الصحافة في قبضة التكنولوجيا.. هل تضع صفقة ميتا ورويترز صناعة الإعلام على المحكّ؟
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
"لكل زمان مضى آية، وآية هذا الزمان الصّحف، لسان البلاد، ونبض العباد، وكهف الحقوق، وحرب الجنف". بهذه الكلمات الخالدة وصف أحمد شوقي دور الصحافة كصوت للحق وأداة لكشف الحقيقة ومواجهة الظلم.
لكن هذا الدور الذي اعتبر لعقود ركيزة للحرية الفكرية، بات اليوم في مفترق طرق، يواجه تحديات جديدة فرضتها الثورة الرقمية وصعود عمالقة التكنولوجيا.
وفي عالم تحولت فيه العلاقة بين شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام إلى ساحة لصراع المصالح، أصبح التساؤل عن استقلالية الصحافة ومصداقيتها أكثر إلحاحا. وتبرز الشراكة الأخيرة بين "ميتا" ووكالة رويترز كأحد أهم مظاهر هذا الصراع.
ورغم أن مثل هذه الاتفاقيات قد تحمل وعودا بتطوير الإعلام، إلا أنها تثير مخاوف حقيقية حول تأثيرها على حقوق الصحفيين واستقلالية الإعلام. كما قالت الكاتبة والفيلسوفة الأميركية آين راند: "لا يمكن للحرية الفكرية أن توجد من دون حرية سياسية، ولا يمكن للحرية السياسية أن توجد من دون حرية اقتصادية".
اتفاقية "ميتا" و"رويترز".. تفاصيل غائبة في شراكة الذكاء الاصطناعيأعلنت شركة "ميتا بلاتفورمز" (Meta Platforms) في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن شراكة جديدة مع وكالة رويترز.
حيث سيعتمد روبوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي من "ميتا" على محتوى "رويترز" لتقديم إجابات فورية للمستخدمين حول الأخبار والأحداث الجارية، في خطوة تمثل أحدث تعاون بين عملاق تقني وناشر أخبار.
إعلانولم تفصح "ميتا" (META.O) أو الشركة الأم لوكالة رويترز "تومسون رويترز" (TRI.TO) عن التفاصيل المالية لهذه الاتفاقية.
في نفس السياق، تعد هذه الشراكة أول صفقة إخبارية تبرمها "ميتا" منذ سنوات، في وقت تعمل فيه الشركة على تقليل المحتوى الإخباري على منصاتها استجابة لانتقادات من الجهات التنظيمية والناشرين بشأن التضليل المعلوماتي والخلافات المتعلقة بتقاسم الإيرادات.
ويتوفر روبوت الدردشة "ميتا إيه آي" (Meta AI) الخاص بشركة "ميتا" عبر خدماتها المختلفة، بما في ذلك "فيسبوك"، و"واتساب"، و"إنستغرام".
وأشار تقرير "أكسيوس" (Axios) إلى أنه بشكل غير واضح لم تكشف شركة التواصل الاجتماعي العملاقة "ميتا" ما إذا كانت الشراكة تتضمن عنصر ترخيص يسمح لها باستخدام صحافة "رويترز" لتدريب نموذج اللغة الكبير "لاما" (LLaMA).
وعند طلب تعليق، قال المتحدث باسم "ميتا" جيمي رادش في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني: "يمكن لروبوت "ميتا إيه آي" الرد على الأسئلة المتعلقة بالأخبار من خلال تقديم ملخصات وروابط إلى محتوى رويترز".
وأضاف: "بينما يستخدم معظم الأشخاص "ميتا إيه آي" لأغراض إبداعية أو لاستكشاف مواضيع جديدة بعمق أو للحصول على مساعدة في كيفية القيام بالأشياء، ستساعد هذه الشراكة في تقديم تجربة أكثر فائدة لأولئك الذين يبحثون عن معلومات حول الأحداث الجارية".
من جهتها لم تعلق رويترز على هذا الأمر واكتفت المتحدثة باسمها هيذر كاربنتر بقول مقتضب: "يمكننا تأكيد أن رويترز قد تعاونت مع مزودي التكنولوجيا لترخيص محتوى أخبارنا الموثوق والقائم على الحقائق لتشغيل منصاتهم القائمة على الذكاء الاصطناعي. تظل شروط هذه الصفقات سريّة".
وبحسب المصدر نفسه، ستحصل وكالة رويترز على تعويض مالي مقابل إتاحة الوصول إلى صحافتها بموجب اتفاقية ستمتد لعدة سنوات.
إعلانوالجدير ذكره، أن "ميتا" التي كانت سابقا تعرف باسم "فيسبوك"، قد أبرمت صفقات بمئات الملايين من الدولارات مع الناشرين لاستخدام محتواهم في تبويب الأخبار الذي أوقفته عام 2019. ثم انخفضت تلك التمويلات، وقللت بشكل كبير من كمية المحتوى السياسي في تغذياتها بعد انتخابات 2020، وفقا لما أشار له التقرير.
وبينما كانت شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى تبرم صفقات مع شركات الأخبار، كان من غير الواضح حتى الآن مدى رغبة "ميتا" في إبرام صفقات أخبار لمساعدها الذكي المدعوم بالذكاء الاصطناعي.
ومن جهتها، كانت رويترز شريكا في التحقق من الحقائق لـ"ميتا" منذ عام 2020، ولكنها لم تكن جزءا من جهود "ميتا" المتعلقة بتبويب الأخبار.
لذلك، بحسب "أكسيوس"، فإنه من المنطقي أن تتعاون "ميتا" مع وكالة أنباء عالمية كأول شريك لها في مجال الأخبار للذكاء الاصطناعي، نظرا لسمعة "رويترز" غير الحزبية واهتمامها بتقديم الأخبار الدقيقة والفورية.
ووفقا لتقرير نشره موقع "فوربس" (Forbes)، فإن ما يحدث بعد توقيع هذه العقود يعتمد على تفاصيل كل اتفاقية. وعادة ما تتضمن هذه الصفقات استخدام محتوى الناشرين الإخباريين كنقاط مرجعية لاستفسارات المستخدمين في أدوات مثل "شات جي بي تي".
وغالبا ما تتضمن وعودا بالاستشهاد مع روابط تعود إلى المواقع الأصلية، وأحيانا تتضمن شعار الناشر. كما تحصل وسائل الإعلام الإخبارية على إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتطوير منتجاتها.
من جهة مماثلة، تشهد مثل هذه الصفقات زخما متزايدا عام 2024، حيث تشير تقارير ومنها تقرير "ذي إنفورمايشن" (The Information) إلى أن قيمة هذه الصفقات التي تشمل "أوبن إيه آي" تتراوح بين مليون و5 ملايين دولار.
ويعتمد حجم الصفقة بالنهاية على المفاوضات بين الطرفين حول القيمة المتصوّرة للمحتوى الإخباري الموثوق وعالي الجودة.
مجموعة "ميتا" الشركة الأمّ لفيسبوك وإنستغرام (رويترز) بين رفاق وأعداء.. جبهات إعلامية متضاربةترفض بعض وسائل الإعلام الدخول في هذه المفاوضات، وقد أدى هذا العام إلى تعميق الانقسام داخل القطاع الإعلامي بشكل متزايد، حيث تشكلت جبهتين متضادتين، رفاق الذكاء الاصطناعي وأعداؤه، أو كما وصفتهم صحيفة "بريس غازيت" (Press Gazette)، بالمُوقعين والمُدّعين.
إعلانوبينما يمضي البعض قدما في عقد الصفقات، هناك من يضرب بقبضة من حديد للدفاع عن حقوقه في مواجهة هيمنة التكنولوجيا.
وتشمل القائمة الطويلة من صانعي الصفقات مؤسسات إعلامية دولية مثل "فايننشال تايمز" (Financial Times)، و"كوندي ناست" (Condé Nast)، و"تايم" (Time)، و"فوكس" (Vox)، و"نيوز كورب" (News corp)، و"فورتشن" (Fortune)، و"أكسل سبرينغر" (Axel Springer)، و"دير شبيغل" (Der Spiegel)، و"إنتربرينور" (Entrepreneur)، و"ذا تاكسس تريبيون" (The Texas Tribune)، ومالك "ووردبريس أوتوماتيك" (WordPress Automattic)، إلى جانب العديد من المؤسسات الأخرى.
بالمقابل، كانت قائمة المدعين أقصر، وأبرزهم "نيويورك تايمز" التي قامت برفع دعوى ضد "أوبن إيه آي" و"مايكروسوفت" والتي تعتبر أشهر قضية من ناشر أخبار حتى الآن.
