“الفكرة المركزية المفقودة: كيف ينهض السودان من أزماته السياسية؟”
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
زهير عثمان
ضياع الفكرة المركزية في السياسة السودانية و تشخيص الواقع واستشراف المستقبل
الفكرة المركزية في السياسة هي ذلك الإطار الجامع الذي يلتف حوله الجميع، يختزل رؤى وطنية مشتركة ويعكس طموحات الشعب وتطلعاته. إنها البوصلة التي توجه الدولة نحو الاستقرار والتنمية، وتضمن تماسكها في مواجهة التحديات. في السودان، الذي يتميز بتعدد عرقي وثقافي وديني واسع، غابت هذه الفكرة المركزية بشكل مؤلم، تاركة البلاد في حالة تيه سياسي واجتماعي.
شهدت الدولة السودانية منذ الاستقلال تاريخًا سياسيًا مضطربًا، حيث تناوبت الحكومات العسكرية والمدنية في الحكم دون أن تنجح أي منها في ترسيخ رؤية وطنية طويلة المدى. ساهمت سياسات التهميش والإقصاء في تعزيز الانقسامات الداخلية، بينما عمقت التدخلات الخارجية من تعقيد الأوضاع. فالتنوع العرقي والديني الذي يمكن أن يكون مصدر قوة وتحفيز للتقدم، تحول إلى شرخ عميق نتيجة غياب العدالة الاجتماعية والسياسات المتوازنة. أضف إلى ذلك الفساد المؤسسي الذي أصاب مؤسسات الدولة بالشلل، مما جعلها غير قادرة على القيام بدورها في بناء الثقة بين المواطن والدولة.
تجلت الآثار السلبية لغياب الفكرة المركزية في سلسلة من الأزمات التي عانى منها السودان لعقود. كانت الصراعات المسلحة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق أبرز ملامح هذه الأزمة، حيث أصبحت هذه المناطق بؤرًا للعنف والنزاع بدلًا من أن تكون شريكًا في التنمية. التخلف الاقتصادي، بدوره، كان نتيجة طبيعية لغياب الاستقرار السياسي، حيث أُهدرت الموارد في النزاعات بدلاً من استثمارها في مشاريع التنمية المستدامة. ومع هذا كله، تعمقت أزمة الهوية الوطنية، حيث بات السودانيون منقسمين على أنفسهم بين انتماءات ثقافية ودينية وسياسية متباينة.
إذا أردنا فهم هذه الأزمة بشكل أكثر شمولًا، يمكننا مقارنة التجربة السودانية بدول أخرى ذات تركيبة سكانية مشابهة. الهند، على سبيل المثال، استطاعت أن تتجاوز تنوعها العرقي والديني من خلال ترسيخ قيم الديمقراطية والعلمانية، مما جعلها نموذجًا يحتذى به. رواندا أيضًا قدمت درسًا مهمًا، حيث تجاوزت مآسي الإبادة الجماعية من خلال تعزيز المصالحة الوطنية وبناء مؤسسات قوية. على النقيض، ظل السودان رهين الأيديولوجيات السياسية المتناحرة، التي ساهمت في تفاقم الأزمة بدلاً من حلها.
كان للأحزاب السياسية السودانية دورٌ ملحوظ في تقويض الوحدة الوطنية. انشغلت معظم الأحزاب بصراعات السلطة والمكاسب الآنية، مما جعلها عاجزة عن تقديم مشروع وطني شامل. في المقابل، يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورًا حاسمًا في بناء الوعي الوطني وتعزيز قيم المواطنة. مؤسسات المجتمع المدني، إذا ما أُتيحت لها الفرصة، قادرة على أن تكون وسيطًا فعالًا بين الأطراف المتصارعة، وأن تسهم في صياغة رؤية وطنية مشتركة.
تحقيق النهضة الشاملة في السودان لا يمكن أن يتم دون توحيد الرؤية الوطنية. فالتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية هما أساس أي مشروع نهضوي حقيقي. ومع ذلك، فإن هذا الهدف يواجه تحديات كبيرة، منها استمرار النزاعات المسلحة، وضعف المؤسسات، والافتقار إلى الإرادة السياسية الحقيقية. لتحقيق هذا التغيير، يجب وضع أولويات واضحة تركز على تعزيز سيادة القانون، وتوفير الخدمات الأساسية، وإعادة بناء المؤسسات على أسس عادلة وشفافة.
النموذج التنموي الأمثل للسودان يجب أن يكون قائمًا على العدالة الاجتماعية، حيث يتم توزيع الموارد بشكل عادل بين جميع مناطق البلاد. يمكن للسودان أن يستلهم تجارب دول مثل ماليزيا، التي استطاعت أن توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على تنوعها الثقافي. التحديث لا يعني التخلي عن التراث، بل يمكن للسودان أن يحقق تقدمًا مستدامًا من خلال تبني سياسات تنموية تحترم الهوية الوطنية وتستجيب لمتطلبات العصر.
في خضم كل هذا، يبرز دور الشباب كأحد أهم عوامل التغيير. الشباب السوداني، بما يملكه من طاقة وطموح، قادر على قيادة عملية التحول، شريطة أن يتم تمكينه وإعطاؤه الفرصة للمشاركة الفاعلة في بناء مستقبل البلاد. الحوار الوطني الشامل هو أيضًا مفتاح الحل. إنه السبيل الأمثل لرأب الصدع وإيجاد حلول توافقية تُرضي الجميع، وتضع السودان على طريق الاستقرار والتنمية.
إن ضياع الفكرة المركزية في السياسة السودانية لم يكن مجرد حدث عابر، بل كان نتيجة تراكمات تاريخية وسياسية واجتماعية معقدة. ومع ذلك، فإن السودان ما زال يملك فرصة للخروج من أزماته إذا ما توفرت الإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية. السودان بحاجة إلى فكرة مركزية جامعة تعيد للمواطن ثقته بالدولة، وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. فقط من خلال هذه الرؤية المشتركة يمكن للسودان أن يبدأ رحلة التعافي نحو بناء دولة عادلة ومستقرة ومزدهرة.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
سيدة تثير الجدل: “اختار المكان اللي أعيط فيه بناءً على الفلوس اللي معايا”
خاص
في تعليق أثار موجة واسعة من النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، تحدثت سيدة عن المكان المناسب الذي تبكي فيه .
وقالت عبر مقطع فيديو: “لو جوزي خاني أعيط بالفيلا بتاعتي في لندن أحسن ما أعيط في بيت السقف بيخر مية عليا ولازم أدفع الإيجار ليه؟ اختار المكان اللي هاعيط فيه بناء على الفلوس اللي معايا.”
وعند سؤالها عن أكثر ما يُسعدها في الحياة، أجابت ببساطة: “غير الفلوس؟ المصاري… الفلوس وسيلة للسعادة.”
التعليق أشعل النقاش بين متابعين انقسموا بين من رأى في كلامها واقعية وعقلانية تعكس أهمية المال في تحسين جودة الحياة، ومن انتقد نظرتها التي ربطت السعادة بشكل كامل بالماديات.
https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2024/11/X2Twitter.com_zSKPiBHEwCfB8Hb6_852p.mp4