البرهان وعبد الحي.. الحاوي والأفاعي
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
لم استغرب من حديث الشيخ عبد الحي يوسف، الذي فتح النيران على قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقال فيه ما لم يقله مالك في الخمر؛ وان كان الحديث صادماً لكثيرين من أنصار الحرب، ومجموعات مغيبة عن حقيقة المشهد؛ إلا أن الحديث وردود لأفعال استدعت إلى ذاكرتي وصف الرئيس المغدور علي عبد الله صالح لحكم اليمن وتشبيهه بأنه " مثل الرقص فوق رؤوس الأفاعي".
ولرؤية الصورة من كل الزوايا، كان لا بد من طرح تساؤلات مرتبطة بكيفية صعود البرهان على خشية المسرح السياسي، وتولي قيادة الجيش؟ ما علاقة صعود الجنرال بحراك ديسمبر الثوري وتياره الجارف من جهة وبين محاولات الإسلاميين للانحناء للعاصفة؟
انتفض الشعب في عام ٢٠١٨ انتفاضة ماردٍ هبَّ من غفوته، وسار كاندفاع السِّيل في قوته، حيث تصاعدت الأحداث تباعاً، ومر الحراك الثوري بحالات مدٍ وجزرٍ، وسط عزيمة وإصرار عظيمين على ضرورة الانتصار، قادت التراكمات النوعية والكمية، إلى زلزال السادس من أبريل ٢٠١٩، الذي هزّ أركان النظام وبعثرها.
ومع ذلك؛ لم يكن أمر اسقاط نظام الإسلاميين بكامل مكوناته أمراً سهلاً، فللإسلاميين وجودٌ ضخمٌ ومؤثر داخل الجيش، وأقرَّ مؤسس الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي، باختراقهم للجيش منذ عام ١٩٧٧، وعندما وصلوا إلى السلطة في عام ١٩٨٩ اشترطوا للالتحاق الطلاب بالكلية الحربية الحصول على تزكية من التنظيم الإسلامي؛ ليحتكر الإسلاميون رتب الضباط منذ عام ١٩٩٠ حتى سقوط البشير؛ مع وجود استثناءات لضباط غير إسلاميين، لكن بعد ثلاثين عاماً أكلت دابة الأرض منسأة النظام الإسلامي حتى لم يتبقى أمام قادته غير اللجوء إلى أعداد سيناريوهات قادرة على امتصاص الصدمة وفتح الأبواب أمام المناورة مع الشارع الملتهب.
صعد الفريق أول عوض بن عوف، وسقط خلال ٤٨ ساعةً وعكس ذلك حجم الارباك داخل المنظومة الحاكمة ولجنتها الأمنية في مواجهة عواصف وزلازل الشوارع الثائرة، كما أظهرت مستوى صراعات مراكز القوة وسط قيادات الحركة الإسلامية، مع بروز محاور إقليمية داخل ذات المنظومة ليتفق الجميع تحت ضغط الشارع على ذهاب البشير، انحناءً للعواصف.
أطاحت تلك التوازنات بالحلف المكون من وزير الدفاع عوض بن عوف، ورئيس هيئة الأركان كمال عبد المعروف، ومدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح عبد الله قوش، وكشفت مصادر عليمة أن جماعات من الحركة الإسلامية اجتمعت أيام الحراك الثوري، وأوصت بتولي الفريق البرهان، رئاسة المجلس العسكري، فقبل البرهان التكليف المشروط من الجهتين، حيث اشترط الإسلاميون الاحتفاظ بأموالهم وأصولهم ومنظماتهم مقابل ابتعادهم مرحلياً عن المشهد على أن ينفذ البرهان خطةً لاجتثاث بذور ديسمبر، وابعاد القوى السياسية المنظمة، وعلى وجه التحديد قوى الحرية والتغيير، وافق البرهان، على العرض المقدم، واشترط لتولي رئاسة المجلس تعيين قائد قوات الدعم السريع نائباً له.
.
