يشكك كثير من المعارضين لعملية طوفان الأقصى بكل ما يقال من أنها بأحداثها وتداعياتها شكلت تحديا وجوديا لإسرائيل، ويقللون في الوقت نفسه من قيمة وحجم تلك التحديات لأنها لم تخرج عن السيطرة العسكرية الإسرائيلية بحال، والتي استباحت لاحقا في عدوانها على غزة كردة فعل على العملية كل صور وأشكال القتل والتدمير والإبادة الجماعية.



ووفقا لأولئك المعارضين فإن عملية طوفان الأقصى مكنت الجيش الإسرائيلي من تحويلها إلى أداة وذريعة لوضع بعض مخططات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية المعدة مسبقا موضع العمل والتنفيذ، كتهجير أهل غزة والضفة الغربية، وقد تفضي نتائج تلك العملية بتداعياتها إلى دفع الجيش الإسرائيلي لإعادة احتلال غزة، وفرض حكم عسكري عليها.

يعتمد الحكم على عملية طوفان الأقصى إن كانت قد شكلت خطرا وجوديا على إسرائيل بالفعل أم لا "على زاوية التحليل" حسب الباحث والمحلل الاستراتيجي الأردني، الدكتور صبري سميرة، مضيفا "فالعملية من الناحية الأمنية مثلت تحديا غير مسبوق لمنظومة الردع الإسرائيلية وكشفت ثغرات كبيرة في استخباراتها واستعدادها العسكري، مما أضر بهيبتها داخليا وخارجيا".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ومع ذلك، فمن الناحية الاستراتيجية بعيدة المدى، فإسرائيل ليست على وشك الانهيار، فهي لا تزال تتمتع بتفوق عسكري ودعم دولي واسع، خصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن اللافت أن إسرائيل بذلت أقصى جهدها لاستغلال 7 أكتوبر لصالحها، ولتعزيز وجودها المادي والسياسي، وإضعاف الوجود الفلسطيني عبر الضربات القاسية على غزة".


                                             د. صبري سميرة باحث ومحلل استراتيجي أردني

وتابع: "ورغم الخسائر الفلسطينية الفادحة، إلا أن الفلسطينيين كسبوا تعاطفا وتأييدا عالميا أعاد قضيتهم إلى الواجهة الدولية.. لكن في المقابل فإن الفلسطينيين يواجهون تحديا وجوديا ماديا وسياسيا استراتيجيا إذا لم يتقنوا الاستثمار السياسي لنتائج 7 أكتوبر، فقد تتحول كل هذه التضحيات إلى خسارة".

وحذر المحلل الاستراتيجي سميرة من أن إسرائيل وأمريكا وحلفاءها قد يجدون ترتيبات جديدة تُفرض على الفلسطينيين بما يناسب مصالحهم، لا مصالح الشعب الفلسطيني، فالكرة الآن في ملعب القيادات الفلسطينية التي يجب أن تتفاهم وتتحد على مشروع سياسي واقعي وقيادي استراتيجي، يتعايش مع الواقع ويستثمر الزخم العالمي لتحقيق أهداف فلسطينية عادلة ومستدامة".

وفي ذات الإطار رأى الرئيس السابق للحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) في الداخل الفلسطيني- 1948، إبراهيم صرصور أن "عملية طوفان الأقصى كشفت الكثير من جوانب الضعف في البنية التحتية السياسية، الاجتماعية العسكرية والنفسية للمجتمع الإسرائيلي ومؤسساته التي تعتبر العمود الفقري لوجود إسرائيل، وهزت العملية الكثير من "المسلمات" الصهيونية".

وتابع مبينا المسلمة الأولى بالقول "إن القضية الفلسطينية كانت في طريقها إلى النسيان في ظل الدعم الدولي غير المحدود لإسرائيل من جهة، وقطار التطبيع الذي انطلق بأقصى قوة دون أن تحتاج إسرائيل لدفع أي نوع من الأثمان من جهة أخرى، فجاءت عملية الطوفان لتقلب الطاولة في وجه هذه "المُسّلَّمة" وأثبتت أن القضية الفلسطينية حية بدليل أنها أحرجت الأنظمة العربية حتى التي ذهبت بعيدا في تطبيعها مع إسرائيل".

