شهدت قمة الويب 2024 الأخيرة في لشبونة أرقاما قياسية تعكس حجم وأهمية هذا الحدث العالمي، حيث جمعت 71 ألفا و528 مشاركا من 153 دولة، بمشاركة 3050 شركة عارضة، و953 متحدثًا، و1066مستثمرًا، كما شهدت حضورا نسائيا لافتا بنسبة 42%،.

ومع بروز تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كبطل التقنيات الممثلة في القمة بنسبة تجاوزت 16%، لم يكن حضور هذه التقنية يقتصر على أجنحة المعرض فقط، فقد قمنا في "الجزيرة نت" باستخدامه في تجربة فريدة لتغطية هذا الحدث إعلاميا.

عمل المراسل الصحفي في تغطية الأحداث الضخمة

في ظل حجم القمة وضيق الوقت المتاح للصحفيين، برز الذكاء الاصطناعي كأداة لا غنى عنها لتسهيل المهام الصحفية، بدءًا من تسجيل المقابلات وتحويلها إلى نصوص متعددة اللغات، وتصنيفها وفق الموضوعات، وصولًا إلى تلخيصها بدقة.

هذه القدرات لم تقتصر على توفير الوقت والجهد فحسب، بل أتاحت أيضًا تغطية شاملة وفعالة لعدد أكبر من المشاركين، مع ضمان دقة المحتوى. ومن خلال هذه التجربة، أصبح واضحًا أن الذكاء الاصطناعي لا يمثل فقط تقنية مستقبلية، بل هو شريك عملي يعيد تعريف الطريقة التي تُدار بها التغطيات الصحفية في أحداث بهذا الحجم.

فإنتاج مواد تغطي المقابلات في مثل هذه الأحداث مرهقة للمراسل فيجب عليه بالإضافة للجهد المبذول قبل وأثناء المقابلة أن يقوم بعد ذلك بتفريغ المقابلة واستصلاح ما يمكن أن يجده جيدا ثم يبدأ الكتابة.

هذا في حالة المقابلة الواحدة ولكن ماذا لو كنا نحتاج تغطية أكبر عدد من المشتركين من شركات وأشخاص؟ فهل يمكن القيام بذلك دون أن تحتاج لقضاء اليوم بالكامل على مادة؟

تحدي الجزيرة وقمة الويب

قررت كمسؤول صفحة تكنولوجيا والموفد الخاص للقمة في اليوم الثاني من القمة اختبار قدرة الذكاء الاصطناعي في مساعدتي لتغطية هذا الحدث الضخم فقمت بكتابة أوامر واضحة أطلب منه تنفيذ عدة مهام "ليس من ضمنها كتابة المقال طبعا" وبترتيب معين حتى أحصل على معلومات تمكني من نشر 3 مقالات تغطي عدة مواضيع في القمة منها "الوجود العربي" و"أجنحة الدول" و"شركات وتطبيقات مميزة" هذه المقالات ستكون نتيجة مقابلات أجريها مع أشخاص يمثلون شركاتهم ودولهم.

تشريح الأمر للذكاء الاصطناعي

قمت باستخدام تطبيق "شات جي بي تي" على الهاتف خصوصا أنه الآن يدعم خاصية تسجيل المحادثة وتحويلها لنص، وقمت بهندسة الأمر الموضح في الصورة بطريقة تمكن الذكاء الاصطناعي من فهم ترتيب العمل حتى لا يحدث خطأ في تسلسل المهمات أو في إدخال المقابلات دون ترتيب مما يتعذر بعد ذلك تصنيفها لذلك قمت بتوضيح الأوامر على شكل خطوات وأعطيته تعليمات أنا لا يقوم بالمهمة التالية حتى أعطي أمرا معينا، وللتأكد من أنه فهمني قمت بالطلب منه إعادة التعليمات بحسب فهمه لها.