حيث أعلنت "نيويورك تايمز" مطلع هذا العام بأنها تسعى للحصول على تعويضات، واسترداد، وتغطية التكاليف، بالإضافة إلى تدمير جميع نماذج اللغة الكبيرة "إل إل إم إس" (LLMs) التي تمّ تدريبها على محتواها، وفقا لتقرير نشرته "بريس غازيت" (Press Gazette).
في سياق مماثل، كانت "أوبن إيه آي" و"نيويورك تايمز" في مفاوضات لمدة 9 أشهر، ولكن المنظمة الإخبارية شعرت أن لا حل يلوح في الأفق، فقررت بدلا من ذلك مشاركة مخاوفها بشأن استخدام ملكيتها الفكرية بشكل علنيّ.
وبحسب المصدر نفسه، سيعتمد نجاح الدعوى على تفسير المحكمة الأميركية لمفهوم الاستخدام العادل في قانون حقوق الطبع والنشر، على افتراض أن الشركات لا تجد طريقها للتسوية أولا.
وقالت نيويورك تايمز إن شركتي التكنولوجيا، اللتين تتمتعان بشراكة تركز حول "شات جي بي تي" و"بينغ" (Bing)، قد حققتا وفورات كبيرة من خلال أخذ واستخدام محتواها لإنشاء نماذجها من دون دفع مقابل الترخيص.
وفي ردها الذي تم تقديمه في 26 فبراير/شباط هذا العام، جادلت "أوبن إيه آي" قائلة: "في العالم الحقيقي، لا يستخدم الناس "شات جي بي تي" أو أي منتج آخر من منتجات "أوبن إيه آي" كبديل للاشتراك في نيويورك تايمز. ولا يمكنهم فعل ذلك في الوضع الطبيعي، لا يمكن استخدام "شات جي بي تي" لعرض مقالات نيويورك تايمز حسب الرغبة".
إعلانوشملت الدعاوى الأخرى شركة "نيوز كورب" (News Corp) ضد "بربليكسيتي" (Perplexity)، و"غيتي إيمجز" (Getty Images) ضد "ستابيليتي إيه آي" (Stability AI) و"ممزنت" (Mumsnet)، و"ذا إنتيرسبت" (The Intercept) و"راو ستوري" (Raw Story) و"ألتيرنت" (AlterNet) ضد "أوبن إيه آي" و"مايكروسوفت".
شكاوى صناعة الإعلام بين صفقات الذكاء الاصطناعي والتمثيل الخاطئ وأزمة حقوق المحتوىبالنسبة للكثيرين في صناعة الإعلام، وخاصة صانعي الأخبار، فإن قائمة الشكاوى ضد هذه الصفقات متزايدة الشعبية مع موردي الذكاء الاصطناعي طويلة. وبحسب تقرير موقع "فوربس"، فقد تمّ انتقاد مطوري الذكاء الاصطناعي على 3 جبهات رئيسة:
أولا، بسبب تقويضهم لنموذج الأعمال الحالي في صناعة الأخبار، حيث قال فرانك باين المحرر التنفيذي لمجموعة "ميديا نيوز" (Media News) و"ترابيون بابليشينغ" (Tribune Publishing): "هذه الشركات تقوم ببناء منتجات ذكاء اصطناعي تهدف بوضوح إلى استبدال ناشري الأخبار من خلال إعادة استخدام المحتوى المسروق وتقديمه للمستخدمين".
كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن استخدام محتواها في روبوتات الدردشة يهدد بتحويل القراء، بما في ذلك المشتركون الحاليون والمحتملون، بعيدا عن الصحيفة، الأمر الذي يقلل من إيرادات الاشتراكات والإعلانات، والترخيص والشراكات التي تمول قدرة المؤسسة الإخبارية على الاستمرار في إنتاج صحافتها الرائدة.
ثانيا، اكتشفت المؤسسات الإعلامية حالات تم فيها تمثيل محتواها بشكل غير صحيح. ويحذر "باين" من خطر نماذج الذكاء الاصطناعي قائلا: "إنها تنسب معلومات زائفة إلى منشوراتنا الإخبارية، مما يضر بمصادقيتنا. على سبيل المثال، لم توصِ صحيفة "ميركوري نيوز" (Mercury News) أبدا بحقن المطهرات لعلاج كوفيد-19، ولم تنشر صحيفة "دنفر بوست" (Denver Post) أبحاثا تدعي أن التدخين يعالج الربو".