وتابع: "وفرضت وجودها على أجندة اجتماعات قمتها المشتركة العربية ـ الإسلامية بغض النظر عن فعالية هذه المؤتمرات في وقف المجزرة ضد الشعب الفلسطيني، والأهم في هذا الصدد أن العملية أوقفت مخطط التطبيع الإسرائيلي السعودي الذي كان على وشك التوقيع، والذي لو تم لَدُقَّ المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية لأمد بعيد".

أما المسلمة الثانية، فتتمثل وفقا لصرصور في تصريحاته لـ"عربي21" من كون "إسرائيل تستطيع أن تعتمد على قوتها العسكرية لفرض أية معادلات مستقبلية على الأرض، ولن تستطيع أي قوة إقليمية أو دولية أن تحول بينها وبين ذلك، لكن عملية الطوفان أثبتت أن إسرائيل ليست أكثر من نمر ورق تمثل (جالوت) المعاصر المدجج بالسلاح، والتي أسقطه قتيلا (داود) الجديد الفلسطيني الذي لا يحمل إلا مقلاعا تحمله يد تتصل بقلب مؤمن بقضيته ملتزم بمنهج ربه وبهموم شعبه".


إبراهيم صرصور الرئيس السابق للحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) في الداخل الفلسطيني

وأردف "والذي حصل بالفعل أن عملية طوفان الأقصى كشفت ضعف إسرائيل، وقدرة تنظيم صغير ومحدود الإمكانيات المس بأقدس مقدساتها ألا وهي (القدرة العسكرية) بكل سهولة، فكيف لو واجهت إسرائيل جبهة عريضة من دول مصممة على استنقاذ الأرض والمقدسات"؟

ولفت إلى أن المسلمة الثالثة التي هزتها عملية الطوفان الدعوى القائلة بأن "المجتمع الإسرائيلي مجتمع متماسك رغم الخلافات التي تنشب ببين الحين والآخر بين مكوناته وأحزابه السياسية والأيديولوجية وحتى العرقية/الإثنية، لكن عملية الطوفان كشفت عن تهافت المجتمع الإسرائيلي وعمق الخلافات بين مكوناته المختلفة..".

من جهته وبرؤية مغايرة، علق الكاتب الفلسطيني المقيم في تركيا، أيمن خالد على موضوع التقرير بالقول "في عالم السياسة هناك نموذجان: الرغبات والمصالح، فإذا ذهبنا نحو الرغبات المخزنة في عقولنا فالنتائج كارثية وهي استعداء المحيط العربي واتهامه بالتقصير أمام صوابية السابع من أكتوبر".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "ولكن إذا نظرنا إلى المصالح فالمصالح تقول إن السابع من أكتوبر كارثة لأنه لم يحقق نتائج مادية ملموسة ولكن فقط حقق لنا رغبات، وهي رغبات قديمة مخزنة في عقولنا مفادها أن رؤية ضعف الخصم مكسب".


                                             أيمن خالد كاتب فلسطيني مقيم في تركيا

وذكر الكاتب الفلسطيني خالد المعارض لعملية طوفان الأقصى أن "الصورة الحقيقية هي أننا في عالم الرغبات نرى ما في عقولنا ولا نرى الحقائق، وفي عالم المصالح نرى عقولنا وضعفها وتقصيرها عن الأداء الأنسب وبالتالي تتطلب لغة المصالح الاعتراف بالخطأ والاحتكام للعقل، ومصافحة الخصوم في الرأي".

وأردف "وعدم توجيه تهمة صهاينة العرب للناس الذين اعترضوا على السابع من أكتوبر لأن رؤيتهم بُنيت على المصلحة التي تقول إن إسرائيل أمن قومي أمريكي، وأن قدراتنا على مواجهة أمريكا معادلة خاسرة، وأن المقاومة السلمية هي الحل لأنها لا تخسر خسارة المقاومة المسلحة" مؤكدا على أن "السلام الناقص أفضل من الحرب الخاسرة" على حد تعبيره.
.
وبدوره أكدّ الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، سري سمور أن "عملية طوفان الأقصى شكلت في توقيتها تحديا وجوديا حقيقيا لإسرائيل، لكن الذي أنقذ الوجود الإسرائيلي هو التدخل الأمريكي المباشر أو شبه المباشر، والمسارعة إلى شن حرب الإبادة، والاستنفار في المنطقة بأسرها".

