سورتا الفلق والناس.. سبب ضرورة قراءة المعوذتين كل يوم
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
تعتبر المعوذات، وعلى رأسها سورتا الفلق والناس، من أعظم ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الشرور والمصاعب التي قد تواجه الإنسان في حياته اليومية. فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام النسائي، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟" ثم قرأ عليه سورتي الفلق والناس، وقال: "اقرأ بهما كلما نمت وقمت".
في هذا الحديث، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يوصي الصحابي عقبة بن عامر رضي الله عنه بقراءة المعوذتين في جميع الأوقات، سواء في النوم أو اليقظة، ما يعكس أهمية هذه السور في حماية المسلم من الشرور، وقدرتها على دفع الأذى عن الإنسان.
المعوذتان في حياة المسلمسورة الفلق وسورة الناس، هما سورتان قصيرتان تتضمنان تعويذات من الشرور والمخاوف المختلفة التي قد يتعرض لها المسلم في حياته، فمع سورة الفلق، يستعيذ المسلم بالله من شرور الخلق، ومن شر الليل إذا حلّ، ومن شر الحساد الذين يتربصون بأبناء آدم. بينما سورة الناس تركز على الاستعاذة بالله من وسوسة الشيطان وشره، الذي يسعى جاهداً لتحريف الإنسان عن طريق الحق.
الفوائد الروحية والمعنويةإن قراءة المعوذتين تمنح المسلم قوة روحية عظيمة، فهي بمثابة حصن واقٍ من الشياطين، والأذى، والمكاره، وفي الحديث الذي ذكرناه، يظهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هاتين السورتين في كثير من الأحيان، ولا سيما في أوقات الصباح والمساء، لتكونا درعًا يحميه من مكائد الأعداء وأذى الدنيا.
إضافة إلى ذلك، فإن قراءة المعوذات تعزز من إيمان المسلم بقدرة الله تعالى على حمايته ورعايته. فعندما يستعيذ المؤمن بالله من شرور العالم، فإنه يعترف بعجزه ويُقرّ بأن الله هو الحامي والواقي. وهذه الاعترافات تعزز التوكل على الله، وتزيد من السكينة والطمأنينة في القلب.
كيف يمكن للمسلم أن يدمج المعوذتين في حياته؟
الانتظام في قراءتهما يومياً: يفضل قراءة المعوذتين بشكل مستمر، سواء في الصباح أو المساء، أو قبل النوم، كي تكونا بمثابة حصن منيع للمسلم.
قراءة المعوذتين مع سورة الإخلاص: فقد ورد عن بعض العلماء أنه من الأفضل قراءة سورة الإخلاص قبل المعوذتين. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرؤهن معًا، ما يزيد من فضل هذه القراءة ويكمل الحماية التي توفرها للمسلم.
تعليم الأطفال وأفراد الأسرة: من المهم تعليم الأطفال والجيل الصاعد أهمية المعوذتين وقراءتهما بشكل دوري، حتى ينشأوا على الارتباط بالله والاستعاذة به من كل مكروه.
تخصيص وقت للتفكر في معاني السورتين: لا تقتصر قراءة المعوذتين على مجرد التلاوة، بل يجب أن يتأمل المسلم في معاني السورتين وكيفية تطبيقهما في حياته اليومية. فهذا التأمل يساهم في تعزيز الوعي الروحي والتقوى.
إن المعوذتين، الفلق والناس، هما من أعظم النعم التي وهبها الله تعالى لعباده لحمايتهم من شرور الدنيا والآخرة، وقد أكدت الأحاديث النبوية على أهمية قراءتهما في حياتنا اليومية، بما يسهم في حماية المسلم من الأذى والشر.
