سؤالٌ تردّد كثيرًا: هل أعطت حماس المبرر الشرعي لتدمير غزة؟! طُرح السؤال في البداية على استحياء، خاصة من مناوئي حماس ومن مؤيدي التقارب مع الكيان الصهيوني، لكن نتيجةً للأوضاع التي آلت إليها الأمور في غزة، أصبح السؤال مطروحًا بصوت مسموع من قبل الشامتين والمطبعين، ومن مدعي التدين، الذين باعوا الأوهام للشباب العربي والمسلم حتى فقدوا البوصلة، بل حتى مؤيدي المقاومة الذين انتابتهم الشكوك حول حماس، لدرجة أن يقال إنّ حماس تخدم المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى تهجير أهل غزة منها إلى سيناء وغيرها من المناطق.
الواقع أنّ الكيان الصهيوني ليس في حاجة إلى أيّ مبرر لعدوانه المتكرر على الشعب الفلسطيني؛ فمنذ إنشائه اعتمد على القتل والوحشية والاغتيالات أمام أعين العالم، الذي فشل في مساعدة وتمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة، ولم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، مما يعطي حركة حماس حقَّ الرد على تلك الاعتداءات في الوقت الذي تراه مناسبًا، وهو الذي فعلته في السابع من أكتوبر 2023. ولم يكن أمام الكيان، إلا أن يلجأ إلى الكذب باتهام حماس بقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء، بهدف تحويل أنظار العالم من مقاومة الحركة للاحتلال الصهيوني -وهو حق مشروع- إلى تهمة ارتكاب جرائم إنسانية.
ماذا لو لم تنفذ حركة حماس هجوم السابع من أكتوبر، هل يعني ذلك أنّ الكيان لن ينفذ خطته المزمعة بتهجير أهل غزة من القطاع؟ للإجابة عن السؤال نعود إلى تصريح للشهيد صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي أدلى به لقناة «الجزيرة» يوم 12 أكتوبر 2023، حيث أوضح فيه أنّ عملية طوفان الأقصى، جاءت استباقًا لهجوم كانت تنوي إسرائيل شنه على قطاع غزة فور انتهاء الأعياد اليهودية. وقد اعتبر البعض حينها أنّ تصريح العاروري ليس إلا للاستهلاك الإعلامي، لكن تأكيدًا لهذا الكلام أوضح تحقيق للقناة 12 التلفزيونية العبرية، بُث يوم السبت 23 نوفمبر 2024، أنّ رونين بار رئيس الشاباك (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) قدّم في 1 أكتوبر 2023، أي قبل 6 أيام من بدء معركة طوفان الأقصى، خطة لاغتيال القيادة العليا لحركة حماس، بما في ذلك الشهيد يحيى السنوار ومحمد الضيف القائد العام لكتائب القسام. وبحسب التحقيق قال رئيس الشاباك في الاجتماع الذي حضره رئيس وزراء الاحتلال وقادة «المؤسسة الأمنية»: إنّ «السنوار يشعر بمزيد من الحرية في العمل والتحرك، ويجب التخلص منه»، فيما كان تعليق هرتسي هليفي رئيس أركان جيش الاحتلال إنه «يجب شن حملة واسعة ضد حماس، وتنفيذ هجوم استباقي»، وقد أعطت المؤسسة الأمنية الضوء الأخضر لهليفي للمضي قدمًا في تنفيذ الخطة، حسب التقرير.
إذن؛ فتحقيق القناة 12 الإسرائيلية يعزز دقة ما كان لدى حركة حماس من معلومات عن وجود نوايا إسرائيلية لشن هجوم واسع على قادة المقاومة الفلسطينية، وهو الذي أشار إليه الشهيد صالح العاروري في لقائه مع «الجزيرة». ويحمّل التحقيق المتلفز بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال مسؤولية الفشل في منع هجوم أكتوبر، إذ أنه تجاهل التحذيرات والخطط التي كانت تقدّم له، وأوردت القناة تصريحات له قال فيها إنّ «حماس مردوعة»، وتصريحاتٍ أخرى لتساحي هنغبي رئيس مجلس الأمن القومي بتاريخ 1 أكتوبر 2023، أكد فيها على قناعته بأنّ «حماس غير معنية بالحرب».
الواضح أنّ التحقيق التلفزيوني الإسرائيلي يأتي ضمن الصراع المحتدم بين نتنياهو والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بسبب طوفان الأقصى، حيث يسعى كلّ طرف لتحميل الطرف الآخر مسؤولية الفشل الكبير في منع طوفان الأقصى، وهي نقطة ستظل تُحسب لحماس، مهما كانت نتيجة المعركة بين الطرفين؛ ولكن ما يهمنا في مقالنا هذا، هو أنّ التحقيق التلفزيوني يشير إلى أنّ مؤسسة الاحتلال الأمنية عملت على مدار الساعة على تحديد أماكن قادة حماس خلال الفترة التي سبقت طوفان الأقصى، وكانت تجمع معلومات استخباراتية من الجو والأرض، وكانت تدفع باتجاه تنفيذ عمليات اغتيال واسعة تشكل مفاجأة لحركة حماس، وهذه النقطة مهمة جدًا لتوضيح أنّ حماس كانت في حالة الدفاع عن نفسها ولم تكن السبب في تدمير غزة -كما يذهب البعض-، فالأمرُ كان مبيتًا بليل، وبالتأكيد فإنّ تحقيق القناة الإسرائيلية أشرفُ وأكثر نزاهة من مواقف بعض العرب الذين يقفون مع الكيان الصهيوني، ويحمّلون المقاومة مسؤولية دمار غزة، بدلًا من الوقوف مع إخوة لهم يبادون ولا يجدون ما يأكلون وما يشربون وما يلبسون، وهم ليسوا سوى صدى وأبواق للكيان الصهيوني الذي يردّد أنّ حماس منظمة إرهابية مثلها مثل داعش، وأنّها لا تمثل الشعب الفلسطينيّ في غزة، وأنّها قتلت الأطفال وقطعت رؤوسَهم واغتصبت النساء؛ ويذهب البعض بعيدًا بالقول إنّ القانون الدولي يعطي دولة الاحتلال الحقّ في الدفاع عن نفسها والقضاء على حماس.
فهل أخطأت حماس حقًا في هجومِها على غِلاف غزة؟ وهل هي التي أعطت مبرر تدمير القطاع وتنفيذ مخطط التهجير؟! إنّ المعطيات الإسرائيلية تشير إلى عكس ذلك، ولكن حالة الإحباط التي أصابت الناس بسبب وحشية الكيان الإسرائيلي، جعلت الحابل يختلط بالنابل لدى الناس، ولكن لو وقف العرب مع أشقائهم -أهل غزة- وقوفًا معنويًا فقط، وليس اختيار الوقوف مع العدو الصهيوني، هل كان الكيان سيجرؤ على ارتكابه تلك المجازر ضد المدنيين الأبرياء وضد الحجر والشجر؟! لم يفعل الكيان ما فعله إلا بسبب «الضوء الأخضر» الذي لقيه من دول عربية تريد التخلص من المقاومة، حتى تتفرغ للتطبيع ولأوهام رخاء ما بعد الحرب، وهي بذلك لا تدري أنها تقود نفسها إلى حتفها.
ما فعلته حماس هو تجسيدٌ للمقاومة الحرة ضد الاحتلال. وفي سبيل الحرية والدفاع عن المقدسات نالها ما نالها، وقد يبدو ذلك لقصيري النظر أنها هزيمة منكرة، ولكن ستبقى حماس ما بقي الاحتلال. ستختفي الشخصيات، وستزهق أرواح، وستدمر غزة، ولكن المقاومة ستبقى، وسيدفع الكيان ثمن كلِّ روح أزهقت؛ ففي كلِّ بيت هناك مشروع شهيد، ومشروع انتقام، وهذا لا يخفى على الكيان الصهيوني، وإن خفي على بعض العرب.
ما فعلته حماس هو تجسيدٌ للمقاومة الحرة ضد الاحتلال. وفي سبيل الحرية والدفاع عن المقدسات نالها ما نالها، وقد يبدو ذلك لقصيري النظر أنها هزيمة منكرة، ولكن ستبقى حماس ما بقي الاحتلال. ستختفي الشخصيات، وستزهق أرواح، وستدمر غزة، ولكن المقاومة ستبقى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الکیان الصهیونی طوفان الأقصى أکتوبر 2023
إقرأ أيضاً:
محمد معز رئيس المالديف الذي منع الإسرائيليين من دخول بلاده
محمد معز مهندس وسياسي مالديفي، وُلد عام 1978 في العاصمة ماليه، شغل مناصب حكومية بارزة، منها وزير الإسكان والبنية التحتية، وصار أول عمدة منتخب لماليه، ثم أصبح الرئيس الثامن لجزر المالديف يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
اتخذ خطوات دبلوماسية بارزة، منها إصدار قرار يمنع دخول الإسرائيليين إلى بلاده عام 2025 احتجاجا على انتهاكات الاحتلال بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وأكد أن المالديف تقف مع القضايا العادلة وتدين الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في القطاع.
المولد والنشأةوُلد محمد معز يوم 15 يونيو/حزيران 1978 في منطقة "مافانو" بالعاصمة المالديفية ماليه، ونشأ في أسرة ذات خلفية دينية، إذ كان والده الشيخ حسين عبد الرحمن عالما وقاضيا.
بعد انفصال والديه في وقت مبكر من حياته، عاش معز في منزلي جدتيه لأمه وأبيه، وقضى مراحل طفولته متنقلا بينهما، قبل أن يستقر مع والده لاحقا. تزوج عام 2003 من ساجدة محمد، ابنة عائلة ذات جاه، وأنجبا 3 أبناء.
بعد وفاة والده في مكة المكرمة عام 2015، تولى معز إدارة فندق العائلة الذي أصبح لاحقا مقرا رئاسيا مؤقتا.
درس محمد معز في العاصمة ماليه، وأظهر تفوقا في العلوم والهندسة، مما أهله للحصول على منح دراسية في الخارج. وبدأ العمل في مجال العمارة وقاد مشاريع عقارية عدة وتوسع في مجالات أخرى.
حصل معز على ماجستير في التخطيط الحضري من جامعة ليدز البريطانية، ثم الدكتوراه في الهندسة المدنية من الجامعة نفسها، إضافة إلى شهادة إدارة المشاريع من الولايات المتحدة الأميركية.
إعلان التجربة العملية والسياسيةبعد إسهامه في تنفيذ مشاريع بنية تحتية مهمة في البلاد، عُين عام 2012 وزيرا للإسكان والبنية التحتية في حكومة الرئيس عبد الله يمين، وأشرف على مشاريع كبرى، خاصة في مجالي الطرق والجسور.
في أثناء هذه الفترة، ارتبط معز بعلاقات دولية خاصة مع الصين، التي مولت عديدا من المشاريع الكبرى ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، وأسهم ذلك في تعزيز مكانته مهندسا بارزا في البلاد.
لاحقا، تولى معز منصب عمدة العاصمة ماليه بين عامي 2021 و2023، وشهدت هذه الفترة تحسنا ملحوظا في البنية التحتية والخدمات العامة في المنطقة.
بدأ معز مسيرته السياسية بعد انضمامه إلى حزب "التقدم"، وصعد تدريجيا في صفوفه وأصبح أحد أبرز قياداته.
وفي أثناء حملته الانتخابية عام 2023، ركز محمد معز على تعزيز السيادة الوطنية للمالديف، وتعهد بإخراج القوات الهندية من البلاد، مما أثار جدلا شعبيا واسعا.
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فاز معز في الانتخابات الرئاسية بنسبة 54.05% من الأصوات، متفوقا على الرئيس السابق إبراهيم محمد صليح.
بدأ معز مباشرة بعد توليه الرئاسة تنفيذ خطط تهدف إلى تعزيز سيادة البلاد واستقلال قرارها السياسي، وتبنى رؤية اقتصادية مستدامة تركز على الابتكار.
كما سعى إلى إنهاء التدخلات الخارجية في شؤون البلاد. وفي الوقت ذاته، أبدى رغبة في تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين، وتخفيف التوترات مع الهند.
وركز معز على ضرورة مراجعة الاتفاقيات العسكرية التي وقعها سلفه عبد الله يمين مع الهند، وإعادة تنظيم السياسة الخارجية.
في 15 أبريل/نيسان 2025، اتخذ محمد معز قرارا يحظر دخول المواطنين الإسرائيليين إلى البلاد.
إعلانوأضح -في بيان- أن منع دخول الإسرائيليين جاء ردا على الإبادة التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين بقطاع غزة.
وأضاف أن بلاده -وهي عضو في منظمة التعاون الإسلامي– ستواصل الدعوة إلى مساءلة إسرائيل عن انتهاكها القانون الدولي الإنساني ومواصلة إدانة أفعالها.
وكانت إحدى جزر المالديف منعت في أبريل/نيسان 2024 دخول حاملي الجواز الإسرائيلي، ورفع نشطاء حينها لافتة كتب عليها "لا نريد أموالكم الملطخة بالدماء".
الوظائف والمسؤوليات وزير الإسكان والبنية التحتية عام 2012. عمدة العاصمة ماليه عام 2021. رئيس المالديف عام 2023.