بوابة الوفد:
2024-12-02@14:31:30 GMT

قبل انفجار لغم «اللاجئين»

تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT



 
أثار قانون «تنظيم لجوء الأجانب» فى مصر حالة من الجدل بين التأييد انطلاقًا من الحاجة إلى توفير إطار قانونى يضمن التوازن بين حقوق المهاجرين والتزامات مصر اتجاه 9 ملايين لاجئ حسب تقديرات حكومية، بتكلفة 10 مليارات دولار سنويًا تتحملها الدولة، وبين من يرى أن بنود هذا التشريع المصرى الأول فى هذا الشأن، تثير حالة توتر ومخاوف من تقييد حقوق هؤلاء دون رقابة.


 تلك الحالة من الجدل المتبادل لا تسير فى الإتجاه الصحيح، لأن الخطر ليس فى القانون من عدمه، الخطر الحقيقى عدم الانتباه إلى مخططات الإتحاد الأوروبى بتصدير هذا «اللغم» إلى دول شمال أفريقيا عمومًا ومصر خاصة، والسعى لتحويل بلدان خارج التكتل الأوروبى إلى «مراكز استقبال» اللاجئين والتخلص من تلك الأزمة التى أوشكت على تفجير الإتحاد من الداخل.


بداية الكابوس:


بدأت أزمة اللاجئين فى أوروبا 2015، فى هذا العام فرَّ مئات الآلاف عبر البحر المتوسط هربًا من حجيم الصراعات والحروب فى الشرق الأوسط، فى هذا العام توالت المشاهد المأساوية واحدًا تلو الآخر، بداية من حالات الغرق فى المياة الليبية، مروروًا بعثور السلطات النمساوية على جثث 71 لاجئًا فى شاحنة تبريد مهجورة بالقرب من حدودها مع المجر، وصولًا لمشهد الطفل السورى «إيلان كردى» الذى جرفته الأمواج إلى شواطئ تركيا وهزت صورته ضمير العالم.
النقطة الفاصلة فى عام «أزمة اللاجئين» كانت 5 سبتمبر 2015 عندما قررت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» فتح الحدود لإستقبال آلاف اللاجئين من سوريا وأفغانستان والعراق، قائلة عبارتها الشهيرة آنذاك:« نستطيع إدارة هذا الأمر»، كان قرار «ميركل» إنحيازًا للإنسانية، ضاربًا بأصوات تتهمها بتعريض هوية ألمانيا وأمنها للخطر عرض الحائط.


قمة الصراع:


بعد مرور تسع سنوات وحالة الصعود المتسارع لأحزاب يمينية متشددة فى أوروبا، بدأ المزاج العام يتحول من «التوطين والدمج الحذر» إلى نبرة رافضة لإستقبال المهاجرين، وفتح الحدود أمام ما يسمونه «إرهابى محتمل»، وأصبحت عواصم أوروبا تقول بشكل واضح:«لا..لا نستطيع»، ردًا على ما مقولة «ميركل»: « نستطيع إدارة هذا الأمر».
فى ظل تلك الضغوط السياسية للأحزاب اليمينية المتطرفة، أصبحت الحكومات تتنافس لاتخاذ تدابير صارمة لمكافحة الهجرة، وإجراءات حازمة لغلق الحدود وتشديد الرقابة، فقد أعادت ألمانيا فرض عمليات التفتيش على جميع حدودها، وتعهدت فرنسا بمراجعة تشريعات الاتحاد الأوروبى التى لم تعد تناسب باريس، واقترحت السويد وفنلندا قوانين ضد المهاجرين، وقال الائتلاف الجديد فى هولندا، بقيادة حزب الحرية المناهض للهجرة: «إن البلاد لم تعد قادرة على تحمل تدفق المهاجرين»، وقامت السويد بزيادة ما تدفعه للأشخاص الراغبين فى العودة إلى أوطانهم إلى 30 ألف يورو.
تلك الحالة المزاجية الرافضة للهجرة وتشديد الرقابة على الحدود، أصابت دول الإتحاد الأوروبى بالتوتر، ورأى البعض أنها ربما تقضى فى المدى البعيد على منطقة « شنغن» التى تسمح بحرية التنقل فيها دون جوازات سفر، تلك المنطقة التى تعتبر واحدة من أكبر إنجازات الاتحاد الأوروبى وأكثرها أهمية اقتصاديا.


«مراكز العودة» ومحاولات الخروج:


فى ظل مواجهة تلك الأزمة التى باتت تعصف بالإتحاد الأوروبى، بدأت الأصوات تنادى بالتفكير والبحث عن حلول جديدة لمنع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، فبرزت فكرة الإستعانة بدول خارج الإتحاد الأوروبى لإستقبال المهاجرين ومعالجة طلبات اللجوء أو ما يسمى بـ«مراكز الاحتجاز والعودة» استشهادًا باتفاقية إيطاليا وألبانيا، وصفقة بريطانيا ورواندا.
وتحت ستار الاستثمار ومشاريع التنمية، والشراكات الاستراتيجية، بدأ الإتحاد فى إبرام اتفاقيات مع دول شمال أفريقيا، أهم بنود تلك التفاهمات هو مكافحة الهجرة، فتم التوقيع مع تونس يوليو 2023، وتقديم حزمة من المساعدات منها 105 ملايين يورو لهذا البند، وفى مارس 2024 دخل الاتحاد الأوروبى فى شراكة استراتيجية مع مصر بقيمة 8 مليارات دولار لتعزيز استقرار البلاد وجهود مكافحة الهجرة غير الشرعية، كما تم عقد صفقة مع تركيا عام 2016 بقيمة 6 مليارات يورو، وتم دفع 210 ملايين يورو لموريتانيا، كذلك الأمر بالنسبة إلى ليبيا ولبنان والمغرب... إلخ إلخ
الإشكالية أن منح الإتحاد الأوروبى لن تكون « شيكًا على بياض» كما تصور البعض، وظن خطئًا أن تلك المساعدات «رزق وربنا بعته.. وربنا يزيدنا من فضله كمان وكمان »!
فبعد توقيع تلك التفاهمات، ظهرت تقارير تتحدث عن «مكبات النفايات الصحراوية» فى موريتانيا والمغرب وتونس، وكيفية دفع المهاجرين من أطفال ونساء إلى مناطق صحراوية نائية، وتركهم يتدبرون شئونهم بأنفسهم، وتناولت أخرى انتهاكات ضد المهاجرين فى ليبيا، وبذلك يكون الاتحاد الأوروبى تنازل عن قيمه، وألحق الضرر بسمعته فى مجال حقوق الإنسان، والدفاع عن مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون!
وبعيدًا عن تلك الحلقة المفرغة من مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون، رأى البعض أن تلك المحاولات من البحث عن دول خارج التكتل الأوروبى كمراكز لاستقبال اللاجئين، يجعل الإتحاد عرضة للإبتزاز والتلاعب بإستخدام الهجرة كسلاح ضده وورقة ضغط عليه، كما فعل الرئيس الليبى «معمر القذافى» 2011 وتهديداته بإطلاق «طوفان» من المهاجرين إلى أوروبا إذا استمرت فى دعم المحتجين، لنصل فى النهاية إلى حلقة مفرغة من الأزمات والصراعات تبحث عن حل دون جدوى.
أخيرًا: ربما شرحت السطور السابقة خطورة «لغم اللاجئين» الذى تعانى منه أوروبا وتريد تصديره خارج حدودها، ويمكن تلخيصه فى جملة كتبتها «انجيلا ميركل» فى مذكراتها التى صدرت مؤخرًا تحت عنوان «الحرية ذكريات 1954 -2021 » عن تلك اللحظة الفارقة بعد فتح حدود ألمانيا، والتوترات الاجتماعية والسياسية التى أعقبت هذا القرار تقول: كانت لحظة لها « ما قبل وما بعد»!
فى النهاية : يجب التوازن الشديد بين الالتزامات الأخلاقية ومصالح البلاد بعيدًا عن إغراءات المنح والتفاهمات، والانتباه إلى خطورة التورط فى تلك الأزمة نيابة عن أوروبا، فنصبح تائهين بين قرار: « سنتمكن من ذلك» وبين صرخات: « لن نستطيع.. لن نفعل ذلك »، ونكون بين عشية وضحاها أمام إنفجار لغم لا يمكن السيطرة عليه.
حفظ الله مصر من كل سوء.