أخيرا، تثير هذه الصفقات مخاوف بين الصحفيين بشأن تآكل حقوقهم. وعلى الرغم من أن شركات الإعلام قد تتلقى مدفوعات مقابل ترخيص المحتوى لشركات الذكاء الاصطناعي، إلا أن الصحفيين أنفسهم لا يحصلون على أي فوائد مباشرة.
إعلانوهم مهددون باستخدام أعمالهم من دون تعويض مناسب، وهذا يؤدي إلى تقليل قيمة مساهماتهم وتقليص الفرص المتاحة لهم على المدى البعيد.
كيف تخلق نماذج الصناعة الإعلامية فجوة في ترخيص الذكاء الاصطناعي؟وفقا لتقرير نشره موقع "فوربس" (Forbes)، فإن الفجوة بين دور الإعلام تتشكل بعمق من خلال الاقتصاديات التي تحكم نماذج أعمالها.
حيث تتمتع المؤسسات الإخبارية الرائدة التي تنوعت مصادر إيراداتها بعيدا عن الإعلانات، غالبا من خلال التوسع في الترخيص، والاشتراكات الرقمية والمطبوعة، والفعاليات، وتمويل المنح، والخدمات التجارية بميزة واضحة في المفاوضات.
هذه الإستراتيجية الهجينة تعمل كحاجز يحميها من أي خسارة محتملة في حركة المرور الناتجة عن المنتجات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، هناك عدد قليل من شركات الإعلام التي تعتمد بشكل أساسي على تقديم الوصول المباشر إلى المحتوى. من بين هذه الشركات توجد أسماء كبيرة مثل صحيفة "نيويورك تايمز" و "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal).
وعلى سبيل المثال، وفقا لبيان صحفي حديث، جاء أكثر من 68% من إيرادات "نيويورك تايمز" عام 2023 من الاشتراكات، بينما شكلت الإعلانات حوالي 20% فقط.
وبالمثل، أفادت "أكسيوس" أن نحو 80% من إيرادات "داو جونز" (Dow Jones) الشركة الأم لـ"وول ستريت جورنال" عام 2024 تأتي من اشتراكات المستهلكين والشركات.
من جهة أخرى، أفاد تقرير "فوربس" أن غرف الأخبار التي تمتلك أرشيفات كبيرة، خاصة المحتوى المرئي، تعتبر مصدرا قيّما لشركات الذكاء الاصطناعي، حيث يعتبر هذا المحتوى أقل قابلية للوصول من قبل برامج جمع البيانات "البوتات" (bots).
إذ يواجه سحب المحتوى المرئي تحديات خاصة، تتطلب من السحابة التنقل عبر بيانات غير منظمة، وإدارة متطلبات حسابية أعلى، والتغلب على حماية الترخيص الإضافية.
تحتوي السيرفرات الحديثة على طاقة استعيابية أعلى للشرائح مما يزيد من قدرة معالجة البيانات وعمليات التدريب في الذكاء الاصطناعي (ميتا) شراكات الذكاء الاصطناعي والإعلام.. انتصارات في المساءلة وتحولات في نماذج الأعمالفي بودكاست "الصوت البشري الأخير" (The Last Human Voice)، تشير الدكتورة ماتيلد بافيس، المستشارة الخبيرة لدى اليونسكو في تأثيرات الذكاء الاصطناعي، بحذر إلى بعض التحولات الإيجابية التي تظهر من هذه الصفقات.
إعلانومن بين هذه التحولات نجد التدريب بموافقة، إلى جانب متطلبات النسبة، وإمكانية تتبع مصدر البيانات. ويمكن اعتبار ذلك انتصارا للمستخدمين، إذ يتيح لهم تتبع المعلومات إلى مصدرها الأصلي من خلال رابط أو شعار المنشور.
هذا التوجه الجديد يتناقض بشكل واضح مع التصريحات السابقة لمطوري الذكاء الاصطناعي، الذين كثيرا ما وصفوا الخوارزميات بأنها "صندوق أسود"، يصعب فهم آليات عملها أو تتبع مصادر بياناتها، وفق ما أشار إليه تقرير "فوربس".
وبحسب المصدر نفسه، تشهد نماذج الأعمال تحولا جديدا يتمثل في مشاركة الإيرادات. على سبيل المثال، تقوم شركات عملاقة مثل "فايننشال تايمز"، و"أكسل سبرينغر" (Axel Springer)، و"ذا أتلانتيك" (The Atlantic)، و"فورتشن" (Fortune)، بالإضافة إلى مجموعة "يونيفرسال ميوزك" (Universal Music Group) بترخيص المحتوى لشركات ناشئة مثل "بروتاتا إيه آي" (Protata AI).
حيث تزعم هذه الشركة الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي أنها تستطيع نسب حصص الإيرادات بدقة من اشتراكات روبوتات الدردشة، ثم توزيع الإيرادات على أصحاب المحتوى.
وبالمثل، تعمل "بربليكسيتي إيه آي" (Perplexity AI) على تشكيل نموذج لمشاركة الإيرادات مع العملاء في مجال الإعلام، يعِدُ الناشرين بحصة من الإيرادات الناتجة عن التفاعلات التي تشير إلى محتواهم.
ويشمل الشركاء الحاليون "تايم" (Time)، و"دير شبيغل" (Der Spiegel)، و"فورتشن" (Fortune)، و"إنتربرونير" (Entrepreneur)، و"ذا تكساس تريبيون" (The Texas Tribune)، ومالك "وورد بريس أوتوماتيك" (WordPress Automatic).
إلى أين نتجه؟لقد رسم عام 2024 بالفعل ملامح الصراع في صناعة الإعلام، وإن كان العام الماضي قد علمنا شيئا، فهو أن ما كان غير متوقع أصبح هو القاعدة الجديدة.
ومع استمرار تضارب المصالح بين عمالقة التكنولوجيا والمؤسسات الإعلامية، وبينما تحمل صفقات الذكاء الاصطناعي وعودا بفتح آفاق جديدة لتحسين الابتكار الإعلامي، فإنها تثير تساؤلات عميقة حول الثمن الذي قد تدفعه هذه المؤسسات، سواء على مستوى مصداقيتها أو استقلاليتها.
إعلانوإذا كانت هذه الصفقات تشبه صفقات "فوستيان" كما أشار مارك هاورد مدير العمليات في مجلة "تايم"، حيث يتم تقديم تنازلات مغرية مقابل مكاسب فورية، فما الثمن الحقيقي الذي قد تفرضه على مستقبل الصحافة؟ وهل تستطيع وسائل الإعلام الصمود في وجه طوفان التكنولوجيا، أم أن هذه التحالفات ستجعلها رهينة مصالح القوى العظمى؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی نیویورک تایمز صناعة الإعلام شات جی بی تی هذه الصفقات أوبن إیه آی من خلال لا یمکن من دون
إقرأ أيضاً:
شات بيت الصيني وإعادة تعريف الحروب في عصر الذكاء الاصطناعي
في ظل احتدام سباق التسلح التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، يبرز الذكاء الاصطناعي كجبهة مركزية لتحقيق الهيمنة على المستوى الدولي، ولم يعد تحقيق التفوق في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مجرد ترف قومي، بل محددا جوهريا في سياق التنافس الإستراتيجي بين الدول العظمى لرسم حدود مكانتها في النظام الدولي.
ويظهر جليا أن الصين استثمرت بشكل مفرط في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدراتها العسكرية، معتمدةً على الابتكارات المحلية جنبا إلى جنب مع تكييف وتطويع التقنيات الغربية وذلك في سبيل تسريع عملية اللحاق الإستراتيجية مع الغرب والتي تعد البوصلة القومية لبكين في الوقت الراهن.
ومن بين آخر المنجزات الصينية في هذا السياق، ما تم الكشف عنه من تطوير العلماء الصينيين لنموذج "شات بيت" (ChatBIT)، وهو نظام ذكاء اصطناعي للاستخدامات العسكرية مبني على نموذج "لاما 2" مفتوح المصدر الذي طورته شركة ميتا (Meta).
شات بيتيمثل هذا المشروع مثالا حيويا على كيفية دمج الذكاء الاصطناعي المتقدم ضمن الإستراتيجيات الدفاعية، مما يعيد تشكيل ملامح الحروب الحديثة ويمهد الطريق لإعادة تعريف ميزان التفوق التكنولوجي والأمني التقليدي.
وفي الحقيقة، تعكس حالة "شات بيت" تحولا نوعيًا في الديناميكيات العسكرية، فإتاحة النماذج مفتوحة المصدر أصبحت تُمكّن الدول ذات الموارد المحدودة نسبيًا من تحقيق تفوق عملياتي في مجالات معينة.
إعلانفمن خلال تكييف نموذج "لاما 2" ليناسب الاحتياجات العسكرية، أظهر الباحثون الصينيون الإمكانات الكبيرة لهذه المصادر، مما أثار نقاشات واسعة حول الاعتبارات الأخلاقية والتداعيات الأمنية والإستراتيجية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري في حال انتهجت دول أخرى المسار ذاته، وأصبحت هذه النماذج ميدانا للتنافس العسكري والإستراتيجي.
في واشطن، كانت أصداء هذا الكشف التكنولوجي الصيني مزيجا من الانزعاج، والترقب والقلق. فالولايات المتحدة التي تعد رائدة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عالميا تستشعر الضغط الممارس عليها من قبل الصين.
وتسير الصين بخطوات متسارعة وثابتة وغير قلقة لتحقيق التفوق التكنولوجي في الذكاء الاصطناعي وذلك لقناعة قومية متأصلة بأن مصير الحروب في المستقبل سوف يكون رهينا لتطور الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا يشير الكتاب الأبيض الصادر عام 2019 بعنوان "الدفاع الوطني الصيني لعصر جديد" إلى أن الحروب الحديثة تتجه بشكل متزايد نحو مجالات أكثر ارتباطا بالأنظمة الإعلامية والذكاء الاصطناعي، مما يتطلب تحقيق تقدم كبير في أتمتة العمليات، وتطوير نظم المعلومات، وتعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي.
"شات بيت" هو نظام ذكاء اصطناعي للاستخدامات العسكرية مبني على نموذج "لاما 2" (شترستوك)وبالعود إلى نموذج "شات بيت" فقد تم تطويره بواسطة باحثين تابعين للجيش الصيني، معتمدين على نموذج "لاما 2" المفتوح المصدر الذي طورته شركة ميتا لكسر احتكار شركتي غوغل وأوبن إيه آي (Open AI) للنماذج الكبيرة.
ويأتي تطوير "شات بيت" من أجل تلبية احتياجات عسكرية محددة تشمل معالجة كميات ضخمة من البيانات بدقة عالية، والاستجابة للاستفسارات المعقدة في البيئات العملياتية.
بعبارة أخرى، صمم هذا النموذج لتوفير حلول فعالة للتحديات المعقدة التي تواجهها القوات المسلحة، بما في ذلك تحليل البيانات الاستخباراتية متعددة المصادر، وتقديم التوصيات التكتيكية، ودعم العمليات المشتركة التي تتطلب مستوى عاليا من التنسيق والدقة.
إعلانيُظهر "شات بيت" قدرة الصين على تكييف التقنيات التجارية المفتوحة المصدر بما يتماشى مع أولوياتها الإستراتيجية، مما أتاح لها التفوق على نماذج منافسة مثل "فيكونيا-13 بي" (Vicuna-13B)، لا سيما في المهام الاستخباراتية والعملياتية ذات الطابع العسكري.
كما أن نتائج "شات بيت" لامست حاجز الـ90% فيما يتعلق بدقة الإجابات مقارنة مع نموذج "جي بي تي-4 أو" (GPT-4o) بالرغم من الفرق الكبير بينهما من حيث قوة معالجة التوكين.
ويمتاز نموذج لاما 2 الذي اعتمد عليه "شات بيت" بسعة 13 مليار توكين فقط في مقابل نموذج "جي بي تي-4 أو" بـ405 مليارات توكين.
نتائج "شات بيت" لامست حاجز الـ90% فيما يتعلق بدقة الإجابات مقارنة مع نموذج "جي بي تي-4 أو" (شترستوك) الاستخدامات العسكرية لنموذج "شات بيت"على مدار آلاف السنين، كانت السمة الرئيسية الملتصقة بالحروب هي الضبابية، فالتعامل مع ضبابية الحرب كان ومازال عاملا حاسما في كسب المعارك وبالتالي حسم نتيجة المعركة.
