في السنوات الأخيرة، أصبح ملف الإيجار القديم واحدًا من أبرز المواضيع المثيرة للجدل في مصر، حيث يتناول العديد من الحقوق والواجبات المتعلقة بالعلاقة بين المالك والمستأجر.

يتعلق الملف بشكل أساسي بالعقود القديمة التي تم توقيعها بين المؤجرين والمستأجرين قبل عام 1996، والتي تتيح للمستأجر دفع إيجار رمزي مقارنة بالقيمة السوقية للعقارات في الوقت الحالي.

من جانبه، قال الحسين حسان، خبير التنمية المحلية، إن ملف الإيجار القديم من الملفات المهمة التي تثير الكثير من الجدل، موضحاً أن هذا الملف كان من بين القضايا العالقة التي لم تعرف الدولة كيفية التعامل معها بشكل حاسم، بسبب وجود نقص كبير في الوحدات السكنية المتاحة، وفي ذلك الوقت، كانت القوانين في الستينات والسبعينات تهدف إلى الحفاظ على العلاقة بين المالك والمستأجر، خاصةً مع غياب خطة لبناء مدن جديدة أو توسع عمراني كبير.

وأشار حسان لـ صدى البلد، أن الإيجار القديم ليس حقاً متوارثاً، بل هو علاقة إيجارية بين شخص وآخر لفترة زمنية محددة، تهدف إلى توفير استقرار سكني. لكنه أكد أن هذا النظام أصبح غير مناسب في الوقت الحالي بسبب تغير الظروف الاقتصادية والعمرانية، مشيراً أن المحكمة الدستورية اتخذت خطوة مهمة في تعديل هذا القانون لحل الإشكاليات الكبيرة الموجودة.

وأوضح أن هناك حوالي 2 مليون شقة في مصر تحت قانون الإيجار القديم، منها نسبة تتراوح بين 35 و40% مغلقة، ويملكها مصريون في الخارج، هؤلاء يدفعون مبالغ إيجارية ضئيلة جداً، تتراوح بين 4 و5 جنيهات شهريًا، من خلال المحكمة، فقط لضمان عدم طردهم من هذه العقارات، وهذا الوضع يشكل تحدياً كبيراً، خاصة أن العديد من هذه الشقق لا تتم صيانتها بسبب تدني قيم الإيجار، مما يعرض حياة المواطنين للخطر.

وشدد انه لابد من إنهاء هذا النظام، مشيراً إلى أن التعاقدات القديمة التي يعود تاريخها إلى الستينات لم تعد تناسب الواقع الحالي، مؤكدا أن العدالة تتطلب إنهاء العلاقة الإجارية، مع توفير بدائل للمستأجرين غير القادرين على دفع الإيجار، مثل مشروعات الإسكان البديل أو الأماكن المناسبة لذوي الدخل المحدود، أما بالنسبة لأولئك الذين يملكون شققًا أخرى، فلا بد من إنهاء عقودهم، حيث لا يجوز استمرار هذه العلاقة الإيجارية غير العادلة.

تمثل مشكلة الإيجار القديم نقطة انقسام بين طرفين رئيسيين، هما المستأجرون الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا لزيادة الأسعار وارتفاع تكاليف الحياة، وأصحاب العقارات الذين يرون أن الإيجار القديم لا يعكس القيمة الحقيقية للعقار في ظل التضخم الكبير الذي شهدته الأسواق العقارية في السنوات الأخيرة، ويرى الملاك أن الإيجارات لا تغطي حتى التكاليف الأساسية للعقار من صيانة أو تطوير.

ويواجه المستأجرون ضغوطًا كبيرة، فبعضهم يعيش في هذه العقارات منذ عقود طويلة، ويعتبرون أن رفع الإيجار يعني تهديدًا لاستقرار حياتهم، خاصة إذا كان هناك تدهور في قدرتهم على دفع الإيجار الجديد في حال إلغاء العقود القديمة، والبعض يعتبر أن هذا الملف جزء من أزمة أوسع تتعلق بتحديات السكن في مصر، التي تشمل النقص في المعروض من الوحدات السكنية بأسعار معقولة.

كان هناك العديد من المحاولات من قبل الحكومة لتعديل قوانين الإيجار القديم، لكن هذه المحاولات غالبًا ما كانت تواجه معارضة شديدة من المستأجرين، تمثل هذه المعارضة القلق من فقدان الاستقرار والتهجير القسري.

على الجانب الآخر، يرى البعض أن تعديل قوانين الإيجار القديم هو خطوة ضرورية لمواكبة التغيرات الاقتصادية، خاصة وأن العديد من العقارات في هذه الفئة أصبحت تشكل عبئًا على أصحابها.

في السنوات الأخيرة، ارتفعت الأصوات المنادية بضرورة إلغاء نظام الإيجار القديم أو تعديله بشكل جذري. لكن، من دون وجود حلول شاملة ومتوازنة ترضي جميع الأطراف، فإن هذا الملف لا يزال يمثل تحديًا معقدًا يتطلب استراتيجيات قانونية واجتماعية واقتصادية مبتكرة.

من جانبها، بذلت الحكومة جهودا حثيثة في التعامل مع ملف الإيجار القديم، فإنها قد تبنت عدة خطوات ومحاولات على مدار السنوات الماضية لاحتواء هذه الأزمة التي تؤثر على القطاع العقاري والاجتماعي في آن واحد، تمثلت تلك الجهود في تعديلات قانونية وتنظيمية تهدف إلى إيجاد توازن بين حقوق المستأجرين والملاك، وكذلك تلبية احتياجات سوق العقارات.

في البداية، بدأت الحكومة بتشكيل لجان لدراسة تداعيات الإيجار القديم، ومحاولة الوصول إلى حلول وسط بين الأطراف المعنية، وعُقدت عدة جلسات حوارية بين ممثلي المستأجرين والملاك لمناقشة الأزمة والبحث عن طرق لتعديل العقود القديمة بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي.

في عام 2014، بدأ البرلمان المصري في مناقشة تعديلات على قانون الإيجار القديم، حيث كان الهدف هو إيجاد حلول تدريجية تُلزم المستأجرين بدفع إيجارات أكثر تناسبًا مع القيمة السوقية، لكن هذه التعديلات كانت تواجه معارضة قوية من المستأجرين، الذين اعتبروا أن هذه التغييرات تهدد استقرارهم وتضعهم في موقف صعب.

وفي عام 2020، تم الإعلان عن مبادرات لتعديل قانون الإيجار القديم، حيث كان الهدف هو تحرير العقارات المؤجرة بنظام الإيجار القديم تدريجيًا، وبالتركيز على العقارات التي لا تسكنها الأسر المستحقة فعلاً، وتم الإعلان عن طرح مشروع قانون يهدف إلى تحديد فترات زمنية لإخلاء العقارات ورفع الإيجارات بما يتماشى مع الظروف الحالية.

من جهة أخرى، اعتمدت الحكومة أيضًا على طرح برامج دعم سكني للمواطنين الذين يواجهون صعوبة في الحصول على وحدات سكنية بأسعار معقولة، وذلك لتوفير بدائل للمستأجرين الذين قد يتأثرون بشكل مباشر بتعديل قانون الإيجار القديم، وكان هذا جزءًا من استراتيجية الحكومة لتعزيز سوق الإسكان وتوفير حلول سكنية لجميع الفئات.

في النهاية، ورغم هذه الجهود، ما زالت المشكلة عالقة بشكل جزئي، حيث إن إيجاد حل يرضي جميع الأطراف لا يزال يتطلب مزيدًا من الحوار والتشاور، بالإضافة إلى حلول قانونية تراعي الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمستأجرين.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الإيجار القديم المستأجر المالك الإيجار ملف الإيجار المزيد المزيد قانون الإیجار القدیم العدید من

إقرأ أيضاً:

معرض الكتاب يناقش الشاعر العراقي علي الشلاه في التراث والهوية وتحديات الإبداع

في إطار فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، شهدت قاعة ديوان الشعر (بلازا 1) ندوة مميزة استضافت الشاعر العراقي علي الشلاه، حيث دارت نقاشات ثرية حول تجربته الشعرية، وعلاقته بالتراث والهوية، وتأثير التنقل بين البلدان على رؤيته الإبداعية.
أدار الندوة الكاتب محمد الكفراوي، الذي قاد الحوار نحو قضايا تتعلق بالشعر والنقد وتحديات الكتابة.
في مستهل حديثه، شدد الشلاه على أن التراث يشكل هوية لا يمكن للشاعر أن يستغني عنها، موضحًا أن الاطلاع على الموروث الثقافي ليس ترفًا، بل ضرورة ملحة لمن يسعى إلى تجاوز التوقعات وصياغة نصوص أصيلة، لكنه في الوقت ذاته، حذر من فخ التكرار، معتبرًا أن الشاعر الحقيقي هو من يتجاوز الإرث دون أن يفقد جذوره.
وردا على سؤال الكفراوي حول مصادر إلهامه، أوضح الشلاه أن هناك لحظات يجد فيها نفسه مدفوعًا لكتابة الشعر، إما بسبب تداعيات نص يدور في ذهنه أو نتيجة لحالة وجدانية تدفعه للإمساك بالقلم.
وأشار إلى أن التجربة العاطفية والمشاعر الإنسانية تلعب دورًا رئيسيًا في توجيه النصوص الشعرية، إذ قد تكون دافعًا للكتابة أو عاملًا معيقًا لها.
وفي رؤيته للشاعرية، أكد الشلاه أن التوقف عند اللحظة المناسبة في القصيدة يعد جزءًا أساسيًا من فن الكتابة، مشيرًا إلى أنه كثيرًا ما حذف أبياتًا من نهايات قصائده بعدما أدرك أن التوقف عند لحظة الانبهار أهم من الاستمرار حتى الترهل.
وأضاف أن القصيدة الناجحة هي التي تترك المتلقي مندهشًا، لا مرهقًا من طولها.
كما استعرض الشلاه جانبًا من رحلته الشخصية وتأثير بابل عليه، مشيرًا إلى أنه لم يكن مدركًا لعمق ارتباطه بها إلا حين لاحظ ذلك في وثيقة سفره.
وتحدث عن بابل باعتبارها الحلم والمدينة والتاريخ، مستذكرًا طفولته حين كان يلعب كرة القدم بالقرب من آثارها، معتبرًا أن هذه التجربة زرعت فيه تساؤلات جوهرية حول هويته وثقافته.
وعن تأثير التنقل بين البلدان في تجربته، أوضح الشلاه أنه غادر العراق عام 1991، حيث عاش في الأردن وتنقل بين سوريا ومصر ولبنان، قبل أن يعود إلى بلده عام 2007، مما أتاح له تكوين تجربة ثقافية عربية واسعة.
وأكد أن هذه الرحلات أثّرت في رؤيته الشعرية، إذ لم يعد الشعر بالنسبة له مجرد انعكاس شخصي، بل صار مرتبطًا بالبيئة المحيطة وتأثيراتها المتعددة.
وفيما يخص اللغة والترجمة، أشار الشلاه إلى أنه عندما أمعن النظر في الأدب العربي من منظور عالمي، أدرك أن ليس كل ما يُكتب بالعربية قابل للترجمة، حيث تفقد بعض النصوص جوهرها عند نقلها إلى لغة أخرى.
واستشهد بتجربة نزار قباني، الذي رغم شهرته في العالم العربي، لم يكن بنفس التأثير على المتلقي الغربي، لأن الموضوعات التي تناولها حول المرأة أصبحت كلاسيكية هناك.
وأكد أن الكاتب يجب أن يكون واعيًا بما يختاره للترجمة، وألا يسعى إلى النشر العالمي دون التفكير في مدى ملاءمة نصوصه للمتلقي الأجنبي.
أما عن تحديات الكتابة، فقد وجه الشلاه تحذيرًا للشباب العربي من الانشغال بالبحث عن النشر قبل إتمام التجربة الكتابية نفسها، مشددًا على أن النصوص يجب أن تُنشر بعد اكتمالها وليس العكس.
كما أشار إلى أحد أكبر العوائق أمام الإبداع، وهو الانخراط في العمل العام، موضحًا أن المسؤوليات اليومية تستهلك طاقة الكاتب وتمنعه من التفرغ للقراءة والكتابة.
واعترف الشلاه بأنه خسر ثماني سنوات من عمره دون نشر أي كتاب بسبب انشغاله بالعمل العام، مما أدى إلى ضياع العديد من الفرص القرائية والكتابية.
وأوضح أن المهن ذات الدوام الكامل قد تبتلع العمر، وعلى الشاعر أن يكون حذرًا إذا أراد الحفاظ على مسيرته الأدبية.
وفي ختام حديثه، أكد أن بعض التجارب تحتاج إلى مسافة زمنية لفهمها والكتابة عنها، إذ لا يمكن دائمًا أن يُكتب النص في لحظة وقوع الحدث، بل قد يكون الزمن عنصرًا أساسيًا في اكتمال التجربة الشعرية.

مقالات مشابهة

  • «الريادة»: جهود الحكومة والحوار الوطني تؤكد الاهتمام بقضايا المواطن
  • الإيجار القديم والدعم.. مدبولي: نستكشف توجهات الرأي العام عن طريق الحوار الوطني
  • حالتان لاستعادة شقة الإيجار القديم.. هل يمكن بيع الوحدة بسعر السوق؟
  • لتخفيف الأعباء.. متحدث الحكومة: تنظيم معارض لتوفير السلع بأسعار مخفضة
  • طرد المستأجرين من العقارات بنهاية عقود الإيجار القديم في هذا الموعد
  • مدبولي: الحكومة تواصل جهود تأمين السلع لضمان استقرار الأسعار خلال رمضان
  • إعادة الإعمار في غزة.. أرقام وتحديات
  • السيسي يتابع جهود الحكومة في تأهيل وتدريب الكوادر بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبرمجيات
  • متى يصدر قانون الإيجار القديم؟ عضو بإسكان النواب يجيب
  • معرض الكتاب يناقش الشاعر العراقي علي الشلاه في التراث والهوية وتحديات الإبداع