قرية أشباح قرب دبي تمنح لمحة عن ماضي الإمارات
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
في أحضان الكثبان الرملية، وعلى بعد ساعة فقط بالسيارة من ناطحات السحاب العملاقة بمدينة دبي، تقع قرية صحراوية مهجورة منذ تسعينيات القرن الماضي وتعد بمثابة لمحة عن ماضي البلاد قبل التحضر السريع لدولة الإمارات.
شيدت قرية "الغريفة" في السبعينيات لإيواء البدو شبه الرحل، لكن الاهتمام بها تراجع بعد عقدين من الزمان حيث حولت الثروة النفطية الإمارات إلى "مركز عالمي تجاري وسياحي"، تضم إمارتي دبي وأبو ظبي العملاقتين.
الغريفة، التي باتت شبيهة بـ "قرية أشباح"، والقريبة من بلدة المدام في إمارة الشارقة، أصبحت من المعالم السياحية الإماراتية في السنوات الماضية، حيث تمنح متنفسا للهروب من الأدغال الخرسانية، وفرصة نادرة لإلقاء نظرة على ماضي الإمارات الصحراوي.
يقول أحمد سكر، الأستاذ المساعد في جامعة الشارقة، وأحد أعضاء فريق بحث في موقع القرية لأسوشيتد برس، إن الغريفة، المكونة من صفين من المنازل ومسجد، "تستطيع أن تعلمنا الكثير عن التاريخ الحديث لدولة الإمارات".
تأسست القرية ضمن مشروع الإسكان العام بعد تشكيل دولة الإمارات، عام 1971، وهي اتحاد مكون من سبع إمارات.
اكتشف النفط في الإمارات قبل 13 عاما من هذا التاريخ، ما تسبب في إعادة تشكيل البلاد.
وذكر سكر أن القرية كانت تضم نحو 100 فرد من قبيلة الكتبي.
الكتبي إحدى القبائل الكثيرة التي عاشت حياة شبه بدوية حتى ذلك الحين، ولم يكن أفراد القبيلة يعملون سوى بالرعي، والسفر بين الواحات الصحراوية، وزيارة دبي وأبو ظبي عندما كانتا مدينتين سياحيتين صغيرتين تعتمدان على صيد الأسماك والغوص بحثا عن اللؤلؤ، بحسب أسوشيتد برس.
تتميز البنايات الإسمنتية، التي شيدت لتسهيل الانتقال إلى حياة مستقرة للبدو الرحل، بالجدران الداخلية ذات الألوان الزاهية وبعضها مزين بالفسيفساء.
وتعد مساحات المنازل شاسعة بحيث يستطيع شيوخ القرية استضافة مجالس محلية عرفية.
في أحد هذه المنازل، هناك ورق حائط يصور مناظر طبيعية خضراء مورقة، وهو تناقض صارخ مع المشهد الرملي الرتيب بالخارج.
ولم يتضح سبب هجران القرية بعد عقدين فقط من تشييدها.
تقول الروايات التي يتناقلها السكان إن "الأرواح الشريرة" هي التي طردت السكان، لكن سكر يقول إنهم ربما غادروا بحثا عن حياة أفضل في مدن الإمارات سريعة النمو.
كانت القرية تعاني أيضا نقصا في إمدادات المياه النظيفة والكهرباء، وتقع في مهب العواصف الرملية. وكان على العائلات القيام برحلة طويلة عبر الصحراء للوصول إلى الوظائف الحكومية والمدارس في دبي.
حاليا بدأت الحياة تدب في القرية الصحراوية شيئا فشيئا. فقد كانت الرمال تملأ المنازل، وتغطي جدران الغرف وتكاد تصل إلى السقف. ولم يبق على حاله سوى المسجد بفضل أعمال النظافة المنتظمة التي يقوم بها عمال الصيانة من بلدة المدام المجاورة.
ولا يزال بعض أحفاد السكان الأوائل يقيمون في المناطق الريفية في الإمارات، على الرغم من انتقال العديد منهم الآن للإقامة في مدن ناطحات السحاب المتلألئة ومراكز التسوق الفارهة والمكيفة ذات الشبكة مترامية الأطراف من الطرق السريعة الحديثة.
يشكل الأجانب المغتربون الغالبية العظمى من سكان الإمارات، وقد أثار ماضيها الأكثر تواضعا اهتماما كبيرا. فقد شهدت الآونة الأخيرة قيام المرشدين السياحيين بقيادة مجموعات من الزوار عبر القرية المهجورة، التي باتت تستخدم أيضا موقعا لتصوير أغان وكخلفية لمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر العارضات الأجانب والسيارات الفاخرة وعروض البذخ التي تشتهر بها دبي الآن.
قال نيتين بانشال، وهو مغترب هندي كان يزور الموقع: "أتساءل لماذا غادروا؟ هل كان ذلك بسبب الأرواح الشريرة؟، هل يمكن أن يكون سحرا أسود؟ لن نعرف أبدا".
قامت البلدية مؤخرا بتثبيت سياج حول القرية، إلى جانب بوابة أمنية وصناديق قمامة وتشييد موقف للسيارات. كان الزوار السابقون قد تركوا كتابات على الجدران وأزالوا بعضا من زينة الجدران وتسلقوا الأسطح الهشة لالتقاط الصور.
أزالت الإجراءات الجديدة قدرا من الغموض عن الموقع، وأثارت احتمال تحوله إلى موقع جذب سياحي آخر في بلد يغص بها الزوار.
وقال داني بوث، مغترب من جزيرة مان، التابعة للتاج البريطاني في البحر الإيرلندي لأسوشيتد برس، إنه قرر "القدوم وإلقاء نظرة على القرية قبل أن تتغير الأمور هنا".
وأضاف "ربما يكون من الأفضل، في بعض الأحيان، ترك هذه المناطق دون تدخل، لأنها تفقد سحرها عندما تكتظ بالزوار".
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً: