قالت صحيفة نيويورك تايمز إن عملية القتل الجماعي لجنود من غرب أفريقيا على يد القوات الاستعمارية الفرنسية في نهاية الحرب العالمية الثانية في السنغال لا تزال محاطة بالسرية، لكن الحكومة السنغالية الجديدة تضغط الآن على فرنسا من أجل تبيان الحقيقة.

وانطلقت الصحيفة من درس من التاريخ في إعدادية تياروي قرب مكان مذبحة هؤلاء الرماة، عندما كان الطلاب يستمعون بهدوء لأستاذ التاريخ وهو يحكي قصة ذبح القوات الاستعمارية الفرنسية لجنود غرب أفريقيا الذين عادوا من القتال إلى جانبها عام 1944، وقد سأل أحد الطلاب لماذا ذبحوهم وتساءل آخر كيف قُتلوا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2جيروزاليم بوست تناشد نتنياهو وترامب العمل لإعادة الأسرى وإنهاء حرب غزةlist 2 of 2قادة الاستيطان يعدون خطة لضم كامل الضفة وتفكيك السلطةend of list

وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم إليان بيلتييه وسايكو جاميه من تياروي- أن حكومة السنغال ضغطت على فرنسا، قبيل الذكرى الـ80 لمذبحة تياروي، لتوضيح واحدة من أكثر حلقات حكمها الاستعماري شرا في أفريقيا، وأنها لن تدع الأمر يمر، وذلك في أحدث إشارة أفريقية إلى أن العلاقة مع المستعمر السابق قابلة لإعادة النظر.

ضيوف: تياروي قد تكون الأساس لوعي أفريقي مشترك بين جميع البلدان الأفريقية التي فقدت مواطنيها في المأساة

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أشار الأسبوع الماضي إلى تلك الأحداث باعتبارها "مذبحة" في رسالة موجهة إلى نظيره السنغالي باسيرو ديوماي فاي، ليكون أول رئيس فرنسي يصفها بهذا الشكل، إلا إن الرئيس السنغالي قال إن "هذا ليس كافيا. ما زلنا لا نعرف عدد الأشخاص الذين قتلوا ولماذا وكيف وأين دفنوا؟".

إعلان

وقال مامادو ضيوف، المؤرخ السنغالي ومدير معهد الدراسات الأفريقية بجامعة كولومبيا الذي عينته الحكومة السنغالية لقيادة لجنة بحثية حول المذبحة، "إن تياروي قد تكون الأساس لوعي أفريقي مشترك بين جميع البلدان الأفريقية التي فقدت مواطنيها في المأساة"، موضحا أن الموقف الجديد للسنغال "مؤشر على الانفصال وتأكيد قوي على السيادة".

حمام دم في 15 ثانية

في صباح الأول من ديسمبر/كانون الأول 1944، جمعت القوات الفرنسية مئات من رجال غرب أفريقيا كانوا متمركزين مؤقتا في حامية في تياروي قرب دكار، وكان من المفترض أن تكون هذه محطتهم الأخيرة قبل العودة إلى الوطن، فهم قادمون من 12 مستعمرة أفريقية، والآن ينتظرون تعويضا ماليا لسنوات من الخدمة، ولكن المال لم يأت.

ومع تصاعد التوترات بين إخوة السلاح من الفرنسيين وجنود غرب أفريقيا، تعهد الضباط الفرنسيون "بإعادة النظام"، وأحضروا مدافع رشاشة إلى تياروي، وكتيبتين ودبابة ومركبات عسكرية أخرى "لإظهار قدر كبير من التفوق بحيث لا يفكر المتمردون في المقاومة"، كما جاء في تقرير عسكري فرنسي كتب قبل يوم واحد من عمليات القتل.

وأطلق الجنود الفرنسيون أكثر من 500 رصاصة في غضون 15 ثانية، حسب الأرشيف الذي اطلع عليه المؤرخ الفرنسي مارتن مور، وكانت أول حصيلة رسمية تشير إلى مقتل 35 شخصا من غرب أفريقيا، وهي "عملية لا غنى عنها"، ودفاع عن النفس في مواجهة رجال مسلحين وعدوانيين، كما زعم الضابط الفرنسي المسؤول، في تقرير كتب بعد أيام.

مؤرخون فرنسيون وسنغاليون: حصيلة القتلى الحقيقية ربما تكون حوالي 400، كما أن الجنود من غرب أفريقيا لم يكونوا مسلحين

غير أن المؤرخين من فرنسا والسنغال يقولون إن حصيلة القتلى الحقيقية ربما تكون أقرب إلى 400، وإن الجنود من غرب أفريقيا لم يكونوا مسلحين، وأشاروا إلى أن التناقضات في التقارير العسكرية واستعداد القوات الفرنسية تشير إلى مذبحة متعمدة، كما أن غياب المعلومات حول هويات الضحايا وإخفاء مكان دفنهم علامات أخرى على أن فرنسا حاولت التستر على الجريمة.

إعلان إبقاء ذكرى المذبحة حية

ومع أن الكثير من أحداث عام 1944 لا يزال غير معلن، فإن "تياروي" تغلغلت في نفسية عامة الناس في السنغال من خلال المسرحيات والقصائد والأغاني وفيلم "كان دي تياروي"، الذي صدر عام 1988 للمخرج السنغالي عثمان سمبين.

وأشارت الصحيفة إلى أن حكومة السنغال الجديدة تجعل من الأمر الآن قضية سياسية، وقد أحيت الذكرى الثمانين للمذبحة، وقد جدد عمال البناء مقبرة عسكرية في تياروي الأسبوع الماضي، لتكون موقعا لحفل إحياء الذكرى الرسمي.

ديومباي فاي: ما زلنا لا نعرف عدد الأشخاص الذين قتلوا ولا لماذا وكيف وأين دفنوا (رويترز)

وتحتوي المقبرة العسكرية القريبة على 35 قبرا، وهو العدد الرسمي للقتلى، لكن كثيرين في السنغال يشتبهون في أنها فارغة، قال بيرام سنغور الذي قُتل والده هناك عام 1944 "هذه القبور مجرد مزحة"، مؤكدا أنه لم يكن لديه أمل كبير في معرفة مكان رفات والده لمتانة العلاقات بين السنغال وفرنسا، وبالتالي لم يواجه الرؤساء السنغاليون فرنسا قط بشأن الفظائع التي ارتكبت في تياروي.

وقال سنغور الذي كان ابن 6 سنوات عام 1944، والذي لا يزال ينتظر التعويض المالي الذي تدين به فرنسا لوالده المتوفى عن خدمته لها، إن "الفرنسيين إذا أرادوا أن يكفروا عما فعلوا بالأفارقة، فعليهم الاعتذار والدفع".

وتم التشكيك في الرواية الفرنسية عندما قال الرئيس فرانسوا هولاند إن عدد القتلى كان على الأرجح 70، وهو ضعف العدد الذي اعترفت به فرنسا سابقا وقال ضيوف "سنكون قادرين على التوصل إلى بعض المعلومات التي ستسمح للناس بالمطالبة بالتعويضات".

وقال الرئيس فاي في مقابلته مع لوموند إن الحقيقة وحدها هي التي ستساعد السنغال وفرنسا على التحرك نحو شراكة "خالية من البقايا المؤلمة"، كما دعا مئات القوات الفرنسية التي لا تزال في السنغال إلى المغادرة، في ضربة جديدة للنفوذ العسكري الفرنسي المتضائل في أفريقيا.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات من غرب أفریقیا فی السنغال عام 1944

إقرأ أيضاً:

وسط الركام.. غزة تضغط على جرحها النازف وتتزين في رمضان

على رصيفٍ صغيرٍ وسط مدينة خان يونس، يقف أبو زهير أمام بسطته المتواضعة، يبيع المعجنات التي كان يقدمها ذات يوم في مطعمه الأثري في البلدة القديمة بمدينة غزة. نظرته حزينة، لكنها تحمل إصرارًا عنيدًا. لقد كان مطعمه مَعلمًا سياحيًا بجوار الباب الشرقي للمسجد العمري، وملاذًا للعائلات والزوّار خلال ليالي رمضان. اليوم، لم يعد هناك سوى الركام، وصدى الذكريات.

«كنت أُزيّن الشوارع وأُجهّز مطعمي قبل رمضان بأسابيع. كنت أستقبل المئات كل ليلة للإفطار. أما اليوم، فلا بيت ولا مطعم، ولا حتى ولدي عمر، الذي استشهد في الحرب. كيف أستقبل رمضان وأنا نازح، بلا مأوى، بلا عمل؟» يقولها أبو زهير بحزن.

أضاف لـ«عُمان» أن فقدان ابنه جعله عاجزًا عن إحياء أجواء رمضان كما كان يفعل دائمًا: «كان عمر يساعدني في تزيين المطعم، ويشرف على الطهاة. كان هو روحي في العمل. اليوم، لا زينة ولا فرحة، بل حزن يخيّم على قلبي».

