حكم الشراء بالتقسيط عن طريق تطبيق إلكتروني .. دار الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (هناك تطبيقٌ إلكتروني تابعٌ لإحدى المنصات يقوم بالبيع بالتقسيط اعتمادًا على المتجر الخاص بالتطبيق، فيقوم العميل من خلال التطبيق باختيار السلعة وطريقة التقسيط من حيث المدة والثمن، وبمجرد الضغط على خيارٍ معينٍ في التطبيق يكون الشخص قد اشترى ما اختاره؛ وفقًا لأنظمة التقسيط المتاحة والرصيد المتاح للعميل، وهذا كله يتم بعد التعاقد بين العميل والشركة مالكة المنصة الإلكترونية، والذي تشترط الشركة فيه بعض الشروط لمعرفة المقدرة المالية لكل عميلٍ، والذي على أساسه يتم إتاحة الرصيد الخاص به، فما حكم الشرع في التعامل بهذا التطبيق الإلكتروني؟
وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال إن الشراء بالتقسيط عن طريق التطبيقات الإلكترونية التابعة للمنصات التي تقوم بالبيع بالتقسيط جائزٌ ولا حَرَج فيه شرعًا، فالمعاملة المذكورة تشتمل على عقدٍ مباحٍ بين الشركة والعميل، ثُمَّ عقد مرابحةٍ تتوسَّط فيه الشركة بين المتجر والعميل، بعد قبضٍ حكميٍّ من الشركة للمُنْتَج المراد تقسيطه، وكلاهما جائزٌ شرعًا.
كما أنَّ الشراء بالتقسيط في هذه الحالة لا يُعَدُّ من الربا؛ وذلك لتَوسُّط السلعة المراد تقسيطها بين الشركة البائعة والمشتري.
وذكرت دار الإفتاء أن واقع التعامل بهذا التطبيق -كما ورد في السؤال- يتم عن طريق عقدين مُرَكَّبين، الأول: عقدٌ طرفاه العميل والشركة، والثاني: عقد أطرافه العميل والشركة والمصنع أو معرض السلع الإلكترونية.
والعقد الأَوَّل لا حَرَج فيه؛ فالأصل في العقود والمعاملات الإباحةُ، ما لم يأتِ دليلٌ شرعيٌّ على التحريم؛ لقوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١١٩]، وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية: ١٣]، فكل ما لم يَنْهَ الشرعُ عنه فهو مباحٌ؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَسَنَّ لَكُمْ سُنَنًا فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَشْيَاءَ فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَتَرَكَ بَيْنَ ذَلِكَ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ مِنْ رَبِّكُمْ رَحْمَةً مِنْهُ فَاقْبَلُوهَا وَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» رواه الطبراني في “مسند الشاميين” -واللفظ له- وفي “المعجم الكبير”، والدارقطني في “السنن”، والبيهقي في “السنن الكبرى”، وابن عبد البر في “جامع بيان العلم وفضله”: عن أبي ثَعلَبةَ الخُشَنِيِّ، وصَحَّحه الحافظ ابنُ الصلاح، وحَسَّنه الإمام النوويُّ.
وأما العقد الثاني فتكييفه شرعًا: أنَّه مُركَّبٌ أيضًا من معاملتين متعاقبتين؛ تأخذ الشركة في المعاملة الأولى المنتَجَ المراد شراؤه نقدًا من المتجر بثمن حالٍّ تدفعه الشركة للمتجر، ثم تبيعه الشركة القائمة على التطبيق في المعاملة الثانية للعميل المتعاقِد معها بثمن مؤجَّلٍ معلوم الأجل والأصل والزيادة.
وأكدت انه من المقرر شرعًا أنَّه يصحُّ البيعُ بثمنٍ حالٍّ وبثمن مُؤجَّل إلى أجلٍ معلوم، والزيادة في الثمن نظير الأجل المعلوم جائزة شرعًا؛ لأنها من قبيل المرابحة، وهي نوع من أنواع البيوع الجائزة شرعًا التي يجوز فيها اشتراط الزيادة في الثمن في مقابلة الأجل؛ لأنَّ الأجل وإن لم يكن مالًا حقيقة إلَّا أنه في باب المرابحة يُزاد في الثمن لِأَجْلِهِ إذا ذُكِر الأجل المعلوم في مقابلة زيادة الثمن؛ قصدًا لحصول التراضي بين الطرفين على ذلك، ولعدم وجود موجب للمنع، ولحاجة الناس الماسَّة إليه بائعينَ كانوا أو مشترين. ولا يُعَدُّ ذلك مِن قبيل الربا؛ لأن القاعدة الشرعية أنه “إذا توسَّطت السلعة فلا ربا”.
صدى البلد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: دار الإفتاء
إقرأ أيضاً:
كيف يصمد الأوروبيون أمام عاصفة ترامب؟
في عام 1864 هبط خمسة بحارة من السفينة المحطَّمة «جرافتون» إلى اليابسة في أرخبيل أوكلاند وهو سلسلة من الجزر التي تبعد عن نيوزيلندا بحوالي 400 كيلومتر الى الجنوب. كانوا لوحدهم في أرض موحشة وطعامهم لا يكفي سوى لأسابيع قليلة. رغم ذلك تمكنوا من البقاء لمدة 20 شهرا قبل إنقاذهم.