وأضاف: "فمن حيث توقيت العملية فإسرائيل كانت تشهد ما يعرف بالأزمة القضائية، وهي تغيير سياسي جذري في المؤسسات الإسرائيلية، والذي قاده اليمين ونتنياهو، في الوقت الذي كان المجتمع الإسرائيلي يشهد انقساما مجتمعيا وسياسيا حادا بين الطرفين، وجاءت هذه العملية كضربة أخرى لإسرائيل".

وردا على سؤال "عربي21" لماذا شكلت عملية طوفان الأقصى تحديا وجوديا حقيقيا، قال سمور "أولا هذا باعترافاتهم هم، ولو شُكلت لجنة تحقيق سيتجلى الأمر بوضوح، ويظهر هذا إذا ما تتبعنا بعض العناوين الرئيسية، فإسرائيل دائما ما تتفاخر أنها متفوقة في المجال الأمني والاستخباراتي، ولا يفوت مؤسساتها الأمنية شيء، لكن أن تتم عملية الطوفان بهذه الصورة دون أن تتمكن أجهزتها الأمنية من معرفتها مسبقا، وتبقى مغيبة بعد ذلك لساعات ولا تعرف ما الذي حدث بالضبط، فهذا اختراق للمنظومة الأمنية التي تقوم إسرائيل عليها بالأساس".

وتابع "ومن المعروف كذلك أن إسرائيل تقوم على الردع، وهو ما فشلت به في السابع من أكتوبر بعد أن قامت حماس بتنفيذ عملية قوية كعملية الطوفان، وهو ما أضعف نظرية الأمن الإسرائيلية، وأظهر مدى هشاشة قوة الردع لديها، والقدرة على زلزلة تلك النظريات والمسلمات".


                                                 سري سمور كاتب ومحلل فلسطيني

ولفت إلى أن قوة إسرائيل كذلك "تتمثل بقدرتها على تأمين الحماية والأمن للمستوطنين الإسرائيليين في المستوطنات الإسرائيلية، وتأمين ملاذات آمنه لهم داخل فلسطين المحتلة، وهو ما سقط في طوفان الأقصى وبات شعورا عاما في أوساط الإسرائيليين من عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على تأمين ملاذا آمنا لهم في المستوطنات، بدليل الهجرة العكسية".

واستدرك سمور مشيرا إلى أن "طوفان الأقصى الذي شكل تحديا وجوديا بالفعل لإسرائيل انقلب، إذا ما أردنا الدقة، خلال عام بسبب التدخل الأمريكي القوي في المنطقة، ما وضع المقاومة في حرب مع أمريكا بوكالة إسرائيلية، فالجيش الإسرائيلي يقاتل بتسليح وتمويل وتخطيط ودعم وإسناد أمريكي، فالتدخل الأمريكي أنقذ إسرائيل من تهديد وجودي حقيقي".

وأنهى كلامه بالقول "عملية الطوفان أحدثت زلزالا في الحالة الإسرائيلية بأكملها، رسميا وشعبيا، وستظهر تداعيات هذا الزلزال وارتداداته بعد توقف الحرب، وقد ظهرت بعد وقف إطلاق النار مع حزب الله وبعد وقف إطلاق النار عينات صغيرة مما يتحدث به الإسرائيليون، وهي مخيفة، فما الذي سيقولونه بعد ذلك عن غزة بعد هذه الحرب الطويلة؟ ستكون هناك نتائج صادمة للمجتمع الإسرائيلي، وستزيد الهجرة العكسية، وستتجرأ أية قوى معادية لإسرائيل مستقبلا لمواجهتها عسكريا". 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير غزة احتلال الفلسطيني احتلال فلسطين غزة قراءة طوفان الاقصي تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عملیة طوفان الأقصى السابع من أکتوبر عملیة الطوفان أن إسرائیل

إقرأ أيضاً:

  «إسرائيل» تُدمر 90% من مباني غزة وتنفذ 6 آلاف عملية هدم في الضفة

 

 

الثورة   / متابعات

 

قالت المنظمة الدولية للهجرة، نقلا عن بيانات من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إن أكثر من 90 في المائة من المنازل في غزة دمرت وتضررت، في حين أن الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع تدفع المدنيين إلى كارثة إنسانية أعمق.

