منير أديب يكتب: جماعات المعارضة السورية المسلحة أم جماعات العنف والتطرف؟
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يُقدر عدد المسلحين الذين سيطروا على مدينة حلب السورية وريفها وفق بعض التقديرات على الأرض بقرابة خمسة عشر ألف مسلح تم تدريبهم وتهيئتهم على مدار ستة أشهر كاملة، فضلًا على أنهم استفادوا من مناخ الفوضى الذي خلفته الحرب والصراعات التي ضربت المنطقة وبخاصة الحرب الإسرائيلية.
ولذلك هؤلاء الذين سيطروا على كبرى المدن المسلحة لم يكونوا مسلحين فقط، ولا يمكن اختصارهم تحت هذا العنوان فقط، فهم متطرفين، أغلبهم يؤمنون بأفكار هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة سابقًا، بل كانوا جزءً من التنظيم، فضلًا على إنضوائهم تحت لواءه.
وكما هو معروف أنّ جبهة النصرة ذات انتماء ارتبط بتنظيم داعش، فأبو بكر البغدادي، الملقب بأول خليفة لداعش، هو من أرسل أبو محمد الجولاني للقتال في سوريا في العام 2011 وداعش وقتها كانت تعمل تحت لافتة الدولة الإسلامية في العراق وظل على ذلك لسنوات، قبل أنّ يفك الأخير ارتباطه بالتنظيم، ويُعلن مبايعته فيما بعد لتنظيم ما يُعرف بقاعدة الجهاد.
وهنا حاولت هيئة تحرير الشام خلع ثوبها القديم، خاصة وأنها وضعت على قوائم الإرهاب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وسوريا ودول أخرى، وهنا أطلقت على نفسها أسماء منها نصرة الشام أو هيئة التحرير ثم هيئة تحرير الشام، فمهما تغيرت الأسماء يظل مدلول الهيئة أو الجبهة بأفكار من ينضمون لها واحد.
وهنا لابد أنّ نكون أكثر وضوحًا في تعريف هؤلاء بأنهم جماعات متطرفة؛ صحيح هذه الجماعات معارضة ومسلحة، ولكنها في الأساس جماعات متطرفة، ومن الخطأ اختزالها في وصف الجماعات السورية المسلحة فقط.
صحيح هناك جماعات معارضة مسلحة شاركت في معركة حلب، ولكنها قليلة جدًا أمام الجماعات المتطرفة، فضلًا على أنّ كل هذه الجماعات تنطوي تحت لواء هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة وتأتمر بأمرها، ويسير عليها من وصف ما يسير على الهيئة وكل التنظيمات ذات المرجعية الإسلاموية.
وهنا تبدو الخطورة شديدة ليس على حلب وإنما على المنطقة العربية بأكملها، وهنا لا تبدو الخطورة في سيطرة هؤلاء المتطرفين على حلب وإنما في سعي هذه التنظيمات على السيطرة على باقي المدن السورية أيضًا؛ خاصة وأنّ الهيئة عندما سعت للسيطرة على حلب كانت أشبة بسيطرة داعش على الرقة والموصل في يونية من العام 2014.
وهنا لابد أنّ ينتبه المجتمع الدولي لخطورة سيطرة هؤلاء المتطرفين على ثاني أكبر مدينة سورية وعلى سعيها للسيطرة على باقي المدن السورية؛ فهي مع باقي التنظيمات المتطرفة تسعى لإقامة إمارة إسلامية، صحيح لا ترفع نفس شعارت داعش التي تتعلق بإقامة الدولة، ولكنها ترفع شعار "التحرير" وعودة النازحين ولكن تحت عنوان أكبر يتعلق بالسيطرة الكاملة ومن ثم إقامة حكم إسلامي.