وتتعلق ضبابية الحرب بداية بمعرفة نوايا الخصم، ومن ثم تحركاته، وخططه العسكرية، وأخيرا الإدراك الظرفي لمجريات المعارك في ساحات القتال.
اليوم يجري تطويع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للتغلب على ضبابية الحرب من خلال رصد نوايا العدو، والتنبؤ بتحركاته بشكل مسبق، وتوفير إدارة ذكية للمعارك تحافظ على الوعي الظرفي، وتقليص الوقت اللازم في معادلة رصد الهدف ومن ثم تحييده والتي تسمى اختصارا بحلقة أودا (OODA).
بناء على المعلومات المتوفرة عن نموذج "شات بيت"، يمكن تلخيص دوره في العمل العسكري في النقاط التالية:
اتخاذ القرارات بسرعة ودقة: يُعزز "شات بيت" وعي القادة بساحة المعركة من خلال تقديم تحليل فوري ودقيق للبيانات، مما يساعد في تخطيط المهام بشكل مستقل ودعم القرارات التشغيلية تحت ظروف معقدة. دمج المعلومات من مصادر متعددة: يدعم النموذج دمج وتحليل البيانات من مجموعة واسعة من المصادر مثل الأقمار الصناعية، والاستخبارات السيبرانية، وشبكات الاتصالات، مما يوفر رؤية شاملة للعمليات العسكرية المشتركة. دعم العمليات المشتركة: يُمكن النموذج من تحسين التنسيق بين الأنظمة المختلفة في العمليات المشتركة (Multi-domain Operations)، بما يتماشى مع "دليل العمليات المشتركة لجيش التحرير الشعبي"، الذي دخل مرحلة التطبيق التجريبي في عام 2020. الاستخدام النفسي والإعلامي: يُستخدم "شات بيت" لإجراء عمليات التأثير الإستراتيجي من خلال إنتاج محتوى يعزز الروايات المؤثرة ويُضعف معنويات الخصوم، بالإضافة إلى تبسيط استخراج وتحليل البيانات لدعم الاستخبارات. التنبؤ الأمني وتحليل البيانات: يُسهم النموذج في تحسين الوعي الأمني عبر تحليل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي وتسجيلات كاميرات المراقبة وسجلات الجرائم، مما يُتيح اتخاذ قرارات استباقية أكثر رشدا. الحرب الإلكترونية: يدعم "شات بيت" إستراتيجيات التشويش الدفاعية والهجومية. فقد أظهرت التجارب الصينية تحسينا في كفاءة التشويش الإلكتروني من خلال استخدام هذا النموذج بنسبة تتراوح بين 25-31%. الحوار العسكري والاستخبارات المفتوحة: صُمم "شات بيت" ليكون أداة فعّالة للحوار العسكري وجمع المعلومات الاستخباراتية المفتوحة، مما يجعله نموذجا محوريا في دعم تحليل المواقف والعمليات العسكرية. شات بيت يسهم في تحسين الوعي الأمني عبر تحليل منشورات وسائل التواصل وتسجيلات كاميرات المراقبة (شترستوك)ولكن وعلى الرغم من الإمكانات الكبيرة التي أظهرها "شات بيت"، فإنه يعاني من بعض القيود ويواجه بعض التحديات التي تؤثر على فعاليته في السياقات العسكرية المتقدمة:
إعلان أولا، يعتمد "شات بيت" بشكل كبير على البيانات المفتوحة المصدر، مما يحد من قدرته على التعامل مع السيناريوهات التي تتطلب معلومات سرية أو مصنفة عسكريا.هذا الاعتماد على البيانات المتاحة بشكل علني قد يقلل من كفاءته في العمليات التي تتطلب مستوى عاليا من الخصوصية والأمان، ويطرح تساؤلات حول مدى دقته.
ثانيا، قد يكون "شات بيت" عرضة لهجمات سيبرانية أو محاولات تلاعب من قبل الخصوم أو ما يسمى بـ"الهجوم العدائي" (Adversarial Attacks) بما في ذلك استغلال نقاط الضعف لنشر معلومات مضللة أو تشويش على خصائص استجابة النموذج.وتعتبر هذه الثغرات جزءًا من التحديات الأوسع التي تواجه الذكاء الاصطناعي في الاستخدامات العسكرية، حيث يسعى الخصوم بشكل مستمر لإيجاد واستغلال نقاط الضعف التكنولوجية لتعطيل، وخداع أو حتى إضعاف الأنظمة الذكية.