هذه تفاصيل الأمر:

أريد منك إنشاء مقالات باللغة العربية مع مراعاة الخطوات التالية:

سأقوم بتزويدك بمجموعة من المقابلات، ويجب أن تنتظر حتى أعطيك الأمر "صنّف" لتقوم بتصنيفها إلى 3 فئات "مقالات":
"الوجوه العربية في قمة الويب" التي تجمع جميع المقابلات المتعلقة بالشركات الناشئة العربية.
"الشركات والمنتجات المثيرة للاهتمام في قمة الويب".
"الدول في قمة الويب". بعد تصنيف المقابلات، يجب أن تلخص كل مقابلة إلى 5-10 أسطر عندما أعطيك الأمر "لخّص". أخيرًا، يجب أن تنشئ 3 مقالات، تحتوي كل مقالة على ما لا يقل عن 5 مقابلات وما لا يزيد على 10، وذلك عند إعطائي الأمر "أنشئ". إذا لم تصل المقالة إلى الحد الأدنى المطلوب، فقط أخبرني أنك تحتاج إلى المزيد من المقابلات. بعد إنشاء المقالة، وعند إعطائي الأمر "أنهِ"، قم بترجمتها إلى اللغة العربية.

هل يمكنك مراجعة التعليمات وما تحتاج للقيام به؟

 

 

بعد ذلك قمت بتخصيص 3 ساعات من الوقت فقط لإجراء المقابلات مع مختلف المشاركين ودون ترتيب مسبق وقد استعنت بتطبيق "شات جي بي تي المدفوع" على الهاتف لتسجيل المقابلات وتحويلها لنصوص، فكان يسجل المقابلة ثم بعد انتهاء التسجيل الصوتي يعرضها عليّ كنص لأخذ الموافقة في إدخالها ضمن المقابلات المقبولة.

والحقيقة لولا هذه الخاصية في تطبيق "شات جي بي تي" لكان الأمر أشبه بالمستحيل فقد عانيت في المؤتمر السابق في الدوحة من تطبيقات تحويل المحادثة الخارجية لنص ولم يكن الأمر سهلا أبدا لكن مع خاصية تحويل المحادثة إلى نص فقد سهلت عليّ الكثير من ذلك:

يمكن للضيف الحديث بأي لغة حتى لو كان المراسل لا يفهمها وقد واجهت هذه المشكلة مع أحد المشاركين الفرنسيين واستطاعت هذه الخاصية تسجيل المحادثة بالفرنسية ثم تحويلها إلى الإنجليزية ومن ثم ترجمة ملخصها للعربية، هذه الحالة في الوضع العادي كان يمكن أن تؤدي لاستبعاد المقابلة أو أن لا يشعر الضيف أنه يستطيع التعبير عن مشروعه أو فكرته. معرفة أن المقابلات سيتم تصنيفها لاحقا بواسطة الذكاء الاصطناعي جعلني أشعر بالراحة حيث إن عملية تصنيف المواد المسجلة عملية ليست سهلة وتحتاج إلى تخطيط مسبق إذا كان المراسل لا يريد أن يضيع وقته في الاستماع لمجموعة كبيرة من المحادثات وتصنيفها أو تصنيف كل محادثة مباشرة بعد انتهائها حتى لا ينساها. قدرة الذكاء الاصطناعي على تلخيص وترجمة المقابلة جعلني لا أهتم كثيرا بطول المقابلة ففي النهاية هناك من سيقوم بتلخيصها لي في نقاط. تاليا هذه بعض المقابلات بعد تسجيلها والموافقة عليها من قبلي وإدراجها في التطبيق:
هذه المقابلة تحدث فيها الضيف بالفرنسية وقد التقطها الذكاء الاصطناعي وحوّلها بالإنجليزية لكي أفهمها ثم حوّلها بالعربية ملخصة.
بعد أن قام الذكاء الاصطناعي بجمع المقابلات طلبت منه تصنيفها بحسب المقالات الثلاث المعطاة له في البداية وهنا الحقيقة يجب التوقف قليلا حول قدرات الذكاء الاصطناعي والحديث عن قدرته المميزة على التمييز والتصنيف من السياق.فقد كان من الممكن أن أضع ضمن قائمة الأوامر التي وضعتها مسبقا إشارة للذكاء الاصطناعي ليفهمها ويصنف على أساسها مثلا أقول له في الأمر إن المقابلة إذا انتهت بجملة "عربي" صنفها في مقالة "وجوه عربية في القمة" وعند نهاية المقابلة أذكر هذه الإشارة حتى يفهم ليصنف هذه المقابلة في المقابلات المتخصصة ولكن في هذه الحالة سيتم الاعتماد علي لإعطائه هذه الإشارة وبما أنني هنا للتجربة فقد ارتأيت أنه من الأفضل ترك الذكاء الاصطناعي يقوم بالتصنيف وبعد ذلك أحكم على قدراته في التصنيف والحقيقة أنه أدهشني.فقد استطاع تصنيف المقابلات التي ميز أنها بالعربية في مقالات "وجوه عربية في القمة" واستطاع تصنيف المقابلات التي تتحدث عن الدول من خلال فهم المقابلة وتصنيفها في مقالة "دول في القمة" والتي لم يجد فيها أيا من هاتين الصفتين صنفها في "شركات ومنتجات في القمة".
بعد تصنيف المقابلات طلبت منه أن يذكر حالة كل مقال من حيث عدد المقابلات وقد كنت قد أضفت للأوامر أمرا بأن لا يقوم بتلخيص المقالات قبل أن يكون هناك على الأقل 5 مقابلات (قمت بتقليص العدد بعد ذلك لأسباب بشرية).بعد التصنيف طلبت من الذكاء الاصطناعي تلخيص المقابلات لكل مادة، وهذا كان الناتج لمادة "شركات ومنتجات في قمة الويب":

طبعا بعد ذلك كان عملي كمحرر للمادة أسهل فقمت بعمل إضافات عليها والتأكد من صحتها ومراجعة الملخصات وإضافة الصور والروابط، وإضافة المقدمة والنهاية وهذه هي المواد النهائية :

خمسة تطبيقات مميزة لشركات ناشئة في قمة الويب

المغرب من بينهم.. دول تستقطب وأخرى تصدر الأفكار والتقنيات في قمة الويب

رواد أعمال عرب يعرضون ابتكاراتهم في قمة الويب 2024

الملاحظات والدروس المستفادة من هذه التجربة

هذه التجربة العملية في تغطية مؤتمر قمة الويب 2024 وإدخال الذكاء الاصطناعي كمساعد للمراسل مهمة في تحديد هل يمكن الاعتماد حاليا على الذكاء الاصطناعي في بعض المهام التي تحتاج للتفكير والتحليل المنطقي في التغطيات الصحفية؟ أم أننا ما زلنا في البدايات لهذه التكنولوجيا، ولكي نكون منصفين يجب ذكر الميزات والتحديات في هذه التجربة.

الميزات:
القدرة على تغطية عدد أكبر من المشاركين في القمة خلال وقت قصير وذلك بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التصنيف والتفريغ والتلخيص. قدرة الضيوف على التحدث باللغة التي يجدونها أقرب لتوصيل الفكرة دون الحاجة لوجود مترجم، وقيام الذكاء الاصطناعي بدور المترجم ومفرغ الصوت هو في حد ذاته تحدٍّ كان يواجه المراسلين الميدانيين وأصبح الآن أسهل. قدرة الذكاء الاصطناعي على تمييز سياق المحادثات وتصنيف المقابلات بناء على هذا التمييز يسهّل عمل المراسل ويجعله يتفرغ أكثر لإجراء عدد أكبر من المقابلات. التحديات:

ربما يكون أهم تحد في هذه التجربة هو تحدي المراسل للاستسهال والاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي، فعندما يرى المراسل قدرات الذكاء الاصطناعي على القيام بعملية التغطية بشكل كامل يظن أنه لا يحتاج للتدخل البشري ويعتمد عليه وهنا الفخ.

