على وقع محاكمات التيك توك في تونس.. الحرية الأخلاقية والمسؤولية (2-2)
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
4- الحرية الأخلاقية
أولا: الحرية والمسؤولية
ثمة خلط في المفاهيم لدى كثير من المتكلمين في الحرية، بما هي فكرة أو بما هي مطلب، إذ يرونها بلا ضوابط ولا موانع، فأن تكون حرا، بنظرهم، هو أن تفعل ما يوافق أهواءك ورغباتك حتى وإن كان في ذلك إيذاء للآخرين، ويرون أن أي تدخل خارجي لمنع بعض الممارسات إنما هو تدخل في الحرية الشخصية أو هو فعلٌ مسيء للحرية بل هو اعتداء على الحرية مطلقا.
هؤلاء لا يعترفون بحدود أخلاقية أو قانونية للحرية، لأنهم لا يعترفون بمشترك أخلاقي مدني، وإنما ينطلقون فقط من ذواتهم بما هي جملة الأهواء والرغبات والهواجس، أو ما يعتبرونه اختيارا وأفكارا دون تحديد لمعنى الاختيار ولمعنى التفكير.
الحرية لا تكون إلا إنسانية ولا تكون إلا مسؤولة، ولا يمكن أن تكون مصدر سعادة لمجموعة من الأفراد وفي ذات الوقت مصدر شقاء غيرهم من الناس ممن يشاركونهم الانتماء لهوية ثقافية أو لهوية إنسانية
إن الأفعال الحرة إنما هي أفعال تنبع من وعي صاحبها بأهدافه وبوسائل تحقيق أهدافه، وما من إنسان واع إلا وهو إنساني في تفكيره وفي أهدافه، فلا يفعل ما يحقق رغباته على حساب حرية الآخرين. فما من فعل مُؤذٍ للغير إلا وهو فعل مناف للحرية، وإن الإنسان الحر هو إنسانٌ مسؤول يزن أفعاله بميزان العقل وبميزان الأخلاق؛ لا خوفا من القانون ولا من عقاب محتمل تسلطه عليه السلطة أو المجتمع، وإنما خوفا من أن يكون مصدر أذى لغيره من شركائه في المواطنة وفي الإنسانية.
إن الحرية لا تكون إلا إنسانية ولا تكون إلا مسؤولة، ولا يمكن أن تكون مصدر سعادة لمجموعة من الأفراد وفي ذات الوقت مصدر شقاء غيرهم من الناس ممن يشاركونهم الانتماء لهوية ثقافية أو لهوية إنسانية.
ثانيا: الحرية والتجمّل الأخلاقي
إن التحرر ليس عملية كسر لقيود مادية تشد أيدينا وأرجلنا ولا هو تحرر من القوانين ومن القيم، إن التحرر الحقيقي يبدأ بتحررنا من القيود الكامنة فينا، إنها قيود الغرائز والأهواء، وقيود الأنانية والجشع والطمع والجُبن، وقيود الكراهية والأحقاد، تلك القيود التي تمنع الإنسان الكامن فينا من أن يتحرر ليُعبّر عن عبقريته ومهاراته وجمال حضوره ولطافة عواطفه وشموخ كبريائه ومهابة شجاعته. إننا بقدر ما نكون متحكمين في أهوائنا وغرائزنا بقدر ما تتسع مساحة حريتنا، فنكون أقرب لجوهر الإنسان الحر ونكون أكثر تحليّا بجمال الحق والعدل والاستقامة.
البشرية المعاصرة تعرضت لعملية تشويه رهيبة في جوهرها الإنساني حتى صارت على درجة عالية من الغرائزية وما تؤدي إليه من عنف وأنانية ومن كراهية وتجبر وظلم وفساد، خاصة بعد هيمنة القوة الرأسمالية ومحاولات تحويلها العالم كله إلى سوق استهلاكية يخضع فيها الناس إلى "نمط" واحد في العيش وفي التفكير وفي التصرف
إن الذين يريدون تمييع مفهوم الحرية إنما هم أناس يفتقدون أي شعور بالمسؤولية وهم أناس مستسلمون لأهوائهم وشهواتهم، وإنما يحاولون التلبيس على عموم الناس فيوهمونهم بأن عدم المسؤولية تلك إنما هي حرية وبأن أنانيتهم إنما هي حرية شخصية، وأن تمردهم على القيم والقانون والأعراف إنما هو من معاني ثورة الحرية على القيود والتقاليد.