حرص البرهان، قبل اعلان بيانه على الظهور في ساحة الاعتصام، وأكد أنه جاء للحوار مع قادة المعارضة، ومن الواضح أنَّ الجنرال رتبَّ أوراقه، وأراد المناورة مع قوى الثورة باستخدام تكتيكات الغرض منها كسب الوقت، وامتصاص الغضب الشعبي على البشير والإسلاميين، وكان الجيش والأمن أهم أدوات المناورة والقوة، في وقت لا تمتلك فيه قوى الثورة مؤسسات عسكرية وأمنية تحل محل القوى الموجودة.
استخدمت القوى المضادة للثورة أساليب متعددة لضربها؛ بدءً بحملات اغتيالات معنوية وظفت فيها وسائل التواصل الاجتماعي حيث نظمت حفلات شواء كثيفة الأدخنة، ولم تمر لحظة دون صدور منشورات متنمِّرة، وكتابات ساخرة، وأخبار كاذبة وقصص مفبركة، واتهامات بالخيانة والعمالة بغرض التقليل من رموز الحكومة الانتقالية وتشويه سمعتهم، ولأن المشروع الإسلامي أهم شعاراته هو " فلترق كل الدماء" استهدفوا رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ومارسوا ضده اغتيال معنوي ومحاولة اغتيال جسدي.
كانت البداية بمجزرة فض الاعتصام، ووجه النائب العام في السودان تهما جنائية متعلقة بجرائم ضد الانسانية بحق ضباط وعناصر من الدعم السريع، لدورهم في فض اعتصام القيادة العامة. وقالت لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة، إن ثمانية ضباط على الأقل سيتهمون بارتكاب جرائم ضد الإنسانية لدورهم في ما وصف بالقتل الجماعي للمتظاهرين في أوائل يونيو ٢٠١٩.
ظلت قضية مجزرة فض الاعتصام محل مساومات ومزايدات، ما بين تصريحات الفريق البرهان، باتهامه للدعم السريع بفض اعتصام القيادة، مع أن ذات الرجل كان قد نفى تورط الدعم السريع؛ يفهم تناقض تصريحات البرهان، حيث كان موقفه الأول يتسق مع علاقة شهر العسل بين الجنرالين، أما التصريحات التالية فقد جاءت بعد تفجر الحرب بينهما، ثم بدأ العسكريون في ارسال رسائل متتالية لزعزعة الاستقرار، إما عن طريق محاولات انقلابية، أو بث شائعات بانقلاب، وتصوير المكون العسكري بصورة المدافع عن الانتقال؛ وسبق أن أدانت محكمة عسكرية عدداً من الضباط بالاشتراك في محاولة انقلابية في 11 يوليو 2019، وحكمت بالسجن 9 سنوات على رئيس أركان الجيش السابق، الفريق هاشم عبد المطلب، الذي تزعم المحاولة الانقلابية، وكذلك على اللواء ركن عبد العظيم الأمين قائد قوات الدفاع الشعبي، واللواء ركن بحر أحمد قائد المنطق العسكرية الوسطى، والعميد ركن محمد قرشي الأمين قائد أمن القوات المسلحة، والمقدم ركن صالح فضل المولى، وحكمت عليهم بالسجن 5 سنوات وخفض رتبهم العسكرية ثم الطرد من الخدمة.
حملت المحاولة " الانقلابية" رسالة إلى البرهان، الذي بدأ يلعب لصالح ورقه، وممارسة الرقص على السلالم، والمناورة بالجميع، فمرة يفاوض الحرية والتغيير، فيضغطه الإسلاميون، فيفض اعتصام القيادة، وعندما جاءت المجزرة بنتيجة عكسية وتأكيد تمسك الشارع بالحكم المدني، ورفضه نظام البشير وتوابعه، رعاد البرهان للتفاوض مرة أخرى، ثم تم تسريب بيان مسجل للانقلاب - بالصوت والصورة - للفريق عبد المطلب الذي أعلن فيه حل المجلس العسكري الانتقالي الذي يرأسه البرهان، و«إعادة الثقة بين الشعب وقواته المسلحة» عبر تسلم الجيش مقاليد الحكم في البلاد، بحجة أن المجلس العسكري الانتقالي «متردد وضعيف»، وتكوين مجلس عسكري جديد. وأقر الفريق عبد المطلب، في تسريب آخر مصور أثناء التحقيق معه، بأنه ينتمي إلى الحركة الإسلامية بقوله: «أنا (أنتمي إلى) الحركة الإسلامية منذ أن كنت ملازماً".
كانت الرسالة واضحة من كلمات مثل " تردد" " ضعيف"، تسليم السلطة للجيش". والمقصود هنا عدم التزام البرهان بخارطة طريق الإسلاميين، وتشكلت الحكومة الانتقالية بتأييد شعبي واقليمي ودولي كبير، ولما اقترب موعد تسليم البرهان رئاسة المجلس السيادي لشخص مدني وفق اتفاق الوثيقة الدستورية، بدأ الجنرال يلتف على عملية التسليم، وعاد من جديد إلى حاضنته الإسلامية التي دفعته نحو الانقلاب مرةً أخرى.
فشل سيناريو عزل الحكومة الانتقالية، و لجأ البرهان، بالتواطؤ مع حمدان، إلى اتخاذ تدابير عسكرية عبر انقلاب أكتوبر ٢٠٢١ للانقضاض على المرحلة الانتقالية و ساهم قائد الدعم السريع مساهمةً كبيرةً في التخطيط للانقلاب، وتنفيذه وذلك عبر دعم اعتصام القصر وقوى الكفاح المسلح وتأجيج صراعاتها مع القوى المدنية، ثم جاء دورهما المشترك في تأجيج نيران شرق السودان وتحريض ودعم قادتها القبليين المنتمين للحركة الإسلامية وتحفيزهم على اغلاق الموانئ وشارع بورتسودان الرئيسي، من أجل خنق الحكومة وخلق حالة تذمر وسط المواطنين؛ يأتي ذلك بالتزامن مع بروز عصابات " تسعة طويلة" المسنودة من الأجهزة الأمنية والاستخبارية.
اشتعلت الحرب اللعينة التي خطط لها الإسلاميون، وهدفوا منها إعادة ترسيم المشهد السياسي بالدماء؛ إلا أن الحرب تطاول أمدها، ودخلت الأطراف مرحلة " الانهاك" لطول أمد القتال الشرس بين الطرفين، وظهر نتيجة لذلك شروخُ كانت مخفية داخل جدار الحركة الإسلامية، وبدأ تياران يتشكلان، أحد مراكزه في تركيا، والثاني مركزه متحرك، وهو الأكثر ارتباطاً بالبرهان.
بدأ تيار تركيا منذ أمدٍ بعيد يهاجم البرهان، ويصفه بالعمالة والتردد، وتشكلت قناعات لديهم بأن البرهان يحتمي بهم، ويعزز قوته بمليشاتهم، لكنه يجير ذلك لطموحاته الخاصة بدعمٍ إقليمي ودولي يريد التخلص من الجناح المتطرف.
في هذا السياق تتبنى إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، مشروع تسوية أطرافها إقليمية، ترحب بأحد تيارات الحركة الإسلامية وترفض التيار الآخر، وهو التيار الأكثر تشدداً ومعاداة للمجتمع الدولي، وتدعم بعض من دول الجوار ودول خليجية هذه التسوية، والتي تعطي للعسكر مستقبلاً وضمانات لبعضهم بعدم المساءلة على جرائم الحرب بشرط إطفاء نيرانها، والتوصل إلى تسوية سياسية فيما بعد يقودها بعض المدنيين المقربين من الطرفين.
عبر البرهان عن تذمره من الإسلاميين أكثر من مرة، حيث صرح مباشرة في العام الماضي بأن الإسلاميين أفقدوا الجيش تعاطف أصدقاء مهمين، فيما قال الأسبوع الماضي " في كلمته خلال مؤتمر اقتصادي بمدينة بورتسودان، " أن المقاتلين في الميدان لا ينتمون إلى المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية، مشيرًا إلى أن السودان ليس بحاجة إلى المزيد من الصراعات أو الانقسامات في الوقت الراهن".