فقد أثبتت هذه التجربة أن العامل البشري في التدقيق والتحري ضروري جدا وأن الاعتماد بشكل كامل على الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى كارثة، وهنا بعض الأمثلة:

في إحدى المقابلات وبعد انتهاء التسجيل وعند تحويل الكلام إلى نص قام الذكاء الاصطناعي بتحريف اسم الشركة لاسم آخر تماما ولولا التدقيق من قبلي والحرص على تصوير المشاركين بجانب أسماء شركاتهم للمراجعة لاحقا وتذكر المقابلة لكانت هناك في المقال شركة جديدة تماما ليس لها وجود. عند تلخيص المقابلات يقوم التطبيق بإضافة كلام لم يذكر لذلك على المراسل أن يقوم بالتأكد من المحتوى. قمت بعمل 27 مقابلة ولكن عند تحويلها لنصوص بعض المقابلات اختفت وكانت المحصلة النهائية 19 مقابلة موثقة من قبل الذكاء الاصطناعي مع أنني وافقت عليها وتأكدت من أنها موجودة على التطبيق ولكن عند التفريغ النهائي اختفت. في بعض المقابلات كان التصنيف خاطئا ولكن هذه المقابلات كانت غير واضحة فالكلام كان عن تطبيقات ولكن المقابلة كانت في جناح دولة من الدول ووجد التطبيق أن أغلب الحديث عن التطبيقات فصنفها في هذا المقال.

وأخيرا هناك تحد واضح آخر وهو هل نستطيع كبشر برغم تسهيل الذكاء الاصطناعي للعديد من المهمات في القدرة على مجاراته من ناحية توفيرها للجمهور؟ فبالرغم من قدرتي على نشر المقالات الثلاث التي ساعدني فيها الذكاء الاصطناعي فإنني وبقدراتي البشرية قمت بتخفيض التوقعات فبدلا من كتابة 3 مقالات كل مقال يحوي 5 مقابلات على الأقل، ورغم وجود المحتوى فإن التأكد منه وتحريره وإرفاق الصور والمواد المتعلقة أجبرني على الاقتصار على 4 مقابلات فقط.

فوائد أخرى:

من ضمن الفوائد التي وجدتها في استخدام الذكاء الاصطناعي في تغطية قمة الويب 2024، قدرته في تحديد الأماكن في حدث ضخم مثل هذا الحدث فقد كنت في طريقي لحضور ندوة في قاعة من قاعات المؤتمر ولم أعرف الوصول لها فقمت بأخذ صورة لخريطة المؤتمر موجودة في إحدى القاعات وأدخلتها لتطبيق "شات جي بي تي" وطلبت منه أن يحدد لي مكان القاعة من الخريطة وبسهولة استطاع تميزها وإرشادي لموقع القاعة على الخريطة، كما هو موضح في الصورة.

 

خذلني الذكاء الاصطناعي في قمة الويب بالدوحة ولكنه أنقذني في قمة الويب في لشبونة مما يؤكد أننا أمام تكنولوجيا تتطور بشكل متسارع وأننا أمام قدرات لو استغلت بالشكل الصحيح يمكنها نقلنا إلى منزلة كبيرة في مختلف مناحي حياتنا، وربما خلال قمة الويب المقبلة في الدوحة أجد أمامي جيشا من المساعدين باستخدام الذكاء الاصطناعي يغطون معي القمة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات على الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی من المقابلات فی قمة الویب قمة الویب 2024 هذه التجربة شات جی بی تی هذا الحدث فی القمة فی تغطیة بعد ذلک

إقرأ أيضاً:

مصطفى سليمان المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت

أحد أبرز القائمين على مشاريع الذكاء الاصطناعي، بدأ مسيرته في لندن حيث نشأ في بيئة متعددة الثقافات، ترك جامعة أكسفورد في سن مبكرة وانخرط في العمل المجتمعي ثم انتقل إلى قطاع التكنولوجيا. وهو من الشخصيات البارزة في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الصحة والاستدامة. شارك في تأسيس شركة "ديب مايند" البريطانية. واجه اتهامات بالتواطؤ في دعم عمليات عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة، بسبب دوره التنفيذي في شركة مايكروسوفت المتهمة بتعاونها مع الجيش الإسرائيلي.