وهذا ما سوف نراه مستقبلًا عندما تتمكن من السيطرة على مدينة حلب بصورة كاملة، فضلًا على أننا سوف نرى بأم أعيننا الخلافات التي سوف تدب بين جماعات العنف والتطرف المنضوية تحت لواء هيئة تحرير الشام، فكل منها له تصور يختلف عن الآخر في الحكم بإسم الإسلام، هذا الخلاف سوف تظهر ملامحه بعدما تهدأ المعركة، وتتمكن الهيئة من فريستها بصورة كاملة، وبالتالي سوف يقوم المتطرفين بحرب أنفسهم!
المجتمع الدولي وقع في خطأ كبير ليس لمجرد أنه أعطى فرصة لسيطرة هؤلاء المتطرفين ولا لتسميتهم غير الدقيقة، جماعات سورية مسلحة، ولكن لأنها تركت لهم مجال السيطرة، ومازال الضوء الأخضر يمصدرًا لهذه الجماعات من أجل مزيد من السيطرة على المدن السيطرة، وكأننا نخلق دولة داعش من جديد ولكن على كامل الأراضي السورية.
واجب المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي دعم الدولة السورية، وحديثي هنا ليس عن دعم النظام السوري، ولكن الدولة السورية، يجب أنّ تبقى في مواجهة جماعات العنف والتطرف، التي حاولت أنّ تنتشر وتُسيطر بدعوى ممارسات النظام السوري، التي أعطاها في حقيقة الأمر مقومات السيطرة، وهذا خطأ استراتيجي، ولكن لا يمكن مواجهة هذا الخطأ بأنّ تترك الدولة السورية لمصيرها المحتوم.
كلمة أخيرة، هذه صورة جديدة للإرهاب ولعلها إحدى صور التحول التي يمر بها، صحيح هؤلاء المتطرفين في حلب ليسوا دواعش وإنما إنتمائهم أقرب للقاعدة وتنظيمات أخرى متطرفة، ولكن ما يجري في حلب قولًا واحدًا يُشبة ما حدث في 29 يونية من العام 2014 عندما سيطرت داعش على الرقة والموصل.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: سوريا هيئة تحرير الشام جبهة النصرة حلب السورية هیئة تحریر الشام هؤلاء المتطرفین فضل ا على
إقرأ أيضاً:
صوت القاهرة يجلجل في وجه التحديات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
التأمت القمة العربية الطارئة في العاصمة الإدارية الجديدة، في مشهد يعيد إلى الأذهان ألق العروبة حين كانت القاهرة منبرها وصوتها الأعلى، حيث اجتمع القادة العرب في توقيت مفصلي لا يقبل الحياد ولا يحتمل التردد. لم تكن هذه القمة مجرد لقاء بروتوكولي أو بيان ختامي بارد، بل كانت لحظة مصارحة وموقفًا يفرضه التاريخ والجغرافيا.
ولم يكن اختيار القاهرة لاستضافة القمة مجرد مصادفة، بل هو امتداد لدورها المركزي في الدفاع عن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي عادت لتتصدر المشهد بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة. وكأن الزمان يدور دورته ليعيد للأذهان مواقف مصر الثابتة، من دعم الشعب العفلسطيني إلى احتضان الحقوق العربية دون مواربة.
ومن قاعة القمة، انطلق صوت مصر واضحًا حاسمًا، لا يقبل المساومة ولا يتلون بلغة الدبلوماسية الزائفة. أكدت القيادة المصرية، ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن القضية الفلسطينية ليست ورقة مساومة، بل هي حق تاريخي غير قابل للتفاوض، وأن حماية الشعب الفلسطيني مسؤولية عربية قبل أن تكون دولية.
لم تكن القمة مجرد تكرار لمواقف سابقة، بل جاءت لتختبر النوايا، وتفرز بين من يتمسك بالمبادئ ومن يلهث وراء التوازنات السياسية. وهنا، برزت مصر كحائط الصد الأول، مطالبة بوقف فوري للعدوان وفتح ممرات إنسانية عاجلة لإنقاذ الأبرياء في غزة.
وفي موقف يعكس حساسية اللحظة، شدد البيان الختامي على رفض كل أشكال التهجير القسري للفلسطينيين، مؤكدًا أن أي محاولة لفرض واقع جديد ستكون مرفوضة جملة وتفصيلًا.. موقف عربي موحد تجلى في كلمات القادة، لكن الأهم من الكلمات هو التنفيذ، وهنا يأتي الدور المصري الذي أثبت عبر التاريخ أنه ليس مجرد ناقل للرسائل، بل صانع للأحداث ومحدد لمساراتها.
القاهرة ليست مجرد عاصمة سياسية، بل هي ضمير الأمة حين تتناثر المواقف، وهي بوصلتها حين تفقد الاتجاه. القمة العربية الطارئة لم تكن حدثًا عابرًا، بل كانت نداءً تاريخيًا لإعادة إحياء التضامن العربي، والخروج من أسر البيانات الباردة إلى أفعال تليق بحجم التحديات.
في هذه اللحظة الفارقة، تؤكد مصر دورها كقائدة للموقف العربي، وتثبت أن العروبة ليست شعارًا، بل التزام أخلاقي وسياسي، وأن فلسطين ليست مجرد قضية، بل اختبار حقيقي لمن يستحق أن يكون في صف الأمة... وهنا، كما دائمًا، تتحدث القاهرة بصوتها العميق، فيسمعها الجميع.
ورغم الموقف العربي الموحد الذي برز في القمة، لا تزال هناك تحديات كبرى تواجه مسار العمل العربي المشترك. فالضغوط الدولية والتدخلات الخارجية تلقي بظلالها على القرار العربي، وتحاول التأثير على استقلاليته. وهنا، يأتي الدور المحوري لمصر في التصدي لهذه الضغوط، وإعادة ضبط بوصلة التحرك العربي ليكون نابعًا من الإرادة الذاتية للدول العربية، لا من إملاءات القوى الكبرى.
إن استعادة الدور العربي الفاعل لا يقتصر على التصريحات، بل يتطلب إعادة بناء منظومة التعاون العربي على أسس جديدة، تقوم على الفعل لا رد الفعل، وعلى الوحدة لا التنازع. وهنا، تبرز أهمية مصر كدولة قائدة، تمتلك من الخبرة السياسية والقوة الدبلوماسية ما يؤهلها لإعادة تشكيل المشهد العربي بما يخدم مصالح الشعوب العربية.
ولا يمكن للقمة العربية الطارئة أن تكون مجرد محطة عابرة في تاريخ العمل العربي المشترك، بل إنها بداية لمرحلة جديدة من الفعل العربي الحقيقي. فالمطلوب اليوم ليس فقط إصدار بيانات الإدانة، بل اتخاذ إجراءات عملية توقف نزيف الدم الفلسطيني، وتحد من تغول الاحتلال الإسرائيلي على الأرض والحقوق العربية.
مصر، بحكم موقعها التاريخي ودورها السياسي، مؤهلة لقيادة هذا التحرك، مستندة إلى شرعيتها العربية والدولية، وقوة موقفها الذي يستمد صلابته من تاريخها الحافل بالدفاع عن القضايا العادلة. ومن هنا، فإن نجاح هذه القمة لا يقاس فقط بما تم التصريح به، بل بما يتم إنجازه على الأرض خلال المرحلة المقبلة.
ومع انتهاء القمة العربية الطارئة في القاهرة، يدرك الجميع أن هذه ليست نهاية المطاف، بل بداية مرحلة جديدة من العمل العربي الجاد. فمصر التي دعت لهذه القمة، والتي صدحت بصوتها عاليًا في وجه التحديات، لن تتوقف عند حدود البيانات، بل ستواصل تحركها الدؤوب من أجل الحفاظ على حقوق الأمة.
إن التاريخ يسجل اللحظات الفارقة، وهذه القمة كانت واحدة من تلك اللحظات التي تميز بين الشعارات والحقائق، وبين المترددين وأصحاب المواقف الحاسمة. ومرة أخرى، كما كان الحال دائمًا، تتحدث القاهرة فيسمعها الجميع، ليس لأنها الأعلى صوتًا، بل لأنها الأصدق نبرةً، والأوفى لقضيتها العربية الكبرى.