مؤكد أنَّ حديث البرهان، أثار غضب التيار الآخر بعد أن منعهم من عقد مؤتمر للشورى في بورتسودان في وقت سمح فيه بعقد مؤتمر لتيار كرتي الداعم المباشر لقيادة البرهان لهذه المرحلةـ وهو تيار برقماتي، سوف يصبر على مناورات البرهان، ولا يرفض استمرار رئاسته حتى انتهاء الحرب، فيما يصر التيار الثاني على ابعاد البرهان قبل انتهاء الحرب وسد الباب أمام طموحاته الشخصية ومشاريعه الإقليمية، وهذا ما عبر عنه الشيخ عبد الحي، المقرب من البشير وتياره، فهجوم الشيخ على قائد الجيش ووصفه بالعمالة والكذب والتردد يعني نقل الصراع المكتوم إلى العلن، حيث لم يستطع الرجل معه صبراً، بل أن عبد الحي، قصد الإشارة إلى أن ما تحقق من انتصارات كان بفضل الحركة الإسلامية وقواتها، وأن الحرب مثلت فرصةً لأحياء فضيلة الجهاد وبريق الحركة الإسلامية.
لا يوجد صراع فكري بين الإسلاميين الذين نضب معين انتاجهم المعرفي والسياسي منذ رحيل الشيخ حسن الترابي قبل ثمانية أعوام، ولا يوجد صراع حول كيفية حكم السودان، بقدر ما هو صراع للسلطة وللجاه، بينما تستخدم ورقة الدين للتجييش ودغدغة مشاعر المواطنين، وإذا ما أخرج عبد الحي يوسف الرأي الحقيقي في عبد الفتاح البرهان، وأعلنت بداية مفاصلة بينه وبين بعض الإسلاميين، فلا يتغير رأي تيار كرتي في الجنرال، لكن يتعاملون معه بطريقة " انتهازية" للاستفادة من الجيش ورمزية البرهان، إلا أن هذه المجموعة لها ذات الآراء لكنها تختلف في التكتيك وفي توقيت المفاصلة.
نعم يسير البرهان، في ذات طريق علي عبد الله صالح، تماماً، يرقص ذات الرقصة على رؤوس الأفاعي، حيث يحاول التحالف مع الجميع، ويتفق مع الجميع ويعمل ضد الجميع، ويعد الجميع بوعود مختلفة، ويبيع لآخرين " أحلام الأمل البعيد" بايهامهم بتشكيل حكومة منهم وابعاد خصومهم، لكن إلى متى تستمر اللعبة؟ هل يقضي على أفاعي الحركة الإسلامية بتعاون إقليمي ودولي وسيطرة على الجيش؟ أم سوف تلدغه حيةٌ سامة؟
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة الدعم السریع عبد الحی عبد الله
إقرأ أيضاً:
إن لم يكن البرهان عُطيل، فإن عبد الحي قطعاً هو أياغو
كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد
(لا نستطيع جميعاً أن نكون سادة، ولا طاقة لجميع السادة أن يجدوا خدماً أمناء)
تُحِيل هذه المقولة للكاتب الإنجليزي الكبير شكسبير في مسرحية عُطيل Othello لِما يمكن أن تجسده العلاقة بين الجيش السوداني والحركة الإسلامية في السودان، فإن كليهما لن يستطيع أن يكون سيّداً، نظراً لأن السيادة لا تجوز لأثنين في آنٍ معاً، إلا بشرط واحد هو أن يكونا في حالة حلول وإتحاد، وتطابق تام أو أن يكون أحدهما صدى باهت للآخر.. أما أن يكون لكل منهما كيانه المستقل، ونظمه الحاكمة، وماهيته الوظيفية، ومشربه المعلوم وغاياته الخاصة، فذلك ما يشير بأن الخلاف بينهما حتمي وواقع لا محالة، وتصدق رؤيا شكسبير أنه ليس بوسع الجميع أن يكونوا سادة. كما لاطاقة للجميع أن يجدوا خدماً أمناء.