المولد والنشأة

وُلد مصطفى سليمان في أغسطس/آب 1984 في العاصمة البريطانية لندن، لأب سوري كان يعمل سائق سيارة أجرة وأم إنجليزية كانت ممرضة ضمن هيئة الخدمات الصحية الوطنية.

نشأ في شمال لندن بالقرب من محطة مترو أنفاق المدينة "كاليدونيان رود"، حيث تربى مع والديه وشقيقه الأصغر.

أبدى منذ أعوامه الأولى اهتماما بالغا بالقراءة، خاصة في مجال الفلسفة، كما لفتت انتباهه قضايا الأعمال وريادة الأعمال في سن مبكرة.

الدراسة والتكوين العلمي

التحق مصطفى سليمان بمدرسة "ثورنهيل" الابتدائية الحكومية في منطقة إزلنغتون، ثم انتقل إلى مدرسة "كوين إليزابيث" الثانوية للبنين في بارنيت. وبفضل تفوقه الأكاديمي، أُتيح له اختيار الجامعة التي يرغب بها، فاختار دراسة الفلسفة في كلية "مانسفيلد" بجامعة أكسفورد، المعروفة بتوجهها المناهض للنخبوية، وكان غالبية طلابها في تلك الفترة يأتون من مدارس حكومية.

إعلان

مع مرور الوقت، شعر أن الدراسة الأكاديمية لا تواكب طموحه العملي على حد وصفه، وأدرك أنه لا يرغب في قضاء شبابه داخل قاعات المحاضرات. وبدافع رغبته في إحداث تغيير حقيقي في العالم، قرر في سن التاسعة عشرة ترك الجامعة، وشرع في تأسيس خدمة استشارية مخصصة لدعم الشباب المسلمين في المملكة المتحدة.

مصطفى سليمان أثناء الاجتماع السنوي الرابع والخمسين للمنتدى الاقتصادي العالمي (رويترز) طفل بفكر تجاري

كان شغف سليمان بريادة الأعمال واضحا منذ سن مبكرة، إذ أطلق أول مشروع تجاري له في سن الحادية عشرة، فقد صرح في إحدى مقابلاته أنه كان يبيع الحلوى لزملائه في المدرسة.

وكان يستأجر خزائن الطلاب لتخزين الحلويات، ثم توسّع في نشاطه وبدأ توظيف زملائه ليتولوا عمليات البيع أثناء فترات الاستراحة، واستمر المشروع حتى تدخل المعلمون وأوقفوه.

وفي وقت لاحق، وجّه سليمان طاقاته نحو العمل المجتمعي، فكرّس جزءا من وقته لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، ما عكس اهتمامه المبكر بخدمة الآخرين.

التجربة العملية

بعد انسحابه من جامعة أكسفورد في سن الـ19، أسس مصطفى سليمان رفقة زميله محمد مامداني "خط المساعدة للشباب المسلمين"، وهو خط هاتفي مجاني يقدم الدعم النفسي والاستشارات للشباب المسلم في المملكة المتحدة. وسرعان ما تحوّل هذا المشروع إلى إحدى أكبر خدمات الصحة النفسية الموجهة للجالية المسلمة في البلاد.

أكد لاحقا أن عمله في "خط المساعدة" عمّق فهمه لجذور المشكلات الاجتماعية، وربط الكثير منها بعدم المساواة والتحامل السائد في المجتمع، وهو ما دفعه للتفكير بتوسيع أثره خارج نطاق جماعات محددة.

في سن 22، غادر "خط المساعدة" بسبب التحديات المرتبطة بالتمويل والتوسّع في المؤسسات غير الربحية، وانتقل إلى العمل في مجال سياسة حقوق الإنسان بمكتب عمدة لندن آنذاك كين ليفينغستون.