ولذا، يجب على كل مسلم أن يحرص على قراءتهما بانتظام، ويعلم أن ذلك ليس مجرد عادة، بل هو عبادة تقربه إلى الله وتحفظه من كل ما يضره.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المعوذتين سورة الله الشياطين صلى الله علیه وسلم فی حیاته
إقرأ أيضاً:
الروم والمسلمون.. قراءة في السياق القرآني
عندما ظهر الإسلام كانت جزيرة العرب في تنافس بين الإمبراطوريتين المجاورتين: فارس والروم، وكان العرب مستقطَبين؛ من الفرس كالمناذرة، ومن الروم كالغساسنة. والفرس مع ولاء الحيرة لهم؛ يسيطرون عسكريا على ساحل عمان الشمالي، وعلى أجزاء من اليمن؛ بعدما قضوا على الوجود الحبشي فيها المدعوم من الروم. والشام واقعة تحت سيطرة الروم، مع ولاء الغساسنة لهم. والحجاز.. ليس بعيدا عن أطماع الدولتين، وكانت الدعوة المحمدية مهددة من قِبَلهما. وبعد أن أخذ الإسلام بالانتشار وبدأ العرب نهضتهم في ظل الدين الجديد ازداد توجس الفرس والروم منهم، فدخلوا معهما في مواجهة منذ عهد النبي محمد. المقال.. يتحدث عن صراع الروم مع القوة الإسلامية الجديدة من خلال رصد القرآن له، مع رجاء أن أكتب عن المواجهة بين هذه القوة والفرس في المستقبل.
للمواجهة بين العرب المسلمين والروم البيزنطيين سببان:
- سياسي، حيث إن نشوء قوة عربية موحَّدة سيغيّر موازين القوى في جزيرة العرب، ويعطيها قدرة على المناورة بين الروم والفرس، وربما تتحالف هذه القوة الناشئة مع الفرس؛ باعتبار أنه لم يظهر للروم بعد هدفُ الدعوة المحمدية، وهو استقلالها التام عن أية تبعية دينية وسياسية.
- ديني، كان الروم يسيطرون على الشام، و«المسجد الأقصى» تحت ولايتهم، وقد سعى النبي محمد إلى «تطهيره» بكونه أحد المسجدين اللذين أقامهما النبي إبراهيم؛ هو والمسجد الحرام، وكان اليهود حينها قائمين بالقدس، فوقفوا ضد النبي بعدما وعدوه بالنصرة، كما وردت بذلك «سورة الإسراء». انظر.. مقال «الإسراء.. من الواقع إلى المتخيّل»، بجريدة «عمان»، بتاريخ: 28/ 2/ 2022م.
يقول الله تعالى: (الـم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ، أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ، أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) -الروم:1-10-، وهذه القراءة.. بضم «الغين» وكسر «اللام» في (غُلِبَتِ)، وفتح «الياء» وكسر «اللام» في (سَيَغْلِبُونَ) هي التي يقرأ بها المسلمون الآن، وبها نتعبّد لله.
تناقل المفسرون بعضهم عن بعض تفسير هذه الآيات بأنها تحدثت عن الاقتتال بين الفرس والروم، وأن الفرس في الجولة الأولى انتصروا على الروم، ففرح مشركو مكة بانتصار «الفرس المشركين» على الروم باعتبارهم «نصارى كتابيين»، واستاء المسلمون، فأنزل الله الآيات تبشرهم بأن الروم سينتصرون على الفرس في بضع سنين. وهذا التفسير أول مَن قال به مقاتل بن سليمان (ت:150هـ)؛ أي بعد حوالي قرن ونصف من نزول السورة. ويبدو أنه لسابقة الحروب بين الفرس والروم؛ ظن المفسرون أن السورة نزلت فيهما، ولم ينتبهوا بأن القرآن لا يتكلم عن صراع الأمم، وكل حديثه عن الصراع بين الإيمان والكفر. والذي ينظر في السورة لا يجد ذكرا للفرس، فقد أقحموا على التفسير من خارج سياقها.
يقول الله تعالى: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ)، فكيف يفرح المؤمنون بانتصار المسيحيين الروم -وهم أعداء للنصارى الموحدين لله المنتشرين في المنطقة حينذاك- وقد ألّهوا عيسى بن مريم؛ أي أنهم «مشركون» مثل الفرس؟! ولو قدّرنا أن المسلمين فرحوا؛ فكيف يقرّهم عليه القرآن؟! هذا ليس من أسلوبه، فلا يوجد فيه امتداح للمشركين قط. ثم لو حُمِلت الآيات على فرح المؤمنين بانتصار الروم على الفرس؛ فكيف يعد الله الروم بالنصر؟! وإذا قيل: بأنه وعدٌ للمؤمنين بانتصارهم في معركة بدر. قلتُ: فأين ذِكْرُها هنا؟! كما أن السورة يختل إحكامها والآيات يتبدد معناها. ثم ما الذي يجعل مشركي مكة يفرحون بانتصار الفرس، وهم لا يجمعهم جامع ديني ولا ينتظمهم نظام سياسي؟! بل العرب منذ القديم يُكِنّون العداء للفرس.
فالمناذرة.. على الرغم أنهم واقعون في بوتقة الفرس، وجعلوا من أنفسهم وبلادهم حائلَ صدٍّ عن وصول الروم إليهم بالمدافعة عن حدودهم، إلا أنهم ظلوا في أنفة منهم، وأبوا أن يداخلوهم اجتماعيا، ولو بمصاهرة الأكاسرة، وهذا معلوم من طبع العرب. وعندما انتصروا يومَ ذي قار بقيادة هانئ بن مسعود الشيباني على الفرس فرح سائر العرب، وقد روي عن النبي أنه قال: (هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا)، وقوله: (وبي نصروا) إشارة إلى دعوته لتوحيد الله؛ حيث كان العرب الذين واجهوا الفرس على النصرانية الموحدة، وهم غير المسيحيين الأقنوميين المؤلهين لعيسى بن مريم، فكأنها كانت حينها ثورة من المؤمنين بالله ضد الشرك.
توجد قراءة أخرى قُرِئ بها في صدر الإسلام؛ يعدّها المفسرون من القراءات الشاذة، وهي: (غَلَبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيُغْلَبُونَ)، بفتح «الغين» و«الباء» في (غَلَبَتِ)، وضم «الياء» وفتح «اللام» في (سَيُغْلَبُونَ)، وممن قرأ بها من الصحابة: علي بن أبي طالب وأبو سعيد الخدري وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس، ومن التابعين معاوية بن قُرَّة، وقرأ بها أهل الشام، ولا أدري كيف بهذا تسمى شاذة؟! ومع ذلك؛ تقرر لدى طائفة من المفسرين بأن «القراءة الشاذة» يجوز الأخذ بها في تفسير القرآن والاستفادة منها في فهم معانيه، وقد تعرضوا إلى هذه القراءة بتفسير لا يخرج عن الصراع بين الفرس والروم.
دعونا ننظر في تفسير الآيات وفقاً لقراءة «غَلَبَتْ الروم» و«سيُغْلَبون»؛ بعيدا عن الصراع بين الفرس والروم، وإنما وفقاً للصراع بين الروم والمسلمين، نجده تفسيرا يتسق مع السياق التاريخي والإحكام القرآني، إذ المواجهة دارت بينهما، وبعدما غَلَبَتْهم الرومُ وعدهم الله بأنهم سينتصرون عليهم في بضع سنين، وهذا ما حصل، فإذا قدّرنا أن معركة تبوك في السنة التاسعة وفتح الشام سنة 16هـ، فهذا يعني أنهم انتصروا في بضع سنين. وهذه المعركة وقعت بين الشام والحجاز، في (أَدْنَى الْأَرْضِ)؛ أي أقرب للمدينة عن (الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى).
وقد وجّه الله عتابا إلى المؤمنين؛ خاصةً المتخلفين عن معركة تبوك، من ذلك قوله: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) -التوبة:117- ومن ينظر في سياق الآيات في «سورة التوبة» لا يجد الحديث عن المعركة يخرج مخرج انتصار المؤمنين. وغَلَبَة الروم في الجولة الأولى لا تعني هزيمة المسلمين عسكريا؛ فيكفي أنهم لم يتمكنوا من كسر شوكة الروم ولم يحققوا هدفهم من «تحرير» المسجد الأقصى بأن تكون الغلبة للروم، لا سيما؛ أن يهود القدس نكثوا في عهدهم مع المسلمين وانحازوا للروم.
وإذا نظرنا في قول الله: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ...) -الروم:9-10-، فالخطاب فيه للروم، فهم من كانت لأسلافهم قوة ضاربة شاهرة وعمارة فخمة ظاهرة؛ كما تدل عليها آثار الحضارة الرومانية، وهم من جاءتهم الرسل بالشام. أما مشركو مكة فلم يرد ذكرهم في السورة، ولم يُرسل إليهم من قبل: (لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ) -يس: 6-.