هذه المعاني لا يمكن فرضها بالقوانين ولا يمكن لأي سلطة أن تفرض الأخلاق في مجتمع يفتقد إلى وعي بالذات وبمعاني الهوية الإنسانية، مجتمع سيطرت عليه ثقافة الاستهلاك وسلبته وسائلُ الدعاية وقوةُ الإشهار سيطرتَه على شهواته حتى صار كائنا غرائزيا تتحكم به سوق البضائع؛ بما تمتلكه من قدرة رهيبة على الإغراء وعلى استثارة الغرائز والشهوات، معتمدة على متخصصين في علم النفس يساعدونها في عملية الدعاية والإشهار.
إن البشرية المعاصرة تعرضت لعملية تشويه رهيبة في جوهرها الإنساني حتى صارت على درجة عالية من الغرائزية وما تؤدي إليه من عنف وأنانية ومن كراهية وتجبر وظلم وفساد، خاصة بعد هيمنة القوة الرأسمالية ومحاولات تحويلها العالم كله إلى سوق استهلاكية يخضع فيها الناس إلى "نمط" واحد في العيش وفي التفكير وفي التصرف، "نمط" يفقد فيه الكائن البشري تميّزه الإنساني وتجَمُّلَه الأخلاقي وسموه القِيَمي.
هذه البشرية المعاصرة بحاجة أكيدة إلى ثورة كُبرى في الأفكار والقيم، ثورة يخوضها فلاسفة ومصلحون ودعاة وطلائع الأدب والإعلام والفنون.
x.com/bahriarfaoui1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأخلاقية الانسان تونس محاكمات الأخلاق تيك توك مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لا تکون إلا لا یمکن
إقرأ أيضاً:
المفتي: الإسلام لم يكتفِ بالدعوة إلى بر الوالدين فهو من أعظم القيم الأخلاقية «فيديو»
أكَّد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن بر الوالدين من أعظم القيم الأخلاقية التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أن العلاقة بين الأبناء والآباء يجب أن تقوم على الاحترام والرحمة، وهو ما يسهم في بناء شخصية سوية وإيجابية.
وأشار مفتي الجمهورية، خلال لقائه مع الإعلامي «حمدي رزق» في برنامج «اسأل المفتي» الذي يذاع على قناة «صدى البلد»، إلى أن هناك فجوة آخذة في الاتساع في كثير من البيوت بين الوالدين وأبنائهم، وهو ما يؤدي إلى سلوكيات غريبة تتناقض مع الفطرة السليمة والقيم الإسلامية، كما أن هذه الفجوة قد تكون سببًا في تصاعد حالات الجفاء وغياب التراحم بين أفراد الأسرة.
وأوضح مفتي الجمهورية أن القرآن الكريم جعل الإحسان إلى الوالدين في المرتبة الثانية بعد الإيمان بالله، حيث قال تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» [الإسراء: 23]، مشيرًا إلى أن هذا الترتيب يدل على مدى عظمة هذه القيمة في ميزان الشريعة الإسلامية.
كما أشار فضيلته إلى أن الله تعالى نهى حتى عن أقل درجات الأذى للوالدين، وذلك في قوله: «فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا» [الإسراء: 23]، موضحًا أن الإيذاء لا يقتصر على الجوانب المادية فحسب، بل يمتد ليشمل الإيذاء المعنوي بالكلمات الجارحة أو التصرفات القاسية.
وأشار المفتي إلى أن الإسلام لم يكتفِ بالدعوة إلى بر الوالدين، بل شدد على ذلك حتى مع اختلاف العقيدة، مستشهدًا بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أمي قدمت إليَّ وهي مشركة أفأصلها؟» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم، صِلي أمَّك».
وقال فضيلته: «إذا كان الاختلاف في العقيدة لا يمنع من الإحسان إلى الوالدين، فما بالنا ونحن نتحدث عن أسر مسلمة متماسكة؟! ينبغي أن يكون البر والاحترام متبادلًا في كل الأحوال».
اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية: المرأة شريك في بناء الحضارة والتاريخ شاهد على بصماتها الراسخة
ما حكم القراءة من المصحف في الصلاة.. «المفتي» يوضح «فيديو»
كيف نفرق بين الكذاب والصديق من الناس؟.. المفتي يوضح