مصطفى سليمان المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة إنفليكشن إيه آي (غيتي)

لاحقا انتقل مصطفى سليمان إلى العمل على مستوى عالمي، وشارك في تأسيس شركة "ريوس بارتنرز"، وهي شركة استشارية تُعنى بحل النزاعات العالمية ومواجهة التحديات مثل الأمن الغذائي والتلوث والاستدامة.

أهلته هذه الشركة للعمل مع مؤسسات كبرى منها الأمم المتحدة والحكومة الأميركية والهولندية، والصندوق العالمي للطبيعة وشركة شل التي ساهم فيها بمشاريع متعلقة بالاستدامة البيئية.

كما كان له دور محوري في محادثات مؤتمر كوبنهاغن للمناخ، ثم غادر الشركة في وقت لاحق من نهاية عام 2009.

إعلان

في عام 2010، ومع إدراكه لإمكانات التكنولوجيا في إحداث تغيير جذري، شارك في تأسيس شركة "ديب مايند" إلى جانب ديميس هاسابيس وشين ليغ. وكان هدفهم تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة يمكن أن تُستخدم في تحسين حياة البشر.

كان لمصطفى سليمان دور حاسم في توسّع الشركة، لا سيما في جذب الاستثمارات، وإقناع شخصيات بارزة في وادي السيليكون منهم بيتر ثيل وإيلون ماسك بدعم المشروع في مراحله الأولى.

كان أحد أبرز قادة مبادرات الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي ضمن ديب مايند، إذ أسس وقاد فريق "ديب مايند هيلث"، ونجح في عقد شراكات مع عدد من مؤسسات هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، لتطوير أدوات تكنولوجية مثل تطبيقات لمراقبة المرضى، وأنظمة ذكاء اصطناعي يمكنها اكتشاف مؤشرات الأمراض في مراحل مبكرة.

إلا أن هذا التعاون لم يخلُ من الجدل، خاصة بعدما كُشف عن مشاركة غير شفافة لبيانات 1.6 مليون مريض مع ديب مايند، وهو ما دفع هيئة الرقابة البريطانية لاعتبار الاتفاقية غير قانونية.

مصطفى سليمان أثناء إلقائه كلمة في قمة كونكورديا السنوية لعام 2023 (غيتي)

كان مصطفى سليمان حريصا على تطوير الذكاء الاصطناعي ضمن أطر أخلاقية واضحة، وفي عام 2016، شارك في تأسيس "بارتنرشيب للذكاء الاصطناعي"، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى ضمان تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل آمن وشفاف، بمشاركة قادة تقنيين بارزين منهم يان لوكون المسؤول في شركة فيسبوك وإريك هورفيتز المسؤول في مايكروسوفت.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وتحت إدارة شركة غوغل، تم دمج فريق الصحة التابع لـ "ديب مايند" ضمن شركة فرعية جديدة بقيادة ديفيد فاينبرغ. ورغم هذا التغيير في الهيكل، استمر مصطفى سليمان في الإشراف على الأبحاث المتعلقة بالصحة، ومن بينها مشروع تنبؤ إصابات الكلى الحادة قبل 48 ساعة من حدوثها.

إعلان

وفي عام 2019 شغل منصب نائب رئيس شركة غوغل لمنتجات وسياسات الذكاء الاصطناعي، بعد استحواذ الأخيرة على "ديب مايند" في 2014.

في يناير/كانون الثاني 2022، بدأت أفكار مصطفى سليمان تتجه نحو تأسيس مشروعه الخاص، بعدما شعر أن غوغل كانت مترددة في تبني الذكاء الاصطناعي للمحادثة في منتجاتها، هذا التردد دفعه إلى التفكير في مغادرة الشركة.