إنجاز البحارة الفريد هذا لم يكن بسبب الحظ ولكنه يعود إلى قدرتهم على تجنب ثلاثة أخطاء هي الذعر والانقسام والتركيز على أهداف قصيرة الأجل على حساب البقاء في الأجل الطويل.
الحكومات الأوروبية مثلها مثل بحارة جرافتون لديها معرفة محدودة بالكيفية التي ستبدو عليها الأمور ونوع العواصف التي ستَهبُّ في السنوات الأربعة القادمة لرئاسة ترامب. على أية حال توحي فترته الرئاسية الأولى بأنها ستكون فوضوية وأن الأيام الأولى للرئيس الذي تجدد انتخابه مؤخرا ستؤكد ذلك دون شك.
لكي يصمد الأوروبيون أمام العاصفة القادمة يمكنهم استلهام تجربة بحارة جرافتون. وستعتمد فرص عدم تضررهم من رئاسة ترامب الثانية على قدرتهم الاحتفاظ برباطة الجأش والوحدة واستمرار التركيز على أولويات أوروبا في الأجل الطويل.
يواجه الأوروبيون الآن وضعا شبيها بوضع أولئك البحارة. فالذعر قد يدفعهم إلى تبني خيارات سيئة في تعاملاتهم مع ترامب. المثال النموذجي لهذه الطريقة العجلى في اتخاذ القرارات يمكن أن يتجسد في الآمال الأوروبية بأن الوعود بشراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة ستساعد القارة على تجنب الرسوم الجمركية الأمريكية. قد ترضي هذه السياسة ترامب في الأجل القصير. غير أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يجبر بها الاتحاد الأوروبي شركات الطاقة الأوروبية على استيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال ستكون حظر واردات الغاز المسال من روسيا. وقد لا يخدم شراء المزيد من الطاقة الأمريكية مصلحةَ الاتحاد الأوروبي في الأجل الطويل. فالشركات الأمريكية تزود الاتحاد الأوروبي بأكثر من نصف وارداته من الغاز المسال مما يجعل الأوروبيين عرضة للتهديدات الترامبية المحتملة بالحد من شحنات الغاز.
الخطر الثاني الذي تمكن بحارة جرافتون من تجنبه كان الانقسام. قرار البحارة بإنقاذ زميلهم البحار المريض «رينال» كشف عن إدراكهم المبكر لحاجتهم إلى التضامن لمواجهة القادم. إتباعا لهذا المنطق أعد البحارة عند وصولهم إلى اليابسة دستورا أسس قواعد لاتخاذ القرارات الصعبة واتضح أن هذا النظام كان حاسما في أهميته. فهو قد ضمن بقاء هذه الجماعة موحدة بصرف النظر عن التحديات التي واجهتها في نهاية المطاف.
يمكن للأوروبيين استلهام بعض العبر من حكاية هؤلاء البحارة مثلا في الرد على الرسوم الجمركية التي من المحتمل أن يفرضها ترامب على الواردات الأمريكية من الكتلة الأوروبية (أعلن ترامب في مؤتمر صحفي يوم الجمعة 31 يناير أنه حتما سيفرض رسوما على الاتحاد الأوروبي– المترجم)
من اليسير أن نرى كيف يمكن أن تدخل البلدان الأعضاء بالاتحاد في نزاعات شرسة حول ضرورة وكيفية الرد على رسوم الولايات المتحدة. فمن جهة قد تتردد البلدان الصناعية القوية والمهمة كألمانيا أو إيطاليا في الرد الانتقامي خوفا من اندلاع حرب تجارية شاملة عبر الأطلسي لا يمكن التنبؤ بمآلاتها. ولن يكون مثل هذا التردد مفاجئا. فإذا نشبت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ستضرر منها هذه الاقتصادات بشدَّة. إنها تشحن حصة كبيرة من صادراتها إلى الولايات المتحدة. وما هو أكثر من ذلك، البلدان العديدة في الاتحاد التي تعتمد على الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للواردات كإيرلندا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج وليتوانيا ربما تشعر بالقلق من أن تقود الرسوم على الواردات الأمريكية إلى تغذية التضخم المحلي.
من جهة أخرى إذا ألقينا نظرة سريعة على إحصائيات تجارة الاتحاد الأوروبي سنجد أن عدة اقتصادات كبيرة أخرى في الاتحاد (مثل فرنسا وبولندا وأسبانيا) يمكن أن تكون أكثر ميلا لتأييد اتخاذه إجراءات انتقامية. فالولايات المتحدة تستورد حصة صغيرة من صادرات هذه البلدان مما يوحي بأن ما تخسره في حرب تجارية عبر أطلسية أقل من خسارة العديد من جيرانها. نفس الشيء ينطبق على عدد من الاقتصادات الصغيرة التي لها روابط تجارية محدودة مع الولايات المتحدة مثل قبرص وسلوفينيا ولاتفيا ومالطا.