وأبرزت الوكالة الأممية في بيان على موقعها الإلكتروني أنه “مع عدم وجود مكان آمن للذهاب إليه، تلجأ الأسر إلى أنقاض غير آمنة، لدينا مساعدات إيواء جاهزة ويجب فتح نقاط الدخول الآن”.

وأدى الدمار الواسع النطاق للمنازل والبنية التحتية الحيوية في غزة إلى تراكم 50 مليون طن من الأنقاض، مما أعاق بشدة حركة السكان وعرّض الأشخاص ذوي الإعاقة لمخاطر متزايدة أثناء النزوح.

يأتي هذا فيما قالت بلدية غزة، إن الاحتلال الإسرائيلي دمّر ما يزيد عن 85% من إجمالي الآليات الثقيلة والمتوسطة التابعة للبلدية خلال عدوانه على قطاع غزة، طيلة 16 شهرا.

وأوضح المتحدث باسم البلدية عاصم النبيه في تصريحات إعلامية، أن هذا التدمير أثر بشكل كبير على حجم الخدمات المقدمة للمواطنين، وأعاق رفع وترحيل 175 ألف طن من النفايات المتراكمة وصيانة خطوط شبكات المياه والصرف الصحي المتضررة .

إلى ذلك نفذت قوات العدو الصهيوني منذ السابع من أكتوبر 2023 م، 5,939 عملية هدم لمنازل ومنشآت في مختلف أنحاء الضفة الغربية، في إطار عدوانها المستمر ضد الشعب الفلسطيني وسياستها الممنهجة لمحاصرة التوسع العمراني الفلسطيني وفرض واقع قهري يهدف إلى تهجير السكان الأصليين.

وقالت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن الاحتلال يسعى من خلال تصعيد إجراءات الهدم والاستيلاء على الأراضي إلى فرض أمر واقع جديد في الضفة الغربية عبر تطبيق فعلي لمخططات الضم، وعزل القرى والبلدات الفلسطينية داخل كانتونات ضيقة.. مشيرة إلى أن سلطات الاحتلال نفذت خلال شهر مارس الماضي وحده 58 عملية هدم في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، تركزت في محافظة طولكرم بـ13 عملية، والقدس بـ8 عمليات، ونابلس وجنين بـ7 عمليات لكل منهما.

وبدعم أمريكي وأوروبي، ترتكب «إسرائيل» منذ 7 أكتوبر 2023، إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 168 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • خطيب المسجد الأقصى يدعو للتحرك العاجل لوقف العدوان الإسرائيلي على القدس
  • جيش الاحتلال يقر بفشله في حماية مستوطنة نير إسحاق يوم 7 أكتوبر
  • صحيفة عبرية: المخطط الإسرائيلي لضم الضفة الغربية أصبح واقعا
  •   «إسرائيل» تُدمر 90% من مباني غزة وتنفذ 6 آلاف عملية هدم في الضفة
  • مسير ومناورة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في مديرية جحانة بصنعاء
  • مسير شعبي في الشعر بإب لخريجي دورات “طوفان الأقصى”
  • مسير ومناورة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في جحانة بصنعاء
  • السيد القائد : العدو الإسرائيلي يعتمد على التجويع كوسيلة من وسائل الإبادة للشعب الفلسطيني
  • بينهم سيدتان.. إسرائيل تفرج عن 12 أسيرا فلسطينيا من غزة
  • اجتماع وزاري عربي في القاهرة: لا سيادة لإسرائيل على القدس ومقدساتها