ويتطلب التعامل مع هذه التحديات تطوير إستراتيجيات متقدمة للأمن السيبراني وتعزيز قدرة النموذج على التعامل مع محاولات التلاعب والمعلومات الزائفة، وهذا يعني أن الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى عملية أمننة خاصة به تنقله من مستوى أداة لتعزيز الأمن إلى مادة تحتاج إلى تأمين بحد ذاتها.
وإلى جانب التحديات التقنية، يثير "شات بيت" قضايا أخلاقية حاسمة تتعلق بالاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي، فالطبيعة المزدوجة لتقنيات الذكاء الاصطناعي تجعلها قابلة للاستخدام في الأغراض المدنية والعسكرية على حد سواء، مما يطرح تساؤلات حول كيفية منع إساءة استخدامها في عمليات قد تنتهك حقوق الإنسان أو تؤدي إلى تصعيد النزاعات المسلحة.
وفي هذا السياق، يتعين على المجتمع الدولي أن يعمل على تطوير أطر حوكمة تتعامل مع هذه التحديات -وهنا قد يُشكك في قدرة المجتمع الدولي على القيام بذلك في المدى المنظور-، مع وضع ضوابط للاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في المجال العسكري.
إعلانوحاليًا، هناك جهود متزايدة من قبل المنظمات الدولية لمناقشة وضع معايير تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، لكنها لا تزال في مراحلها الأولية وتفتقر إلى توافق دولي واضح.
وربما يعد التوافق الأخير بين الولايات المتحدة والصين فيما يتعلق بتجنيب استخدام الذكاء الاصطناعي في الأسلحة النووية مؤشرا إيجابيا على جدية القوى العظمى في تحقيق توافق دولي حول الذكاء الاصطناعي العسكري ولكنه لا يكفي.
مستقبل تقنيات شات بوت العسكريةمن المتوقع أن تشهد تقنيات "شات بيت" والنماذج المشابهة تطورات كبيرة خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة، مما سيعزز من دورها في العمليات العسكرية بشكل كبير.
ويُرجح أن تتطور هذه النماذج لتصبح أنظمة أكثر استقلالية، قادرة ليس فقط على معالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات في الوقت الفعلي، ولكن أيضًا على التنبؤ بتحركات الخصوم بدقة غير مسبوقة بفضل تقنيات التعلم الآلي المتقدمة كالتعلم العميق وغيرها.
كما أن دمجها مع تقنيات ناشئة مثل الحوسبة الكمية، وتكنولوجيا النانو، والميتافيرس يمكن أن يُحدث قفزة نوعية في سرعة المعالجة ودقة اتخاذ القرارات، مما يسمح باستجابات أسرع في سيناريوهات المعارك الديناميكية خصوصا في ظل تشابك المجالات العسكرية الخمس: البرية، والبحرية، والجوية، والسيبرانية، والفضائية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير نماذج ذكاء اصطناعي خفيفة الوزن مخصصة للحوسبة الطرفية (Edge Computing) سيتيح استخدامها في البيئات ذات الموارد المحدودة، مثل العمليات الميدانية الأمامية أو مهام الاستطلاع في المناطق النائية.
كما ستعزز قدرات معالجة اللغة الطبيعية المتطورة (NLP) من كفاءة هذه النماذج في التعامل مع المهام الاستخباراتية متعددة اللغات، مما يزيل الحواجز اللغوية في العمليات المشتركة بين الدول.
في الختام، فإن التطورات المتعلقة بـ"شات بيت" وغيرها من النماذج الشبيهة تدفع بالمجتمع الدولي إلى مواجهة تحديات جديدة في سياق تنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي، خاصة مع استمرار الصين في توسيع حدود الابتكار لتعزيز تفوقها الإستراتيجي. ولذلك، تظهر حاجة ماسة إلى تطوير سياسات دولية تحكم الاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي، وتطوير معايير لآليات الشفافية والمساءلة.
إعلانويعكس تطوير "شات بيت" في النهاية القدرة على تطويع التكنولوجيا الحديثة لتلبية احتياجات إستراتيجية، مما يجعله حجر زاوية في فهم ديناميكيات سباق التسلح التكنولوجي المستمر بين القوى العالمية الكبرى لا سيما الصين والولايات المتحدة.