عن توقّعات موت العلمانية في إسرائيل
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
عن توقّعات "موت العلمانية" في إسرائيل
هل سيبقى ثمّة علمانيون في إسرائيل بعد 20 عامًا؟، أو هل يمكن الحديث، منذ الآن، عن موت العلمانية في إسرائيل؟
هل سيصبح المتديّنون أغلبية في إسرائيل؟ هل سيتلاشى المجتمع العلماني ويختفي؟ وهل باتت إسرائيل في مستهلّ سيرورةٍ ستنتهي بهجرة كثيفة للعلمانيين؟
كان دور العلمانية ضروريًا عندما لم تكن اليهودية قادرةً على إدارة الدولة والجيش.
أما وقد احتل المتدينون جميع هذه المواقع، فالعلمانية أنهت مهمّتها التاريخية!
كل ما قامت به العلمانية يستطيع القيام به اليوم متديّنون.. استنفدت العلمانية ذاتها عالميا، ولأنها تقود إلى نوع من التدمير الذاتي، يبدو الأجدى الانتقال للمرحلة التالية"!
يؤجّج اليمين مساعيه للهيمنة على وجهة إسرائيل المستقبلية بحسم الصراع مع الفلسطينيين ومستقبل أراضي 1967 ومأسسة الضم ونظام الأبرتهايد، وترسيخ هوية الدولة القومية اليهودية.
* * *
مع استمرار الأزمة التي تشهدها إسرائيل على خلفية ما يوصف بأنه "انقلاب قضائيّ" تدفع قدما به الحكومة الحالية، تتكرّر الحاجة إلى تأكيد أن قوة التيار اليمينيّ الاستيطانيّ القومي والديني، الذي تشكّل أطيافه ائتلاف هذه الحكومة، تشهد تصاعدًا مستمرًا منذ نحو عقدين، ما يؤجّج مساعيه إلى الهيمنة والتحكّم أكثر فأكثر في وجهة إسرائيل المستقبلية من طريق إنجاز موضوعين رئيسيين:
- الأول، حسم الصراع مع الفلسطينيين، ولا سيما ما يرتبط بمستقبل الأراضي المحتلة منذ 1967 بما يؤول إلى مأسسة الضم ونظام الأبرتهايد،
- الثاني، ترسيخ هوية الدولة وطابعها "دولة قومية يهودية".
ولا يخفي الناطقون بلسان هذا التيار غايتهم هذه منذ أعوام، فمثلًا قبل ثمانية أعوام نُشر تقرير موسّع في صحيفة "مكور ريشون" اليمينية تحت العنوان الموحي "بعد بضعة أجيال: هل نحن في طريقنا إلى دولة دينية؟"، أشير فيه، من ضمن أمور أخرى، إلى أن هذا السؤال هو المركزي الذي يشكّل هاجس أوساط مهتمة بمستقبل إسرائيل وسيرورات تطوّرها الديموغرافي والاجتماعي.
كما أنه يستبطن أسئلة ثانوية أخرى منها: هل سيصبح المتديّنون أغلبية في الدولة؟ وهل سيتلاشى المجتمع العلماني ويختفي؟ وهل باتت إسرائيل في مستهلّ سيرورةٍ ستنتهي بهجرة كثيفة للعلمانيين؟
لعل أكثر ما يستدعينا لأن نستعيد هذا التقرير أن التساؤلات السالفة جرى طرحها على مجموعة من المثقفين وعلماء الاجتماع والحاخامات اليهود الإسرائيليين، ولدى جمع إجاباتهم عليها، واستمزاج مواقفهم وآرائهم، خلصت كاتبة التقرير إلى أن حصيلة ذلك إبراز "المأساة العلمانية كما تتجسّد أمامنا، وهي تكمن في الخوف من يومٍ مقبلٍ تصبح فيه العلمانية غير ذات معنى أو أهمية، وتتحوّل إسرائيل إلى دولة شريعة أصولية يديرها متديّنون"!
بما يستدعي، بل يحتّم، في نظرها، طرح سؤال آخر: هل سيبقى ثمّة علمانيون في إسرائيل بعد 20 عامًا؟، أو هل يمكن الحديث، منذ الآن، عن موت العلمانية في إسرائيل؟
ومثلما أشار كاتب هذه المقالة مرارًا، لا يمكن الحديث عن مجتمع دولة الاحتلال وما يعتمل في داخله من تحوّلات بمعزل عن السياق السياسي العام. ووفقًا لهذا التقرير، ترتبط التحوّلات المُشار إليها بالتطرّف القوموي اليميني المتصاعد باستمرار، إلى جانب اعتداءات وانتهاكات أخرى تطاول سلطة القانون وحقوق الأقليات.
غير أن بيت القصيد هو تأكيد بعضهم أن هذه التحوّلات ناجمة عن تصاعد قوّة المواطنين العرب وازدياد وزنهم، ما يدفع كثيرين من اليهود إلى البحث عما يصفونها "هوية مميزة" و"قاسما مشتركا واسعا"، علاوة على ما في ذلك من ردّة فعل على الوضع الأمني.
على المستوى الخاص بالعلاقة الداخلية بين اليهود، المحور الأهم هو محور العلاقة بين المتدينين والعلمانيين. وفي هذا الصدد، المقاربة السائدة بين المتدينين اليهود هي أن السبب الأبرز للتحوّل نحو التديّن يتمثل في الشعور بالخواء والملل في عالم العلمانية.