فقد مطعمه السياحي لكنه لم يفقد الأمل، يستذكر أبو زهير أجواء رمضان قبل الحرب: «كنا نفرح بتزيين الشوارع، نستقبل الزبائن من كل الطبقات، السياسي والطبيب والعامل. اليوم، أقف في خان يونس أبيع المعجنات، وأحمد الله أني لا زلت قادرًا على العمل ولو بأقل الإمكانيات».

ورغم الألم، يرى بصيصًا من الأمل في تجار المدينة الذين أزالوا الركام، وأعادوا فتح محالهم المدمرة على هيئة شوادر بسيطة؛ لبث الحياة مجددًا في الأسواق.

يواصل حديثه بنبرة مليئة بالإصرار: «نحن شعب فلسطين، شعب الجبارين. لن نستسلم. سنعيد بناء حياتنا من جديد. الحرب لم تكسرنا، لكنها علّمتنا أن نصنع من الرماد حياة».

ومع ذلك، يعترف بأن رمضان هذا العام مختلف تمامًا، فكيف له أن يكون كما كان، والبيوت مدمّرة، والشوارع مليئة بالحطام، والغائبون لا يعودون؟: «لقد فقدنا شغفنا الكبير للمناسبات ، بسبب ما فعله الاحتلال بنا».

رمضان وسط الركام: إصرار على الحياة رغم الألم

في أسواق غزة المدمرة، يصر الباعة على فتح محالهم، حتى وإن كانت مجرد بسطات خشبية. الفوانيس تُباع على الأرصفة، وأصوات بائعي التمر والياميش تعلو في الشوارع التي كانت يومًا تعج بالحياة.

رغم الجراح، تعلّق الأطفال الزينة على ما تبقى من الجدران. رمضان هذا العام، رغم شحّ الإمكانيات، يحمل رغبة جامحة في استعادة الحياة. يتذكر الغزيون رمضان 2024 حين عاشوه في أجواء الحرب، بلا زينة، بلا صلاة تراويح، بلا فوانيس. كان رمضان قاتمًا، لم يكن فيه سوى الرعب والدمار.

واليوم، مع الهدنة، عادت بعض المظاهر الرمضانية، لكن بحذر. فما زالت المخاوف قائمة من عودة القصف، وما زالت العائلات تحاول لمّ شملها وسط النزوح. الحنين إلى رمضانات ما قبل الحرب لا يفارقهم. حين كان رمضان كرنفالًا من الفرح، حيث الأسواق تعج بالمشترين، والمنازل تكتسي بحبال الزينة، والمآذن تصدح بنداء التراويح.

الطفلة راند: رمضان بدون خوف

الطفلة راند، البالغة من العمر 12 عامًا، لا تزال تتذكر أول ليلة في حرب السابع من أكتوبر 2023، حين كانت تظن أن أصوات القصف ما هي إلا أصوات الرعد. تقول ببراءة: «كنا نحسبها رعدًا، لكن فجأة عرفنا أنها صواريخ. بدأ رمضان الماضي بالحرب والخوف، واليوم يأتي ونحن نعلّق الزينة».

وتتمنى خلال حديثها لـ«عُمان» أن يكون رمضان 2025 مليئًا بالسعادة، وأن تستمر الهدنة: «لا نريد أن نعيش ما عشناه من رعب العام الماضي، على الأقل في رمضان».

تبتسم راند وهي تشير إلى الزينة التي علقتها في الشارع مع أصدقائها: «في رمضان الماضي، لم يكن لدينا القدرة على فعل ذلك. اليوم، رغم كل شيء، نحاول أن نعيش الفرحة ولو بجزء بسيط منها».

الخوف من الغدر

سنان صقر، بائع مخلل من خان يونس، يرى أن رمضان هذا العام مختلف، لكنه لا يزال يحمل القلق: «في رمضان الماضي، لم يكن هناك شيء يُسمى رمضان، بل حرب ودمار وشهداء. لم يكن هناك طعام، لا سحور، لا إفطار. هذا العام، رغم الدمار، نحاول أن نعيش رمضان بأقل الإمكانيات».

لكن سنان لا يخفي قلقه من غدر الاحتلال يقول لـ«عُمان»: «نخشى أن يكون وقف إطلاق النار مؤقتًا، وأن تعود الحرب فجأة. نريد أن نعيش رمضان كما كنا نفعل قبل الحرب، ثم نحتفل بالعيد، مثل أي شعب في العالم. نريد أن نحيا بسلام».

