عربي21:
2025-04-30@00:02:08 GMT

أين تقف تركيا من التطورات الأخيرة في سوريا؟

تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT

في تقييم أي حدث سياسي مهم أو عملية عسكرية بارزة يُنظر إلى الدوافع والمنطلقات والأهداف، كما ينظر إلى التصريحات والإشارات والأحداث، وينظر إلى التوقيت والسياق والظروف، وإلى الفواعل المؤثرة والمتداخلة وتشابك العلاقات، وإلى النتائج والتبعات والارتدادات سواء بسواء.

تمثل عملية "ردع العدوان" التي أطلقتها المعارضة السورية وتحديدا ما تسمى "إدارة العمليات العسكرية" ضد قوات النظام وحلفائه في حلب؛ تطورا مهما بل هو الأبرز في المشهد السوري منذ سنوات عديدة، وليس من المبالغة القول إنه أحد أهم التطورات في المنطقة برمتها منذ عملية طوفان الأقصى وأحد هزاتها الارتدادية.



ورغم الديناميات الداخلية المعروفة، من قبيل المواجهات السابقة بين النظام والمعارضة، واستمرار استهداف النظام لإدلب (المنطقة الوحيدة الباقية من مناطق خفض التصعيد)، وتكدس المدنيين فيها، إلا أن الظروف الإقليمية والدولية ذات حضور ملموس -دائما- في المشهد السوري من حيث التأثر والتكيف والاستثمار.

من هذه الزاوية، من المهم النظر لمواقف القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في القضية السورية بنفس القدر الذي تبحث فيه الديناميات الداخلية، إذ لطالما كان لهذه القوى تأثيرات مباشرة وغير مباشرة عليها منذ اندلاع الثورة في 2011، بل كانت هي المحدد الرئيس لمساراتها في السنوات الأخيرة.

وتعد تركيا من الدول المهمة لاستطلاع أين تقف من هذه التطورات الجذرية والمتسارعة من حيث النظرة والموقف والدور والمصالح المتأثرة. فهي دولة جارة لها حدود مشتركة على طول 911 كلم، فضل عن وجودها العسكري في الداخل السوري، إضافة لوجود ملايين السوريين المقيمين على أراضيها.

عملية "إدارة العمليات العسكرية" في الشمال السوري تحقق مصالح واضحة لأنقرة، بالضغط على الأسد لإعادة النظر في المسار السياسي الداخلي، وفي تطبيع العلاقات معها، وتغيير موازين القوى في سوريا بشكل يرجح كفتها ويجعلها هي -لا الميليشيات المدعومة أمريكيا- من يملأ الفراغ الذي قد تتركه إيران والمليشيات المحسوبة عليها
الأهم مما سبق، أن أنقرة إحدى الأطراف الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا ومناطق خفض التصعيد الأربع التي استحالت مع هجمات النظام إلى منطقة واحدة في إدلب، بل اضطرت لتفكيك عدة نقاط مراقبة في الشمال السوري بسبب محاصرة قوات النظام لها. وعلى مدى السنوات الماضية لم يسجل المسار السياسي تقدما ملحوظا، ووضع النظام مسار اللجنة الدستورية في الثلاجة، مستمرا في هجمات على إدلب أثارت مخاوف عدم الاستقرار من جهة وموجات جديدة من اللاجئين من جهة أخرى.

أضيفت لذلك دعوات أردوغان المتكررة للأسد لتطبيع العلاقات وفتح صفحة جديدة بين البلدين، والتي وُوجهت أحيانا بالتجاهل وأحيانا أخرى بشروط مسبقة، مثل الانسحاب من الأراضي السورية ووقف الدعم للمعارضة السورية المسلحة.

علاوة على كل ذلك، يركز الخطاب الرسمي التركي منذ أشهر على فكرة أن العدوان "الإسرائيلي" الذي بدأ في غزة وامتد للبنان مرشح للاستمرار في سوريا وصولا لتركيا، التي قال أردوغان إن القوات "الإسرائيلية" تبعد عنها ساعتين ونصف فقط، فضلا عن الإشارة لإمكانية استهداف الأراضي التركية مباشرة.

دفع ذلك للتقدير بأن تتجه أنقرة لخطوات ملموسة تجاه هذا التهديد، وقد توقعنا في مقالات وأوراق سابقة أن تكون إحداها عملية عسكرية في الشمال السوري لمكافحة الكانتون الذي تديره قوات سوريا الديمقراطية أو لزيادة مساحة نفوذها في شمال غربي سوريا. كما أنها بدأت الحديث الرسمي عن ضرورة حل المسـألة الكردية الداخلية تحت عنوان "تمتين الجبهة الداخلية".

تضاف لذلك تطورات دولية وإقليمية، في مقدمتها انخراط حزب الله و"محور المقاومة" في جبهات الإسناد لغزة وتراجع حضورهم نسبيا في سوريا، فضلا عن الخسائر التي تكبدوها والعلاقات المتوترة مع النظام وما يعنيه ذلك من فرصة لملء الفراغ، لا سيما مع وجود خطة أمريكية- غربية لحصار المحور وقطع طرق إمداده. ومنها كذلك فوز ترامب وما يمكن أن يعنيه ذلك لأنقرة من فرص (الانسحاب من سوريا؟) وتهديدات (ترسيخ "الدويلة الكردية"؟) محتملة، لا سيما على هامش الحرب المستمرة في المنطقة.

يعني كل ما سبق أن عملية "إدارة العمليات العسكرية" في الشمال السوري تحقق مصالح واضحة لأنقرة، بالضغط على الأسد لإعادة النظر في المسار السياسي الداخلي، وفي تطبيع العلاقات معها، وتغيير موازين القوى في سوريا بشكل يرجح كفتها ويجعلها هي -لا الميليشيات المدعومة أمريكيا- من يملأ الفراغ الذي قد تتركه إيران والمليشيات المحسوبة عليها، وما يضعها كذلك في موقف تفاوضي أفضل مع إدارة ترامب القادمة.

بهذا المعنى، فتركيا ليست معارضة للعملية من حيث المبدأ، بل راضية بها وربما منحتها ضوءا أخضر لم يكن موجودا سابقا قبل نضوج الظروف سالفة التفصيل إقليميا ودوليا، لا سيما وأن العملية فتحت الباب على إمكانية استعادة مناطق مثل تل رفعت ومنبج التي سيطرت عليها قسد على عكس التفاهمات السابقة بين أنقرة وكل من موسكو وواشنطن؛ وظلت الأولى تلوح بعملية محتملة لإخراجها منها، وهو ما حصل في عملية "فجر الحرية" التي شنها "الجيش الوطني السوري" المعارض.

رغم كل ذلك، من الصعب القول إن تركيا ترغب في رؤية صراع صفري جديد في سوريا أو استمرار المعركة حتى النهاية، حيث إنها ركزت خطابها السياسي في السنوات القليلة الأخيرة على فكرة أنَّ تراجع المواجهات العسكرية ينبغي أن يترجم لحل سياسي يرضي جميع الأطراف وينهي الصراع بشكل كامل. ذلك أن فتح حرب شاملة وصفرية في سوريا قد ينتج عنه سيناريو الفوضى الذي تتوجس منه أنقرة؛ لناحية تأثيره السلبي على اقتصادها وإضراره بأمنها القومي واحتمالات تفعيل ودعم مشروع "الدولة الكردية"، وخصوصا مع التصريحات "الإسرائيلية" المتكررة التي أشارت للمليشيات الكردية في سوريا كحليف وشريك. ترى أنقرة أنه ما زال بالإمكان ضبط التطورات واستعادة الهدوء دون تصعيد موسع، والرجوع نحو مسار سياسي داخلي أي سوري- سوري وآخر إقليمي- دولي بين كل من الولايات المتحدة وإيران وروسيا وتركيا، وبشكل أكثر تحديدا ضمن تفاهمات ثنائية بين موسكو وأنقرة، ولكن هذه المرة بوضع تفاوضي أفضل للأخيرةكما أن ذلك من شأنه توتير علاقاتها المتحسنة حديثا مع عدد من الدول العربية، وهو ما لا تريده بالتأكيد، فضلا عن نظرتها السلبية أو أقله المتوجسة لهيئة تحرير الشام -الركن الرئيس في "إدارة العمليات العسكرية"- التي لا تملك نفوذا كبيرا عليها على عكس "الجيش الوطني السوري".

كما أن تركيا لا تريد استعادة منطق الأزمات والمواجهة مع روسيا أو الولايات المتحدة، بل لعلها رأت في العملية مشكلة يمكن أن تؤدي لحل أزمة بعد إعادة طرحها على الطاولة، ولذلك فقد كانت التصريحات الرسمية التركية متحفظة في تأييد العملية -وإن حمّلت مسؤولية تدهور الأوضاع للنظام- وأكدت على ضرورة استعادة الهدوء والحل السياسي.

وعليه، ترى أنقرة أنه ما زال بالإمكان ضبط التطورات واستعادة الهدوء دون تصعيد موسع، والرجوع نحو مسار سياسي داخلي أي سوري- سوري وآخر إقليمي- دولي بين كل من الولايات المتحدة وإيران وروسيا وتركيا، وبشكل أكثر تحديدا ضمن تفاهمات ثنائية بين موسكو وأنقرة، ولكن هذه المرة بوضع تفاوضي أفضل للأخيرة. ولذلك، فقد كانت قنوات الاتصال مفتوحة مع كل روسيا وإيران، حيث أجرى وزير الخارجية هاكان فيدان اتصالا هاتفيا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وسيستقبل اليوم الاثنين نظيره الإيراني عباس عراقجي.

ختاما، رغم سرعة وضخامة التطورات الميدانية في الأيام الثلاثة الأولى للعملية، ما زال من العسير التوقع الدقيق لمساراتها ونتائجها ومآلاتها، ومدى ارتباطها و/أو تأثرها بمشاريع إقليمية ودولية أخرى، أمريكية في المقام الأول. فقد مرت لحظة الصدمة وبدأت جميع الأطراف بإجراء تقييماتها واتصالاتها وتنظيم خطواتها المستقبلية، ما يترك الميدان العسكري والسياسي مفتوحا على سيناريوهات عديدة؛ سيكون من بين أهم العوامل المؤثرة فيها وترجيح أحدها مواقفُ الأطراف الإقليمية وتفاهماتها المحتملة وتحديدا الثلاثي التركي- الروسي- الإيراني، فضلا عن الجانب الأمريكي الغائب الحاضر في الخلفية وفي قلب الأحداث.

x.com/saidelhaj

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ردع العدوان تركيا سوريا الأسد فجر الحرية سوريا الأسد تركيا فجر الحرية ردع العدوان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إدارة العملیات العسکریة فی الشمال السوری فی سوریا فضلا عن

إقرأ أيضاً:

باحث إسرائيلي: تصاعد نفوذ تركيا في سوريا أمر غير سار لنا

تعترف أوساط الاحتلال، أن سقوط نظام الأسد، وسيطرة الفصائل على سوريا، بمساعدة تركيا، شكل نقطة ‏تحول في توازن القوى والنفوذ الإقليمي، كما أن حالة عدم الاستقرار فيها يفتح الباب أمام تدخل أعمق من جانب ‏الجهات الفاعلة، بل يزيد من تنافس تركيا والاحتلال لأخذ النصيب الأكبر في الأهمية والتأثير.

مع أن الضربة ‏التي وجهها الأخير لحزب الله هي أحد أسباب سقوط النظام، بعد أن فقد دعم الحزب وإيران، عقب تخلي روسيا ‏عنها، بسبب تركيز جهودها على أوكرانيا. ‏

البروفيسور كوبي مايكل الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أكد أن "انهيار النظام ‏السوري أثار قلقا كبيرا لدى إسرائيل بسبب تواجد عناصر جهادية في جنوب سوريا، وقرب حدوده، وسارعت ‏للسيطرة على المنطقة العازلة حتى يستقر النظام"، بزعم منع أي محاولة لتكرار هجوم السابع من أكتوبر من جنوب ‏سوريا هذه المرة، ولكن لأن الاحتلال لا يستطيع أن يحدد بثقة إلى أين تتجه القيادة السورية الجديدة.

‏وأضاف في مقال نشره موقع واللا العبري، وترجمته "عربي21" أن "المخاوف الإسرائيلية لا تقتصر على ‏العناصر الجهادية التي باتت تحكم سوريا، بل تمتد أيضا إلى تركيا ونواياها بترسيخ وجودها فيها، لأن تواجدها ‏العسكري التركي هناك يعني تضييق مساحة العمليات الإسرائيلية، وتهديد حرية العمل الجوي في المنطقة بشكل ‏عام، وفيما يتعلق بالتحضيرات لهجوم أو عمل ضد إيران ردا على هجوميها الصاروخيين في أبريل وأكتوبر ‏‏2024، ومن أجل منع التواجد العسكري التركي في سوريا من خلال الاستيلاء على المطارات والبنية التحتية ‏العسكرية السورية، يعمل الاحتلال بقوة على تدمير كل هذه البنية التحتية". ‏

وأوضح أنه "لم يكن بوسع التنظيمات أن تستكمل عملية السيطرة على سوريا لولا المساعدة ‏النشطة من تركيا، التي أدركت الفرصة التاريخية لتعزيز قبضتها على سوريا كنوع من حجر الزاوية في توسيع ‏نفوذها في الشرق الأوسط الأوسع، وتعتبره تاريخيا واستراتيجيا مجال نفوذ ضروري لترسيخ مكانتها كقوة إقليمية، ‏في انسجام واضح مع شخصية الرئيس رجب طيب أردوغان الساعي لإحياء الإمبراطورية العثمانية، وبرزت ‏سوريا كفرصة لمساعدته على تحقيق رؤيته" وفق زعمه.‏



وأكد أن "للأمريكيين والروس والصينيين مصالح مهمة في سوريا، ليست بالضرورة متوافقة، وقد تؤدي ‏لزيادة توتراتهم، وبذلك تتحول سوريا ساحة صراع بين اللاعبين الإقليميين والدوليين في واقع لا يزال من غير ‏الواضح أين يتجه نظامها الجديد الذي يحاول ترسيخ نفسه، والحصول على دعم العالم، وتعاطفه من خلال الوعود ‏والإيماءات غير المقنعة بما فيه الكفاية في الوقت الراهن، رغم أنه لم ينجح حتى الآن بترسيخ قبضته على السلطة ‏والسيادة الفعلية على كامل الدولة، مما يعني أن عدم استقرارها يفتح الباب أمام تدخل أعمق من جانب الجهات ‏الفاعلة الإقليمية والدولية، حيث تلعب تركيا وإسرائيل الدور الأكثر أهمية وتأثيرا". ‏

وأشار أن "إيران فقدت قبضتها على سوريا، وهي أهم أصولها في المنطقة، لكنها تحاول الحفاظ على ‏بعض قبضتها بدعم الجهات الفاعلة السورية مثل العلويين، رغم أنه نفوذ ضئيل محدود، وفي هذه الحالة إذا ‏نجحت تركيا بترسيخ نفوذها وهيمنتها في سوريا، فستتمكن من توسيعه خارجها، وقد تجد نفسها في صراع، حتى ‏لو لم يكن عسكريا بشكل مباشر، مع لاعبين إقليميين آخرين، مع التركيز على إسرائيل والسعودية والإمارات، لكن ‏التهديد الأبرز سيكون على استقرار الأردن"‏.

وزعم أن "مفتاح استقرار سوريا يقع في أيدي تل أبيب وأنقرة، اللتين تدهورت علاقاتهما منذ السابع من ‏أكتوبر لأسوأ مستوى عرفتاه منذ إقامة علاقاتهما قبل سبعة عقود، فتركيا أول دولة إسلامية تعترف بالاحتلال، ‏وشهدت علاقاتهما في السنوات الأخيرة تقلّبات سلبية، بعد عصرها الذهبي في العقود الأخيرة من القرن الماضي ‏وبداية القرن الحالي، وفي واقعها الحالي، يصعب افتراض قدرتهما على التوصل لاتفاقيات ثنائية دون مساعدة ‏خارجية، وهنا يأتي دور الولايات المتحدة، ذات العلاقات الوثيقة للغاية معهما، بحيث تجد لهما طريقة لتقسيم ‏نفوذهما على سوريا بطريقة تضمن مصالحهما الحيوية، وتساعد في استقرار وتشكيل الواقع المستقبلي في سوريا". ‏

مقالات مشابهة

  • باحث إسرائيلي: تصاعد نفوذ تركيا في سوريا أمر غير سار لنا
  • نبش قبر الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد بعد شهور على إحراقه (شاهد)
  • القصة الكاملة للمقاتل السوري مجدي نعمة الذي بدأت محاكمته اليوم بباريس
  • ‏وزير الخارجية السوري: العقوبات على سوريا تضعف قدرة البلاد على منع النزاعات
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • عودة 200 ألف سوري من تركيا إلى وطنهم منذ سقوط النظام
  • الشرع يحذر من دعوات “قسد” التي تهدد وحدة البلاد وسلامة التراب السوري
  • 3 نقاط تثير مخاوف دمشق وأنقرة من تحركات أكراد سوريا
  • شاهد | النظام السوري الجديد .. بالتدريج .. كاريكاتير
  • أين تقف تركيا في معادلة الدفاع الأوروبي؟