وصاحب هذه المقاربة هو أحد مفكّري الصهيونية الدينية، الحاخام والأكاديمي موشيه راط، الذي يشدّد على أن ما ينعته بأنه "اليسار العلماني" حكم الدولة طوال عشرات الأعوام، وإن خسر فيبدو أن ثمّة سببا وجيها لذلك! ويضيف: "إننا نرى في أوروبا أيضا أنه كلما اتّسعت العلمنة والإلحاد تضاءلت معدّلات الولادة، بينما يهاجر العرب إلى هناك ويسيطرون!".
وردّا على سؤال آخر عما إذا كان يعتقد إن إسرائيل ليست في حاجة إلى علمانيين، قال راط: "لا أعتقد أننا في حاجة إلى علمانيين. وبنظرة إلى الوراء، يمكن القول كما قال الحاخام كوك إن دور العلمانية كان ضروريًا في المرحلة التي لم تكن فيها اليهودية قادرةً على تدبّر أمور إدارة الدولة والجيش... أما وقد أصبح المتدينون يحتلون جميع هذه المواقع، فبالإمكان القول إن العلمانية قد أنهت مهمّتها التاريخية.
كل ما قامت به يستطيع القيام به اليوم أشخاص متديّنون... وأعتقد أن العلمانية في العالم أجمع استنفدت ذاتها، ونظرًا إلى أنها تقود إلى نوع من التدمير الذاتي، يبدو من الأجدى الانتقال إلى المرحلة التالية"!
*أنطوان شلحت كاتب وباحث في الشأن الصهيوني
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل العلمانية نتنياهو الأحزاب الدينية الصهيونية الدينية فی إسرائیل
إقرأ أيضاً:
نعيم قاسم: إسرائيل خرقت الاتفاق 3 آلاف مرة وتهدف لتغيير القواعد
قال الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم -اليوم الإثنين- إن الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت أمس يفتقد لأي مبرر حتى ولو كان وهميا، وهو عبارة عن اعتداء سياسي يهدف لتغيير القواعد والضغط على لبنان.
وأضاف قاسم أن ما يميز هذا الاعتداء على الضاحية أنه حصل بإذن من الولايات المتحدة، مطالبا الدولة اللبنانية بالتحرك الدبلوماسي واستدعاء سفراء الدول الكبرى ورفع شكاوى إلى مجلس الأمن.
وقال أيضا -في كلمة بثّت على قناة المنار التابعة لحزب الله- إن الاعتداء الإسرائيلي الجديد، يأتي "لتثبيت قواعد معينة، يعتقدون أنهم من خلالها يستطيعون الضغط على لبنان وعلى مقاومته، وأن يحققوا الأهداف التي يريدون".
ورأى قاسم أن "الدولة مسؤولة عن المتابعة بالضغط على الدولتين الراعيتين للاتفاق (أميركا وفرنسا) وكذلك على الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقوات الطوارئ الدولية" لوقف الغارات الإسرائيلية على لبنان.
الضغط الناعم
وأضاف أمين الحزب اللبناني أن على الدولة أن تضغط، مؤكدا أن "الضغط الذي مارسته الدولة حتى الآن ناعم وبسيط، لا يرقى إلى أكثر من بعض التحركات وبعض التصريحات. وهذا أمر غير مقبول" مشددا في الوقت ذاته على أن حزبه التزم تطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار، بينما خرقته إسرائيل أكثر من 3 آلاف مرة.
إعلانوطالب قاسم الدولة اللبنانية بأن "تتحرك بشكل أكبر وبشكل يومي وبشكل متفاعل" مضيفا "استدعوا سفراء الدول الخمس الكبرى، ارفعوا شكاوى إلى مجلس الأمن، استدعوا السفيرة الأميركية دائما لأنها لا تعمل بشكل صحيح وتنحاز لإسرائيل ولا تقوم بدورها في الرعاية".
وجاءت تصريحات قاسم غداة غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، في ثالث ضربة على المنطقة منذ سريان وقف إطلاق النار، طلب على إثرها لبنان الطرفين الضامنين للاتفاق (الولايات المتحدة وفرنسا) بإجبار إسرائيل على وقف هجماتها.
ومن جانبها، قالت إسرائيل إن الموقع الذي استهدفته أمس هو مخزن أسلحة لحزب الله يحوي "صواريخ دقيقة".
غارات إسرائيلية مستمرة
من ناحية أخرى، أفاد الجيش الاسرائيلي اليوم بأنه قصف أكثر من 50 هدفا في لبنان خلال الشهر الماضي، رغم إعلان وقف لإطلاق النار بينه وبين حزب الله في نوفمبر/تشرين الثاني الفائت.
وقال جيش الاحتلال -في بيان- إنه نفذ هذه الضربات "إثر انتهاكات لوقف إطلاق النار والتفاهمات بين إسرائيل ولبنان، شكلت تهديدا لدولة إسرائيل ومواطنيها".
ودخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد تبادل للقصف بين إسرائيل وحزب الله استمر نحو عام وتحوّل إلى مواجهة مفتوحة في سبتمبر/أيلول 2024.
ولكن إسرائيل واصلت شنّ ضربات على لبنان وأبقت على وجود عسكري في مناطق حدودية، مشددة على أنها لن تتيح لحزب الله إعادة بناء قدراته.