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: قبل انفجار اللاجئين تنظيم لجوء الأجانب المهاجرين مصر لاجئ دولار الاتحاد الأوروبي أزمة اللاجئين أوروبا ميركل معمر القذافي

إقرأ أيضاً:

«القومي لحقوق الإنسان» ينظم ورشة حول حقوق العمال المهاجرين وأسرهم

نظمت  اللجنة الاقتصادية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، برئاسة الدكتور محمد ممدوح، ورشة عمل تناولت حقوق العمال المهاجرين وأسرهم، مستندة إلى الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وشارك فيها قيادات وطنية ومؤسسات معنية بهذا الملف، وسط حضور مكثف من النقابات العمالية، والبرلمان، والأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني.

ورشة المجلس القومي لحقوق الإنسان 

ضمت الورشة السفيرة مشيرة خطاب، رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، والدكتور أيمن زهري، الخبير في شؤون الهجرة ورئيس لجنة الحقوق المدنية والسياسية بالمجلس، والدكتورة هدى عوض عضوة المجلس والسيد عبد الجواد أحمد أمين لجنة التنمية المستدامة والعدالة المناخية بالمجلس ، والمستشار إيهاب عبد العاطي، المستشار القانوني لوزارة العمل، والسيد عبد المنعم الجمل، رئيس اتحاد عمال مصر، والنائب إيهاب منصور، وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، ولفيف من قيادات الأحزاب السياسية المصرية وممثلي الفلاحين ونخبة من الخبراء في الحركة العمالية.

واستهلت السفيرة مشيرة خطاب أعمال الورشة، بكلمة شددت فيها على أهمية تعزيز حقوق العمال، مؤكدة أن حماية هذه الحقوق تمثل أحد المحاور الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة في مصر، مضيفة أن المجلس يؤمن بأهمية الدفاع عن حقوق العمال ليس فقط من الناحية القانونية، ولكن أيضًا من خلال نشر الوعي وتعزيز الشراكات الوطنية والدولية لتحقيق هذه الغاية، والتركيز على الفئات الأولى بالرعاية مثل العمال المهاجرين والفلاحين، والعمل على تحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية.

ممدوح: حقوق العمال ليست مجرد نصوص قانونية

وفي كلمته، شدد الدكتور محمد ممدوح، رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، على أن حقوق العمال ليست مجرد نصوص قانونية، بل هي جوهر العدالة الاجتماعية وركيزة أساسية لتحقيق التنمية، مشيرا إلى أن الورشة تمثل نقطة انطلاق لجهود أكبر تستهدف تعزيز الوعي بحقوق العمال على المستوى الوطني.

وأضاف: «اتفاقنا على بروتوكول تعاون مع اتحاد عمال مصر لدعم حقوق أكثر من 4.6 مليون عامل هو خطوة تاريخية، إذ سنعمل مع النقابات والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني على توطين هذه الحقوق في جميع المحافظات، لضمان أن كل عامل يحصل على حقه في بيئة عمل آمنة، وتأمين اجتماعي وصحي شامل».

وفي السياق ذاته، أعلنت الورشة توقيع اتفاق بين المجلس القومي لحقوق الإنسان واتحاد عمال مصر لإطلاق بروتوكول تعاون يهدف إلى دعم حقوق أعضاء الجمعية العمومية البالغ عددهم أكثر من 4.6 مليون عامل، والمنتسبين إلى 27 نقابة عمالية.

مقالات مشابهة

  • تأجيل استئناف 14 متهما في قضية تهريب المهاجرين
  • انفجار 5 أسطوانات غاز في (بركس دجاج) بالمفرق
  • خُمس المهاجرين من خارج أوروبا يقصدون ألمانيا..
  • الاتحاد الأوروبى: أوامر القبض على نتنياهو «ملزمة»
  • وزير العدل يستقبل رئيس الإتحاد الوطني لمنظمات المحامين ورؤساء المنظمات الجهوية
  • مفوضية اللاجئين تحذر من «زيادة مروعة» في العنف ضد النساء والفتيات
  • أثر الفراشة.. فيلم يحكي قصة معاناة رحلة اللاجئين السودانيين إلى أوغندا
  • «القومي لحقوق الإنسان» ينظم ورشة حول حقوق العمال المهاجرين وأسرهم
  • انفجار مقذوف حوثي يستهدف مدنيين في محافظة الضالع