قد لا تتطابق الأحداث وقع الحافر بالحافر بين ما يجري في السودان بواقعه الحالي الذي يَحِمل على الأسى واللوعة على مصير أهله، وبين أحداث مسرحية عطيل بأحداثها المشوقة التي تكشف أغوار النفس البشرية على مستويات الخيانة ،الغيرة ،الحب ،الفروسية، النجاح ، الخذلان بل والندم. غير أن هنالك نوع من التطابق بين واحدية الشعور البشري عندما يصطرع الخير والشر.. وعندما يعجز بنو البشر في أن يجدوا مغزى حقيقياً لحياتهم بعيدا عما جُبِلوا عليه من نزعة لإراقة الدماء والسير بينهم بالفتنة والغواية وكلما يحيق بالنفس من آمال وطموحات.
كان (عطيل) بطل المسرحية بطلاً تحققت له كل الميزات التي جرّت عليه الحقد، وأضرمت في نفس غريمه (أياغو) نيران الضغينة والبُغض ، فلجأ الأخير لحبك خيوط مؤامرة يفسد بها حياته ليحمله على تحطيم حياته بيده حيث لا يجد في النهاية مناصاً سوى الإنتحار. فقد أوغر صدره ضد زوجته بأنها تخونه ما حمل عطيل أن يقتلها و يقتل نفسه كأقسى ما تكون النهايات مأساوية.. فبرغم أن عطيلاً قد كان قائداً عسكرياً فذاً مشهود له بالكفاءة المهنية لدرجة أنه صار محط الغيرة وتفجير منابع الخبث عند غريمه وحياكة المؤامرات ضده . ورغم أن شخصيته لا تتطابق وشخصية البرهان. إلا أن ما قال به عبد الحي يوسف حول شخصية البرهان بأنه شر وخائن وكذاب وضعيف وليس له دين وأنه شخصية غير محترمة وأنه يكاد يكون مطيّة في يد الحركة الإسلامية التي وبحسب حديثه تسيطر حتى على مكتبه، يكون بذلك عبد الحي قد لعب دور (أياغو) الذي إستفز عطيل في ذاته وأوغر صدره بأن محبوبته في هذه الحالة (السلطة) لم تعد تحبه وأنها على علاقة مباشرة بتنظيم الحركة الإسلامية التي تتسيّد المشهد الحربي بخوض غمار المعارك بساحات فدائها. وأن عناصرها وقد إنتضوا صدر المعارك ببسالاتهم. وإرتقوا في سوحها شهداءاً وأبطالاً بتضحياتهم. فالقول الفصل في تحديد مسارات الحكم مستقبلاً لن يكون لأحد سواهم. وأن الجيش بقضه وقضيضه ما هو إلا لاعب ثانوي في معركة "الكرامة".
إن ما أدلى به عبد الحي في حق البرهان قد وسع الشقة الفاصلة بين أقطاب السلطة في حتمية المواجهة بين جيشٍ منهكٍ خائر القوى، مهلهل الأركان. يحارب على جبهات مختلفة أولها المعنوي على مستوى ترميم ذاته في نفسية أهل السودان الذين يكاد يستقر رأيهم بأن الجيش قد تصير في تخلقه الأخير واجهة للحركة الإسلامية، وبين الحركة الإسلامية نفسها التي وبعد أن تحلّبتْ ماء الحياة بالجيش لحين ظهور أياغو الحركة الإسلامية - عبد الحي يوسف - بوصفه أحد المتحدثين بأسمها متحدياً ومستفزاً حميّة الجيش وقادته ليفتح المشهد على مقولة شكسبير التي صُدِر بها هذا المقال (لا نستطيع جميعاً أن نكون سادة ولا طاقة لجميع السادة أن يجدوا خدما لهم.) وبذلك يكون عبد الحي قد فتح الطريق لبرهان أن يثبت أنه عطيل زمانه، فإما أن يكون البرهان بوصفه قائدا للجيش (سيداً) ، وأما تتسيّد الحركة الإسلامية المشهد طالما زعم عبد الحي أن كعبها في الحرب أعلى من كعب الجيش. فإن لم يكن البرهان عطيل زمانه، فحتماً أن بالجيش من تجيشُ في داخله الحمية والولاء للمؤسسة العسكرية ذلك أن بالجيش ألف عطيلٌ وعطيل.ُ
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com