الحرب الباردة الجديدة في الساحل.. أي أفق؟!
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
منطقة الساحل من جديد أمام تحديات حرب عالمية ساخنة جديدة، بعد عقود من الاصطفاف في المعسكر الغربي خلال الحرب الباردة وما تلاها في العقود الثلاثة الأخيرة، اصطفاف لم يثمر إلا التبعية المطلقة لفرنسا التي استغلت ونهبت خيرات هذه الدول، وتركتها في فقر مدقع ووضعية تنموية يرثى لها.
أولا: فرنسا تخسر جوهرتها:
كانت دولة النيجر جوهرة العنقود الثالثة التي سقطت في فخ الانقلابيين الثائرين على فرنسا والساعين لربط علاقات قوية بالصين وروسيا، والمحتمين من رمضاء احتلال فرنسا غير المعلن بلهيب غزاة فاغنر القادمين من أجل إسقاط القلاع الفرنسية في غرب ووسط أفريقيا الواحدة بعد الأخرى.
رغم أهمية مالي وذهبها واقتصادها كسوق كبيرة للمنتجات الاقتصادية والثقافية لصالح فرنسا، إلا أن النيجر تعتبر درة التاج لما توفره من ثروة اليورانيوم التي تضيء باريس؛ عاصمة الأنوار المعتمة المهددة بعقود قادمة من العتمة إن لم نقل الظلام الدامس، إن توقف تصدير اليورانيوم لإمبراطورية الفرنجة.
تلك الإمبراطورية التي أخذت مع انقلاب النيجر منعطف لعنة جديدا لا يدرى أحد أين سيصل بها منحدره الذي يلتقي في سياقات أخرى مع روافد انحدار أخرى يعلو وينخفض صوت انحطاطها المدوي، في عاصمة كانت يوما عاصمة الأنوار مجازا وحقيقة لكنها اليوم عاصمة التراجع والانهيار الأخلاقي للحضارة الأوروبية المنفتحة التي غزت عقول الكثيرين ووجدانهم، فأسرتهم أنوارها وبريقها ووقعوا في هواها!
فرنسا عصر الأنوار الأوروبية إلى أفول وانهيار نتيجة تعصبها، فرنسا نابليون وحملاته إلى مزبلة التاريخ بعدما بات أبناء القارة يدركون أن اللص الفرنسي فقد حذقه ولباقته المعهودة.
تكشفت لأبناء أفريقيا مع قيادة فرنسا الرديئة من ساركوزي إلى ماكرون حقائق جديدة جعلتهم مستعدين أولا للتضحية بكل شيء؛ من أجل التخلص من التبعية لأوغاد ووضع حد لهيمنتهم الذليلة والخائنة التي وظفت عقودا متتالية للنهب ولا شيء غير النهب
لقد تكشفت لأبناء أفريقيا مع قيادة فرنسا الرديئة من ساركوزي إلى ماكرون حقائق جديدة جعلتهم مستعدين أولا للتضحية بكل شيء؛ من أجل التخلص من التبعية لأوغاد ووضع حد لهيمنتهم الذليلة والخائنة التي وظفت عقودا متتالية للنهب ولا شيء غير النهب.
ثانيا: انقلاب على الخيار العسكري:
قبل قمة أبوجا دقت طبول الحرب ومعزوفاتها على وقع انعقاد قمة إيكواس التي لوحت خمس من دولها (نيجريا- غانا- السنغال- سيراليون- بنين) بضرورة الإسراع بالتدخل العسكري لوضع حد لمخاطر تمدد الدب الروسي في أفريقيا الغربية ومنطقة الساحل الأفريقي.
لكن ما إن تقابل القادة الأفارقة وأغلقوا عليهم قاعة اجتماعهم وحضر معهم العشرات من المستشارين الغربين، حتى تبين لهم أن الدخول في مغامرة عسكرية غير محسوبة النتائج وغير مرتبة الأوراق ربما سيزيد الطين بلة، وربما يسرّع بانقلابات جديدة في الدول المتحمسة لعمل عسكري مناهض للانقلابين، خصوصا وأن صوت دول الانقلابات كان واضحا في رفض فكرة تنفيذ غزو انقلابي يعيد الشرعية في النيجر، لا سيما أن دول المجموعة غير جاهزة لهذا العمل بالسرعة التي تتطلبها اللحظة وضغطها.
خرج القادة الأفارقة بتوصيات من قمة أبوجا؛ من أبرزها:
1- نشر قوات عسكرية في على الحدود مع النيجر للتحضير لاستعادة النظام الدستوري.