وفي العام نفسه شارك في تأسيس شركة "إنفليكشن إيه آي" مع ريد هوفمان، وكارين سيمونيان، وكان أول مشاريع الشركة هو تطوير برنامج للذكاء الاصطناعي للدردشة، يركز على التفاعل العاطفي، وأُطلق عليه اسم "باي".

وفي مارس/آذار 2024 أصبح مصطفى سليمان رئيسا لوحدة الذكاء الاصطناعي الاستهلاكية في مايكروسوفت التي عينت عددا من موظفي إنفليكشن.

دعم حرب الإبادة

اتهمت خبيرة الذكاء الاصطناعي، هايدي خلاف، الجيش الإسرائيلي بالاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تنفيذ هجماته على قطاع غزة، مشيرة إلى تعاون وثيق بينه وبين شركات تكنولوجية كبرى مثل غوغل ومايكروسوفت وأمازون. واعتبرت أن هذا التعاون يجعل تلك الشركات شريكة في جرائم حرب.

وأوضحت هايدي خلاف أن هذا الدعم يعود إلى عام 2021، حين بدأت غوغل وأمازون بتقديم خدمات سحابية وتقنيات ذكاء اصطناعي للجيش الإسرائيلي، وقد توسع التعاون بشكل أكبر بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع ازدياد اعتماد إسرائيل على خدمات مايكروسوفت التقنية.

وفي أبريل/نيسان 2025، تزامنا مع تجدّد الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، قاطعت المبرمجة والمهندسة المغربية ابتهال أبو سعد – وهي موظفة في مايكروسوفت وخريجة جامعة هارفارد – كلمة ألقاها مصطفى سليمان، أثناء الاحتفال الرسمي بالذكرى الخمسين لتأسيس مايكروسوفت.

واتهمت ابتهال زميلها بالتواطؤ فيما وصفته بـ"سفك الدماء"، مؤكدة أن مايكروسوفت متورطة في دعم الجيش الإسرائيلي عبر تزويده بخدمات الحوسبة السحابية والبنية التحتية التكنولوجية، مثل "مايكروسوفت أزور".

وقالت أثناء وقوفها على المسرح "أنت تدّعي أنك تسعى لتطوير الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية، في حين أن مايكروسوفت تبيعه لدعم آلة الحرب". وأضافت: "أكثر من 50 ألف شخص قُتلوا، ومايكروسوفت تواصل دعم هذه الإبادة الجماعية".

واكتفى مصطفى سليمان بالرد قائلا: "شكرا لك على احتجاجك، لقد سمعتك". بينما تابعت ابتهال قائلة إنه و"كلّ مايكروسوفت" أيديهم ملطخة بالدماء. كما ألقت على المسرح الكوفية الفلسطينية، التي أصبحت رمزا لدعم الشعب الفلسطيني، قبل أن يتم إخراجها من الفعالية.

إعلان الجوائز والأوسمة وسام الإمبراطورية البريطانية عام 2019. جائزة رؤية وادي السيليكون لعام 2019. مُدرج ضمن قائمة تايم لأكثر 100 شخصية تأثيرا في مجال الذكاء الاصطناعي لعام 2023.

مقالات مشابهة

  • تطبيق جديد يحمي الأعمال الفنية من الذكاء الاصطناعي
  • ميتا تكشف عن تطوير جديد يعزز الذكاء الاصطناعي متعدد الوسائط
  • الذكاء الاصطناعي العام (AGI) الخطوة التالية لقطاع التكنولوجيا..ما المخاطر؟!
  • خدعة أبريل التي صدّقها الذكاء الاصطناعي
  • بيل غيتس يكشف عن 3 مهن ستصمد في وجه الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي جريمة معلوماتية!
  • مصطفى سليمان المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت
  • تقرير أممي يحذر من مخاطر الذكاء الاصطناعي على الوظائف
  • الصين ترد على رسوم ترامب بأغاني وفيديوهات من إنتاج الذكاء الاصطناعي
  • كيف وقع الذكاء الاصطناعي ضحية كذبة أبريل؟