نغزتنا الأنباء قبل أيام بقيام «هيئة تحرير الشام» بالاستيلاء على مدينة حلب السورية، فلم نعُد قادرين على الحكم قطعيًا إن كان ذلك نبأ سارًا أم مُحزِنا.
ذلك لأن الأحداث تتخفى تحت مُسميات ومُصطلحات ولافتات مُضللة. لاحظوا معى مُصطلح «هيئة تحرير الشام» لتدركوا أن كل فعل يتم تحت ستار من التضليل والتزييف.
فمثلما لمعت «داعش» وارتكبت فظائع وبشائع إنسانية تحت مُصطلح «تنظيم الدولة الإسلامية»، ومثلما مارست فصائل سياسية عديدة فى العالم العربى، أحط الأعمال وأقذرها تحت لافتات حسنة، تتفتت سوريا الآن تحت وهم التحرير، وتنسلخ من الخريطة تدريجيا مثلما جرى الأمر فى السودان، والعراق، وليبيا.
يبدو الزمن موغلا فى الكذب، إذ تُرسم فيه بطولات مُزيفة، وتسطع فيه رموز من سفلة البشر. ما البطولة وما الخيانة وما الحقيقة وما الزيف فى كُل هذا العالم المُلطخ بالدم؟
هل يُمكن أن نصدق مثلا أن حزب الله، هو حزب الله بالفعل.. بمعنى أنه يسير بأمر الله مُحققا مراده وخاضعا لأحكامه؟
وهل جبهة النصرة تسعى لنُصرة الحق؟ وبالمثل كيف كانت الجماعة الإسلامية فى مصر جماعة إسلامية، وهى تمارس الغدر والقتل ضد خصومها وغير خصومها؟
لو عمّمنا السؤال لانمحت أسماء معظم الجماعات والميليشيات التى تاجرت بدم الناس عقودا طويلة مثل حركة أمل، الجهاد الإسلامى، التحرير الإسلامى، الناجون من النار، مجاهدى خلق، جبهة الإنقاذ، طالبان، بوكو حرام، وغيرها من عصابات القتل.
تبدو الحقيقة فى زماننا غائبة. لا يقين بشأن إنسان، أو حدث. لا تصدق كُل ما تراه، ولا نصف ما تسمع. وإن صدقت فحكِّم عقلك أولًا، واضبط عاطفتك كى لا تدفعك بعيدًا عن الحق.
إن كثيرين فى عصرنا ضلوا، وأضلوا، وهُم يطلبون الحق. فالحيرة ديدن هذا الزمن. والزور يحكم هذا العالم المُتسع كسماء، والمُزدحم كعنبر سجن. صخبٌ وضجيجٌ ومتناقضات فى كل ساعة، فكما قال صلاح عبدالصبور واصفًا حيرته فيما يدور» هذا زمن الحق الضائع/ زمنٌ لا يعرفُ مقتولٌ مَن قاتله، ولم قتله/ فرؤوس الناس على جُثث الحيوانات/ ورؤوس الحيوانات على جُثث الناس/ فتحسس رأسك».
تروى لنا كُتب التاريخ الإسلامى أن أحد أبناء الصحابة، وهو عبدالله بن خباب، راع عندما علم أن الخوارج دخلوا قريته، فذهب إليهم، ففرحوا به. وسألوه إن كان سمع حديثاَ من أبيه عن النبى «ص» ليُخبرهم به. فقال لهم ناقلا عن والده أن النبى»ص» حدثهم عن فتن قادمات، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشى، والماشى فيها خيرٌ من الساعى إليها. وقال لهم إن أدركها أحدكم فليكن عبدالله المقتول لا القاتل. فقال له أحد الخوارج: أأنت سمعت هذا عن أبيك، يُحدث به عن رسول الله؟ فقال: نعم. فأخذوه إلى حافة النهر وضربوا عنقه.
وكم قطرة دم سًفحت ظُلما.. وكم بشرًا جعلناهم أبطالًا وهم مُجرمون.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد هيئة تحرير الشام مدينة حلب السورية الحكم داعش تنظيم الدولة الإسلامية
إقرأ أيضاً:
جمعة يكشف السبب والحل للخوف والذعر الذي يُصيب الناس
في إطار تفسيره لسورة البقرة، الآية 243، قال فضيلة الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومفتي الجمهورية السابق، أن الإيمان العميق بالله يُعد الأساس الراسخ للاستقرار النفسي والمجتمعي، وأن حالة الخوف والذعر التي تصيب الناس أحيانًا، نتيجة للجهل أو الافتقار إلى الإيمان، وتؤدي إلى تصرفات غير واعية تضر بالفرد والمجتمع.
التوكل على الله بين الإيمان والعملوأشار الدكتور علي جمعة إلى أن التوكل على الله ليس مجرد قبول بالقضاء والقدر، وإنما هو حالة من الرضا واليقين بأن كل الأمور بيد الله تعالى، هذه الحالة تُثمر في نفوس المؤمنين شجاعة وصبرًا، وتجعلهم قادرين على مواجهة المحن بروح قوية وثقة بالله، مع الأخذ بالأسباب التي أمر بها الإسلام.
التاريخ دروس وعبروأوضح فضيلته أن التاريخ مليء بالأحداث التي تعلمنا أهمية التوازن بين الإيمان والعمل، مثلما حدث خلال الطاعون الأسود في القرن الخامس عشر الميلادي، ووباء سنة 749 هجري. فقد كانت تلك الأوبئة امتحانات كبرى للبشرية، وبينت كيف أن الذعر وعدم الالتزام بالإجراءات الوقائية يؤديان إلى تفاقم الكوارث.
الإجراءات الوقائية جزء من الإيمانوأكد جمعة أن الالتزام بالعزل الطبي والإجراءات الوقائية لا يتعارض مع الإيمان بالله، بل هو جزء من الأخذ بالأسباب التي حث عليها الدين الإسلامي، فالإنسان المؤمن يجمع بين التوكل على الله والعمل بما أمر به من تدابير لحماية النفس والآخرين.
الإيمان يوحّد المجتمعوأشار جمعة إلى أن الله سبحانه وتعالى يوضح في هذه الآية الكريمة أن أساس الاجتماع البشري ليس فقط القوة المادية، وإنما عمق الإيمان الذي يجمع الناس ويوحد صفوفهم، فالإيمان يجعلهم قادرين على مواجهة التحديات بروح واحدة، تسودها المحبة والتعاون، مما يؤدي إلى النهوض بالمجتمعات وتقدمها.
واختتم الدكتور علي جمعة حديثه بأن الإيمان والعمل وجهان لعملة واحدة في الإسلام، داعيًا المسلمين إلى التحلي بالصبر والشجاعة، واستحضار الإيمان في كل خطوة من خطوات حياتهم.