2- إغلاق الحدود وحظر السفر وتجميد أصول الانقلابين.
3- الضغط على الانقلابين وإنذارهم بتحمل مسؤولية فشل المهلة الممنوحة لهم للعدول عن الانقلاب.
وهي خطوات رد عليها الانقلابيون بخطوتين خطيرتين تعيقان عودة الشرعية وتستكمل إجراءات الانقلاب وجعله أمرا واقعا، من خلال:
1- تشكيل حكومة جديدة وصفوها بالتوافقية، تضم 21 وزيرا لمباشرة مهام الحكومة المنبثقة عن المؤسسات المنتخبة.
2- هاجم الانقلابيون فرنسا ومواقعها وطالبوها بالرحيل، واتهموها باختراق المجال الجوي من أجل تحرير بعض السجناء وهو ما فشلت فيه القوات الفرنسية.
3- تبقى الدول الغربية قلقة من انخراط الانقلابين في التواصل مع روسيا وفاغنر من أجل مواجهة الغزو المحتمل لقوات إيكواس لبلادهم.
4- رحب الانقلابيون بالتنسيق مع أنظمة مالي وبوركينافاسو لمواجهة إيكواس، بل تشير العديد من المصادر إلى شروعهم في التنسيق مع فاغنر. وحذر بلينكن من هذا السيناريو، مما يبرز قلق الغرب من انقلاب النيجر ونجاحه في التحالف الناجح ميدانيا ولوجستيا مع روسيا وشركة مرتزقتها المنتشرة في دول الساحل.
ثالثا: ضعف الجاهزية:
يُبرز البيان الختامي لقمة أبوجا والذي تلاه رئيس الاتحاد النيجري "بولا تينوبو"؛ التوجه لمنح مجال أوسع ووقت أطول للحلول الدبلوماسية والسياسية لعلها تسهم في الوصول لحل، وهو أمر مستبعد في تاريخ تعاطي الانقلابين مع نداءات وقرارات المنظمة.
واعتبر "تينوبو" أن الحل السياسي مهم وهو الأرفق بالبلاد ويخدم استقراراها، مبرزا جوانب من مخاطر الانقلاب واستمراه ليس على النيجر وإنما على كافة دول الإقليم، ومنطقة الساحل عموما.
يرى العديد من الخبراء أن الدول الأفريقية غير جاهزة لتدخل عسكري ناجز في هذه اللحظة
ويرى العديد من الخبراء أن الدول الأفريقية غير جاهزة لتدخل عسكري ناجز في هذه اللحظة، فالدول الأفريقية تملك قوات يزيد عددها -نظريا- على 184 ألف جندي منهم 135 ألف من اتحاد نيجيريا وحدها، وتصل ميزانية هذه القوة إلى 4.1 ميار دولار منها 3.4 تتعهد بها نيجيريا وحدها.
أما فيما يخص التسليح والآليات اللوجستية، فإن القوة الأفريقية تمتلك 197 طائرة حربية و179 دبابة و18 ألف مدرعة عسكرية و30 مدفعا ذاتيا و365 مدفعا مقطورا و58 راجمة صواريخ و170 وحدة بحرية.
تملك الإيكواس أوراق ضغط كبيرة على جمهورية النيجر ككل، فهي دولة حبيسة، وتتزود بالكهرباء أساسا من نيجيريا، ويجري تموينها من طرق برية عديدة مع دول الجوار، خصوصا دول المجموعة التي تمارس ضغطا لوقف الانقلاب وإعادة الشرعية، وهو ما يمكن أن يشكل بديلا كافيا لتأمين جوانب تفاوضية عديدة مع العسكريين، لفرض أجندات بديلة لضمان مصالح الدول الكبرى بدل استعادة الرئيس محمد بازوم لسلطته الشرعية، ولكن في نفس الوقت ضمان سلامته وأسرته ومؤيديه، ومنحهم موقعا جزئيا إن لم نقل هامشيا في الحياة السياسية للبلاد بوقف استهدافهم في مقابل التسليم بالأمر الواقع.
ضمان استمرار عمل الدول الأوروبية وأمريكا بقواعدها وشركاتها في القارة من خلال وجود قواعدها في النيجر، مع مراجعة ما تمكن مراجعته من تلك الاتفاقيات في المستقبل القريب، فيما تستمر هذه الدول في دعم شعب النيجر وإدراك أن عقاب النيجر الآن بالحصار والتدخل هو عقاب للشعب وليس عقابا للانقلابيين.
ويمكن أن يكون من ضمن تلك التفاهمات عدم السماح لفاغنر بدخول البلاد ومحاصرة تمددها في المنطقة، وتسهيل عوامل مقاومتها بالتنسيق مع هذه الدول التي تملك تفوقا عسكريا كبيرا في مجالات حساسة كالاتصالات والمعلومات والتسليح والآليات.. إلخ.
رابعا: فاغنر باقية وتتمدد:
يبدو أن انقلابيي النيجر لم يلبثوا طويلا حتى بدأوا تأمين انقلابهم المرفوض غربيا -والمهدد إقليميا بغزو دول إيكواس- بفتح صفحة جديدة من خلال لقاء نظمه عضو في المجلس العسكري مع قيادي كبير في فاغنر، كما كشفته تسريبات مقربة من صناع القرار في مالي.
وبذلك تكون فاغنر قد كسبت أرضية سياسية جديدة نتيجة تصرف سياسي خاطئ للطرف الآخر، غير أن فرنسا تبدو قادرة على خلق مشاكل للقيادة الجديدة التي بادرت بالاتصال بهذا العدو الخطير (حسب التصنيف الفرنسي).
تستفيد فاغنر الآن من ردة فعل أفريقية جامحة ضد فرنسا والوجود الغربي، ولذلك ترتمي الأنظمة العسكرية الانقلابية في أحضان فاغنر بسهولة ودون شروط، فرارا من الخصم الفرنسي، وألاعيبه التي خبرها الأفارقة بدقة، وقرروا على ما يبدو التخلص من كل ما يمت لها بصلة
تستفيد فاغنر الآن من ردة فعل أفريقية جامحة ضد فرنسا والوجود الغربي، ولذلك ترتمي الأنظمة العسكرية الانقلابية في أحضان فاغنر بسهولة ودون شروط، فرارا من الخصم الفرنسي، وألاعيبه التي خبرها الأفارقة بدقة، وقرروا على ما يبدو التخلص من كل ما يمت لها بصلة.
وفعلا ستتحكم فاغنر في مفاصل السلطة بالدول الأفريقية ربما لعقود قادمة، وبالتالي توقف الطموحات التنموية الهامة التي تحركت من أجلها حكومات المنطقة؛ وأبرزها فيما يخص النيجر تصدير الغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر الموانئ الجزائرية. وهذا المشروع حصل التفكير فيه منذ أربعين سنة، وفي السنوات الأخيرة (2020-2022) بحث وزراء الطاقة في الدول الثلاث (نيجريا والجزائر والنيجر) سبل إطلاق هذا المشروع الكبير، في وقت تحتاج فيه السوق الأوروبية هذه المادة بشكل غير مسبوق، غير أن أي مشروع من هذا القبيل سيرجع الآن للأدراج عقودا أخرى لأن روسيا لا تريد لأوروبا أن تجد بديلا عن غازها لا في الحاضر ولا المستقبل.
خامسا: سوابق التدخل العسكري:
عرفت إيكواس سابقا تجربتين كبيرتين في التدخل العسكري؛ أولاهما كانت في ساحل العاج لعزل الرئيس لوران اغباغبو عن السلطة ووقف حالة التدهور نحو العودة للحرب الأهلية، نتيجة الصراع على السلطة بين اغباغبو الذي كان حليفا للفرنسيين؛ ووتارا الذي اعترف به المجتمع الدولي رئيسا منتخبا للبلاد في 2010، بعد إعلان النتائج من طرف الهيئة الوطنية العاجية للانتخابات.
أما التجربة الثانية فكانت عندما رفض يحيى جامى في غامبيا الاعتراف بفوز منافسه آدما بارو 2016.
وفي كلتا الحالتين لم يحصل تدخل مباشر بقوات، وإنما حصل ضغط سياسي قوي ومفاوضات أفضت في الأولى لضربات موضعية ومحدودة وجهتها قوات حفظ السلام للفندق الذي يسكن فيه اغباغبو، وفي الثانية كان الضغط والوساطات كفيلة برحيل جامى وترتيب يضمن له ترك السلطة مع أخذه أموالا وطائرة أقلته للخارج لاجئا سياسيا في بتسوانا.
سادسا: سيناريوهات:
يعوق الانقسام الحاصل في مجموعة الإيكواس الآن التدخل العسكري عبر عملية قوات خاصة، وتتلخص السيناريوهات في الآتي:
1- غزو بري من قوات أغلبها من نيجيريا، وهذا مستبعد نظرا لتكاليفه وإدخاله البلاد والمنطقة في أزمة مكلفة بشريا وماديا.
2- عملية خاصة مسنودة هدفها اعتقال النواة الصلبة للانقلابيين طبقا لمعلومات استخباراتية دقيقة، وهذه أيضا تبقى محفوفة بالمخاطر لأن فشلها سيكون سيئا جدا في هذا الصراع.
3- تحريك عملية تمرد من داخل جيش النيجر ذاته وإسنادها، وفي غضون ذلك يتم ضرب الانقلابين بتحييد عناصرهم المهمة أو اعتقالهم.
4- تكثيف الضغط من أجل التوصل لحلول سياسية وسطى تضمن للأطراف الأساسية مصالحها وتمنح الانقلابين شرعية مرحلية انتقالية، كما هو حاصل في مالي وبوركينافاسو.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فرنسا النيجر فاغنر أفريقيا إيكواس الإنقلاب فرنسا النيجر أفريقيا فاغنر مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدول الأفریقیة التخلص من من أجل
إقرأ أيضاً:
الرحبي : عمان من الدول التي تبنت سياسات في مجالات التنمية المستدامة ضمن رؤيتها لعام 2040
نظم المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة اليوم، ندوة بعنوان "استراتيجيات الدمج الثقافي..مصر وعمان نموذجًا"، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56 بمركز مصر للمعارض الدولية بمحور المشير في التجمع الخامس.
جاءت الندوة بحضور الدكتورة إيمان كريم المشرف العام على المجلس، وعدد من الشخصيات الهامة، وعلى رأسهم السفير عبد الله الرحبي سفير سلطنة عمان، والكاتبة فاطمة المعدول التي تأتي شخصية المعرض لهذا العام، والدكتور وليد قانوش رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، والفنانة التشكيلية أمنية السيد، والعازفة نيرة عصام، كما جاءت الندوة بمشاركة عدد كبير من الشخصيات العامة، زوار معرض القاهرة الدولي للكتاب عامةً، والأشخاص ذوي الإعاقة خاصةً.
استعرضت الندوة استراتيجيات الدمج الثقافى في مصر وعمان وعلاقته بأهداف التنمية المستدامة، وتناولت السياسات والاستراتجيات الثقافية التى تنتهجها الدول فى مجال دمج الأشخاص ذوى الاعاقة، مستعرضة دور الدمج الثقافى فى تحقيق العدالة الثقافية، وناقشت خصوصية التخطيط للأنشطة الثقافية الدامجة، والتحديات والفرص والخطط المستقبلية للدمج الثقافى.
أعربت الدكتورة إيمان كريم المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، عن سعادتها بتنظيم مثل هذه الندوة بالتعاون مع سفارة سلطنة عمان وووارة الثقافة والهيئة العامة المصرية للكتاب، لافته 15% من إجمالي تعداد سكان مصر من الأشخاص ذوي الإعاقة، الأمر الذي يدل على أنهم شريحة كبيرة من المجتمع، لذلك كرست الدولة المصرية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، جهودها للإهتمام بحقوقهم والعمل على تعزيزها من خلال مجموعة من القوانين والإجراءات والاستراتيجيات المتنوعة لضمان دمجهم وتمكينهم، والقضاء على كافة أشكال التمييز.
أوضحت "كريم" خلال كلمتها في الندوة، أن ملف الثقافة والفنون هو بمثابة قوى ناعمة، تسهم في تحقيق الدمج المجتمعي للأشخاص ذوي الإعاقة، لافته أن مصر وقعت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهناك 9 مواد في الدستور تنص على هذه الحقوق، وقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم (10) لسنة 2018، الذي نص في المادة رقم (40) منه على إتخاذ التدابير اللازمة لضمان مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الثقافة والفنون، والعمل على دمجهم في هذه الأنشطة.
أضافت أن القانون رقم 178 لسنة 2020، الذي نص على تعديل بعض أحكام قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، وضع ضوابط حماية الحقوق الفكرية للأشخاص ذوي الإعاقة، الأمر الذي يؤكد على إلتزام الدولة برعاية الأشخاص ذوي الإعاقة وفتح المجال لقيد تصرفاتهم الواردة على المصنفات، والأداءات، والتسجيلات الصوتية، والإذاعية الخاضعة لأحكام قانون حماية الملكية الفكرية، ونص القانون على إعفاء من هم دون سن واحد وعشرين عامًا والأشخاص ذوي الإعاقة من رسم القيد.
تابعت أن المجلس يعمل على إتاحة جميع البرامج في المجالات المختلفة، لاسيما الثقافية منها للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية بلغة الإشارة، وكذلك بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية المختلفة بالدولة لإتاحة المواد والنصوص المكتوبة بطريقة برايل للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، لافته أن المجلس قام بتوقيع بروتوكول مع وزارة الثقافة منذ 3 سنوات للعمل على تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في المجال الثقافي، منها مشروع "حرفتنا من تراثنا"، التي تشجع فكرة العمل الحر، وتعمل على تحقيق الاستقلالية لهذ الفئة، وتوعية مقدمي الخدمة الثقافية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وآداب التعامل معهم، كما يتعاون المجلس مع الوزارة في "جائزة الدولة للمبدع الصغير 2025" التي تأتي تحت رعاية السيدة انتصار السيسي، قرينة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، و"تمنح الجائزة في ثلاثة مجالات، هي: الأدب، ويشمل «القصة- الشعر- التأليف المسرحي»، والفنون، و تشمل «الرسم- العزف- الغناء»، والإبداع والابتكار، ويضم «التطبيقات والمواقع الإلكترونية- الابتكارات العلمية»، مؤكدة أن هذا التعاون جاء لإيمان المجلس الشديد بأهمية الثقافة والفنون، في احداث تغيير في المجتمع، وتقديم قضاياه المختلفة بشكل جذاب ومميز.
من جهتها قال السفير عبد الله الرحبي سفير سلطنة عمان في مصر،
أن سلطنة عمان من الدول التي تبنت سياسات دامجة في مجالات التنمية المستدامة، ووضعت قضايا الإعاقة ضمن رؤية عمان 2040. وقد تجلت هذه الجهود في عدة محاور، منها الإطار التشريعي والمؤسسي، فصدرت عدة قوانين تدعم حقوق ذوي الإعاقة، منها ما يضمن مشاركتهم في الفعاليات الثقافية والفنية، ودمج قضايا الإعاقة في استراتيجيات التنمية الثقافية والتعليمية، والمبادرات والبرامج الثقافية، دعم الفعاليات والأنشطة التي تعزز مشاركة ذوي الإعاقة، مثل معارض الفنون التشكيلية، والمهرجانات الأدبية، والمسرح الدامج.، وكذلك تشجيع دور النشر على توفير الكتب بطريقة برايل أو الصوتيات لذوي الإعاقة البصرية، وإتاحة المكتبات العامة لتكون دامجة لذوي الإعاقة من خلال تجهيزاتها وبرامجها، بالإضافة إلى دور المؤسسات والمجتمع المدني، ودعم الجمعيات الثقافية والمؤسسات غير الربحية التي تعمل على تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في الفنون والآداب، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتمويل المشاريع الثقافية الموجهة لذوي الإعاقة.
أشار "الرحبي" خلال كلمته في الندوة، أن سلطنة عمان ملتزمة بالعديد من الاتفاقيات الدولية التي تعزز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المجال الثقافي، كاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD) التي تنص على حقهم في المشاركة في الحياة الثقافية والفنية، وأهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي تؤكد على تحقيق مجتمعات دامجة للجميع بحلول عام 2030، مضيفًا أن السلطنة عززت هذه الالتزامات بمشاركتها في المنظمات والفعاليات الثقافية الدولية، حيث تطرح قضايا الإعاقة كجزء من استراتيجياتها الثقافية.
تابع أن الاهتمام بحقوق ذوي الإعاقة لا يقتصر على الجوانب التشريعية والتنموية، بل يمتد إلى المبادرات المجتمعية التي تعكس وعي القيادة والمجتمع بأهمية هذه القضية، وهنا لا يمكننا أن نغفل الدور الكبير الذي تلعبه السيدة الجليلة عهد بنت عبد الله البوسعيدية، حرم جلالة السلطان، حيث قدمت دعمًا ملحوظًا لهذه الفئة، من خلال رعاية البرامج التعليمية والتأهيلية لذوي الإعاقة، ودعم المبادرات الثقافية والفنية التي تدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع، وتسليط الضوء على قضايا الإعاقة في المحافل الرسمية والمناسبات الوطنية.
استطرد "عبد الله الرحبي" سفير سلطنة عمان، أن تحقيق العدالة والدمج المجتمعي في الثقافة، مرهون بتبني استراتيجيات متطورة تشمل إدماج مفهوم الثقافة الدامجة في المناهج التعليمية، بحيث يتم تعزيز الوعي منذ الصغر، وإنشاء منصات إلكترونية دامجة توفر محتوى ثقافيًا متاحًا للجميع، لا سيما للأشخاص الذين يواجهون صعوبات في التنقل، وكلك العمل على دعم الفنون الدامجة مثل المسرح والموسيقى التي تشمل ذوي الإعاقة وتبرز مواهبهم، وتعزيز الإنتاج الإعلامي الدامج الذي يقدم محتوى يعكس واقع ذوي الإعاقة بإيجابية.
فيما قالت الكاتبة فاطمة المعدول شخصية المعرض لهذا العام، أنها عملت على العمل في ملف الإعاقة منذ بداية فترة الرئيس الراحل حسني مبارك، لكن لم يكن هناك إهتمام بهذ بالأشخاص ذوي الإعاقة، ثم بدأت في التسعينات في التعاون مع مجموعة من السيدات في إنشاء جمعية للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، على غير المألوف حيث كان وقتها الإهتمام متجه نحو الإعاقة الحركية، لافته أنها عملت 10 عروض وقتها في قصر ثقافة الطفل بجاردن سيتي، وألفت بالإضافة لكتاب "شريف البطل" 10 كتب عن للأشخاص ذوي الإعاقة، منهم كتب خطوط ودوائر، والدائرة الزرقاء والدنيا بكل الألوان، وقطعة من السماء، وكما ألفت ٦ كتب بأيدي الأشخاص ذوي الإعاقة، وهناك 10 مسرحيات تم عملها في هذا الشأن.
أضافت الكاتبة فاطمة المعدول خلال كلمتها في الندوة، أن القصور الثقافية والثقافة الجماهيرية أثرت بشكل كبير في حياتها، وعملت على نقلها في الفترات الزمنية المتلاحقة التي شاركت في العمل فيها فيما بعد، لافته أن العمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة انعكس على حياتها بالحب والوفاء، لافته أن هناك 10 عروض في الثقافة الجماهير يمكن العمل على تصويرها من خلال التعاون مع المجلس.
من ناحية أخرى أكد الدكتور وليد قانوش رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، أن وزارة الثقافة وجدت أن هناك تغيير ملموس من خلال مشروع "حرفتنا من تراثنا" الذي تتعاون فيه مع المجلس، لافتًا أن هناك برامج ومشروعات أخرى في هذا الشأن تقوم بها الوزارة، موضحًا أنه يأمل في استمرار التعاون مع المجلس ، للعمل على الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة والجمعيات الخاصة بهم على مستوى كافة أنحاء الجمهورية،
أضاف "قانوش" خلال كلمته في الندوة أن هناك مسابقة للمواهب الذهبية، وورش الفنون الأدائية التي تقدمها الوزارة من خلال صندوق التنمية الثقافية، والعديد من البرامج الثقافية التي يتم تنفيذها في محافظات مختلفة، منها محافظة الإسكندرية.
فيما قالت الفنانة التشكيلية أمنية السيد، أنه يجب على الأشخاص ذوي الإعاقة تجاوز مرحلة صعوبات الإعاقة، من خلال البدء في تحقيق أحلامهم، لافته أنها عملت في مجال الإعاقة منذ عام 2014 عقب تعرضها لحادث الذي أدى إلى حدوث إعاقة لها.
أوضحت "أمنية السيد" خلال كلمتها في الندوة، أنها حصلت على رسالة ماجستير من جامعة حلوان في مجال دمج الأشخاص ذوي الإعاقة بعنوان "الحالات الخاصة في فن تصوير الإنسان منذ الحضارة المصرية القديمة حتى أوائل القرن الواحد والعشرين"، التي تتناول الأشخاص ذوي الإعاقة في العصور المصري القديم والإغريقي والروماني والقطبي والإسلامي، والدمج الذي حدث في هذه العصور.
وشهد ختام الندوة عزف منفرد من قبل الفنانة نيرة عصام من ذويالإعاقة الذهنية "داون ساندروم"، وإهداء درع المجلس للسفير عبد الله الرحبي سفير سلطنة عمان، والكاتبة فاطمة المعدول شخصية المعرض لهذا العام، والدكتور وليد قانوش رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، والفنانة التشكيلية أمنية السيد، والعازفة نيرة عصام.