محاولات لاستعادة الفرحة

يسري يوسف خميس، بائع رمضان، يتحدث عن معاناة رمضان الماضي، حين لم يكن هناك أي مظهر من مظاهر الشهر الفضيل: «لم تكن هناك إمكانيات، كنا نعيش على المساعدات وعلى أطعمة التكيات، في ظل جوع وتشريد كبيرين. أما الآن، فرغم شحّ المال، نحاول أن نجلب الحد الأدنى من البضائع ليشعر الناس بفرحة رمضان».

لكنه يوضح لـ«عُمان» أن رمضان هذا العام لا يشبه رمضانات ما قبل الحرب: «رمضان كان عندنا أشبه بحفل كبير. الأسواق ممتلئة، الناس تشتري كل شيء، الأولاد يلهون في الشوارع. أما الآن، فمحلاتنا مدمرة، والمساجد أيضًا، سنصلي التراويح في العراء. فالاحتلال لن يستطيع منعنا من أداء شعائرنا».

ويتابع يسري بأسى: «الأطفال كانوا يشترون الحلوى والمكسرات، يتزاحمون أمام محلي فرحين برمضان. اليوم، أرى في أعينهم تساؤلات موجعة، هل سيأتي العيد وهم بلا بيوت؟ هل ستعود ألعابهم التي دُفنت تحت الأنقاض؟ نحاول جاهدين أن نعيد إليهم جزءًا من الفرحة، لكن كيف نفرح وسط هذا الكم من الخسائر؟».

بين التمني والواقع: غزة تحلم بوقف دائم لإطلاق النار

الهدنة الحالية أعادت بعض الحياة إلى غزة، لكن الغزيون يخشون التفاف الاحتلال على وقف إطلاق النار. يتمنون أن تستمر، ليتمكنوا من إعادة بناء حياتهم، واستعادة طقوس رمضان كما كانت قبل الحرب.

في كل زاوية من غزة، هناك قصة، هناك حزن، لكن هناك أيضًا إصرار على الحياة. رمضان هذا العام ليس كأي رمضان، لكنه شهادة على صمود شعب يرفض أن يُمحى. وبينما تتعالى أصوات المآذن، وتتلألأ الأنوار الخافتة في الأزقة، يبقى الأمل معلقًا: أن يكون رمضان 2025 أكثر أمنًا، وأكثر فرحًا، وأن تعود غزة كما كانت، أو ربما أجمل.

مقالات مشابهة

  • مدير أمن محافظة اللاذقية لـ سانا: المجموعات المسلحة التي تشتبك معها قواتنا الأمنية في ريف اللاذقية كانت تتبع لمجرم الحرب “سهيل الحسن” الذي ارتكب أبشع المجازر بحق الشعب السوري
  • شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يتزوج من جميلتين في ليلة واحدة ويقفن خلفه أثناء الجرتق.. ما هي الحقيقة؟ وما هي قصة الفيديو الذي نال شهرة واسعة؟
  • الوزير الشيباني: لقائي مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، عزز مسارنا نحو العدالة الانتقالية. على مدار 14 عاماً، بل وقبل ذلك بكثير، فشل العالم في تحقيق العدالة للشعب السوري الذي عانى من جرائم لا توصف. لكن اليوم، ومن خلال عملية عدالة يقودها
  • الوزير الشيباني: لأول مرة في التاريخ، خاطبت سوريا المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية عبر وزير خارجيتها. وأكدت من جديد التزامنا بحل هذه الأزمة-التي ورثناها عن نظام الأسد وعانينا منها لمدة 14 عاماً، من واجبنا أن نضمن عدم تكرار هذه الجرائم، وأن تت
  • علماء يحددون العمر الذي تتسارع فيه شيخوخة الدماغ
  • إذاعة “أر. تي. أل” الفرنسية تُبعد صحافياً عن برامجها بسبب الجزائر
  • متحدثة باسم الحكومة الفرنسية: نحاول إرجاع العلاقات لمجاريها بين أمريكا وأوكرانيا
  • السلطات الفرنسية تحبط أكبر شحنة كوكايين في تاريخ البلاد بميناء دونكيرك
  • هل الأرز أفضل من الخبز؟: مختص يكشف الحقيقة الصحية التي ستغير نظامك الغذائي
  • وسط الركام.. غزة تضغط على جرحها النازف وتتزين في رمضان