محمد خليفة المبارك *
نحتفي في عيد الاتحاد الـ53 بالقيم العريقة التي تجسد روح مجتمعنا، وتُعدّ رمزاً للعطاء والمحبة التي تسري في وجداننا. إنها فرصة للتأمل في الإرث الذي تركه لنا الآباء المؤسسون، الذين أرسوا مبادئ التسامح والكرم التي أصبحت ركيزة أساسية في بناء هويتنا الوطنية.
هذا الاحتفال ليس مجرد ذكرى، بل هو شهادة على مسيرة متواصلة من الوحدة والإصرار، تُذكّرنا دائماً بأنّ احترام الماضي هو ما يمهّد الطريق لمستقبل مليء بالأمل والطموح، مُستلهمين من القيم التي غرسها قادتنا الأوائل، والتي ما زالت تنير دروبنا اليوم.
وباعتبارها مجتمعاً متعدداً يضم أكثر من 200 جنسية، لا يمكن أن يكون هناك مكان في العالم، أفضل من أبوظبي، يتيح التعرف على الدور المفصلي الذي تلعبه الثقافة، ومعايشة هذا الدور في بناء غد أفضل من خلال إلهام العقول والتشجيع على الإبداع والانفتاح وتوسيع آفاق وجهات النظر.
لقد ساعدت الاكتشافات الأثرية في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة، على إبراز حقيقة أنّ هذه المنطقة كانت على الدوام بمثابة جسر حيوي وتاريخي بين حضارات المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط وبلاد الشام منذ آلاف السنين. تاريخياً، كانت منطقتنا مكاناً للتفاهم والتواصل والتعاون بين البشر من مختلف الثقافات والحضارات.
إنّ هذا الطبع من المرونة والقوة معاً، لا يمكن أن يأتي إلا من التعاون والتضامن والوحدة، وهي القيم التي كرّس الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حياته لها، وأورثَنا إياها.
شغف بالتراث
علّمنا الشيخ زايد الشغف بالتراث والاعتزاز به، وحمايته وصونه، كما غرس فينا احترام وتقدير كل مكوّنات ومقوّمات هويتنا وثقافتنا. ولتوثيق تاريخنا العريق، افتتح، طيّب الله ثراه، أول متحف لدولة الإمارات في العين عام 1971، وافتتح أول مركز ثقافي وهو المجمّع الثقافي عام 1981. واستمر إرث الشيخ زايد في التطور بتوجيهات من المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، واليوم، يواصل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وسمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، البناء على هذا الإرث. وإنّ هذا التفاني الدائم من قيادتنا الرشيدة لصون تراثنا الثقافي وحفظه للأجيال، يتشكّلُ في أحدث صورة له من خلال المنطقة الثقافية في السعديات، أحد أكبر تجمعات المؤسسات الثقافية. تشكل الثقافة ملامح مجتمعنا كشعب وأمة، وترسخ هويتنا الوطنية كونها تلامس جوانب حياتنا كافة، ونحرص في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي على وضعها دائماً في صميم مشاريعنا ومبادراتنا إدراكاً منا لأهمية دورها.
تعد المنطقة الثقافية في السعديات بمثابة منصة عالمية تعكس تراثنا الثقافي الغني، وتحتفي بالثقافات الأخرى في الوقت نفسه، بل وتعزّزها وتحتفل بخصائصها المشتركة، استمراراً لدور أبوظبي التاريخي كملتقى للحضارات. وتستعد المنطقة للإسهام في ترسيخ دور أبوظبي كحلقة وصل للابتكار الثقافي والحوار، مما يترك أثراً وإرثاً ملهمين محلياً وعالمياً. وباعتبارها مركزاً ثقافياً نابضاً بالحياة، تجمع المنطقة بين التراث الغني لماضينا والطموح الحيوي لمستقبلنا، احتفالاً بالإرث الذي تركه لنا المغفور له الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. أخبار ذات صلة ثاني الزيودي: محطة مضيئة في تاريخ الوطن عبدالرحمن العور: مواصلة البناء على الإنجازات والمكتسبات
علاقات تفاعلية
تضم المنطقة الثقافية في السعديات اليوم متحف اللوفر أبوظبي، وبيركلي أبوظبي، ومنارة السعديات، وسينضم إليها متحف زايد الوطني، ومتحف جوجنهايم أبوظبي ومتحف التاريخ الطبيعي أبوظبي وتيم لاب فينومينا أبوظبي، لتقدم هذه المؤسسات مجتمعةً رحلة آسرة لاستكشاف تاريخنا الإنساني المشترك وثقافاتنا المتنوّعة، من أبوظبي.
وكونها تُعد أحد أكبر تجمعات المؤسسات الثقافية، فإنّ المساحات الديناميكية للمنطقة الثقافية في السعديات لا تكرّم تاريخنا فحسب، بل تعزّز أيضاً التفاعل الثقافي والتبادل المعرفي والحضاري الخلاق، حيث تدعو مؤسساتنا الأفراد من الخلفيات المتنوعة لمشاركة الخبرات والمهارات الثقافية والإبداعية، وبالتالي إثراء فهمهم وتقديرهم لعالمنا.
هذه العلاقات التفاعلية ليست خبرات تعليمية لاكتساب المعارف والمهارات فقط، بل إنها أدوات تمكين لشبابنا، تعزّز لديهم قيم التفاهم والاحترام المتبادل. ومن خلال مهارات التفكير الناقد وتنمية الإبداع، تعمل هذه الصروح الثقافية والمتاحف كمنصات للتعلم مدى الحياة، حيث تقوم بتعليمهم وتوجيههم ودعمهم في إطار مهمتها لتحفيز الإبداع وتعزيز استدامة المنطقة الثقافية في السعديات ونقل إرثها للأجيال القادمة.
كما تستكشف المنطقة الثقافية في السعديات الطرق المبتكرة العديدة التي يمكن للإبداع أن يفيد من خلالها كلّ فردٍ منا، صغاراً وكباراً، كمواطنين في هذا العالم. إن الشعور بالارتباط واضح في جميع أرجاء المؤسسات الثقافية بالمنطقة التي توفر فرصاً متنوعة للترفيه والتعليم وتنمية المعرفة وتطوير الذات، مما يضمن أن كل زيارة للجميع لا تُنسى بل وتُحدث تحولاً ثقافياً ومعرفياً لدى كلِّ زائر.
تُجسّدُ المنطقة الثقافية في السعديات التزام أبوظبي بالحفاظ على تراثها الخاص وموروث الإنسانية جمعاء معاً، وتعكس تبني الإمارة رؤية تقودنا إلى المستقبل المشرق، حيث سيكون للمنطقة أن تلعب دوراً مؤثراً عبر الأجيال برسالة التنوع الثقافي الذي ستتعاظم قوته مع مرور الوقت، مما يخلق الروابط العالمية، ويلهم التبادل الثقافي، ويعزز طرق تفكير جديدة تغيّر تاريخ المنطقة والجنوب العالمي وتعزز إسهامها في مسيرة الحضارة والإنسانية.
* رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: محمد خليفة المبارك الإمارات عيد الاتحاد زايد بن سلطان التسامح المنطقة الثقافیة فی السعدیات الشیخ زاید آل نهیان
إقرأ أيضاً:
“محمية النوادر” وجهة استثنائية بمهرجان الشيخ زايد
تحتضن محمية النوادر “أسرار الحياة البرية”، ضمن فعاليات مهرجان الشيخ زايد 2024-2025، مجموعة من الحيوانات النادرة والطيور المهددة بالانقراض، مستقطبة الزوار من جميع أنحاء العالم.
وفي خطوة نوعية هذا العام، أصبحت المحمية تمتد على مساحة 7000 متر مربع، بدعم من دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، بعدما كانت مساحتها 2000 متر مربع في الدورة السابقة، ما يعزز مكانتها كوجهة رئيسية للجمهور.
وقال محمد الزرعوني، ممثل محمية النوادر، إن المحمية تهدف إلى توعية الجمهور بأهمية الحفاظ على الحيوانات النادرة، موضحًا أنه يمكن اقتناء أو تربية بعض هذه الحيوانات وفقًا للقوانين البيئية المعمول بها في دولة الإمارات.
وأضاف أن المحمية تعرض مجموعة من الطفرات النادرة للنمور بألوان متنوعة، منها البرتقالي، والأبيض، و”السنو وايت”، والسيامي و”الجولدن تيغو”، ما يعكس التنوع الحيواني الفريد الذي تقدمه.
وأوضح أن المحمية، تسعى إلى تسليط الضوء على الأنواع المهددة بالانقراض؛ إذ تتم تهيئتها للتعايش مع البشر ومع غيرها من الحيوانات في بيئة متناغمة، مشيرا إلى نجاح المحمية في تمكين التعايش بين أنواع متعددة مثل الشيتا والنمور، والكلاب والنمور، ما يعكس نموذجًا مبتكرًا في مجال حماية الحياة البرية.
وذكر أن ممثلي موسوعة “غينيس” زاروا المحمية، وأعربوا عن إعجابهم بتواجد 5 فصائل نادرة من الحيوانات في مكان واحد، وهو ما يعد مصدر فخر للقائمين عليها من الشباب الإماراتي.
من جانبه قال محمد الغنيم، المدرب المتخصص في قسم الزواحف، إن القسم يضم مجموعة استثنائية من الزواحف النادرة والطفرات المهددة بالانقراض، ويبذل جهودا حثيثة للحفاظ عليها وضمان بقائها في حالة صحية ممتازة، بما يسهم في تحقيق الهدف الأسمى للمحمية في الحفاظ على التنوع البيولوجي.
وأضاف أن من أبرز الأنواع التي يضمها القسم، سحلية “السوموتر مونيتر”، التي تتميز بلونها الأسود النادر وتعتبر من أكبر الزواحف بعد تنين الكومودو؛ إذ يمكن أن يصل طولها إلى 3 أمتار، موضحا أن القسم يضم فردًا صغيرًا من هذا النوع يبلغ طوله نصف متر فقط وعمره سنة وسبعة أشهر.
وأشار إلى أن القسم يعرض أيضًا الرينقوانا، وهي زواحف نادرة تعيش في بحر الكاريبي وتتميز بوجود 3 قرون على وجهها، وهي مصنفة ضمن الأنواع المهددة بالانقراض من الدرجة الأولى، ويقتصر وجودها في العالم العربي على 16 فقط، اثنان منها في المهرجان.
وفيما يتعلق بالثعابين، بين الغنيم، أن الجناح يضم “السوبر فانتوم مكسيكان ألبينو”، التي تتميز بلونها الأبيض وعينيها الزرقاوين، وهي من الطفرات النادرة للغاية، لافتا إلى أن وجود هذه الثعابين في العالم العربي يقتصر على 6 فقط، وجميعها متواجدة في الجناح، فضلا عن أنواع أخرى مثل “ريتكس بوت تايجر” و”بوت تايجر سيم فاير بلاتينيوم”، التي لا يزيد عددها عن 3 في العالم العربي.
ولفت إلى أن الجناح يضم أيضًا التمساح السيامي الأبيض، وهو من أندر أنواع التماسيح المهددة بالانقراض، ويعود موطنه الأصلي إلى الفلبين، وقد تَعرض لخطر الانقراض بسبب التجارة بجلوده؛ إذ يتراوح عدد التماسيح المتبقية منه في العالم ما بين 80 و120 فقط، موضحا أن التمساح المعروض في الجناح قد يكون الوحيد من نوعه في العالم العربي.
وفي سياق تنوع الحيوانات المميزة، تعرض محمية النوادر “أسرار الحياة البرية”، مجموعة من الطيور النادرة مثل ببغاء “هايسنث مكاو”، وببغاء “كوكاتو النخيل”، بالإضافة إلى طائر ذو رأس الصقر، ومجموعة من الثدييات المميزة مثل ثيران داكستار، واللاما السوداء، وغزال البكر الإيرلندي، فضلاً عن الفلودير الأسود والفلودير الأبيض، وغزال الريم والمها الإفريقي والعربي، مع ظهور غزال حديث الولادة أطلق عليه اسم “الوثبة”.
وتوفر المحمية نحو 30 فعالية متنوعة، تشمل استراحة القطط، وعرض تماثيل ضخمة بالحجم الطبيعي للفيل الآسيوي ومراسم الغابة، وبيت السناجب، والغابة الاستوائية، بالإضافة إلى غرفة التصوير وتجارب إطعام الحيوانات البرية والأليفة، وركوب الخيل، وزيارة بيت القرود، وبيت الطيور، إلى جانب مقهى النوادر الذي يقدم إطلالة فريدة على النمر الأبيض النادر.