلب يناقش مع وفد تركي واقع التعليم في المدينة 2025-03-04القبض على قائد ميليشيا الدفاع الوطني في المنطقة الشرقية 2025-03-04سفارة سوريا في قطر تعلن البدء بتصديق الوثائق الرسمية كافة 2025-03-04وزير العدل ونقيب المحامين يناقشان الرؤية القادمة لعمل القضاء والنقابة في سوريا 2025-03-04التعليم العالي تمدد تسجيل الطلاب المستجدين والقدامى والمنقطعين بسبب الثورة في الجامعات حتى 30 نيسان القادم 2025-03-04لحظات وصول السيد الرئيس أحمد الشرع واستقباله من الرئيس المصري السيد عبد الفتاح السيسي في مقر انعقاد القمة العربية غير العادية 2025-03-04بمشاركة رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع.. بدء القمة العربية غير العادية “قمة فلسطين” في القاهرة 2025-03-04ذكرى لا يطويها الرحيل… قاسم الجاموس باقٍ في حناجر وأفئدة السوريين
صور من سورية منوعات تيك توك تستأنف خدماتها في الولايات المتحدة بفضل ترامب 2025-01-20 الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية إلى الفضاء 2024-12-05فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |