المقال الأسبوعي في صحيفة الشرق الأوسط
فيصل محمد صالح
للفنان والكوميدي السوداني الراحل الفاضل سعيد عبارة شهيرة رددها في إحدى مسرحياته، وصار الناس يتداولونها للإشارة إلى سوء الأوضاع، فقد كان ينطق جملة «ضاقت، ولما استحكمت حلقاتها...» ويترك الجمهور يكمل الجملة المعتادة: «فرجت، وكنت أظنها لا تفرج»... فيفاجئهم بإشارة نفي من يده، ثم يكمل الجملة بطريقته قائلاً: «ضاقت تاني».
ويبدو أن الأوضاع في السودان لا يتطابق معها إلا جملة الفنان الفاضل سعيد، فكلما يبدو أن هناك إشارة إيجابية قد تقود لانفراجة في الأوضاع المأساوية، تعود الأوضاع لتضيق مرة أخرى، وفي بعض الأحيان بصورة أسوأ مما كانت.
كانت عملية طرح مشروع القرار البريطاني حول السودان قبل أسبوعين في مجلس الأمن تبدو وكأنها تمضي بسلاسة، وقالت الأخبار الواردة من غرف المشاورات في نيويورك إن هناك ملاحظات من الحكومة السودانية التي شاركت في المشاورات، لكن لا تصل لمرحلة الرفض الكامل. هكذا بدا وكأنه للمرة الأولى سيصدر قرار من مجلس الأمن بإجماع أعضائه، ثم جرت عملية التصويت، فإذا بالفيتو الروسي يُسقط مشروع القرار رغم حصوله على موافقة كل الأعضاء الأربعة عشر الباقين.
هناك تفسيرات كثيرة لقرار الفيتو الروسي، أكثرها قوة لا يتعلق بالسودان، بل بتزامن ذلك مع نجاح بريطانيا في إقناع واشنطن بالسماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ البريطانية «ستورم شادو»، والصواريخ الأميركية البعيدة المدى في مهاجمة الأراضي الروسية، للمرة الأولى. ويبدو أن غضب موسكو شمل أي تحرك للحكومة البريطانية، وصادف ذلك مشروع القرار البريطاني حول السودان، فراح ضحية الغضب الروسي.
في هذه الفترة عينها، كان الظن أن هناك حالة إرهاق عام لطرفَي الحرب، مع تقدم لصالح الجيش في بعض المحاور بما يعيد التوازن بشكل قد يسمح بإعادة طرح الحل التفاوضي. وتزامن ذلك مع إشارة موظف المخابرات الأميركية ومجلس الأمن القومي السابق كاميرون هيدسون - الذي زار بورتسودان والتقى البرهان - إلى أن الانطباع الذي خرج به هو أن الجيش راغب في الحوار والوصول لحل تفاوضي. لكن ظلت المُسيَّرات تمطر سماء مدينة عطبرة لأكثر من أسبوع، حيث تختلف التفسيرات في مصدرها: هل هي قوات «الدعم السريع» أم أن هناك معركة داخلية بين أجنحة الإسلاميين والجيش؟. ولو صح أحد التفسيرَين فإنه يشي بوجود تصعيد جديد في العمل العسكري، يتزامن مع كشف صحف عالمية عن وجود مقاتلين وخبراء عسكريين من كولومبيا في صف «قوات الدعم السريع»، بما يعني دخول الحرب مرحلة جديدة.
ويجري الفريق البرهان تعديلات وزارية في الحكومة، ويتوقع الناس أنها محاولة لتحسين أداء وتوجه الحكومة، فإذا بوزير الخارجية الجديد يطيح بكل هذه الآمال بتصريحَين ومقابلة تلفزيونية، حتى قال الناس «ليته سكت».
ولو بدأنا بآخر الأحداث، أهمها استعادة الجيش السيطرة على مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار والمناطق المحيطة بها، بعد أشهر من وقوعها في يد «قوات الدعم السريع». واستبشر أهالي المدينة بالحدث، وبدأت قوافلهم تستعد للعودة إلى سنجة من أماكن النزوح المتعددة، إذ عاشوا أياماً صعبة في ظل وجود «قوات الدعم السريع» في المنطقة، واضطروا للنزوح.
إلا أن الأخبار والصور ومقاطع الفيديو التي ظهرت عن العمليات الانتقامية التي قامت بها مجموعات محسوبة على القوات المسلحة وكتائب العمل الخاص التي تسيطر عليها الميليشيات الحليفة، ضد مَن تسميهم «المتعاونين»، ألقت بظلال كئيبة على الحدث. إذ قامت تلك القوات بتنفيذ عمليات اعتقال وتعذيب لأعداد كبيرة من المواطنين تتهمهم بالتعاون مع «قوات الدعم السريع» في فترة وجودها بالمدينة، وهي الممارسة ذاتها التي تمت في كل منطقة استعادها الجيش، فحدث هذا في أم درمان القديمة، والحلفايا، ثم في الدندر، وأخيراً في سنجة.
لا تجري بالتأكيد تحقيقات وتحريات، ولا ينتهي الأمر بمحاكمات وشهود ودفاع، إنما تظهر قوائم مَن يسمون «المتعاونين» في يد أفراد من الجيش وحلفائه، ثم تبدأ عملية مطاردتهم وقبضتهم، ويتم التعامل معهم بالضرب والتعذيب والمعاملة المهينة، وينتهي الأمر باختفائهم من الوجود. وأسوأ ما في الأمر هو أن الاتهام يقوم في كثير من الحالات على الأصل العرقي والاثني، إذ تكفي ملامحك ولهجتك في الحديث لتصنيفك عدواً ومتعاوناً وخائناً، وغيرها من العبارات.
نعم... يبدو أنها كلما ضاقت ثم ظهرت بوادر انفراج، تبخر الأمل و«ضاقت تاني»، لكن لا يزال السودانيون ينتظرون الفرج، وما زال الأمل موجوداً... لعل وعسى.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
تحرير مصريين كانوا محتجزين لدى قوات الدعم السريع في السودان
العربي الجديد/ أفادت وسائل إعلام مصرية، اليوم الخميس، بتحرير الرهائن المصريين الذين كانوا محتجزين في السودان لدى قوات الدعم السريع. وقالت قناة القاهرة الإخبارية إنّ الأجهزة المعنية في مصر تمكّنت من تحرير المصريين المختطفين من قبل "الدعم السريع"، مشيرة إلى أنّ العملية تمّت بالتنسيق مع السلطات السودانية.
وقالت "القاهرة الإخبارية"، المقرّبة من أجهزة أمنية مصرية، إنّ عملية تحرير المصريين جاءت بناءً على توجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لاستعادتهم. وبحسب القناة، جرى "نقل المصريين المختطفين من مناطق الاشتباكات في وسط الخرطوم إلى مدينة بورسودان وإعادتهم سالمين إلى مصر".
وكانت قوات الدعم السريع قد نشرت، في إبريل/نيسان 2023، مقاطع فيديو تُظهر احتجازها ضباطاً وجنوداً من الجيش المصري في قاعدة عسكرية بـمدينة مروي شمالي السودان، ما أثار ردود فعل واسعة في مصر. وطالب المصريون بضرورة التدخل لإنقاذ هؤلاء الجنود، والردّ على الطريقة "المهينة" التي تعاملت بها قوات الدعم السريع معهم. وظهر في أحد الفيديوهات عدد من الجنود المصريين وهم جالسون على الأرض، وقد أحاط بهم عناصر من قوات الدعم السريع. كما عرّف ضابط مصري عن نفسه بأنه المسؤول عن الجنود المصريين الموجودين في القاعدة.
وكانت وساطة إماراتية وقتها قد أسفرت عن استعادة مصر المعدات العسكرية في القاعدة، فيما تمسكت قيادة "الدعم السريع" ببقاء الجنود المصريين في الخرطوم واحتجازهم في مقر السفارة المصرية بالمدينة، كضمان وورقة ضغط على القاهرة لمنعها من الانخراط في القتال ضدها أو دعم قوات الجيش السوداني.
وبعد نشر الفيديو بعدة أيام أطلقت قوات الدعم السريع سراح عدد من الجنود والضباط المصريين، في 19 إبريل/نيسان 2023، وتوجهت وقتها طائرة عسكرية مصرية من طراز "C130" إلى مطار الخرطوم الدولي لنقل دفعة من القوات المصرية المحتجزة لدى قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى مجموعة من الرعايا المصريين إلى القاهرة.
وقالت "الدعم السريع" في بيان عقب إطلاق دفعة من الرهائن المصريين "نطمئن أسر وحكومة مصر بأنّ الجنود الذين كانوا يتواجدون في قاعدة مروي العسكرية جميعهم بخير ويتلقون الرعاية اللازمة، وسيتم تسليمهم متى سنحت الفرصة المناسبة لذلك وفقاً للأوضاع التي تمر بها البلاد".