لدى الأوروبيين مثلهم مثل بحارة جرافتون الكثير الذي يخسرونه إذا فشلوا في البقاء موحدين. فالنزاعات حول التجارة ستكون في صالح ترامب بمنعها تشكيل رد أوروبي موحد ضد الرسوم الجمركية الأمريكية. وبدون وحدة 15 دولة عضو تمثل على الأقل 60% من سكان الاتحاد لن يكون بمقدور المفوضية الأوروبية فرض إجراءات انتقامية على الولايات المتحدة.
التجارة ليست المجال الوحيد الذي يمكن أن تتباين فيه مواقف البلدان الأعضاء في الاتحاد. فالعديد من التدابير المتعلقة بالصين في «حزمة ترحيب» المفوضية بالنسبة لترامب مثيرة للجدل في العواصم الأوروبية. فغالبا ما ستعارض ألمانيا وهولندا والمجر وسلوفاكيا مقترحات المفوضية بالتشدد ضد الصين. وهذه مشكلة كبيرة. فالمقترحات التي تفتقر لتأييد واسع لن تخلف انطباعا حميدا لدى ترامب. (حزمة الترحيب سياسة اقتصادية أعلنتها أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية في أوائل 2021 وتتعلق بالتدابير اللازمة لتعزيز الأمن الاقتصادي لأوروبا وتنافسيتها واستقلالها الذاتي الاستراتيجي – المترجم.)
التحدي الثالث لبحارة السفينة «جرافتون» كان عدم وجود فكرة لديهم عن المدة التي ستستمر فيها محنتهم. والخطورة في مثل هذا الوضع هي الانشغال بالأمور اليومية العادية على حساب البقاء في الأجل الطويل. تجنب البحارة هذه المشكلة ببراعة. فبدلا من الجدال حول كيفية اقتسام إمدادات الغذاء الشحيحة ابتدعوا طرائق للاستفادة القصوى من موارد الجزيرة (لحم أسود البحر وثمار التوت) وعلى الرغم من هبوطهم إلى الجزيرة في الصيف تمكنوا أيضا من تسخير طاقاتهم لتشييد مسكن متين (بمدفأة ومدخنة من الأصداف) واتضح أن ذلك القرار كان بالغ الأهمية. فقد ضمن صمودَ البحارة خلال شتاءين عاصفين قضوهما في درجة حرارة تحت الصفر.
على نحو شبيه بذلك على الأوروبيين حشد طاقاتهم على الفور لتشييد ملاجئ تقيهم عواصف ترامب القادمة. ولكي يفعلوا ذلك عليهم الامتناع عن إنفاق وقت أكثر مما يلزم في القلق من تصريحات ترامب الأكثر غرابة. فمثلما لا يمكن للبحارة تجنب عصف العواصف لن يكون بمقدور الأوروبيين منع ترامب من أن يكون «ترامب» وكما ذكر وزير الخارجية الأمريكي السابق انتوني بلينكن لجمع من الناس في باريس بعد تصريح ترامب بأنه حريص على شراء جزيرة جرينلاند «هذا لن يحدث. لذلك لا معنى للحديث عنه».
بدلا عن إضاعة الوقت في التفكير في أشياء لا معنى لها أفضل سبيل للأوروبيين الاستعداد لعاصفة ترامب بتركيز طاقاتهم لتقوية نقاط ضعفهم. يمكن لترامب التنمُّر على أوروبا بالضبط لأنها منقسمة وسيئة الاستعداد للتعامل مع العديد من أولويات اليوم.
لمواجهة هذه المسائل يحتاج الأوروبيين إلى التفكير مليَّا بدلا من الإسراع للرد على كل تصريح من ترامب وابتداع وسائل لمعالجة نقاط ضعف أوروبا بسياسات تساعد على تعزيز تمويل الابتكار وزيادة الإنفاق الدفاعي وعقد اتفاقيات تجارية مع بلدان الاقتصادات النامية.
بعد شهرين من تحطم السفينة جرافتون هبط 25 بحارا من السفينة «انفيركولد» بعد تحطمها في جزء آخر من أرخبيل أوكلاند. أصاب البحارة الذعر واختلفوا ولم يتمكنوا من التركيز على الأولويات التي تضمن لهم البقاء في الأجل الطويل ومات 16 منهم خلال سنة.
في الفترة الرئاسية الثانية لترامب يواجه قادة الاتحاد الأوروبي خيار اتباع خطى بحارة جرافتون أو السفينة انفيركولد. إذا اختار الأوروبيون التأسِّي ببحارة جرافتون عليهم أن يلزموا الهدوء والحفاظ على وحدتهم وتحويل طاقاتهم إلى مشروعات ستفيد القارة في الأجل الطويل وبعد فترة مديدة من نهاية الرئاسة الثانية لدونالد ترامب.
أغات ديماري زميلة أولى «سياسات» بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية